الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل نقدي ذرائعي للقصة الموجزة المكثفة ق.م.م / إشباع لوني/ للقاص المصري د. شريف عابدين بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

عبير خالد يحيي

2023 / 1 / 18
الادب والفن


النص:
إشباع لوني

التف الصغار حول المائدة؛ بعدما عاد أبوهم خاوي الوفاض. بدأ يرسم لهم الدجاجة الممتلئة التي باتوا يحلمون بها، لكنه كلما أوشك على الانتهاء من تلوين فخذها تصارعوا على التهامه. انزعجت الدجاجة ونهضت تعدو بخطى عرجاء.
ديباجة النص:
هي مفارقة بين الوهم والخيال والواقع بصورة فانتازية مبهرة, تمثّل كارثة لفقد لدى الإنسان الفقير الذي لا يستطيع أن يؤمّن رغيف خبزه, فيحلم هو وأطفاله بما يشتهي وما يشتهون, وتكون الريشة والألوان شواهد على تلك المأساة.
التحليل الإيحائي:
الدلالة الأولى: ( التف الصغار حول المائدة؛ بعدما عاد أبوهم خاوي الوفاض), يشير القاص بالدلالة الأولى إلى زمكانية الوضع اليومي المزري, مشيرًا إلى درجة فقر هذا الإنسانحدّ المسكنة, لدرجة أنه لا يستطيع تأمين ما يسدّ الرمق, فهو لا يستطيع أن يؤمّن له ولأولاده وجبة واحدة حتّى, بينما تتطلّب الحياة ثلاث وجبات في اليوم.
الدلالة الثانية: (بدأ يرسم لهم الدجاجة الممتلئة التي باتوا يحلمون بها، لكنه كلما أوشك على الانتهاء من تلوين فخذها تصارعوا على التهامه), استطاع الكاتب توظيف فانتازيا الأدب في وصف الموقف, وحصر ذلك بثلاثة عناصر سردية, واحد منها ملموس, والآخران غير مرئيان, يعيشان في زاوية الإيحاء, وهما الوهم والخيال.
استطاع الدكتور شريف عابدين بعبقرية كبيرة أن يميّز بين الوهم والخيال برسم صورة شبيهة بالواقع, لدرجة انها أقنعت الأطفال ببنية الدجاجة المرسومة, والتي لا تمتّ للواقع بصلة, لكن تلك المفارقة الأدبية أعطتنا إشارة إبداعية لتوظيف الفانتازيا بين الواقع والخيال, وهذا الإقناع كان واضحًا من الدلالة الثانية, حيث تصارع الأطفال على أسمن جزء( الفخذ) في الدجاجة المرسومة, يشير الكاتب هنا إيحائيًّا نحو لعنة الفقر حدّ المسكنة, حين تكون إنتاجية الإنسان اليومية لا تسد الرمق, وهذه كارثة من كوارث العالم الثالث بشكل عام, ومنه المصري بشكل خاص, فالكاتب يكتب عن مجتمعه.
الدلالة الثالثة : (انزعجت الدجاجة ونهضت تعدو بخطى عرجاء.), امتدّ الإقناع فيها باتجاه إسنادٍ ثانٍ يُضاف للإسناد الأول( الأطفال), فقد أشار الكاتب إلى الإسناد الثاني وهو ( الدجاجة) ليحصر إحالة الإقناع الإيحائية السردية بين الأطفال والدجاجة, فجعلها عراك وهروب, هربت الدجاجة بعد عراك الطفال على فخذها, وهذه صورة لاذعة شحذت جانبي المقص الإنساني ليقصّ البؤس وأسبابه من خارطة الحياة, وهذا حلم يحلم به الكاتب الواعي الذي ينشد الرقي لمجتمعه.
التحليل النقدي الذرائعي:
• الجانب السيكولوجي:
هذه القصة هي قضية سيكولوجية قبل أن تكون قضية سردية لأنها تعكس دواخل طيبة الكاتب ومشاركته الوجدانية لتلك الشريحة المظلومة من المجتمع, التي تجاهد من أجل البقاء برغيف خبز حاف ولا تحصل عليه, فما بالنا بالأطعمة التي لا تستطيع أن تؤمّنها ولا حتى في الأحلام؟! فقد ذهب الكاتب بعيدًا بعواطفه وأحاسيسه حتى جعل المتلقي يوقن بأن عواطف الكاتب هي نثر من مطر عاطفي وبركة من دمع وإحساس.
• الجانب الأخلاقي:
حين نتحدّث عن الأخلاق فإننا نعيد سيكولوجية الكاتب ونوجّه دفّتها نحو ازدواجية أخلاقه الداخلية مع الخارجية, فالكاتب الحقيقي هو من تنطبق أخلاقه على سيكولوجيته, ليندمجان في حبر واحد لقلم واحد, وهذا هو دكتور شريف عابدين, أديب حقيقي يكتب ما في داخله وما يميز سلوكه, فنجد أحاسيسه وأخلاقه في رأس قلمه.
• المستوى المتحرك:
1- العنوان: عتبة متينة وقوية جدًّا, فهي لا تكشف مفاتيح رموزه المغلقة إلّا قليلًا بإشارات تحتاج اشتغالًا في التفكير وفي تكنولوجية العقل, إذا لاحظنا الطباق اللغوي بين الإشباع والجوع.
2- الإسناد والإحالة: اشتغل الأديب الكبير شريف عابدين بطريقة مذهلة, بجعل الإسناد مزدوجًا, ليعطي صراعًا بهروب الدجاجة وهي تعرج, وكأنه عطف حقيقة على خيال ليخلق ثورة عارمة في دواخل المتلقي الواعي, لذلك أحال قضية الجوع بين إسنادَين, الأول واقعي والثاني خيالي, وكانه مهندس معماري يبني قصته بناءً معماريًّا راقيًا.
3- الرمزية: وكالمعتاد والمعروف عن شريف عابدين هو كاتب رمزي متقدّم, ويخلط رمزيّته بميثولوجيا وفانتازيا راقية, فيكوّن حملَ دلالاته بشكل ثلاثي, فنرى دلالات الكاتب تنوء بحملها الثقيل دائمًا, فبالإضافة إلى ثلاثيتها يحمّلها حمولات سيكولوجية وأخلاقية وفلسفية وعبر ودروس اجتماعية, فلا يستطيع ناقد عادي أن يتحرّش بدلالات شريف عابدين إلا بحلّ ألغاز حمولة كلماته ودلالاته المثقلة بالمعاني.
4- الرسالة: لقد بثّ الأديب شريف عابدين رسالة مؤثّرة لمجتمعه عن الجوع وعن الفقر والمسكنة, وعن البؤساء والمعدمين, وأراد بهذه الرسالة أن ينبّه المجتمع الرسمي والعادي إلى ضرورة الالتفات إلى معاناة تلك الطبقة والشريحة في مجتمعاتهم, فالجوع آفة فتّاكة لا ترحم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال