الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدسية الفلسطيني في كتاب -دفاتر فلسطينية- معين بسيسو

رائد الحواري

2023 / 1 / 18
أوراق كتبت في وعن السجن



بعد مضي أكثر من عقد على ما تعرض له الشيوعيين الفلسطيني في غزة على يد أجهزة الأمن المصرية، قرر "معين بسيسو" نشر هذه المذكرات، وذلك وفاءً لعبد الناصر، وحتى لا يستخدم السادات تلك المذكرات كورقة يشوه فيها العهد الناصري، هذا ما جاء في مقدمة الكتاب الذي وضعها "محمود شقير"، فتأجيل نشر المذكرات إلى ما بعد وضوح أمر السادات ونهجة المعادي لك ما هو وطنية/قومي ينم على أن هناك من يجلد ذاته ويتفانى في إنكارها خدمة في المصلحة والوطنية/القومية، وهذا والوفاء بحد ذاته أوصل فكرة نبل وقدسية الفلسطيني.
المذكرات تتناول مجموعة شخصيات كان لها دورا في الحركة الشيوعية الفلسطينية تحديدا، إضافة إلى بعض الشخصيات الأدبية والفنية المصرية والعربية، كما أن تتناول التفاصيل الدقيقة لعملة التعذيب التي مارستها الأجهزة الأمنية بحق الفلسطينيين وكيف تعاملت بوحشية معهم، وهي مشاهد في غاية القسوة، حيث أن تناولها يثير مشاعر السخط على كل ما هو رسمي عربي، التعذيب لم يقتصر على الجسد فحسب، بل طال أيضا المشاعر النفسية، كانت السجان يخاطب المعتقلين:
"ـ أنت واقف يا ابن الكلب أقعد
ـ أنت قاعد يا ابن الكلب قف" ص23، ومن الأساليب التي اتبعها النظام تعذيب المعتقلين بالقرب من بعضهم: "العذاب دائما يأتي من خارج الزنزانة، فحينما يبدأون في تعذيب جارك في الزنزانة المجاورة، يبدأ العذاب بالنسبة لك، أنك تنتظر دورك، وهم يعرفون كيف يطيلون عذابك في الانتظار، فقد لا يأتي دورك في هذه الليلة" ص27و28، وكان كل المطلوب من هؤلاء الشيوعيين ليتخلصوا من هذا العذاب والتعذيب: "أكتب فقط أنك لست شيوعيا" ص29، "جملة واحدة وتخرج، قل أنك لست شيوعيا، أو كتبها، لا فرق" ص130، من هنا عندما نقول قدسية الفلسطيني، قدسية الشيوعي، لا نبالغ، فهذه حقيقة أكدها غالبية من تم اعتقالهم من غزة وسجنهم في مصر.
ومن مشاهد صمود الشيوعيين هذه المشهد: "فكانوا يحضرون الزوجة، ..ويفتحون زنزانة المعتقل، يمضون به لمكتب مأمور السجن، يجلسونه وراء طاولة، فوقها ورقة وقلم ومفتاح بيته.
ـ أكتب وخذ مفتاح بيتك وامض خارج السجن، إن زوجتك وأطفالك في انتظارك.
ما أكثر المفاتيح التي تركها الشيوعيين المصريين والفلسطينيين وراءهم" ص137، ولو أخذنا طبيعة التعذيب الذي مورس عليهم وكيف كانوا يعانوا، لغفرن لهم ما قدر يصدر عنهم من أقول، لكنهم كانوا أصلب من الفولاذ واقسى من السنديان.

الصور
كاتب هذه المذكرات هو شاعر ومن أهم شعراء فلسطين والعرب، لهذا كان بين الفينة والأخرى يخفف على القارئ من تلك القسوة التي جاءت في مذكراته، من خلال الصورة الأدبية التي نثرها بين دفتري أوراقه الفلسطينية، أو من خلال قول يستوقف المتلقي، من هذه الأقوال: "ولماذا يقتل الشعراء الطيور؟ على الشعراء أن يقتلوا الإسمنت" ص34، اعتقد أن مثل هذا السؤال يوجب التوقف عنده لما فيه من معنى للسلام وللخير الذي يعم كل الكائنات الأرضية.
الشيوعي له مصطلحات خاصة به، كما هو الحال في بقية الأيدولوجيات، فمن المصطلحات السنديان، الفولاذ، وهي معادن قاسية وصلبة، وتتحمل (الضرب والطرق) لهذا نجد الشيوعي يحمل فكرة الصلابة، وبما أن "معين" شاعر، فقد قدم تلك الصلابة بصورة أدبية، يتحدث عن الفلاح والعامل بقوله: "حينما ينضم الفلاح إلى تظاهرة طالب فهو يعطيه المطر، وحينما ينضم عامل إلى تظاهرة الطالب والفلاح فهو يعطيهما: البرق" ص68، بهذه الصور قدم الشاعر رؤيته للتحالف بين العمال والفلاحين والطلبة، فكان القسوة حاضرة في "البرق" والخير في المطر.

الشخصيات الوطنية
كان "معين بسيسو" يعي أنه يقدم مواضيع في غاية القسوة والألم، فكان لا بد من إيجاد ما يخفف به على القراء، فعندما تحدث عن الشخصيات المهمة في المذكرات قدمها بصورة أدبية جميلة: يقول عن "فائق وراد": "المدرس في كلية غزة، كان يشبه قطرة ماء، وحينما يتحول الفلاح إلى مدرس تتحول الأشجار كلها إلى أصابع طباشير" ص35.
وعندما تحدث عن فؤاد نصار قال: "...كان ينظر إلى عامل مصري مسحوق من لعريش: إنهم سيدخلون بجيوشهم من أجل أن نتحول إل لاجئين، تماما مثل هذا العامل من العريش" ص57، وهذه النبوءة التي عرفها "فؤاد نصار" جعلت "معين" يعتب عليه حينما قرر تحويل (ع. ت . و. ف) إلى (ح. ش. أ) فقد تم فعليا اعتراف الشيوعيين بقرار التقسيم، وما لازمه من تشريد مئات الألوف من اللاجئين والمشردين.
ويتحدث عن "بلال حسني" عامل النسيج وأول شهيد فلسطيني سقط ضد مؤامرة التوطين في سيناء ينقل عنه هذا القول: "أن دودة القز التي تصنع الحرير هي شيوعية" ص72، ولا يكتفي الشاعر بهذا القول بل يأخذنا إلى مشهد رأيناه قبل عام حينما تعامل جيش الاحتلال بوحشية مع حاملي نعش "شرين أبو عقلة"، فيقول عن تعامل الأجهزة الأمنية المصرية مع نعش "بلال حسني": "أخذ شرطة المباحث والمخابرات يطلقون الرصاص على المتظاهرين، وبدا الرصاص يسقط فوق النعش، كانوا يريدون أن يسقط النعش ويسقطوا التظاهرة، عشرات الأيدي راحت تمسك بالنعش، وتجاوزت التظاهرة مستشف "تل السكن" حتى بلغت المقبرة" ص72، فهذا المشهد هو عين مشهد جنازة " شرين أبو عقلة" وما حدث فيها من ممارسات للمحتل، فالصورة واحدة والمنفذ واحد، قوات الأمن وإن اختلفت في لباسها وشعارها، فهدفها واحد، منع الناس من مؤازرة الطيبين والشهداء والصديقين.
ويتحدث عن "فخربي مرقة" بهذه الصورة: " فخري مرقة كان نبع ماء، تفجر في الحزب" ص103.
ويتحدث عن "خليل عويضة" مشرف على التعليم في مدارس اللاجئين واصفا إياه: "هذا الصافي، الصلب كحجر الماس" ص55.
وبعد أن انتقل "معين" إلى العراق قابله العراقيون بهذه الصورة: "عباس العادلي يتقدم مني فاتحا ذراعيه وهو يلوح بديوان المعركة: أهلا بك في العراق.
كان ديوان المعركة الذي حملته معي من غزة إلى بغداد هو أوراق اعتمادي كفلسطيني إلى الشيوعيين العراقيين لم يرتبط حزب شيوعي بالشعر مثلما ارتبط الحزب الشيوعي العراقي، لقد كان الحزب رئة من الشعر" ص43و44. بهذه المشاهد أخرج الشاعر المتلقي من عالم التعذيب والسجن إلى عالم الأدب والأدباء، كما أنه ربط وجمع وزاوج وأقرن الحزبي بالمثقف، وهذا يقدمنا من تلك الأحزاب التي هذبت أخلاق منتسبيه وثقفتهم أدبيا ومعرفيا، فكانوا مثالا في المعرفة والسلوك، وهذا يخدم فكرة الرسالة/القدسية التي يحملها هؤلاء الشيوعي لشعبه ولأمته.
الأحزاب الشيوعية
أما عن الحزب التي تناولتها المذكرات فهي، الشيوعي الفلسطيني، المصري، العراقي، الأردني، يتحدث عن نقل منشورات الحزب الشيوعي العراقي إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني بمشهد في غاية الجمال: "وكانت رسالة الحزب حقيبة من الخشب امتلأ بطنها بمطبوعات الحزب، ..
ـ إذا قبضوا علي فلا يهم، أما أنت فخهم يحتاجون لك كثيرا.
..وكانت من أجمل الهدايا التي حملتها في حياتي... حينما بلغ القطار محطة رفح الفلسطينية، كنت أحس بعجلات القطار وهي تكتب فوق القضبان منشورا جديدا للأرض" ص47، نلاحظ تفاني الشيوعي وحرصه على إيصال الكتب، فهي أثمن من كل شيء، لهذا وصفها بأنها أجمل هدية يحملها، وهذه إشارة إلى السرية، والمنع والقمع الذي مورس بحق كل من يتعاطى الأفكار الشيوعية.
هناك مفصل مهم في المذكرات عندما مر "معين" مرورا سريعا على عملية تحول عصبة التحرر الوطني في فلسطين إلى الحزب الشيوعي الأردني، واعتقد أنه كان يريد الحديث في التفاصيل والأثر السلبي الذي تركه هذا التحول على فلسطين وشعباها، وعلى الشيوعي فيها وعلى شيوعي غزة تحديدا: " تألفت في غزة أول خلية شيوعية، بعد أن تحولت عصبة التحرر الوطني في فلسطين إلى (الحزب الشيوعي الأردني) بعد إلحاق الضفة الغربية بالأردن، وتحول أجمل وأشجع الشيوعيين الفلسطينيين إلى شيوعيين أردنيين، فؤاد نصار، عبد العزيز العطي، فائق وراد، وآخرون كثيرون.
هكذا كان علينا في قطاع غزة المحاصر بين الماء والأسلاك الشائكة أن نكون شيوعيين فلسطينيين في قطاع غزة.
مسألة التحول من حزب شيوعي فلسطيني (ع. ش.أ) أتركها الآن وأنا في الزنزانة في الطابق الثاني من السجن الحربي" ص49 و50، وإذا ما توقفنا عند ما جاء في هذا المقطع، نجد عتب ولوم لهؤلاء الشيوعيين الذين تحولوا من فلسطينيين إلى أردنيين، وهذا نجده في حجم الضغط الذي وقع على بقية رفاقهم في قطاع غزة، حيث كان مطلوبا منهم أن يحافظوا ولوحدهم على فلسطينيتهم.
ومن تابع عملية التحويل يجد فيها انحراف واضح عن الوطنية والشيوعية، فقد تم تقسيم الشيوعيين الفلسطينيين إلى ثلاثة أقسام، الأردني، الإسرائيلي، وقد تم الاعتراف بهما من قبل الكومنترن، بينما الشيوعيين في قطاع غزة لم يعترف بهم أحد، وهذا يشير إلى حجم المؤامرة على كل ما هو فلسطيني، حتى (الأصدقاء) السوفييت شاركوا في القضاء على من يشير إلى فلسطين أو إلى الفلسطيني من خلال عدم اعترافهم بالحزب الشيوعي الفلسطيني الوحيد المتبقي من فلسطين التاريخية في قطاع غزة.
الكتاب من منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، فلسطين، طبعة 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Students in the USA are protesting in support of Palestinia


.. إسرائيليون يتظاهرون قرب منزل بيني غانتس لعقد صفقة تبادل أسرى




.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك


.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي




.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال