الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام

عمار السواد

2006 / 10 / 13
الصحافة والاعلام


ما حدث في العراق بعد سقوط النظام السابق كان حريا بايجاد تغييرات ايجابية حقيقية في البنية الداخلية للبلد، لا ان يقتصر على حدود تغيير طبيعة النظام السياسي. فأي تغيير في جذر النظام السياسي سوف يكون ناقصا او نشازا ان لم يصاحبه تغيير في الية التفكير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يتلاءم مع حجم التغييرات الواقعة على ذلك النظام. فتغيير النظام السياسي للبلاد بعد عام 1963 من قبل القوى القومية، صاحبته عمليات تربوية واعلامية في المجتمع العراقي، حتى اصبح هذا المجتمع ذا صبغة قومية واضحة المعالم، وصلت الى حد ان اضحى الناس، احيانا، اكثر انحياز للقضايا القومية من السلطة الحاكمة.
لكن، وللاسف، عجز الساسة العراقيون من توفير مناخ مناسب للديمقراطية السياسية المتداولة في البلاد، لدرجة ان الخطوات الاساسية التي اتبعت في بداية التجربة في سبيل تعميق الرؤية الديمقراطية داخل السياقات الاجتماعية بدأت بالانهيار التدريجي عند نقل السيادة الى العراقيين. فقد انتشرت في البلاد عمليات تغيير، لا ديمقراطي، داخل اروقة البلاد، كأسلمة المؤسسات العراقية، وتوفير مناخ ملائم لحظر الحريات المدنية، والتقصير في تغيير المناهج الدراسية وفق مقولات الديمقراطية.
ومن اهم الاشياء التي بدأت بالانهيار، تحويل الاعلام المدعوم من قبل الدولة الى اعلام حكومي. وكنت قد اشرت في مقال لي اواخر العام الماضي الى المستوى الضحل الذي بلغه الاعلام المذكور، موجها كلامي بالتحديد الى قناة العراقية، التي اضحت قناة تتملق الحكومة، وتقدم لها كل مبررات التحول نحو سلطة ذات نزعات تسلطية.
وكنت اتوقع ان يحدث بعض التعديل في هذه القناة، من خلال ايجاد تغييرات في رأس الهرم فيها. لكن ما حصل هو ان التغيير لم يطل العراقية، بل طال جريدة الصباح، وكأن الهدف هو الحاق كل المؤسسات الاعلامية المرتبطة بالدولة بركب الحكومة، فالتحقت الصباح بهذا الركب، بابعاد رئيس تحريرها السابق، وهو اعلامي جيد بالمعايير العراقية، لتكون الصحفة الرئيسية لهذه الجريدة صفحة حكومية بكل المعايير، وبعيدة عن عن سلم الاولويات المطلوبة في العراق، واضحى مقال الرأي فيها، مترددا مرعوبا، وغير مثمر.
وعودا الى العراقية، وحالها اعمق سوءا من شريكتها جريدة الصباح، فانها –اي العراقية- بلغت مديات، اقتربت فيها الى الارتداد خلفا نحو عهد وزير اعلام صدام، محمد سعيد الصحاف.
اتذكر، هنا الواقعة الاكثر بشرى في تاريخ الاعلام العراقي، منذ تأسيس التلفزيون العراقي، وهي الغاء وزارة الاعلام، وابدالها بشبكة مدعومة من قبل الدولة، تقوم بدور المدافع عن المشروع العراقي الجديد بكل تفصيلاته، وليس عن الحكومة الخاضعة للتبدل والتغيير. لكن هذا التقدم المهم سرعان ما توقف، بعد تغييرات في ادارة قناة العراقية من قبل رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، يقال انها جاءت بسبب صفقة سياسية. فبدأت القناة تتحول من وسيلة اعلام تعنى بتطوير المشروع العراقي الجديد، الى قناة حكومية تعنى اساسا بالاخبار والتطورات التي تخدم مصلحة طبقات سياسية حاكمة. فلم نسمع خبرا في نشرات اخبارها، يعارض النظام السياسي، او ينتقد بنية التفكير القائمة في اروقة الحكومة او البرلمان. فكانت قناة علاوي خلال فترة ادارته للبلاد، ومن ثم قناة الجعفري، وهاهي اليوم قناة المالكي والمشهداني والطالباني.
بعد ذلك، انحدر التردي، ليتحول مدير القناة الى مادة اعلامية تتداولها هذه الفضائية. وكأنه لا يوجد في العراق، من يشغل المساحة التي لا تشغلها الحكومة والبرلمان في هذه الفضائية، الا شخص "وزير الاعلام الجديد". الا يعبر هذا عن مستويات خطيرة بلغها الوضع القائم في البلاد، خصوصا وانه يصاحب قرارات حكومية تفرض على الاعلام اجندة خاصة، لا تتلاءم وضرورة استقلاله عن اي من السلطتين التشريعية والتنفيذية؟
لقد تحولت القناة من مؤسسة وطنية، تدافع عن كل من لديه رأي غير ارهابي في هذا البلد، الى مؤسسة حكومية، ومن ثم ها هي تخدم احد موظفي الدولة على حساب الاخرين. هذه المهزلة وهذا الخطأ الجسيم، يستدي التفاتة سريعة من قبل الحريصين على مستقبل الاعلام العراقي، من اجل القيام بضغط واسع لانهائه. والا فسيتحول الملق الذي اصاب المؤسسات العراقية، وخصوصا ما نحن بصدد الحديث عنه، الى مرض يبقي على عاشقي التسلط، اوالتسلق، ويعيد الى العراق البعث بصوره المتعددة.
واما الصباح، التي اتحفتنا بشئ مهم من الاستقلال خلال الفترة الماضية، فعلى الرغم من انها تنطوي على سياقات تحفظ لها بعض الاستقلال، الا انها اصبحت الان معرضة لخدمة مبدأ التسلق والتسلط. من هنا فان رئيس تحريرها الجديد، امام خيار خطير، اما ان يكون اعلاميا، تقل لديه الخطوط الحمراء، وتدفعه مهنته الى التعاطي بشئ كثير من الموضوعية والاستقلال، واما ان يصبح موظفا حكوميا، ينهي مستقبله الاعلامي بمجرد انتهاء مهنته الحالية. بوسعه ان يستمر بتطوير صحيفة تحترم الحكومة لا ان تكون بوقا لها، او ان يحولها الى دكان من دكاكين القوى السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة