الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبقات ماركس والامبريالية النمطية الغربيه؟*

عبدالامير الركابي

2023 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يرتكب ماركس خطيئة معرفية فادحه، لاتخلو من نزعه التشاوف وقوة حضور المركزية الغربية ، وصولا لمايمكن اعتباره "امبريالية نمطيه" وان تكن غير ربحية، لاينكر اسهامها في تعزيز حضور وسطوة الامبريالية كنموذج، وهو يقوم بذلك بقدر غريب من الثقة "العلموية" التي تميز نظريته، مع انها فاضحه الخلل حين تطبق على الواقع وحيثيات التاريخ المجتمعي البشري، وحيثما يعمد هو الى الحاق المجتمعات البشرية بالطبقية والصراع الطبقي، قائلا بكل صراحة وثقة بان تاريخ المجتمعات ماهو الا"صراع طبقات" ـ باعتبارتاريخ اوربا التي هو منها ـ فانه انما يقرر الخروج على ابسط الحقائق التي من شانها احالة مايعتقده الى مفهوم محلي اوربي، قد يكون غير قابل للتطبيق على االتواريخ المجتمعية الاسبق، والممتدة خارج اوربا.
ولو كان ماركس اكثر روية وحرصا، لابل واكثر احتراما للعقل والعلم،كما هو شائع عنه، لاعترف بان "ماديته التاريخيه" هي وصفة تاريخيه اوربيه، وهو يملك هنا دليلا صارخا، فاوربا ليست موضع التبلور المجتمعي البدئي بالمقارنه بغيرها، وبالذات بالمجتمعات المقابلة لها على الضفة الاخرى من المتوسط، واول تلك المجتمعات بحسب مايقر العالم، ومنه الغرب الاوربي، الرافدينيه في ارض مابين النهرين، ومصر النهر الواحد، وهما لم يعرفا الطبقية، ولا ثمة من قال بان تاريخ مصر هو تاريخ صراع طبقات على الاطلاق، واما في ارض مابين النهرين، فان السياقات الديناميكية هنا تذهب بعيدا جدا عن الاحتمالية الطبقية، هذا مع العلم ان الطبقات واصطراعها لو كان حتميا ولازما اجباريا على المجتمعات، لكنا هنا شهدنا اسبقية اقطاعية، ومن ثم برجوازية اسبق من تلك الاوربية، كان من المفترض ان تحدث بالتتابع المراحلي التاريخي الذي اتحفنا به ماركس، في منطقة شرق المتوسط، لافي اوربا المتاخرة بقرون من حيث التبلور المجتمعي.
ثم ان السيد ماركس يفرض علينا ان نؤمن معه بان التاريخ المجتمعي البشري يبدا ب " المشاعية البدائية"، ثم بالعبودية، وهو هنا حريص للغاية على تثبيت اكتشافه، لانه يريد العودة بنا على بدء، اي من الشيوعية الى الشيوعيه، البدائية الاولى، والاخيرة العليا، الامر الذي لادليل عليه، ولم بستطع في اي من بحوثه الاقتراب منه، او محاولة اثباته، بينما البدايات المجتمعية البشرية تقول غير ماهو مصر عليه، فلا شيوعية بدائية في ارض سومر، ولا عبودية، وكذا الامر في وادي النيل الفرعوني احادي الدولة.
كل هذا يجعل جوهر نظرية ماركس يقوم على الاعتباط، ليشكل من بين جمله ظواهر، احد اعمدة تكريس الغربوية الحداثية المعاصرة، وتوطيد غلبتها وهيمنتها النموذجية، الامر الذي يعزز بصورة غير مباشرة، عمل الراسمالية الامبريالية على مستوى تبرير فعلها، وهو مايكرسه ماركس في مناسبات من نوع اعتماد مايعتبرة "مدفعية السلعة"، التي تجبر البدائيين على الخروج من كهوفهم كي يدخلوا عالم "الحضارة"، والمقصود هنا كل الشعوب التي ترفض الغرب ونموذجيته بناء على منظورها الخاص، او تلك التي قد تحاول البحث عن الذاتيه على النسق الاوربي نفسه، بحيث يتحول الانقلاب الاوربي الى حافز ومثال يدفع الى البحث عن الاليات والمحركات المجتمعية الخاصة، خارج التسلطية الدكتاتورية النمطية التي تفرضها اوربا.
ولابد للمرء من ان يسال: لماذا ياترى لم يذهب ماركس للقول بان "تاريخ اوربا من دون غيرها ماهو الا تارخ صراع طبقات" متحفظا دون الاحتماليات الاخرى الكوكبية، وهو مالم يكن واردا لدى شخص مؤمن ايمانا كليا بالبرجوازية، قبل الطبقة العامله، مليء بالاعتقاد بانها القمة والهدف المبتغى على مستوى المعمورة والتاريخ، مامن شانه احالة نظريته ومحركاتها الى البرجوازية وطورها كاساس، وهنا سيقال بان نظرية ماركس قد فعلت فعلها بقوة في تفنيد حضور الراسمالية الامبريالية، وانها تحولت الى قطب موازن للعالم الراسمالي عبر روسيا ومعسكرها، مع الصين، الامر المفضي في الحصيلة واساسا، الى تكريس الطبقية والرؤية المحايثه لها للتاريخ البشري، ويعززها، فمع روسيا و" اشتراكيتها" الالية الايديلوجية صناعة الفئات الجديده ضمن اشتراطات اللاتكافؤ البرجوازي، يصير العالم مغلقا كليا على موضوعة الطبقات وحكمها القاطع على التاريخ.
والاهم من ذلك انه يرهن حركة التاريخ بالمنجز الانقلابي البرجوازي، مطرحا العامل الاهم والتغييري النوعي الالي، ويجدر التوقف هنا عند الناحية الاساس من نواحي تطابق ماركس مع المنظور البرجوازي، حين يذهب من جهته لتاكيد كون الالة هي حالة انتقالية من "الانتاج اليدوي" الى "الانتاج الالي"، فلا يتمايز عن غيره عند هذه الناحية الاساسية الفاصلة، بل ينتقل بالمنظور "الطبقي" ليضعه فوق المجتمع على مستوى الاليات والتفاعليه، علما بانه لايقارب المسالة المجتمعية وعلاقتها بالبيئية كما يدعي حين يتحدث عن "ديالكتيك الطبيعة"، او لغتها التي لم يفهم منها الا لهجة الطبقات، متجاوزا على الوحدة البشرية البيئية التي هي اساس التشكل المجتمعيى، مع نمطيته وسيرورته كي ينظر وقتها الى الالة ومكانها، ومايفترض انه دورها الذي يبدأ من ساعة الانقلاب المصنعي مجتمعيا، قبل ان يكون "طبقيا" وهو ماقد تسنت له رؤيته ازورارا وقتها.
من اهم مامنح نظرية ماركس مكانتها على المستوى الكوكبي، عدا عن كونها منجز محايث لانقلابية كبرى شامله وحالة نهوض غير عادي اوربي، كونها تعزز من جهه حضور " اليوتوبا" والحلم البشري بالمساواة المطلقة، فتربطها ب "العلم"، فاذا بالمجتمعية المغلقة، والتي لم يكن البشر في وارد وعيهااصلا، قد غدت بالمتناول، والاهم انها حاضعة لقوانين ومحركات تجعل منها موضوعا للمعالجة وللتدخل، والاهم التحكم كما اعلن ماركس، مشيرا الى انتهاء الزمن العفوي من تاريخ علاقة البشر بالمجتمعات، وبدء طور وزمن التدخل البشري المخطط الواعي، وهو مايكفي من حيث كونه انتقالة هائلة غير متوقعه، وانقلابية، تطرا على موقع البشر من وجودهم وحياتهم، وهذا بحد ذاته خطوة نوعيه غير عادية، انقلابيه بالمعنى الاستثنائي ضمن المسار التاريخي، وهو بلا شك محطة لازمه وضرورية ضمن سياقات الانقلاب في الوعي التاريخي المجتمعي.
يحضر نموذج ماركس لهذه الجهة كعتبة اولى، وتمهيد موح ومنبه الى الضرورة الاكتشافية الابعد، واماطة اللثام الواجبة والمنطبقة على الحقيقية الكونية العظمى، وبهذا يواصل التفاعل الازدواجي المجتمعي الطبقي فعلة في اكثر حالاته فعالية، ففي ارض الرافدين حيث تكمن الحقيقة الوجودية المجتمعية، يتراوح النظر، من الطبقي المنقول، الى المجتمعي اليوم مؤكدا وحدة العملية الانتقالية الراهنه بين اوربا وارض الازدواج التاريخ التحولي، وحيث يتعرف "حسين الرحال" على الماركسية، فانه بالاحرى يقف عند المحطة الاولى عاجزا، لاعن رؤية ماهو منه وفي غمرته، ويفشل لاسباب ازدواجية وانحطاطية انقطاعية دون امكان مقاربة الايقاع الذاتي، في حين تتوفر لفهد / يوسف سلمان يوسف، ممكنات مختلفة بينما هو يقف على ارض المنتفك، سومر الحديثة، حيث بدء الانبعاث الرافديني الحديث الثالث، ومبعوث روسيا الى المدينه فاسيلي، المتنكر بصفة خياط، وغالي الزويد، الزنجي العامل في مضايف ال السعدون، والباقي من ايام ثورة الزنج، وصدفة عمل ابيه المنتقل من الموصل الى البصرة في الميناء، وعمل اخيه في الناصرية كصاحب معمل للثلج، وكلها اسباب كافية لان ينغمر باحتدامية اللاارضوية، ودخان ثورتها الكبرى غير الناطقة قبل بضع سنوات، بينما هذه تبحث عن بديل نطقي يواكب متغيرات مابعد الاحتلال وحضور الطاريء الغربي، بحيث يتعلم هنا ماهو خلاصة وواجب من بين ماقد تلقاه من علوم الشيوعية في روسيا ومدرستها، ليتجلى في "حز شيوعي لااشتراكية ديمقراطية"، وقد اتخذ من موضوعة المناشفة والبلاشفة محورا حتى يميز حزبة "اللاارضوي" عن حزب "الافندية" البغدادي الكردي الموصلي.
وهكذا وجدت البروفة الاولى ضمن اشتراطات ماقبل النطقية على مدى يقارب الثلاثة عقود انتهت بالاعلان اللاارضوي الثاني في 14 تموز 1958 ، فكانت رؤية ماركس ولنين تتاقلم بحسب المجتمعية المتعدية للطبقية، بغض النظر عن بنيتها الاساس، ونموذجها، فشيوعية الناصرية الفهدية، هي بالاحرى شيوعية اللاارضوية ابان اقتراب زمنها النطقي، حلت في الارض اللاارضوية محل اكثر الظواهر رسوخا، مثل النجف وانتظاريتها، مااستدعى ظهور الاحزاب الاسلاميه بدل الدولة اللامدينيه الاجتهادية النجفية، وصولا الى الفتوى الصادرة عن محسن الحكيم بتكفير الشيوعيه، وكل هذا وغيره من الحضور الفعال الكاسح واقعا، بغض النظر عن هيكليتة النظرية، وارتباطه الاممي، ومنطوياته البرانيه " الافندوية" وفد عادت الظروف لتضعها بموقع الفعالية الحاسمه ابتداء منن الثورة اللاارضوية الثانيه غير الناطقة.
في كل مكان على مستوى المعمورة، تعمل الماركسية بصفتها "النطقية الطبقية" الا في ارض الازدواج اللاطبقي المجتمعي، حيث يتسنى لها ان تصبح نطقية بديله ضمن اشتراطات تعذر النطقية المستمر بالسريان حتى حينه، فهل سينتقل العالم من "النطقية الطبقية" الى "المجتمعية" ويحل ( المهدي المنتظر) مكان ماركس، اخذا البشرية من الارض الى الاكوان العليا والعالم الاخر، تلك هي اللحظة المنتظرة، والتي اخذت تلوح في الافق اليوم.
نعم المجتمعات خاضعه لقانون تفاعلي، وهي سائرة الى غاية وهدف، ينتقل بموجبه "الانسايوان"، الى "الانسان"، والجسدية الحاجاتيه، الى العقلية، والسكن الارضي المؤقت، الى السكن الاعلى، حيث لاعين رات، ولا اذن سمعت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ارتاينا تاجيل ملحق "النداء الاعظم" لاعتقادنا بضرورة التوضيح المسبق لناحية اساسية تضمن توجيه النظر اليها، المقال الحالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة