الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان اشوميا الزهرة المقدسة

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 1 / 21
الادب والفن


رواية للفتيان






اشوميا
الزهرة المقدسة







طلال حسن






" 1 "
ـــــــــــــــــــــــ
خرجت أشوميا من غرفتها ، ومضت كأنها عصفورة فتية ترفرف ، رغم أن مربيتها العجوز تقول لها ، كفى ، يا اشوميا ، لا تطيري هكذا ، أنتِ الآن في السادسة عشرة من عمرك .
وتوقفت اشوميا في شرفة القصر ، التي تطل على الحديقة ، وكالعادة تبعتها مربيتها العجوز مثل ظلها ، وتوقفت إلى جانبها صامتة .
وعبت ملء صدرها ، من أنفاس الربيع الدافئة العطرة ، ورمقت المربية العجوز بنظرة سريعة ، وهتفت قائلة : هذا الربيع ، المليء بالأزهار والحياة ، لمن ؟
فردت المربية العجوز بلهجة مازحة : للحملان ، والخشوف ، و ..
فقاطعتها اشوميا قائلة : أنا .. خشف .
وتنهدت المربية العجوز ، وقالت : آه .
ونظرت اشوميا إلى البعيد ، بعينيها السومريتين السوداوين ، وقالت : أنتِ غزالة ، كبيرة بعض الشيء ، وأنا خشف صغير ، خذيني إلى الربيع .
وتنهدت المربية العجوز ثانية ، وقالت : ليتني أستطيع ، أنتِ تعرفين الكاهنة الكبيرة .
وعلا حزن شفاف ، كغمامة بيضاء ، ملامح اشوميا السمراء ، وقالت : لو كان لي أم ، أم حقيقية ، لما حبستني في هذا القصر ، ولأخذتني إلى الربيع .
واقتربت المربية العجوز منها ، وقالت : أنا أمكِ ، يا عزيزتي ، فقد ربيتك مذ كنت طفلة ، ورعيتك حتى كبرت ، وصار عمرك ست عشرة سنة .
ونظرت اشوميا إليها ، وقالت بصوت يغشاه الحزن والاحتجاج : لو كنتِ أمي بحق ، لأخذتني الآن في جولة صغيرة ، بعيداً عن هذا السجن .
ونظرت المربية العجوز إليها صامتة ، حزينة ، فقالت اشوميا ، وهي تستدير ، وتمضي إلى الداخل : ستقولين لي مرة أخرى ، الكاهنة الكبيرة ، فلأذهب إلى فراشي ، وأدفن نفسي فيه ، فهذا أفضل .
وظلت المربية العجوز في مكانها ، تنظر بعينيها الشائختين الحزينتين إلى الربيع ، إنها هي نفسها ، في ربيعها ، الذي مرّ سريعاً ، كانت تحب الربيع ، وترشف الكثير من رحيقه ، رغم أنها ولدت في كوخ ، وليس في قصر ، حتى انتشلتها الكاهنة الكبيرة ، وجاءت بها إلى القصر لترعى .. اشوميا .
وتنهدت المربية العجوز ، ويبدو أنها طول عمرها كانت تتنهد ، ومضت إلى داخل القصر ، وتوقفت مترددة أمام باب غرفة اشوميا ، وسرعان ما دفعت الباب برفق ، ودخلت إلى الغرفة .
وإذا اشوميا منبطحة في فراشها ، ووجهها الأسمر مدفون في مخدتها الكبيرة الناعمة ، وقد غطت خصلات من شعرها الأسود وجهها السومري الأسمر ، فاقتربت منها ، وهمست : اشوميا ..
لم تردّ اشوميا عليها ، فقالت المربية العجوز بلهجة الممنية : أيتها الخشف ..
وتحركت خصلات الشعر الأسود ، وأطل منها الوجه الأسمر النضر ، والعينان السوداوان المتألقتان ، وتابعت المربية العجوز قائلة : أعرف أن هذا خطأ ، وأن الكاهنة الكبيرة ستعاقبني ، إذا عرفت .
واعتدلت اشوميا في فراشها قائلة : لن تعرف .
وقالت المربية العجوز : مهما يكن ، انهضي ، وبعد الغداء يمكننا أن ..
وهبت اشوميا قائلة : هيا نتغدَّ .
وأمسكتها المربية العجوز ، وقال لها : مهلاً ، يا اشوميا ، مازلنا في الضحى .
ومدتْ اشوميا يديها الفتيتين ، وأمسكت كتفي المربية العجوز الضامرين ، وقالت : أنتِ عند وعدكِ ؟
وردت المربية العجوز : عند وعدي .
وابتسمت اشوميا ، وقالت : كلمة رجال ؟
وهزت المربية العجوز رأسها ، وقالت مبتسمة : كلمة رجال ، شرط أن لا نتأخر .
فقالت اشوميا ، وعيناه السوداوان الواسعتان ، تشعان وسط وجهها الأسمر : لن نتأخر .

" 2 "
ـــــــــــــــــــــ
عند الغداء ، راحت اشوميا تتناول طعامها بسرعة ، ومرح ، فقالت المربية العجوز لها : بنيتي ، حبيبتي ، لا داعي لكلّ هذه العجالة .
وبدل أن تبطىء اشوميا في تناولها للطعام ، هبّت من مكانها ، وقالت : انتهى الغداء .
وكتمت المربية العجوز ضحكتها ، وهي تقول : لم تأكلي شيئاً يذكر ، لست طفلة .
وطبطبت اشوميا على بطنها ، وقد رفعتها قليلاً ، وقالت : انظري ، لقد امتلأت بطني .
ثم مضت إلى غرفتها متطايرة ، وهي تقول : انهضي ، انهضي بسرعة ، واتبعيني .
وتحاملت المربية العجوز على نفسها ، وتبعتها إلى داخل غرفتها ، وقالت : بنيتي ، ارتدي ثياباً عادية ، لا أريد أن يلتفت إليكِ أحد .
ونظرت اشوميا إليها ، فقالت : يا ويلي من الكاهنة الكبيرة ، ستعاقبني أشدّ العقاب ، إذا عرفت أننا خرجنا من القصر هذا اليوم .
فهزت اشوميا رأسها ، المكلل بشعفة من خصلات الشعر الأسود اللامع ، وقالت : كما تشائين ، اطمئني ، سأرتدي ثيابا، ولن ألفت نظر أحد .
ونظرت المربية العجوز إليها ، وقالت بصوت غير مطمئنٍ : هذا أفضل ، وإن كنت ستلفتين نظر هذا الأحد ، مهما ارتديتِ من ثياب .
وصمتت لحظة ، وقد أبعدت عينيها عن اشوميا ثم قالت : ليت الألهة تشفق عليّ ، فلا تعرف الكاهنة الكبيرة ، بأمر خروجنا إلى الربيع ، آه .
وتسللت المربية العجوز ، ومعها اشوميا ، من داخل القصر ، وحاولتا أن لا ينتبه إليهما أحد ، ومضتا مبتعدتين على عجل ، لكن إحدى الخادمتين لمحتهما ، وهما تجتازان الباب الخارجي .
والتفتت اشوميا إلى المربية العجوز ، التي كانت تتدحرج إلى جانبها ، وقالت بصوت مرح مليء بالحياة : الجو اليوم رائع جداً .
وحاولت المربية العجوز ، أن تلتقط أنفاسها اللاهثة المتقطعة ، وردت قائلة : هذا ما يخيفني .
وضحكت اشوميا بمرح ، وقالت : أعرفكِ ، أنت تخافين الحياة نفسها .
وتوقفت المربية العجوز ، وهي تلهث ، وقالت : ما أخافه هو اينانا ، إنها تنشط في مثل هذه الأيام ، التي أسميتها أنتِ ، رائعة ، يا اشوميا .
ورمقت اشوميا المربية العجوز بنظرة سريعة ، ماكرة ، وقالت : اينانا إلهة الحرب ..
وصمتت اشوميا ، فأضافت المربية العجوز قائلة : إلهة الحرب ، وما هو أخطر من الحرب أيضاً .
وأطلقت اشوميا ضحكة مرحة ، وقالت : هيا خذيني ، يا عزيزتي ، إلى حيث يتجلى الربيع .
واستأنفت المربية العجوز سيرها ، رغم شعورها الشديد بالتعب ، وقالت : سنذهب إلى المرج ، فهو قريب ، ورواده قلة من الناس ، رغم جماله .
وتوقفت اشوميا ، متظاهرة بالاحتجاج ، وقالت : لكن الناس هم الربيع الحقيقي .
وواصلت المربية العجوز سيرها البطيء ، وهي تقول بصوت لاهث : دعكِ من الناس ، إنهم الجحيم أحياناً ، وتعالي إلى المرج ، وسترين الربيع .
ورغم قلة الناس ، كان المرج ربيعاً بكل معنى الكلمة ، حشائش خضراء زاهية على مدّ البصر ، تطرزها أزهار من كلّ الألوان ، وفي الخلفية ، عن بعد ، غابة من الأشجار المتطاولة النضرة ، وراحت اشوميا ، وسط هذا الربيع ، تدور وتزقزق ، والأنسم تطاير خصلات شعرها الأسود ، و ..
وجاءتها صرخة مربيتها العجوز : انتبهي .
ومرّ بها كالإعصار ، حصان فتيّ ، يمتطيه شاب أكثر فتوة وربيعاً ، ورغم أن الحصان وفارسه لم يلمساها ، إلا أنها تراجعت ، وتهاوت على الأرض .
وأسرعت المربية العجوز اشوميا ، وقد اتسعت عيناها الشائختان ، وراح قلبها يخفق في خوف وقلق ، وقبل أن تصل إليها ، كان الفارس قد ترجل عن حصانه الجامح ، ووصل إليها متلهفاً وقلقاً ، ومدّ يديه الشابتين ، وأمسك يديها ، وأنهضها عن الأرض ، وهو يقول : الحمد للآلهة ، أنت بخير ، اطمئني .
ورفعت اشوميا عينيها السوداوان الواسعتان إليه ، وحدقت فيه ، دون أن تتفوه بكلمة ، يا للربيع ، وأقبلت المربية العجوز ، وسحبت يدي اشوميا ، من بين يدي الفارس الربيع ، وهي تقول : أنت بخير ، يا اشوميا ، تعالي نعد من حيث جئنا .
وتراجعت اشوميا ، وعيناها السوداوان الواسعتان مازالتا متعلقتين بالفارس الشاب ، فقال الفارس ، وهو يتبعهما بصورة لا ارادية : أخشى أن تكوني متعبة ، دعيني أوصلكِ بحصاني إلى حيث تريدن .
وقاطعته المربية العجوز قائلة ، وهي تسحب اشوميا : لا ، نشكرك ، المكان قريب ، وهي بخير .
وتوقف الفارس الشاب ، وراح يتابع بنظره اشوميا والمربية العجوز ، وهما تسيران ، حتى غابتا ، فقفل عائداً إلى حصانه الفتي .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
قبيل المساء ، أسرعت المربية العجوز إلى خارج القصر ، فقد تناهت إليها أصوات ، ظنت أنها تصدر من الكاهنة الكبيرة ومرافقاتها ، لكنها لم تجد أحداً منهنّ ، ويبدو أن خوفها صور لها هذا .
وعلى الفور ، عادت إلى غرفة اشوميا ، فرأتها تجلس في فراشها ، تتطلع عبر النافذة إلى حديقة القصر ، فأسرعت إليها ، وقالت : تمددي في فراشك ، ستأتي الكاهنة الكبيرة بين لحظة وأخرى .
وبدل أن تتمدد اشوميا في فراشها ، وتتظاهر على الأقل بشيء من التعب ، التفتت إلى المربية العجوز ، وقالت : لم تخبريني ..
وقاطعتها المربية العجوز خائفة : الكاهنة الكبيرة ، أرسلت عند عصر اليوم ، كاهنة من المعبد ، تسأل عنك ، فقلت لها ، إنكِ متوعكة قليلاً .
وكأن اشوميا ، لم تسمع منها أي شيء ، فقد واصلت كلامها قائلة : ذلك الفارس الشاب ، الذي كاد يصدمني بحصانه ، من هو ؟
ومدت المربية العجوز يديها الشائختين ، وراحت تدفعها برفق ، وهي تقول : تمددي الآن ، تمددي ، ستأتي الكاهنة الكبيرة ، وتراكِ كالحصان .
وعقدت اشوميا يديها فوق صدرها ، وقالت : إذا سألتني الكاهنة الكبيرة ، عن سبب توعكي ، ورقادي في الفراش ، فمن يدري ، ماذا يمكن أن أقول ..
واتسعت عينا المربية العجوز ، ومالت على اشوميا قليلاً ، وقالت وكأنها تتوسل : أنتِ خرجت إلى الحديقة ، بملابس خفيفة ، وأصبت بشيء من البرد .
ومالت اشوميا رأسها بمكر ، وقالت : أنتِ تريدين مني أن أكذب على الكاهن الكبيرة ..
وشهقت المربية العجوز : اشوميا ..
وقالت اشوميا بمكر : ثم إن الإلهة اينانا ، ستحاسبني حساباً عسيراً على هذه الكذبة ، ومن يدري ، ربما ستحاسبكِ أنتِ أيضاً .
ولاذت المربية العجوز بالصمت ، فقالت اشوميا : ذلك الفارس الشاب ، من هو ؟
وهمت المربية العجون أن تجيبها ، وإذا باب الغرفة يُطرق ، وأطلت الخادمة الشابة ، وقالت : سيدتي ، جاءت الكاهنة الكبيرة .
ونظرت المربية العجوز اشوميا ، وقلت متوسلة : عزيزتي اشوميا ..
وقاطعتها اشوميا متسائلة : من هو ؟
وانطلقت المربية العجوز إلى الخارج ، وهي تقول : إنه الأمير ، ولي العهد ..
واتسعت عينا اشوميا الواسعتان السوداوان ، والتمع فيهما بريق ربيعي كالبرق ، وتمددت في فراشها ، وقلبها يخفق بشدة ، وهي تتمتم مذهولة : ماذا ؟ الأمير ! ولي العهد نفسه ؟
وخرجت المربية العجوز ، تستقبل الكاهنة الكبيرة ، عند مدخل القصر ، وانحت لها بكل احترام ، وقالت : أهلاً ومرحباً سيدتي ، أهلاً ومرحباً بكِ .
وواصلت الكاهنة الكبيرة سيرها إلى الداخل ، دون أن تلتفت إليها ، وقالت : طمئنيني ، أرجو أن تكون عزيزتنا اشوميا على ما يرام .
وسارت المربية العجوز إلى الخلف منها ، وقالت : بخير ، يا سيدتي ، بخير بعون الآلهة ، إنها وعكة عابرة ، وقد تعافت منها تقريباً .
واعتدلت اشوميا ، حين دخلت الكاهنة الكبيرة غرفتها ، وخلفها دخلت المربية العجوز ، وهي تسير متعثرة بخطواتها ، وهمت أن تنهض من فراشها ، وهي تقول : أهلاً ، أهلاً ومرحباً سيدتي ..
وأشارت لها الكاهنة الكبيرة ، أن تبقى في فراشها ، وقالت : قالوا لي ، إنك بخير وعافية ، لكني أردت أن أراكِ ، وأطمئن عليكِ بنفسي .
وصمتت لحظة ، ثم تساءلت : ما الأمر ؟
ونظرت اشوميا صامتة ، وفي عينيه نظرة بريئة متعمدة ، إلى المربية العجوز ، وكأنها تقول لها بعينيها الواسعتين السوداوين ، ها ماذا تقولين ؟
وسارعت الكاهنة العجوز خائفة ، ومالت على الكاهنة الكبيرة ، وقالت : لا شيء ، يا سيدتي ، أنها وعكة بسيطة ، ربما أصابها برد خفيف .
ورمقت اشوميا المربية العجوز بنظرة سريعة ، ثم تظرت إلى الكاهنة الكبيرة ، وقالت : لن أضيف الآن شيئاً إلى ما قالته ، مربيتي العزيزة .
وصمتت لحظة ، فقالت اشوميا: تفضلي ، يا سيدتي ، اجلسي قليلاً ، إنني مشتاقة إليكِ .
وجلست الكاهن الكبيرة ، على مقعد وثير قريب من سرير اشوميا ، وهي تقول : سأجلس بعض الوقت ، فأنا لي التزاماتي في المعبد ، ولا أريد أن أتأخر .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ
عادت المربية العجوز إلى الغرفة ، وما كادت تخطو خطوة واحدة في الداخل ، حتى شعرت بيد اشوميا ، تطبق على يدها ، وتسحبها إلى وسط الغرفة ، وتبادرها قائلة : والآن أخبريني ..
وقاطعتها المربية العجوز قائلة بصوت مرتعش : آه منكِ ، يا اشوميا ، أمتني من الخوف ، لقد ظننت أن الكاهنة الكبيرة ، عرفت بما حدث في المرج .
وضغطت اشوميا على يدها برفق ، وقالت : لا تتهربي ، أجيبي على سؤالي .
وسحبت المربية العجوز يدها ، من يد اشوميا ، وقالت : أخبرتكِ ، إنه الأمير ، ولي العهد .
وتساءلت اشوميا ، وكأنها تسائل نفسها : ترى ما اسمه ؟ هذا الأمير .. أل .. ولي العهد .
ودفعتها المربية العجوز نحو السرير ، وهي تقول : تعالي نامي ، المفروض أنك متوعكة .
وتمددت اشوميا في فراشها ، ونظرت إلى المربية العجوز ، وقالت : تساءلت عن اسمه .
وبدل أن تسمع اشوميا ، ردّ المربية العجوز ، طرق الباب ، وأطلت الخادمة الشابة ، وقالت منفعلة : هناك وصيفة من القصر الملكي نريدكِ .
واتسعت عينا المربية العجوز ذهولاً ، وتمتمت : من القصر .. تريدني !
وقالت الخادمة الشابة تستعجلها : تعالي بسرعة ، إنها تنتظر في الداخل .
وقبل أن تتحرك المربية العجوز ، هبت اشوميا من فراشها ، ودفعتها برفق حتى الباب ، وهي تقول : اذهبي ، وانظري ماذا تريد ، اذهبي .
وذهبت المربية العجوز متعثرة ، وفوجئت بوصيفة شابة من وصيفات القصر الملكي ، تقف في انتظارها ، فأسرعت إليها مرحبة ، وقالت : أهلاً ومرحباً ، تفضلي نجلس في ..
وقاطعتها الوصيفة الشابة قائلة : عفواً ، أرسلني سيدي الأمير موكانيشوم ، لأبلغك بأنه سيزوركم غداً عند الضحى ، للاطمئنان على .. اشوميا .
وفغرت المربية العجوز فاها على سعته ، وتمتمت بصوت لا يكاد يسمع : الأمير .. !
وواصلت الوصيفة الشابة كلامها قائلة : أبلغي سيدتي اشوميا بهذا الأمر ، الأمير سيكون هنا في القصر غداً عند الضحى .
فردت المربية العجوز قائلة : على الرحب والسعة ، أهلاً ومرحباً به في أي وقت يشاء .
وتراجعت الوصيفة الشابة قليلاً ، وقالت : عن إذنكِ ، تحياتي إلى سيدتي اشوميا .
واستدارت ، وسارت بخطوات رشيقة ، متجهة إلى الخارج ، وخرجت المربية العجوز تشيعها ، حتى الباب الخارجي من القصر .
ووقفت اشوميا بباب غرفتها ، وما إن أقبلت المربية العجوز ، حتى هتفت بها : تعالي ..
ومدت يدها ، حالما اقتربت المربية العجوز منها ، وسحبتها إلى داخل الغرفة ، وأغلقت الباب ، وحدقت فيها ، وكأنما تحدق في تمثال حجري ، وقالت لها : تلك الوصيفة ، أهي حقاً من القصر الملكي !
ورفعت المربية العجوز ، عينيها اللتان مازالتا مذهولتين ، وحدقت فيها ، دون أن تردّ بكلمة واحدة ، فتساءلت اشوميا : ماذا قالت ؟ تكلمي .
وردت المربية العجوز ، كما لو كانت تمثالاً من الحجر : الأمير .. ولي العهد .. موكانيشوم .. سيأتي لزيارتكِ غداً .. عند الضحى .
وجمدت اشوميا ، وقلبها يخفق بشدة ، موكانيشوم ، آه .. اسمه إذن .. موكانيشوم .. آآآه .

" 5 "
ـــــــــــــــــــــ
على غير عادتها ، أفاقت اشوميا مبكرة ، حتى قبل أن تفيق الشمس ، بل إنها لم تنم تماما ، كما تنام عادة كلّ يوم ، وربما أغفت قبيل الفجر لفترة قصيرة لا أكثر ، ولا عجب ، فاليوم ، قبيل منتصف النهار ، سيزورها الأمير .. ولي العهد .. موكاليشوم نفسه .
واعتدلت في فراشها ، ترى كيف ستستقبله ؟ ماذا ستقول له ؟ ثم .. ما السرّ وراء زيارته لها ؟ إنه ليس شخصاً عادياً ، إنه .. إنه موكاليشيوم ، ولي العهد .
وطرق باب غرفتها ، ودخلت المربية العجوز مباشرة ، وتوقفت وسط الغرفة تحدق فيها مندهشة ، وقد اتسعت عيناها ، وقالت : اشوميا ، الشمس لم تشرق بعد .
ونهضت اشوميا من فراشها ، مشرقة الوجه ، وخصل شعرها الأسود كتاج يتلامع فوق رأسها ، وقالت : بل أشرقتْ ، مادمتِ قد أشرقتِ أنتِ عليّ .
واقتربت المربية العجوز منها ، وهي تقول خائفة : يا ويلي من الكاهنة الكبيرة .
وتساءلت اشوميا بمكر : والأمير .. ؟
وتمتمت المربية العجوز : ولي العهد ..
وقالت اشوميا : موكانيشوم .
وتمتمت المربية العجوز بصوت مضطرب : آه اينانا ، ليتني لم أخرج إلى المرج .
ونظرت اشوميا إليها ، وقالت : هذه هي المرة الأولى ، التي أرى فيها الربيع .
وقالت المربية العجوز : آه من الربيع .
ومدت اشوميا يديها ، وضمت المربية العجوز إلى صدرها ، وقالت : مربيتي الحبيبة ، خذيني صباح الغد إلى معبد الإلهة اينانا .
ودمدمت المربية العجوز : اينانا ..
وتابعت اشوميا قائلة : سأقدم لها تقدمة تليق بها ، إنها .. إنها إلهة الربيع .
وتملصت المربية العجوز من بين ذراعيها ، وقالت : أعددتُ لك الفطور ، فقد عرفت أنك أفقت مبكراً ، وربما لم تنامي إلا قليلاً ، أما أنا ، وبسببكِ ، لم أنم لحظة واحدة من الليل كله ، هيا انهضي .
ونهضت اشوميا مقهقهة ، وانطلقت تحجل خارج الغرفة ، وهي تقول بمرح : منتصف النهار يقترب ، هيا بسرعة إلى طعام الإفطار .
ولحقت بها المربية العجوز ، وقالت لها بصوت خافت : حبيبتي ، لا ترفعي صوتك ، وتعالي كلي جيداً ، فأنت مازلت نحيلة كالقصبة .
وواصلت اشوميا حجلها ، وهي تقول : أنا خشف ، والخشوف دائماً خفيفة ورشيقة .
وجلست اشوميا إلى المائدة ، التي تغص بأنواع الطعام ، وأخذت تأكل بسرعة ، وهي تقول : ما هذا ، يا عزيزتي ؟ إنه طعام يكفي قبيلة كاملة .
ووقفت المربية العجوز وراءها ، تراقبها وهي تأكل ، وقالت : كلي ، يا عزيزتي ، هذه ليست ارشاداتي ، وإنما ارشادات الكاهنة الكبيرة .
وردت اشوميا قائلة ، وهي تأكل بسرعة : مادامت هذه ارشادات الكاهنة الكبيرة ، سآكل .. وآكل ، حتى لو صرت إوزة ملثلك ِ .
وغالبت المربية العجوز ضحكتها ، وقالت : إوزة ؟ آه لو رأيتني ، وأنا في عمركِ .
ونظرت اشوميا إليها ، وتساءلت : أصدقيني ، هل مسكِ الربيع يوماً ؟ أخبريني بصراحة .
ورفعت المربية العجوز عينيها ، اللتين التمع فيهما نسغ أيام الربيع الماضية ، وقالت : بل تزوجت أيضاً بربيعي ، لكن أيام ذلك الربيع كانت قصيرة جداً ، فقد ذهب إلى الحرب ، ولم يعد .
وتوقفت اشوميا عن تناول الطعام ، وقد غشى عينيها الواسعتين السوداوين غمامة شفافة من الحزن ، فقالت المربية العجوز : أنتِ لم تأكلي شيئاً ، كلي .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : مرّ ربيعي سريعاً ، أتمنى أن يكون ربيعك دائماً .
ونهضت اشوميا ، وقالت : أشكركِ .
ومضت إلى غرفتها ، دون أن تحجل بمرح هذه المرة ، فلحقت بها المربية العجوز ، وقالت : اشوميا ..
ونظرت اشوميا إليها ، وقالت : نعم .
فتابعت المربية العجوز قائلة : عزيزتي ، لقد عشتُ ربيعي ، كما قدرته لي الآلهة ، لا تدعي أنتِ ربيعك يتسرب من بين يديكِ ، عيشيه حتى النهاية .

" 6 "
ـــــــــــــــــــ
قبيل منتصف النهار ، وقفت اشوميا قلقة مضطربة وسط غرفتها ، وإلى جانبها وقفت المربية العجوز ، وهي لا تقل قلقاً واضطراباً عنها .
وتنهدت اشوميا ، وقالت : حان الوقت ، يا مربيتي ، سيأتي الأمير موكانيشوم ، في أية لحظة .
فردت المربية العجوز قائلة : لا عليكِ ، يا اشوميا ، سنستقبله بكل هدوء واحترام و ..
وقاطعتها اشوميا قائلة : أين نستقبله ؟ عند البوابة الخارجية ؟ أم في الداخل ؟ أم ..
وقاطعتها المربية العجوز قائلة : بل هنا ، هنا يا اشوميا ، في هذه الغرفة ، سيجلس هنا ، على هذه الأريكة ، وأنتِ ستجلسين ..
وهنا فتح الباب ، وأطلت الخادمة الشابة ، وقالت بصوت منفعل : جاء الأمير .
ومدت اشوميا يديها ، ودفعت المربية العجوز برفق نحو الباب ، وهي تقول : اذهبي ، اذهبي بسرعة ، ورحبي بالأمير ، سأبقى أنا ، واستقبله هنا .
ومضت المربية العجوز تهرول ، بجسمها الشائخ المتداعي ، وأسرعت لاستقبال الأمير ، وتناهى إلى اشوميا ، وقلبها يخفق بشدة ، وقع أقدام شبابية ، تأتيها من مكان قريب ، إنه الأمير .
وفتح الباب ، ودخل الأمير موكانيشوم ، وتوقف على بعد خطوات من اشوميا ، وحدق فيها لحظة ، ثم قال لها : طاب يومك ، اشوميا .
وبشيء من الصعوبة ، ردت اشوميا : أهلاً ومرحباً ، أيها الأمير موكانيشوم .
وتقدم الأمير موكانيشوم منها قليلاً ، وقال : حمداً للآلهة على سلامتكِ ، خشيت أن أراكِ راقدة في الفراش ، وهذا ما كنت لأغفره لنفسي .
ولاذت اشوميا بالصمت ، فسارعت المربية العجوز ، وقالت للأمير : سيدي ، كما ترى ، اشوميا بخير ، ولم تصب في الحادث بأذى يذكر .
لم يلتفت الأمير موكانيشوم إليها ، وقال مخاطباً اشوميا : هذا ما تمنيته ، وأشكر الآلهة على ذلك ، كما أشكر الإلهة اينانا ، التي جعلتني أتعرف بكِ ، وإن كنت أتمنى لو تعرفت بك ، في مناسبة أفضل .
وتمتمت اشوميا : أشكرك .
ثم تنحت قليلاً ، وأشارت إلى الأريكة ، وقالت : تفضل بالجلوس هنا ، يا سيدي الأمير .
وابتسم الأمير موكانيشوم ، وقال : شكراً ، جئت اليوم للاطمئنان عليك ، بعد الحادثة التي مرت بسلام ، ولو أن حصاني الأثير ، قد أصابكِ بأذى ، لنفذت فيه حكم الإعدام بدون تردد .
وابتسمت اشوميا على استحياء ، وقالت : وهذا ما كنت لأجنبه إياه ، مهما كان الأمر .
وابتسم الأمير موكانيشوم ، وقال بصوت هادىء : أشكركِ مرة أخرى ، وأرجو أن تتاح لنا الفرصة قريباً للتجول معاً في أطراف الغابة .
ولاذت اشوميا بالصمت ، وقد اتسعت عيناها ، وراح قلبها يخفق بشدة ، فقال الأمير موكانيشوم : عن إذنكِ ، عليّ أن أذهب الآن ، فأنا مشغول مع أبي الملك ، في أمور هامة تخص الدولة .
واقتربت اشوميا منه ، وقالت : أهلاً ومرحباً بكَ سيدي ، دعني أوصلك إلى الباب الخارجي .
وردّ الأمير موكانيشوم قائلاً : لا ، أرجوكِ ، أخشى أن أنكِ مازلت متعبة من حادثة البارحة .
وسار الأمير موكانيشوم نحو الباب ، وسارت اشوميا إلى جانبه ، وهي تقول : أشكرك ، إنني بخير ، وسأثبت لك ذلك ، بالسير معك إلى الحديقة على الأقل .
وقال الأمير موكانيشوم ، وهو يسير إلى جانبها : أعدك أن لا تكون زيارتي هذه ، هي الزيارة الأخيرة ، وإنما سأزوركِ دائماً ، إذا سمحتِ .
فردت اشوميا ، وقلبها يخفق فرحاً : أهلاً بكَ ، سيدي الأمير ، في أي وقت .
وعند الباب الخارجي للقصر ، توقف الأمير موكانيشوم ، والتفت إلى اشوميا ، وقال : أستودعكِ الآلهة ، يا .. اشوميا .
فردت اشوميا قائلة : رافقتك السلامة ، سيدي الأمير ، موكانيشوم .
ووقفت اشوميا قرب الباب ، والمربية العجوز إلى جانبها ، تراقب الأمير موكانيشوم ، وهو يسير على حصانه مبتعداً ، حتى غاب عن أنظارها .

" 7 "
ــــــــــــــــــــ
دخلت المربية العجوز إلى المطبخ ، لتعدّ قليلاً من " البيبون " لاشوميا ، فاقتربت منه الخادمة الشابة ، وقالت لها بصوت خافت : أيتها المربية ..
لم ترتح المربية العجوز لصوت الخادمة الشابة ، فالتفتت إليها متوجسة ، وقالت : نعم .
ومالت الخادمة الشابة عليها ، وقالت بنفس الصوت الخافت : الكاهنة الكبيرة ، تريد أن تراكِ مساء اليوم في المعبد . وتساءلت المربية العجوز خائفة ، وكأنما تسأل نفسها : لماذا ؟
فردت الخادمة الشابة قائلة : لا أعرف ، قيل لي فقط ، أن أبلغكِ بذلك .
وأشاحت المربية العجوز عنها ، فمالت الخادمة الشابة عليها ثانية ، وقالت : الكاهنة الكبيرة ، تريد أن تذهبي إليها ، بدون علم اشوميا .
وحدقت المربية العجوز فيها متسائلة ، فرفعت الخادمة الشابة كتفيها ، وقالت : هذا ما قيل لي .
واستدارت الخادمة الشابة ، وخرجت من المطبخ على عجل ، فأخذت المربية العجوز ، شراب : البيبون " الساخن ،
وذهبت به إلى اشوميا .
وشربت اشوميا شراب " البيبون " الساخن ، وأعادت القدح إلى المربية العجوز ، ثم تمددت في فراشها متثائبة ، وقالت بصوت ناعس : إنني متعبة بعض الشيء ، سأتمدد في فراشي ، لعلي أغفو قليلاً .
وأخذت المربية العجوز القدح ، وأعادته إلى المطبخ ، ثم مضت إلى غرفتها ، واستبدلت ثيابها ، وتسللت من القصر ، دون أن تخبر أحداً بوجهتها .
وطوال الطريق ، بين القصر والمعبد ، كانت المربية العجوز ، تقلب الأمر في ذهنها ، تنتابها الحيرة والقلق ، ترى ماذا تريد الكاهنة الكبيرة ؟
مهما يكن ، فلابدّ أن الأمر هام وخطير ، ولاح لها المعبد من بعيد ، وبدا وكأنه وحش خرافيّ ، قد فتح شدقيه المخيفين على سعتهما .
ودخلت المربية العجوز المعبد ، ومضت مباشرة إلى جناح الكاهنة الكبيرة ، واستأذنت بالدخول عليها ، فأذن لها ، ودخلت إلى حيث تنتظرها الكاهنة الكبيرة .
كانت الكاهنة الكبيرة ، تجلس في مقعدها الوثير ، فتقدمت المربية العجوز منها وانحنت أمامها ، وقالت : طاب يومكِ ، يا سيدتي .
وحدقت الكاهنة الكبيرة فيها ، دون أن تردّ على تحيتها ، ثم قالت لها : علمت أن سيدنا الأمير موكانيشوم ، قد جاء إلى القصر ، وزار اشوميا في غرفتها .
وهزت المربية العجوز رأسها ، وهي تكاد تنهار ، وقالت بصوت مضطرب : نعم ، يا سيدتي .
وتابعت الكاهنة الكبيرة قائلة بصوتها الهادىء : يفترض أن اشوميا في القصر ، ولا تخرج منه مطلقاً ، ومع ذلك ، فقد زارها الأمير شخصياً .
ولاذت المربية العجوز بالصمت ، وهي توشك أن تنهار ، فقالت الكاهنة الكبيرة بصوت حازم : أيتها المربية ، أنتظر جواباً صادقاً منكِ .
وقالت المربية العجوز ، وكأنها تجهش بالبكاء : خرجنا البارحة إلى المرج القريب ، ولسوء حظي ، صادف وجود الأمير موكانيشوم ، على حصانه الجامح ، ورآها ، رأى سيدتي ..اشوميا .
وصمتت لحظة ، ثم قالت بصوت المذنب : في اليوم التالي ، جاء إلى القصر ، والتقى باشميا .
ونهضت الكاهنة الكبيرة ، وقالت : علمت أنه قد يأتي ، في الأيام القادمة .
وأجابت المربية العجوز ، وكأنها تعتذر : هذا ما قاله الأمير ، يا سيدتي .
وتوقفت الكاهنة الكبيرة ، وحدقت فيها بحدة ، ثم قالت : ما كنت أخشاه حصل ، ولن نستطيع أن نطلب من الأمير ، أن لا يزور القصر ، ولكن حاولي جهدك ، أن تمنعيه من اللقاء باشوميا ، ريثما نجد حلاً حاسماً .
وانحنت المربية العجوز ، وقالت بصوت واهن : أمركِ ، يا سيدتي ، سأبذل قصارى جهدي ، ولتكن الآلهة في عوني .
وتراجعت المربية العجوز ، وهي تنحني للكاهنة الكبيرة ، حتى وصلت الباب ، ثم استدارت بهدوء وتثاقل ، ومضت إلى الخارج ، وهي تقول : استودعكِ الآلهة العظيمة ، يا سيدتي .

" 8 "
ــــــــــــــــــــ
عادت المربية العجوز إلى القصر ، والشمس تكاد تغرب ، ورأت الخادمة الشابة ، على مقربة من غرفتها ، فقالت لها : يبدو أن اشوميا لم تستيقظ بعد .
فتوقفت الخادمة الشابة ، وقالت : نعم ، إنها مازالت في غرفتها .
ومضت المربية العجوز إلى غرفتها ، وعلى عجل استبدلت ثيابها ، وأسرعت إلى غرفة اشوميا ، وما إن دخلت الغرفة ، حتى فتحت اشوميا عينيها ، وقالت : آه يبدو أنني نمت طويلاً .
واقتربت المربية العجوز منها ، وقالت : لا عليكِ ، أنتِ متعبة ، والنوم يريحكِ .
وابتسمت اشوميا ، وكأنما تبتسم لنفسها ، وقالت : تصوري ، لقد رأيت الأمير في المنام .
ورمقتها المربية العجوز بنظرة سريعة ، وقالت مترددة : الأمير موكانيشوم إنسان طيب ، لكني أرجو أن لا يحرجنا ، بزياراته المتكررة .
وابتسمت اشوميا ، وقالت : لابد أنكِ لم تكوني خوافة هكذا في شبابكِ ، عندما مسكِ الربيع ، وإلا لما حصلتِ على ربيعكِ .
واقتربت المربية العجوز منها ، وقالت : بنيتي ، إنني أخاف الكاهنة الكبيرة .
ولاذت اشوميا بالصمت ، فأضافت المربية العجوز قائلة : أنت تعرفين ، يا اشوميا ، إن الكاهنة الكبيرة ، لا تحبذ أن تختلطي بالآخرين .
وحدقت اشوميا فيها ، وقالت : لماذا ؟
وتلجلجت المربية العجوز ، وقالت : لأنها .. لأنها تخاف عليك ، يا بنيتي .
ومرة ثانية تساءلت اشوةميا : لماذا ؟
ولاذت المربية العجوز بالصمت محرجة ، ثم قالت : لا أعرف ، من يدري ، لابدّ أن لها أسبابها .
ونهضت اشوميا من فراشها ، وهي تقول : هناك أمور تجري حولي لا أفهمها ، إنني لم أعد طفلة صغيرة ، عمري الآن تجاوز السادسة عشرة .
ولاذت المربية العجوز بالصمت ، فمضت اشوميا إلى الخارج ، وتبعتها المربية العجوز حتى الباب ، وقالت : اشوميا ، بنيتي ، إلى أين ؟
وردت اشوميا منفعلة ، دون أن تلتفت إليها : إلى الحديقة ، أريد أن أتنفس .
وتوقفت المربية العجوز ، وعادت إلى وسط الغرفة ، بعد أن أغلقت الباب ، ولبثت في مكانها ، وقد خيم عليها الحزن ، حتى تلاشى ضوء النهار ، وبدأ الليل يكلكل بعتمه ، في كلّ مكان .
وانتابها القلق على اشوميا ، فقد تأخرت في العودة إلى غرفتها ، وأطلت على الحديقة عبر النافذة ، فرأت اشوميا تجلس في الحديقة ، تحت شجرة ضخمة وارفة ، فأسرعت بالخروج من الغرفة ، واتجهت بخطواتها الثقيلة البطيئة إلى الحديقة .
وتناهى إلى اشوميا ، في عتمة أول الليل ، وهي تجلس على المصطبة ، وقع أقدام بطيئة ثقيلة ، إنها مربيتها العجوز ، لكنها لم ترفع رأسها ، ولم تلتفت إليها ، فتوقفت المربية العجوز ، على مقربة منها ، وقالت : اشوميا ، حبيبتي ، حلّ الليل ، والجو بدأ يبرد هنا في الحديقة ، تعالي إلى الداخل .
ونهضت اشوميا من مكانها ، ومضت مبتعدة نحو مدخل القصر ، فخاطبتها المربية العجوز بصوتها الواهن : اشوميا ..
وقاطعتها اشوميا قائلة ، دون أن تلتفت إليها : دعيني ، أريد أن أنام ، لعلي ارتاح .
وهتفت المربية العجوز : حبيبتي ، سأعدّ لكِ الطعام ، تعالي ، وتناولي عشاءكِ .
ومضت اشوميا إلى الداخل ، دون أن تردّ ، أو تلتفت إلى المربية العجوز ، التي وقفت في الحديقة ، وقد لفتها عتمة أول الليل .

" 9 "
ــــــــــــــــــــ
ما إن أشرقت الشمس ، وتمّ إعداد طعام الفطور ، حتى مضت المربية العجوز ، بخطواتها الثقيلة البطيئة ، إلى غرفة اشوميا .
وطرقت الباب ، ثم دخلت ، وإذا اشوميا تعتدل في فراشها ، فنظرت إليها المربية العجوز ، وقالت : صباح الخير ، يا عزيزتي .
وشعرت المربية العجوز بالارتياح ، حين ردت اشوميا بصوت هادىء قائلة : صباح النور .
واقتربت المربية العجوز من السرير ، وقالت : حبيبتي ، فطوركِ جاهز .
ولاذت اشوميا بالصمت ، ولم ترفع عينيها ، وتنظر إليها ، فمالت المربية العجوز عليها قليلاً ، وقالت بصوت مرتعش : اشوميا ، سامحيني .
ورفعت اشوميا عينيها السوداوين الواسعتين إليها ، وقالت بصوت هادىء : ليس هناك ، بحسب علمي ، ما أسامحكِ عليه ، إلا إذا ..
وصمتت اشوميا ، فقالت المربية العجوز : عزيزتي ، لقد رعيتكِ منذ أن كنتِ رضيعة ، كما لو كنتِ ابنتي ، من دمي ولحمي .
وأطرقت اشوميا صامتة ، ثم قالت ، وكأنها تحدث نفسها : منذ فترة وأنا أفكر ، إن حياتي ليست طبيعية ، إنني الآن في السادسة عشرة من عمري ، أعيش وحدي تقريباً ، في هذا البيت الكبير ، بحديقته الواسعة ، بعيداً عن البيوت الأخرى ، وليس معي فيه غير خادمتين وحارس و .. وأنتِ .
ومالت عليها المربية العجوز ، وقالت بصوت حنون : أنا ، يا اشوميا ، بمثابة أمكِ .
ونظرت اشوميا إليها ، وقالت : نعم ، بمثابة أمي ، لكنكِ في الحقيقة ، لستِ أمي .
وأطرقت المربية العجوز رأسها صامتة ، فقالت اشوميا : الكاهنة الكبيرة تحبني ، وترعاني ، لكنها أيضاً ، على ما أعرف ، ليست أمي ، ليتني أعرف حقيقة .. من أنا ، وهذا من حقي ، وخاصة الآن .
ومدت المربية العجوز يدها ، وأمسكت بيد اشوميا ، وسحبتها من الفراش ، وقالت بلهجة حاولت أن تجعلها مرحة بعض الشيء : حبيبتي ، انهضي ، وتناولي فطوركِ ، هيا سيبرد إن لم تنهضي .
ونهضت اشوميا ، وبدون رغبة أو حماس ، مضت مع المربية العجوز إلى غرفة الطعام ، وجلست إلى المائدة ، وبدون شهية ، راحت تتناول طعام الفطور ، الذي أشرفت على إعداده المربية العجوز نفسها .
وتناولت اشوميا لقيمات من طعام الفطور ، الذي ملأ المائدة ، ثم توقفت عن الأكل ، فقالت المربية العجوز : بنيتي ، الطعام كما هو ، لم تأكلي شيئاً .
ونهضت اشوميا ، وقالت : شبعت .
وسارت متجهة إلى غرفتها ، فاعترضتها المربية العجوز ، وقالت بلهجة مرحة : اشوميا ، الربيع في الخارج ، ليتك تذهبين إلى الحديقة ، البستاني يعمل منذ الصباح ، وقد أعدّ لكِ باقة من الورد .
وتوقفت اشوميا ، دون أن تنبس بكلمة ، فدفعتها المربية العجوز برفق ، وهي تقول : أنتِ بحاجة إلى الهواء النقي المنعش ، هواء الربيع ، هيا يا عزيزتي ، اخرجي إلى الحديقة ، اخرجي وحدكِ .
وفي الحديقة ، أسرع البستانيّ إليها حالما رآها مقبلة ، وقدم لها باقة زاهية من ورود الحديقة ، وقال لها : سيدتي ، أعرف أنكِ تحبين الورد ، فأعددت لكِ هذه الباقة من الورودِ .
وأخذت اشوميا باقة الورد مبتسمة ، وقالت : أشكرك ، إنني فعلاً أحب الورد ، وأنت أفضل من يرعى هذه الحديقة .
ونظر البستانيّ إليها مبتسماً ، وقال : أنا لا أولاد لي ، رغم أنني متزوج منذ أكثر من عشرين عاماً ، أشجار الورود ، التي أرعاها ، في هذه الحديقة ، هي أبنائي وبناتي وعائلتي .
وضحكت اشوميا ، وهي تنظر إلى باقة الورد ، وقالت : لتدم الآلهة العظيمة عليكَ أبناءك وبناتك وعائلتك ، وليزدادوا تفتحاً وازدهاراً .
وابتسم البستاني فرحاً ، وقال : أشكركِ ، يا سيدتي .
وتأهبت اشوميا للانصراف ، وهي تقول مبتسمة : أشكرك على باقة الورود هذه ، سأذهب وأضعها في مزهرية داخل غرفة نومي .

" 10 "
ـــــــــــــــــــــــ
تناهى وقع حوافر حصان فتيّ متوثب ، عند حوالي منتصف النهار ، فهبت اشوميا من مكانها ، وأطلت من نافذة غرفتها ، وإذا الأمير موكانيشوم يتوقف بحصانه أمام باب القصر ، ويترجل عنه .
وعلى الفور ، أسرعت إلى الباب ، لتذهب وتستقبل الأمير موكانيشوم ، وفوجئت بالمربية العجوز تواجهها وجهاً لوجه ، واعترضتها قائلة بشيء من التوسل : بنيتي ، أرجوكِ ، ابقي في غرفتكِ .
وردت اشوميا بحماس : جاء الأمير موكانيشوم لرؤيتي ، ابتعدي عن طريقي .
لكن المربية العجوز لم تبتعد ، وإنما قالت : حبيبتي ، أنا لا أريد أن أمنعكِ ، لكني أخشى أن الكاهنة الكبيرة لا تحبذ هذا .
ومدت اشوميا يديها الشابتين ، وأبعدت المربية العجوز عن طريقها بشيء من العنف ، وقالت : ابتعدي ، الأمير جاء لزيارتي ، وسأستقبله .
وبدل أن تبتعد المربية العجوز ، عن طريق اشوميا ، تشبثت بها ، وهي تقول : بنيتي ، اشوميا ، أنتِ لا تعرفين الكاهنة الكبيرة .
وتوقفت اشوميا ، تحدق فيها حائرة ، فتابعت المربية العجوز قائلة : ابقي هنا ، وسأحاول أن أعتذر منه ، وسأقول له إنك مريضة بعض الشيء ، ولا تستطيعين استقباله هذا اليوم .
وتوقفت اشوميا ، وقالت : أنا لست مريضة ، ولا أدري لِمَ عليّ أن لا أستقب الأمير .. موكانيشوم .
ورمقتها المربية العجوز بنظرة حزينة ، وقالت : ستعرفين ذلك ، إن عاجلاً أو آجلاً .
وأطرقت اشوميا حزينة ، متأثرة ، فتراجعت المربية العجوز ، وهي تقول : سأذهب الآن ، وأستقبل الأمير ، وأطلعه على الأمر .
ومضت المربية العجوز إلى الخارج بخطواتها الثقيلة البطيئة ، وكان الأمير موكانيشوم قد اجتاز بوابة القصر ، ودخل إلى الحديقة ، فأسرعت إليه ، وقالت مرحبة : أهلاً ومرحباً ، سيدي الأمير .
وتوقف الأمير موكانيشوم مبتسماً ، وقال : أهلاً بكِ ..
وسكت لحظة ، ثم قال : الجو جميل اليوم ، وجئت أصحب اشوميا ، إذا رغبت ، إلى جولة قصيرة في أطراف الغابة القريبة .
ونظرت المربية العجوز إليه ، وقالت بصوت هادىء معتذرة : للأسف ، يا سيدي الأمير ، اشوميا لا تستطيع مغادرة القصر .
ولاذ الأمير بالصمت ، محدقاً فيها ، ثم قال متسائلاً : أهي اشوميا !
لم تردّ المربية العجوز ، فهمهم قائلاً : هم م م م .. يبدو أنها الكاهنة الكبيرة .
ونظرت المربية العجوز إليه ، بعينين منطفئتين منكسرتين ، وقالت بصوت واهن : سيدي الأمير ، أنا مجرد مربية عجوز ، في هذا القصر .
ورفع الأمير موكانيشوم رأسه ، وتطلع إلى القصر ، وقال : ليتني ألقاها ، اشوميا ، ولو للحظات ، هنا داخل القصر ، أو في هذه الحيقة .
فقالت المربية العجوز بصوت منكسر : أرجوك ، يا سيدي ، لو تم هذا ، مهما كانت المدة ، فسيسبب لي مشكلة كبيرة ، وقد أطرد من القصر .
ولاذ الأمير موكانيشوم بالصمت ، وقد أبعد عينيه عن المربية العجوز ، ثم تراجع وهو يقول : لا ، لا أريد أن أسبب لك أي احراج ، بلغي اشومي تحياتي .
فأنحنت المربية العجوز قليلا وقالت بصوتها المنكسر: أشكرك ، يا سيدي الأمير ، أشكرك جداً .
وعبر نافذة غرفتها ، المطلة على الحديقة ، ومن خلال عينيها السوداوين الواسعتين ، الغارقتين بالدموع ، رأت اشوميا الأمير موكانيشوم ، يخرج من بوابة القصر ، ويعتلي حصانه الفتيّ المتوثب ، ثم ينطلق به مبتعداً في الطريق ، حتى غاب .

" 11 "
ــــــــــــــــــــــ
ارتعبت المربية العجوز ، حين جاءتها الخادمة الشابة ، وقالت لها : الكاهنة الكبيرة ، تريد أن تراكِ ، في المعبد ، قبيل مساء اليوم .
وحدقت المربية العجوز فيها ، دون أن تتفوه بكلمة واحدة ، فاستدارت الخادمة الشابة ، ومضت مبتعدة ، فتنهدت المربية العجوز ، واتجهت إلى غرفتها ، لتستبدل ثيابها ، استعداداً للخروج .
وطوال فترة سيرها في الطريق ، بين القصر والمعبد ، وما أطولها على واحدة في عمرها ، راحت تراجع ما جرى ، وتتهيأ للمواجهة مع الكاهنة الكبيرة ، وقررت بينها وبين نفسها ، وبثقة ضعيفة ، أن تواجهها ، وتصارحها برأيها فيما يدور حولها .
لكنها حين دخلت المعبد ، وصارت قاب قوسين أو أدنى من الكاهنة الكبيرة ، خارت قواها شيئاً فشيئاً ، وشعرت بأنها أضعف من مثل هذه المواجهة .
ودخلت المربية العجوز ، على الكاهنة الكبيرة ، التي كانت جالسة في مقعدها الوثير ، وانحنت لها ، وقالت : طاب صباحكِ ، يا سيدتي .
وردت الكاهنة الكبيرة قائلة : أهلاً ومرحباً .
ثم أشارت إلى مقعد قريب ، وقالت : اجلسي هنا ، تبدين متعبة جداً .
وجلست المربية العجوز ، حيث أشارت الكاهنة الكبيرة ، وقالت : إنني امرأة عجوز ، يا سيدتي .
ونظرت الكاهنة الكبيرة إليها ، وقالت بصوت هادىء : لن أنسى فضلك ، أنت رعيت اشوميا ، ونشأتها حتى صارت في هذا العمر .
وردت المربية العجوز قائلة : اشوميا بمثابة ابنة لي ، ولا أريد لها إلا الخير والسعادة .
وصمتت المربية العجوز ، فنظرت الكاهنة الكبيرة إليها ، وقالت : علمت أن الأمير موكانيشوم ، قد جاء اليوم إلى القصر ، وأنك تحدثت معه في الحديقة .
وتطلعت المربية العجوز إليها ، وقالت : نعم ، يا سيدتي ، لقد جاء الأمير فعلاً .
وقالت الكاهنة الكبيرة : حسناً ، حدثيني عما دار بينكما بالتفصيل .
واعتدلت المربية العجوز في جلستها ، وقالت : جاء الأمير صباح اليوم ، وأراد أن يأخذ اشوميا إلى الغابة القريبة ، فأخبرته صراحة بأن اشوميا لا تستطيع الخروج من القصر .
وهزت الكاهنة الكبيرة رأسها ، وقالت بصوتها الهادىء : حسناً فعلتِ .
ولاذت المربية العجوز بالصمت لحظة ، وقد شعرت بشيء من الارتياح في داخلها ، لردة فعل الكاهنة الكبيرة ، ثم قالت : سيدتي ..
ونظرت الكاهنة الكبيرة إليها ، وقالت : نعم .
فتابعت المربية العجوز قائلة : اشوميا لم تعد طفلة صغيرة ، لقد غدت شابة ناضجة ، وبدأت تنتبه إلى أن حياتها غير طبيعية ، وأخذت تتساءل عن أمور كثيرة ، وأرى يا سيدتي ، أن تتحدثي إليها .
ونهضت الكاهنة الكبيرة ، معلنة نهاية المقابلة ، وقالت بصوتها الهادىء نفسه : اتركي هذا الأمر لي ، سأزورها في القصر قريباً ، وأتحدث إليها .
ونهضت المربية العجوز بدورها ، فقالت لها الكاهنة الكبيرة : رافقتكِ السلامة .
وعند عودتها إلى القصر ، فوجئت المربية العجوز باشوميا ، تجلس على مصطبة في الحديقة ، وكأنها كانت تنتظرها ، فتوقفت لحظة ، ثم اتجهت إليها .
ونظرت اشوميا إليها ملياً ، ثم قالت لها : أعرف أين كنتِ ، يا مربيتي .
وتوقفت المربية العجوز على مقربة منها ، وقالت : استدعتني الكاهنة الكبيرة إلى المعبد .
ونهضت اشوميا ، ومضت إلى الداخل ، وهي تقول بلهجة حاسمة : هناك أمور عليّ أن أعرفها ، وسأعرفها عاجلاً أو آجلا .

" 12 "
ـــــــــــــــــــــ
هذا يوم لن تنساه الكاهنة الكبيرة أبداً ، مهما امتدّ بها العمر ، ولم تكن لتتوقعه ، حتى إنها عندما جاءتها الكاهنة الشابة ، وقالت لها : سيدتي ، جاء الأمير ، ويريد مقابلتكِ .
نهضت لا إرادياً ، وتمتمت مندهشة : ماذا !
فقالت الكاهنة الشابة : إنه بالباب ، يا سيدتي .
فهتفت بها : أسرعي ، ليدخل ، لا تدعيه ينتظر .
وعلى عجل ، مضت الكاهنة الشابة إلى الخارج ، وسرعان ما عادت ، تتقدم الأمير موكانيشوم ، الذي حيّا الكاهنة الكبيرة قائلاً : طاب يومكِ ، يا سيدتي .
ورحبت الكاهنة الكبيرة به قائلة : أهلاً ومرحباً بك ، شرفتنا وشرفت المعبد بزيارتك .
ثم أشارت إلى مقعد ، قريب من مقعدها ، وقالت : تفضل ، أيها الأمير العزيز ، بالجلوس .
وردّ الأمير موكانيشوم ، دون أن يتحرك من مكانه : أشكركِ .
وسكت لحظة ، ثم قال : أخشى أن أكون قد جئت المعبد ، في وقت غير مناسب .
وسارعت الكاهنة الكبيرة إلى القول : ل .. ل .. أيها الأمير ، أهلاً بكَ في أي وقت .
ونظر الأمير إليها ، وقال : لابدّ أنك عرفت ، يا سيدتي ، بأني صادفت اشوميا ، قبل بضعة أيام ، وأني قد زرتها أيضاً في القصر .
وردت الكاهنة الكبيرة قائلة : نعم ، عرفت .
وتابع الأمير قائلاً : لكني في اليوم التالي ، عندما أردت زيارتها ، شعرت أن المربية العجوز ، لم تحبذ زيارتي ، لسبب لا أعرفه .
ولاذت الكاهنة الكبيرة بالصمت ، فقال الأمير : أصارحكِ إنني سألت بعض من يعرفها ، عما يحيط بها من غموض ، ولم أصل إلى حقيقة ترضيني ، فأردت أن أعرف الحقيقة منكِ ، يا سيدتي .
ونظرت الكاهنة الكبيرة إلى الأمير ، وقالت : وهذا ما كنت أحرص أن أتجنبه دائماً ..
فقاطعها الأمير قائلاً : اشوميا فتاة شابة ، ولها مزاياها الكثيرة ، إنها جميلة ، وذات شخصية مميزة ، ومن الطبيعي أن يهتم بها شخص مثلي .
وقالت الكاهنة الكبيرة : كنت لأفرح ، لو أن اشوميا فتاة عادية مثل بقية الفتيات .
وبدت الدهشة على الأمير ، وقال : لا أفهم ، إنها تبدو فتاة عادية كأي فتاة أخرى في أور .
وقالت الكاهنة الكبيرة : هذا ما يبدو .
وقال الأمير : صارحيني لأفهم الحقيقة .
ولاذت الكاهنة الكبيرة بالصمت لحظة ، ثم قالت : اشوميا فتاة مقدسة .
وازداد الأمير دهشة ، وقال : لا أفهم .
وتابعت الكاهنة الكبيرة قائلة : إنها ولدت من أب وأم ، يمثلان الإلهين انليل واينانا ..
وتساءل الأمير مذهولاً ى: أتعنين .. ! فقالت الكاهنة الكبيرة : نعم ، اشوميا ثمرة الزواج المقدس .
ولاذ الأمير موكانيشوم بالصمت ، فتابعت الكاهنة الكبيرة قائلة : في الماضي ، أثار الزواج المقدس اشكالات كثيرة ، حين يثمر هذا الزواج طفلاً ، فما الموقف من هذا الطفل ؟ وما مصيره ؟ وقد ارتأى الكهنة الكبار ، أن يضعوا شرطاً للزواج المقدس ، وهو أن لا يثمر هذا الزواج عن طفل .
وصمتت الكاهنة الأم ثانية ، ثم قالت : إذا حملت ممثلة الإلهة اينانا ، فعليها أن تسقط هذا الحمل ، وإذا لم تنجح في ذلك ، وولد الطفل ، فعليها أن تتخلص منه ، وهذا ما لم يحدث في حالة اشوميا .
ولاذت الكاهنة بالصمت مرة أخرى ، ثم قالت أخيراً : أخفتها أمها عن الجميع سنين عديدة ، لكن الأم مرضت ، واشتد بها المرض ، وعندما حضرتها الوفاة ، وكانت اشوميا في حوالي الخامسة من عمرها ، أرسلت في طلبي ، أن أرعاها ، وهذا ما فعلته .
ونهض الأمير ، وهو ينظر صامتاً إلى الكاهنة الكبيرة ، التي قالت بصوت هادىء حزين : ليس أمام اشوميا ، والحال هذه ، إلا أن تدخل المعبد ، وتصير كاهنة ، وتبقى فيه طول عمرها ، إنها .. زهرة مقدسة .
وأطرق الأمير موكانيشوم لحظة ، ثم استدار ، وغادر غرفة الكاهنة الكبيرة بخطى حائرة حزينة ، دون أن ينبس بكلمة واحدة .


27 / 1 / 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم