الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرايا الغياب/ سليمان النجاب8

محمود شقير

2023 / 1 / 21
الادب والفن


12

أتذكر تلك الأيام وما رافقها من أحلام كبيرة.
كان للفكرة التي آمنا بها وهجها. وكنا نمزج هذا الوهج بشيء من حسنا الديني الغائر في الأعماق، فنحول الفكرة في أحيان غير قليلة إلى مقدس ديني، لا يطاله النقد ولا إعادة النظر، وكنا نشفق على الشيوعيين الأوروبيين الذين لم يتورعوا عن نقد التجربة الشمولية وهيمنة الحزب الواحد في الاتحاد السوفياتي. كان ذلك، وهذا ما أدركناه، أو أدركه بعضنا في ما بعد، نتاجاً لتجربتهم المجتمعية التي تتسم بالتعددية وبتداول السلطة، على ما فيها من قصور ومن هيمنة بشكل أو بآخر، لقوى الرأسمالية على الحكم وعلى مقدرات المجتمع، بعيداً من الديمقراطية الشاملة التي لم تصلها البشرية بعد.
ولأننا نتاج مجتمع أبوي متخلف، كنا نعيب على الشيوعيين الأوروبيين موقفهم النقدي من الشمولية، رغم إدراكنا أو إدراك بعضنا في ما بعد، أن بعض مواقف الشيوعية الأوروبية، رغم تقدمها علينا في الرؤى والاجتهادات، لم تكن تخلو من انتهازية وتساوق غير مبرر مع البورجوازية (كم شعرنا بالابتهاج حينما دخلت الدبابات السوفياتية إلى براغ العام 1968 لتقضي على حركة "ألكسندر دوبتشيك" زعيم الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي التي سميت آنذاك "ربيع براغ"! هذه الحركة التي سعت إلى إشاعة الديمقراطية وفضح أخطاء الحكم الشمولي، لم ترق لقيادة الكرملين، وبالطبع، لم يخل الأمر من متسللين إلى داخل هذه الحركة لخدمة أجندات مشبوهة، ولم يخل الأمر من عناصر صهيونية حاولت حرف حركة دوبتشيك عن مسارها الصحيح).
وتلك معضلة حسمتها بالنسبة لنا وللشيوعية الأوروبية ولغيرها، التطورات الدراماتيكية اللاحقة التي وقعت في الاتحاد السوفياتي، وفتحت أعيننا على وقائع كثيرة صارخة، دفعتنا مثلما دفعت غيرنا إلى التخلي عن المبدأ الضار: مبدأ احتكار الحقيقة وادعاء امتلاكها.

13

وفي ضوء الهزة التي عصفت بكل شيء، ودفعت إلى إعادة النظر في المسلّمات، لم يغلق سليمان ذهنه أمام التطورات المستجدة. لسليمان عقل متفتح ومزايا: جمع في شخصه حكمة السياسي وأشواق المثقف، مثلما اجتمعت في شخصه واقعية السياسي وقلق المثقف. سليمان الذي لم يذهب إلى أية جامعة، تثقف في جامعة الحياة وفي السجون، ثقّف نفسه بنفسه بإقباله على القراءة، وتثقف في مدرسة الحزب الذي انتسب إليه وهو في أول الشباب، ثم لم تمض سنوات قلائل، حتى أصبح واحداً من قادته البارزين (حينما اطلعت على رسائل سليمان التي كان يرسلها من سجن الجفر إلى أفراد أسرته، لاحظت كم كان معنياً بكتابة هذه الرسائل التي تفيض بروح التفاؤل. كانت هي وسيلة الاتصال الوحيدة تقريباً بينه وبين العالم الخارجي. لم يترك أحداً من أفراد أسرته إلا أرسل له رسائل، وحيث أن هذه الرسائل كانت مراقبة من السجانين، فقد اكتفى بما يكتبه فيها من كلام عام، له علاقة بالقيم الإنسانية النبيلة، وبالاهتمام بالتحصيل العلمي وبالثقافة حينما يتعلق الأمر بالكتابة لأطفال الأسرة. كذلك، كان معنياً بمعرفة تفاصيل الحياة اليومية للأسرة، وفي ذلك تعبير عن الرغبة في كسر روتين الحياة في السجن، التي تتكرر على الشاكلة نفسها دون جديد).
شاركت في العمل معه في عدد من المواقع التنظيمية، وشاركت معه سنوات عدة في تحرير "الوطن" الصحيفة المركزية السرية للحزب في الأرض المحتلة (كانت رومانسية مجنحة تتلبسني وأنا أكتب بعض المقالات التحريضية للصحيفة، فأشعر كما لو أننا نكرر على نحو ما، مأثرة صحيفة الإيسكرا (الشرارة) التي كان يصدرها لينين سراً أثناء حكم القياصرة)، وكذلك في تحرير بعض أعداد مجلة "الحقيقة" التي كانت تصدر في الأرض المحتلة بين الحين والآخر.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا