الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة سلاح ذو حدين

محمد بلمزيان

2023 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


احيانا تشتغل الذاكرة بمنطق يعاكس صاحبها، وتميل غالبا الى النسيان وعدم المطاوعة على التذكر السليم أو الضبط الصحيح لمجريات الأحداث وشريط الحياة كما جرى فعلا، ولكي تستوي هذه الوضعية لا بد من الإستعانة طبعا ببعض من عايش نفس الأحداث والوقائع ليس فقط من أجل تصحيح بعض التواريخ أو المحطات بل لإضفاء طابع المصداقية والشفافية على تلك الذاكرة الجماعية التي تشكل الى حد بعيد أحد المرتكزات الأساسية لكتابة تاريخ سليم من الهفوات وخال من النزعة الذاتية وطغيان " الأنا"، بحيث تفيد تلك العملية المتعلقة بالإستعانة بآخرين كرافد إضافي على صحة الوقائع التي يجري الحديد عنها، وكشاهد ثابت على سلامة المحطات التاريخية، بالشكل الذي يجعل القاريء النبيه ينتبه الى أهمية الشهادة في استقراء الوقائع والكشف عن أهميتها القصوى في غياب الوثيقة المكتوبة ، على اعتبار أن الشهادة الشفوية إن كانت صادرة عن أشخاص عايشوا نفس الأحداث تعد مصدرا مهما في إغناء تجارب الإبداعات السردية كأحد أوجه للرواية الصحيحة والقراءة السليمة للأحداث التاريخية، الى درجة يتماهى معها القاريء وهو يتابع شريطها ويستشعر وكأنه يعيش أطوارها من جديد، تضفي نوعا من التشويق والمتابعة الحثيثة، كلما كان عملية الإستذكار وإفراغ الذاكرة على ما اختزنته طيلة سنين طويلة من وقائع ومجريات الأحداث ومنعطفاتها المختلفة في الزمن والمكان . الأمر الذي قد تتحول معه الذاكرة كسلاح ذو حدين، ويمكن استغلالها كواجهة في شتى الإتجاهات حسب رغبة صاحبها والتوظيف الشق الإديولوجي من أجل تمرير بعض الأحداث بالشكل التي تكون مطواعة تخدم جهات معينة وتنفخ في بعض الجوانب والأشخاص الذين قد يكونون حلقة أضعف في شريط الأحداث، ويتحولون الى رموز وأبطال من خلال هذا النوع من المقاربة الذاتية، التي تستهدف إضفاء الشرعية والمشروعية على أحد الأطراف دون أخرى، الى درجة قد تتحول بعض الشخصيات والوقائع الى حلقات فارغة من المحتوى وأدوات لعبث دورا سلبيا في مجمل المسار العام للزمن المقارب، والحال أن العكس هو الصحيح، في مقابل هذا الطرح قد تعمل الأنا على تجاهل بعض الجوانب أو تحجيم دورها بالشكل الذي يجعلها لا تساوي شيئا في عيون الآخرين، وهو ما يجعل هذا النوع من المقاربة محط انتقاد واحتجاج قد يصل الى حد الإدانة والإستهجان، لكن في كل الأحوال فإن القاريء النجيب للوقائع قد ينتبه الى هذا الزيغ والتيهان في فيافي النرجسية الضيقة والمقاربة المشوهة للأحداث التاريخية التي تروم في التحليل الأخير الى إشاعة رأي قد يخدم طرفا أو أطراف دون آخرين، عبر محاولة تفنيد والإجهاز على بعض المحطات والأشخاص ( الأبطال) الذين يتحولون الى نكرات دون دور يذكر، وإبراز محطات مغايرة وأشخاص آخرين كانوا نكرات وتحولوا بجرة قلم واحدة الى مركز الرحى وأقطاب و( عظماء التاريخ) والحال أن هذا التشويه الخطير للأحداث لا تضر بأصحاب الحق والأحداث المقاربة ، بل تلحق ضررا فادحا بالتاريخ كعلم، من خلال هذه الروايات المزيفة، وتوشهها في وجه الأجيال الصاعدة التي تجد نفسها أمام وقائع متناقضة بين هنا وهناك، وهذا حال الكثير من المحطات التاريخية والوقائع التي ما تزال تشوش على عقولنا منذ أن بدأ الإنسان النرجسي يعي مصالحه الضيقة ويحتال على أخيه الإنسان من أجل إضفاء طابع( المشروعية ) على عمل تزييف المعلومة وتشويه الوقائع التاريخية ، بالرغم من خطورة هذه الأفعال الى ترقى الى جرائم في حق علم التاريخ، الذي يجب أن يبقى سليما ومنظورا اليه من خلال الشريط الحقيقي لوقائعه، عبر إعمال عنصر الأمانة والصدق في الرواية في تتبع ومواكبة الأحداث ، لتكون صورة صحيحة ومتاحة لجميع الأجيال الصاعدة لقراءة صفحات من التاريخ الصحيح وليس التاريخ المزيف، الأمر الذي يجعل حساسية الرواية الشفوية أو حتى المكتوبة إن كانت صادرة عن مرجعية غير موثوقة، التي تتحول عبر الزمن الى مراجع تتناسل عبر الحذف أو الإضافة، في حين أن الرواية الشفوية الصادقة تلعب دور المصدر الذي يعكس الوجه الحقيقي للحدث كما حدث فعلا دون توابل معينة وقراءة أمينة للوقائع في مجرياتها الحقيقية، ينساب معه شلال الزمن بكيفية عفوية كما تنساب الكلمة من شاهد عيان حضر وقائع الحدث التاريخي في زمن ومكان ما، وهو يسرد تفاصيله أمام الحاضرين بتلقائية وسلاسة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو