الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة البحث عن الذات وفي الذات في قصيدة -- يَكادُ يخنقُني صَداي- كميل أبو حنيش

رائد الحواري

2023 / 1 / 23
أوراق كتبت في وعن السجن



"أنا النداء ُ
أطلُّ من ركني القصيِّ
على المدى
متتبعاً أثرَ النداءِ
لعلّني أصغي لصوتيَّ في البعيدِ
فلا أحسُّ سوى ارتدادِ
الذبذباتِ لأصلِها
ويكادُ يخنقني صداي
وأطيلُ تحديقي ، بما أوتيتُ
من شغف الوصول
فلا أرى إلا السديمَ الأوليَّ
فأستقي همسَ الفؤادِ
أنا النداءُ
أنا الصدى
وانا المدى
وأنا رؤايَّ
أنا النداءاتُ الخفيةُ
حين يزدحم المدى
بالزمهريرِ وبالضبابِ
أنا الصدى إذ عاد مقتفياً
- طريق النور-
في أثرِ النداءِ على لساني
أو يراع في يدي َّ
وأنا المدى الممتدُ
في الزمنِ السحيقِ
ولا أرى أثراً لغيريَ
إنما درباً جديداً يانعاً
يُغري فؤادي
إذ تدشنهُ خُطايَّ
وأنا رؤاي .. أنا رؤاي
فمن أنا في الكون
إلا ذرةٌ تصبو إلى شوق
وحلمٌ مستحيلٍ مُزهٍر
سيظلُ يلمعُ في جَواي
فمن انا ؟
أنا انتخابُ المفرداتِ
لدى اقترابِ قصيدتي من حتفِها
لتحلّ روحي في سواي؟
ويذوبُ غيري في أناي؟
أأنا زواجُ الأغنياتِ
إذ تناسق بحرُها
مع لحن ناي؟
أم اجترارُ الأمنيات
لدى فناءِ رحيقها
ليطلّ من ليلي سناي؟
فيا أناي
على ثرى ذا الكوكبِ المنسيِ
في بئر الوجودِ، تكلمي
هل جئت من عدمٍ
ومن فوضى تنظمها يدُ المجهولِ
والسلوى الكفيفةُ
كي أأولُ إلى رقادي أو عَماي؟
أم أنت نسغٌ
قدّ من شجرِ الخطيئة
بعد ما صار الخلود غوايةً
ترفاً... مملاً
لا يسيرُ على هُداي
...أو عاشقاً ، شغفاً
لرشفِ حلاوة الشهدِ الشفيفِ
وأرتقي ثملاً
لسدرةِ منتهاي؟
وأنتهي بشراً طريداً تائهاً
وأظلّ أهبطُ من ذراي؟
فمن أنا؟
أأظلّ أحترفُ الخرافةَ
كي أأوِّلَ ما يخبئه السديمُ الأولي
وكي أفرّ من الخلودِ إلى لظاي ؟
لا شيءَ يرجعُ من ندائي في البعيد
سوى الصدى المسكونِ بالهذيانِ
والذكرى القصيةِ
والغناءِ لدى اخضرارِ الأمنياتِ على رُباي
لا زلتُ أقترفُ الخطيئةَ في النداءِ
ولا مجيب سوى الصدى
فيعيدني شوقي الجميلُ
مكبلاً ، وجلاً ، شريداً ، حائراً
ليعيشَ في حلمي أساي
سأكف عن ترف النداءِ وأرتضي هشَ اليقينِ
لأنه ، سيظل يخنقني صداي
"ط "
عنوان القصيدة له علاقة بالنداء/بالصوت/ وبالصدى، فهناك صوت يريد الشاعر إخراجه وإيصاله لنفسه ولنا نحن القارئ، من هنا نجد بعدا فلسفيا جاء في القصيدة، حيث تتداخل الأنا مع الأنا من جهة، وتتداخل الأنا مع شيء/شخص خارجي من جهة أخرى، حتى تبدو وكأن هناك شخصان، وبما أن الشاعر جعل العنوان وفاتحة القصيدة متعلقة بصيغة أنا المتكلم، فهذا يجعل الأنا فيها هو المركز والمحور الذي تدور حوله القصيدة.
يفتتح الشاعر القصيدة بهذه الفاتحة:
"أنا النداء ُ
أطلُّ من ركني القصيِّ
على المدى
متتبعاً أثرَ النداءِ
لعلّني أصغي لصوتيَّ في البعيدِ
فلا أحسُّ سوى ارتدادِ
الذبذباتِ لأصلِها
ويكادُ يخنقني صداي"
بداية نشير إلى أن هناك مجموعة ألفاظ لها علاقة بالصوت/بالنداء: "النداء (مكرر)، أصغي، لصوتي، الذبذبات، صداي" وهذا يوثق العلاقة بين عنوان القصيدة وفاتحتها، ويأخذنا إلى الفكرة/المضمون الذي يريد تقديمه "كميل أبو حنيش" في القصيدة، وما وجود الأنا في ألفاظ: "أنا، أطل، ركني، متتبعا، لعلني، أصغي، لصوتي، أحسن، يخنقني، صداي" إلا إشارة إلى علاقة القصيدة بالشاعر، فالقصيدة كتبت منه وله قبل أن تكون لنا نحن المتلقين.
ونلاحظ أن هناك تكرار للفظ "نداء" وهناك صدى لهذا التكرار في "ارتداد، الذبذبات" فتكرار حرف الدال في "ارتداد" والذال والباء في "الذبذبات" بدأ وكأنها تأكيدا لحجم الصوت المدوي وما فيه من ألم/وجع، وبهذا يكون الشاعر قد أوصل فكرة النداء وصداه/صداي من خلال المضمون ومن خلال الألفاظ المستخدمة.
إذن فاتحة القصيدة لها علاقة بالصوت/بالنداء وما هو متعلق به، لكن الشاعر لا يتوقف عند الصوت، بل يأخذنا إلى النظر/المشاهدة:

" وأطيلُ تحديقي ، بما أوتيتُ
من شغف الوصول
فلا أرى إلا السديمَ الأوليَّ
فأستقي همسَ الفؤادِ
أنا النداءُ
أنا الصدى
وانا المدى
وأنا رؤايَّ
أنا النداءاتُ الخفيةُ
حين يزدحم المدى
بالزمهريرِ وبالضبابِ
أنا الصدى إذ عاد مقتفياً
- طريق النور-
في أثرِ النداءِ على لساني
أو يراع في يدي َّ
وأنا المدى الممتدُ
في الزمنِ السحيقِ
ولا أرى أثراً لغيريَ "
بداية المقطع المتعلقة بالنظر/المشاهدة، "السديم" أكدت (الفراغ) الهائل الذي أمام الشاعر، وهذا جعله يعود إلى ذاته "همس الفؤاد" مرددا ومكررا "أنا" سبع مرات، فالتكرر متعلق بالصوت: "النداء، الصدى" وهناك تكرار متعلق بالمشاهدة/النظر: "المدى" والمفرد جاء "رؤاي"، فبدت "رؤاي" وكأنها الجامعة/الناتجة عن المعرفة البصرية والسميعة عند الشاعر، بمعنى أنها معرفة معتمدة على حقائق سمعية وبصرية، وبهذا يكون قد أوصل فكرة معرفية متعلقة بالصوت/النداء وبالمشاهدة/النظر.
ونجد في هذا المقطع أن النظر قرين النداء/الصوت وممزوج مع وبه، فعندما تحدث عن المشاهدة/النظر: "تحديقي، أرى" أعطانا صورة متعلقة بالمشاهدة: السديم، بالزمهرير، بالضباب" وهي ألفاظ قاسية تخدم فكرة (الضياع) التي يريد تقديمها.
وإذا ما توقفنا عند لفظ "يزدحم" وما تلاه "بالزمهرير، بالضباب" نجد أن عدد الحروف الكبير، في الأول تسعة حروف، وفي الثاني ثمانية حروف، وهذا يخدم ويؤكد فكر "يزدحم" التي يعاني منها الشاعر، وما تكراره ل"أنا" سبع مرات إلا محاولة منه لتعبئة (الفراغ) الذي شاهده في "السديم".
فأثر السديم لم يقتصر على "تكرار "أنا" فحسب بل تعداه إلى وجود ألفاظ تخدم فكرة الطول والبعد الهائل: "أطيل، المدى، الممتد" وهذا يشير إلى فكرة (الفراغ) الذي يعانيه الشاعر.
يوقن "كميل أبو حنيش" أن واقعه (فراغ) ممتد، لهذا يلتجئ إلى ذاته، ليجد فيها الاكتمال/الكمال وليمتلئ (نفسيا) بعد أن (عجز) عن مشاهدة خاتمة/نهاية لسديم": "

إنما درباً جديداً يانعاً"
يُغري فؤادي
إذ تدشنهُ خُطايَّ
وأنا رؤاي .. أنا رؤاي
فمن أنا في الكون
إلا ذرةٌ تصبو إلى شوق
وحلمٌ مستحيلٍ مُزهٍر
سيظلُ يلمعُ في جَواي
فمن انا ؟"
وجود "دربا جديدا" يشير إلى تغيير الطريق/المسار القديم الذي سلكه، فهو يعتمد على معرفة ذاته جديدة متمثلة في: "خطاي" وتكرار "رؤاي"
وبهذا يكون "كميل أبو حنيش" قد استطاع أن يخطو بشكل سليم وعلى أرضية صلبة في دربه الجديد، وما وجود "يانعا، مزهر، يلمع" إلا إشارة لنجاحه في الدرب الجديد.
ونلاحظ أن الدرب الجديد متعلق بالنظر/المشاهدة أكثر منه بالسمع والصوات الذي بدأت به القصيدة، لهذا جاءت الألفاظ بيضاء بعيدة عن القسوة والضغط.
لقد وجد الشاعر عالمه الجديد، في "أنا" يخبرنا عنه واصفا إياه:

أنا انتخابُ المفرداتِ "
لدى اقترابِ قصيدتي من حتفِها
لتحلّ روحي في سواي؟
ويذوبُ غيري في أناي؟
أأنا زواجُ الأغنياتِ
إذ تناسق بحرُها
مع لحن ناي؟
أم اجترارُ الأمنيات
لدى فناءِ رحيقها
ليطلّ من ليلي سناي؟
فيا أناي"
يلجأ الشاعر إلى عنصر الفرح، الكتابة، "قصيدتي، المفردات" لكنه يجدها متماثله معه في السواد: "حتفها"، وهذا ما جعله يعود أدراجه إلى (الأنا) يستمد منها شيئا من القوة: "الأغنيات، لحن" وبهذا يعود الشاعر إلى بداياته المتعلقة (بالصوت/بالنداء)، مضيفا شيئا من النظر/المشاهدة: "ليطل ليلي، سناي".
إذن، رحلة الشاعر في العالم الجديد "أنا" لم تكن موفقة، وهي تعكس واقعه/حاله القاسي والمؤلم.
ولكن، رغم السواد: "حتفها، يذوب، اجترار، فناء، ليلي" إلا أن هناك جمالية في تكمن في الصور الشعرية التي جاءت في المقطع:
أنا انتخابُ المفرداتِ "
لدى اقترابِ قصيدتي من حتفِها
لتحلّ روحي في سواي؟
ويذوبُ غيري في أناي؟"
وكأنه بها يريد أن يخفف على نفسه ما علق بها من سواد وألم، فالحركة الموت نجدها دائرية، لكنها تبدأ بالفرح وتأخذه قبل يُستمتع به، تأخذه وهو في أوج بهائه، لهذا هو موت مؤلم وموجع.
إذا عندنا إلى المقطع السابق سنجد وجود: "أأنا زواج الأغنيات" وهذا الجمع نجد أثره في الشاعر من خلال تناوله لعناصر فرح أخر/الطبيعة الحاضرة في: "بحرها، رحيقها، سناي" وهي متعلقة بالنظر والشم، فتقدمه من حالة فرح جديد "رحيقها" يشير إلى عملة البحث والمعرفة التي يقوم بها، وأيضا نجد (صدى) المفردات/القصيدة حاضرا في "سواي، أناي (مكرر)، نأي، سناي" فبدت الياء وكأنها ناتجة عن القصيدة التي تستوجب وجود التناسق والتناغم فيها، وهذا له علاقة بحالة الحلول "أنا" في "أنا/الآخر" فكما أنتجت القصيدة مفردات خاصة بها أنتج الشاعر قصيدة متعلقة ب"أنا" فهو والقصيدة وألفاظها كيان واحد، من هنا نجد ألفاظ الحلول/التماهي حاضرة في المقطع: "لتحل روحي، يذوب، أأنا زواج،" فبدا وكأن حالة الصوت/النداء والصدى التي جاءت في فاتحتها قد أخذت في التطور فوصلت إلى الكامل والتماهي والحلول، فلم يعد هناك فرق/فصل/تباين بين النداء والصدى، بين أنا والأنا الآخر، من هنا خرج الشاعر برؤية جديدة تكمن في إثارة أسئلة متعلق بالوجود:
"على ثرى ذا الكوكبِ المنسيِ
في بئر الوجودِ، تكلمي
هل جئت من عدمٍ
ومن فوضى تنظمها يدُ المجهولِ
والسلوى الكفيفةُ
كي أأولُ إلى رقادي أو عَماي؟
أم أنت نسغٌ
قدّ من شجرِ الخطيئة
بعد ما صار الخلود غوايةً
ترفاً... مملاً
لا يسير على هداي"
اعتقد أن مثل هذه الأسئلة بحاجة إلى وقفة وتفكير، لكن للافت فيها أن الشاعر يخاطب نفسه من الخارج: " أم أنت" ومن الداخل "هل جئت، كي أأولي إلى رقادي" وهذا له علاقة بحالة الحلول التي وصل إليها، فبدا وكأنه لم يعد يدري أهو هو أم شخص آخر بعد أن حل فيه الآخر:
" لتحلّ روحي في سواي؟
ويذوبُ غيري في أناي"
فالطريقة والصيغة التي جاءت بها الأسئلة تخدم الفكرة التي يريد تقديمها، فكرة البحث في الحياة ونشأتها ومن أوجدها وكيف وجدت، وما الأسئلة إلا ناتج عن بحث الشاعر في/عن عالمه جديد.

...أو عاشقاً ، شغفاً"
لرشفِ حلاوة الشهدِ الشفيفِ
وأرتقي ثملاً
لسدرةِ منتهاي؟
وأنتهي بشراً طريداً تائهاً
وأظلّ أهبطُ من ذراي؟
فمن أنا؟
أأظلّ أحترفُ الخرافةَ
كي أأوِّلَ ما يخبئه السديمُ الأولي
وكي أفرّ من الخلودِ إلى لظاي ؟"
نلاحظ حالة الحلول حاضرة في ألفاظ "عاشقا، شغفا، لرشف، الشهد، الشفيف" فبدا حرف الشين فيها وكأنه يصهرها معا، لتكون شيئا واحدا. ونجد حالة الحلول في: "أأظل، أأول" فتلازم وتكرار حرف الألف أيضا يخدم فكرة الحلول والحالة الجديدة التي وصل إليها الشاعر الذي أخذ يثير مزيدا من أسئلة اليقين/الإيمان، فهو بها ومن خلالها يقدم رؤيته الجديدة للحياة ونشأتها ونشأت من عليها وفيها.
لا شيءَ يرجعُ من ندائي في البعيد
سوى الصدى المسكونِ بالهذيانِ
والذكرى القصيةِ
والغناءِ لدى اخضرارِ الأمنياتِ على رُباي
لا زلتُ أقترفُ الخطيئةَ في النداءِ
ولا مجيب سوى الصدى
فيعيدني شوقي الجميلُ
مكبلاً ، وجلاً ، شريداً ، حائراً
ليعيشَ في حلمي أساي
سأكف عن ترف النداءِ وأرتضي هشَ اليقينِ
لأنه ، سيظل يخنقني صداي
" يختم الشاعر القصيدة بالعودة إلى البدايات، إلى "الصدى" الذي يشير إلى الفراغ، إلى عدم وجود أثرا للحياة المدنية، الحياة السوية، وما تكرار "ندائي/النداء، الصدى/صداي" ثلاثة مرات إلا تأكيدا واستمرارا لحالة الفراغ/الضياع/السواد التي يمر بها، فقد انتهت رحلته من حيث بدأت، وكما عاد "جلجامش من بحثه عن الخلود/الحياة الجديدة إلى مكانه في "أوراك" عاد كميل أبو حنيش إلى واقعه في الأسر "مكبلا، وجلا، شريدا، حائرا" مستسلما بعد رحلته الطويلة والشاقة في البحث، ومن خاتمة القصيدة:
"سأكف عن ترف النداءِ وأرتضي هشَ اليقينِ
لأنه ، سيظل يخنقني صداي"

إلا تأكيدا لحالة اليأس/الاستسلام التي أصبحت يقين يؤمن به ويعشيه الشاعر.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الشاعر "كمال أبو حنيش"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم




.. كل يوم - خالد أبو بكر يعلق على إشادة مقررة الأمم المتحدة بت