الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعوضنا العلم حكاياتنا السحرية؟ قراءة في فيلم - ثلاثة آلاف من الاشتياق- «Three Thousand Years of Longing-

سهير السمان

2023 / 1 / 24
الادب والفن


( كانت القصص والأساطير ذات يوم هي السبيل الوحيد لجعل وجودنا المحير متماسكا)
هل تذبل الحكايات السحرية والأساطير مع التقدم العلمي، أم يبقى لكل منّاحكايته السحرية التي قد لا يصدقها أحد؟
مع التطور المهول لكل جوانب الحياة، وانتفاء مركزية الأرض، وظهور التفسيرات العلمية لظواهر الوجود، يبقى علينا أن نخلق حكاياتنا ونرويها، ربما ما يجعلنا نتمسك بهذا، هي الرغبة في استمرارنا وخلق الدهشة، والعودة بالأمنيات التي أصبحت عنصرا من عناصر الاستهلاك الحديثة لأمنية واحدة، تبقي لنا السحر الحقيقي لهذا العالم، وأن نكون حكاية خالدة نرويها بأنفسنا، وليست للتاريخ الذي سيكتبه المحاربون أو المنتصرون.
( الفيلم من إصدار 2022، بطولة “إدريس إلباً و “تيلدا سوينتون" إخراج الاسترالي جورج ميلر)
في فيلم ثلاثة آلاف عام من الاشتياق تعود سحر الحكاية، مع عالمة السرديات إيلثيا بيني " حين تسافر إلى تركيا لحضور مؤتمر حول العلم وحكايات الأساطير، ولكنها أثناء المؤتمر تستطيع أن ترى شخصيات الحكايات القديمة، في استعارة نفسية داخلية لرفضها موت تلك الأساطير القديمة للعقل البشري، ونفيها من العالم، حيث تضعها تلك الحكايات في نهاية مشوارها العلمي أمام قلق وجودي .، فهل أنهى العلم تفسيرات الظواهر الكونية، أم أن الأساطير لا تزال تفتح أمامنا العديد من التساؤلات؟
يظهر لها الجني وهي تغسل زجاجة ملونة ابتاعتها من احد المحلات القديمة في تركيا، لم تخف أو تقلق، وكأن إيمانها بوجود هذه المخلوقات حقق رغبتها في رؤيتهم، وهذا ما قاله لها الجني. لم يستطع الجني أن ينتزع منها أمنية لتنقذه من سجنه، ولكنها نجحت لأن تجعل منه ساردا لحكايته. ( وهو ما سنصل إليه في آخر الفيلم أن تحرره وبقاءه كان نتيجة قدرته على سرد حكايته )
يطرح الفيلم شكلا جديدا ومعناً آخر لحكاية قديمة، حكاية الجني والأمنيات، فالجني هنا فاقد القدرة والقوة، يتمتع بالرغبة والاشتياق، بل هو الحكاية نفسها، والذي أصبح يتمنى أن يعود إلى موطنه، ولكن بسبب خوضه في تجارب العشق والشوق، سجن ثلاثة آلاف سنة.
( حكايته الأولى كانت مع ملكة سبأ، "شيبا" ، أحبها بجنون، أعاد الفيلم سردية الملكة المذكورة في الكتب المقدسة، وهنا منح الفيلم سردية ورؤية مختلفة للحكاية ، كانت والدتها من الجن، ولم تذهب الملكة شيبا لسليمان، بل هو من أتى إليها محملا بالهدايا، ومارس سحره وعلمه لتيزوجها، فقررت حلق شعرساقيها لتسلمه نفسها)
إليثيا لا تنتمي إلى حكاية، بل كانت مراقبة لها من الخارج، لا تحيا المشاعر والقدرة على التعبير عنها، حتى زواجها الوحيد لم يستمر لأنها لا تملك الحميمية، ولم تصنع حكايتها، فعقلها كان لعنتها.
كان ظهور الجني بمثابة اكتشاف مؤلم لحقيقتها، المرآة التي عرتها أمام نفسها، فكيف لها أن تملك أمنية، وهي لاتحتاجها، فالأماني لا تكون إلا لمن عاش، أما هي بحسب تعبير الجني لم تعش، وبمنطق الجني هي "شخص غير حقيقي، وليس هو".
أن تحيا وتخطئ، وتنتظر الغفران فهو الخلاص، وهي تُدرك الآن أنها أكثر تعاسة من الجني الذي عاش العشق ، وامتلك الحكاية، والخطيئة المروية، ويحلم بالخلاص .
يسألها الجني : هل أنت حية من الأساس يا أليثيا؟
يضعها أمام حقيقة خوفها وجبنها، فهي لم تتخلى عن الحياة زهدا، أو تدينا، أو رغبة للوصول إلى لحظة التنوير كما يفعل البوذيون والرهبان، هذا الجبن الذي غلفته بصورة أكاديمية، وعلمية، لم يعوضها معنى الحياة الحقيقي، قد يكون الحب والعشق هو صفة الوجود الحقيقي، أو بمعنى آخر، الحب هو الصفة الخالدة للحياة، التي لم تستطع أن تصل إليه، بل أن الكثير من الناس يغادرون الحياة دون أن يدركو معناه الحقيقي.
يضعنا الفيلم مجددا حول رغباتنا وأمنياتنا، أمام أنفسنا التي غاب عنها سحرها، وألقها الوجودي، بل يحفز من جديد أسئلتنا البدائية نحو الوجود، لننشئ نحن أجوبتنا، وتفسيراتنا له، ربما يجعلنا نقف قليلا، نأخذ أنفاسنا بدلا من اللهاث في هذا العالم لتحقيق رغبات مزيفة.
وأخيرا تمنح إليثيا أمنيتها للجني، تُخبر الجني أنها تتمنى أن يُحبها ويشتاق لها مثلما أحب حبيباته في حكاياته، طلبت منه أن تحيا الحب معه. يحقق لها امنيتها، وينتقل معها إلى موطنها، تحيا معه كنبتة تؤنسها، كمرآة تنظر من خلالها إلى نفسها، كصفحة وجود لحقيقتها التي ألغتها سنين طويلة بين الكتب والدراسات العلمية، تشتاق إليه، وتنهل من حكاياته، ولكن الجني بدأ يذبل فهي لاتمتلك حكايتها الخاصة، فتقرر أن تمنح الجني خلاصه وتخبره بأمنيتها الأخيرة، وهي أن يعود إلى وطنه.
و بعد ثلاث سنوات من رحيله تمتلك حكايتها وهاهي تجلس على مقعد في إحدى الحدائق لتكمل كتابة حكايتها، وفي اللحظة التي تغلق فيها دفتر مذكراتها، يعود لها الجني، ولكن هذه المرة دون أمنيات ،بل جاء من عالمه بإرادته، لأنه أحبها، وتدرك أخيرا أن الحب هو ما يبذل دون مقابل، وهاهي تمتلك حياة حقيقية وليست فقط حكاية تروى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل