الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الشيوعي يوسف أتيلا:3

سهر العامري

2006 / 10 / 14
الادب والفن


مرت السنة العشرون من عمر الشاعر يوسف أتيلا عليه ، وهو طالب في جامعة فينا ، ويبدو أن هناك ثلاثة عوامل دفعت به للرحيل لها ، يأتي في المقدمة منها قرار فصله من جامعة ( Szeged ) ، بينما كان العامل الثاني هو إجادة الشاعر للغة الألمانية التي هي اللغة الرسمية السائدة في النمسا ، أما العمل الثالث فهو قرب العاصمة الهنغارية ، بودابست ، من العاصمة النمساوية ، فينا ، حتى لكأن المسافر من احدهما الى الأخرى يسير في دولة واحدة ، وليس في دولتين اثنتين ، فالمسافة بين العاصمتين لا تأخذ من وقت المسافر ذاك أكثر من ثلاث ساعات بقطار يسير بين مروج سندسية ، غناء ، تسير أنى سار ذلك القطار ، تراها حيثما طاف بصرك ، وامتدت العيون منك الى الأفق البعيد .
ولكن الشاعر حين حل تلك الديار حلها وهو على شظف في العيش ، وحال بائسة في نبذ قاس تعرض لها طوال العشرين سنة من عمره ، كللت بطرده من الدراسة في الجامعة تلك ، لا لشيء إلا لأن كتب قصيدة ترجم فيها صدق مشاعره الجياشة ، وحرارة معاناته المستعرة ، تلك المعاناة التي تواصل على مدى سنوات طوال ، رأى فيها ما رأى من عذاب متصل ، وهو ما زال طفلا يحبو ، وفي جريمة لم يرتكبها هو على ما يراه الشاعر الفيلسوف ، أبو العلاء المعري ، في بيته الذي خطه على قبره ، والذي ظل على مدى تراكض السنون شاهدا على تلك الجريمة التي ادعاها هو :
( هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد )
فيوسف أتيلا ما كان ليكذب حين قال في قصيدته : قلب نظيف ، إنه لا يملك ما يملكه غيره من الناس ، يعيش في بحر من الحرمان ، تلاطمت أمواجه العاتية إمعانا في تعذيبه ، فبات على الطوى أياما دون أن يذوق فيها طعم الخبز ، ولكنه ، مع ذلك ، ظل متماسكا ، ولم تبلغ به الثورة ما بلغته من أبي العلاء المعري حين ضاق العيش عليه ، وانحبس الرزق عنه ، فقال :
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ....... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
يستمر الشاعر في عرض تراجيديا حياته تلك ، فيقول : ( بعد أن سمع عميد الكلية : Antal Lábán من أنني أبيع الجرائد خارج مطعم ( Rathus Keller ) من العاصمة ، فينا ، وضع حدا لذلك عن طريق تقديم ثلاثة وجبات غذائية ، مجانية لي في اليوم الواحد ، ومن مطعم الكلية ذاتها ، وزاد على ذلك في أنه هيأ لي فرصة تعليم طالبين أخوين ، هما ولدا : Zoltán Hajdu الذي كان يشغل المدير العام للمصرف الانجليزي النمساوي ) . ويضيف : ( من فينا ، حيث سكني الرهيب الذي أمضيت فيه أربعة أشهر دون غطاء يغطيني ، وصلت مباشرة الى قصر : Hatvan كضيف عند أسرة : Värdinna، زوجة :Albert Hirsch التي زودتني باجرة السفر ، وذلك حين عزمت على الرحيل الى باريس في نهاية صيف تلك السنة ، وحال وصولي لها سجلت نفسي كطالب في جامعة " السوربون " ) من باريس ، تلك المدينة التي قرأ فيها الشاعر نفسه الفلسفة عند هيجل ، ثم انتقل الى دراسة يساره ، فاعتنق الفكر الماركسي ، وهذا قبل أن يضم هو الى الحزب الشيوعي المجري . أما في الأدب فقد تعرف هناك على المذهب السوريالي الفرنسي ، ويبدو أن قصائده الشعرية التي كتبها على هدي من هذا المذهب ، وباللغة الفرنسية ، صارت تقرأها الناس على صفحات بعض المجلات الفرنسية هذه المرة .
بعد أن أمضى الشاعر سنة دراسية واحدة في باريس قضى صيفها في قرية صيد سمك تقع في الساحل الجنوبي من فرنسا ، عاد الى بودابست ، ليسجل نفسه في الجامعة من جديد ، ورغم أنه أكمل فيها فصلين دراسيين إلا أنه لم ينجز امتحان التخرج ليصبح مدرسا ، مثلما كان يرغب ، والسب في ذلك كما يقول هو : ( بعد تهديد البروفسور : Antal Horger لي ما كنت أظن من أنني سأحصل على عمل كمدرس . )
كان تهديد البروفسور ذلك قد جاء بعد أن نشر الشاعر قصيدته : قلب نظيف ، وهو في العشرين من عمره ، ويوم كان طالبا في جامعة ( Szeged ) ، تلك القصيدة التي يقول في بعض من أبياتها :
لا أما لي ، ولا أبا !
لا ربا لي ، ولا وطنا !
لا حبا لي ، ولا قُبلا !
لا مهدا لي ، ولا كفنا !
لم آكل لثلاث ليال ٍ
حتى لو كان المأكول قليلا !
سنوات العشرون هباء !
سأبيع سني العشرين .
إن لم يرغب أحد فيها ،
فالشيطان سيشتريها !
ويبدو أن التهديد في حرمان الشاعر من أن يكون مدرسا ظل قائما حتى بعد اغترابه ، وعودته الى المجر ثانية في صيف سنة 1928م ، قادما من مدينة الكومونة ، باريس ، محملا بالفكر الثوري بعد أن درس الفلسفة الماركسية هناك ، تلك الفلسفة التي قادته الى صفوف الحزب الشيوعي المجري السري بعد تلك العودة مباشرة طبقا لما قالت به بعض المصادر ، بينما ذكرت مصادر أخرى أن الشاعر قد انظم الى الحزب المذكور سنة 1930 م ، أي حين بلغ هو الخامسة والعشرين من العمر ، هذا في الوقت الذي حصل فيه هو على عمل في معهد التجارة الخارجية كموظف مراسل لهذا المعهد باللغة الفرنسية ، ولكنه سرعان ما ترك العمل في هذا المعهد رغم أنه ، بالإضافة الى إجادته لثلاث لغات ، يمتلك خبرة كبيرة في المراسلات التجارية باللغتين : المجرية ، والفرنسية ، ومع سرعة كبيرة في الكتابة على الآلة الكاتبة ، ومقدرة على الاختزال ، وتكنيك الطباعة ، وكان سبب وراء الترك ذاك هو أنه لم يعد يقاوم المرض الذي ألم به رغم صلابته الجسدية والعقلية ، مثلما يقول هو ، فقد أظهر الفحص الطبي أنه مصاب بإنهاك عصبي ، ولهذا قرر ترك ذلك المعهد خشية من إرهاق العمل المتواصل ، خاصة وإن المعهد المذكور كان حديث النشأة ، وهذا ما أدى به الى أن ينصرف ، بعد ذلك ، للعيش على ما توفره له كتاباته الأدبية ، قبل أن يصبح مديرا لمجلة تعنى بالنقد الأدبي تدعى ( Szép Szó ) ، ولكنه عاد وترك العمل في تلك المجلة من جديد ، وكان ذلك سنة 1936 م ، ولكنه ، رغم كل ذلك ، ظل متوقد الشاعرية ، يكتب القصيدة متى ما أشاء ، مثلما رد هو بذلك على صديقته ( Márta Vágó ) التي كانت تخشى من أنه لا يستطيع كتابة قصيدة يرحب بها بالكاتب الألماني الشهير ، والحائز على جائزة نوبل 1929 م ، ( Tomas Mann ) الذي كان في زيارة للعاصمة الهنغارية ، بودابست ، وذلك في كانون الثاني / يناير من سنة 1937 م ، وقد صدق الشاعر في رده ذلك ، رغم أن المسافة الزمنية بينه وبين الموت صارت تعد بالأشهر ، وليس بالسنوات ، فقد كتب هو قصيدة جملية بتلك المناسبة ، يقول في بعض منها ، مخاطبا الكاتب ذاك :
أنك تعرف أن الشاعر لا يكذب .
والحقيقة المتخفية لا تفي .
افصح عنها ، فهي التي تملأ العقل بالضياء .
ولهذا ، ودونهما ، الكل في ظلام .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «بوحه الصباح» رجع تاني.. «إبراهيم» جزار يبهر الزبائن والمارة


.. مختار نوح يرجح وضع سيد قطب في خانة الأدباء بعيدا عن مساحات ا




.. -فيلم يحاكي الأفلام الأجنبية-.. ناقد فني يتحدث عن أهم ما يمي


.. بميزانية حوالي 12 مليون دولار.. الناقد الفني عمرو صحصاح يتحد




.. ما رأيك في فيلم ولاد رزق 3؟.. الجمهور المصري يجيب