الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلاما أمنا الأرض فقد نزل فيك من نحب 3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 1 / 26
الادب والفن


خبراء الأقتصاد ورجال المال والأعمال والإحصائيات الدولية ووثائق الأمم المتحدة تقول (أن تجارة السلاح وملحقاتها هي أكبر وأعظم تجارة في العالم)، وتقدر مساهمتها بالدخل العالمي حتى أكثر من تجارة الغذاء ومستلزمات المعيشة، فرغيف الخبز الذي يكفي إنسان ليبقيه على قيد الحياة سنتات معدودة، أما تكلفة رصاصة مضمونه تنهي حياة إنسان بشكل مؤكد مع تشغيلها والإنفاق عليها من عدة وعدد تساوي بضعة دولارات أمريكية، بما يعني أن الإنسان الحضاري والذي يؤمن بالله والقيم الأخلاقية وحقوق الإنسان ووووو، ينفق قتل على نفسه عشرات الأضعاف من ثمن إبقاءه حيا يعيش بسلام، هذا ليس غريبا في الأمر وهو يتماشى مع كونه ظلوما جهولا، الغريب أن أكبر منفق لتجارة الموت هم الأكثر حرصا على تزيين الوجود وجعله شبيه بالأحلام الخيالية، يرسم لك جنة ويسحب سلاحه ليضع رصاصة في جبينك وبشرب نخب الأنتصار على الله، ويذهب يوم الأحد للقداس ليشكر الله أنه كان مؤمنا وأنه سيكون...
من غرائب وجودنا أيضا أن القتلة وبمعزل عن عناوين التقديم هم محل الأفتخار وموضع الإشادة وعلى صدورهم النياشين والأوسمة وهم الأبرز تاريخيا، مثلا نابليون وهتلر وستالين وخالد بن الوليد وتشرشل وبوش الأب، يتربعون في الكراسي الأولى من صف الخلود البطولي في تاريخ الإنسان، أما مخترع البنسلين ومكتشف الدورة الدموية وأول من أخترع الدواء المركز المستخرج طبيعيا من مصادره الطبيعية لينقذ حياة إنسان، مثل هؤلاء لا أحد يعرفهم إلا من المختصين والباحثين وقليل ممن بشعر بقيمة العلم في حفظ حياة الناس، بل لو سألت ألف إنسان ممن يهتمون بتاريخ البطولة ويكتبون الشعر ويمجدون السيف والحسام المهند والمدفع العظيم عنهم، لرأيت علامات الأشمئزاز على وجودهم لمجرد أن تذكرهم، هذا نوع من جنون الإنسان الذي يعشق الموت وأدواته ورموزه، والله حبب له الحياة وأراد له البقاء كأفضل ما يمكن، لذا فهؤلاء هم أعداء الله، وليس من قال أن الله غير موجود.
في حياتنا هناك الكثير من المفارقات ولكن أغلبها موجع دموي بشع حتى وكأنن نتعمد نشر البشاعة ضد أنفسنا، وطالما تكلمنا عن التجارة وعن كبار وكبار الكبار من التجار الدوليين الذين يسيطرون على أمبر خمس تجارات في العالم، السلاح الدواء الغذاء النفط وأخيرا الجنس ومشتقاته، نجد هؤلاء طبعا كلهم من ذوي الخدود الموردة والصحة العالية والنظرة الإنسانية جدا تجاه الإنسان ذاته، فهم يتبرعون سنويا ملايين الدولارات للأعمال الخيرية ويظهرون في حفلات التكريم وكأن أحدهم ملاك منزل من السماء ذا أناقة طاغية الفت أنظار الحسناوات والمجتمع المخملي، وسعادة غامرة وكلمات تدخل السرور على مستضيفيهم الذين هم أساسا عمالهم وأدواتهم للتسويق، هؤلاء أيضا لهم فلسفه أخرى في الحياة ملخصها، أجيدوا بأعلى درجات الإجادة كل فاعلية الأسلحة والذخائر وطورها حتى لأدق أدق التفاصيل.
أما الأدوية مثلا فلا تجعلوا منها كاملة المفعولية، فليس من مصلحة المصانع أن تنتج أدوية ذات فاعلية مؤكدة تساهم في الشفاء العاجل والمؤكد، لأن ذلك يعني حربا ضدهم، لا بأس أن يأخذ الفرد خمس علب بتكلفة كذا دولار بدلا من أن يأخذ كم حبه أو أمبوله للشفاء، فهناك أيضا خلفهم جيش من المنتفعين عمال خبراء دعايات مذاخر شركات نقل صيادلة، وكلهم بحاجة للعمل، والعمل بحاجة إلى أموال المريض الذي لا يملك إلا أن يبيع وجوده ليموت أو يموت لأنه غير مهتم بوجوده.
سأل أحد الفنانين السورين في واقعة كنت حاضرها شخصيا بعد أن توفيت زوجته نتيجة عدم كفاية فاعلية دواء الذي تتعالج به، قال له الطبيب أن البرتوكول الدوائي للمعالجة كان يستوجب إعطائها 4 أمبولات في اليوم، كل 6 ساعات أمبولة لتتجاوز مرحلة الخطر أولا، وبما أن الدواء المتوفر كان من شركات غير رصينة همها التجاري أعلى من همها المهني والعلمي فقد قضي عليها العلاج بدلا من شفائها، فخرج بمقال في اليوم التالي كتب فيه عنوان رئيسي "من قتل زوجتي؟ فالله برئ من هذه الفعلة"، وفعلا كان الله برئ من موتها، لكنني أدين عمال الله أنهم لم يكونوا على قدر المسئولية في مثل هذه الحالة، وأولهم الحكام أصحاب السلطة الذين هم شركاء القتلة في الجريمة.
والدتي أيضا قتلها الدواء وقتلها الحكام الذين لم يوفروا لرعيتهم سرير صحي بمعنى الكلمة، فقد سرقوا كل حصصها من ثروة الوطن وقالوا لها سنوفر لك بدلا عن هذه الحصص حياة كريمة، وبعد أن قبضوا كل شيء ذهبوا ليتناكحوا مع الشيطان ومع تجار الموت ليفتحوا باسم الحجة والكفيل والرسول الاعظم ووارث وووو الكثير من المقدسات والمقدسين دكاكين صحية تتاجر بالموت أيضا، لذا لم يكن بإمكانها ولا إمكاننا أن نجد لها علاجا حقيقيا ولا دواءا نافعا إلا أن نبيعهم وجودنا بالكامل، لأنهم أخبرونا أن الله قال لهم أنه لا يحبذ بقاءنا نحن الفقراء على وجه الأرض، لأننا مزعجين ونطلب أن نعيش مثلهم وهذا محال وخلاف المنطق والعقل، والله قد فضل بعضهم "حزب الله" على بعضنا درجات نحن "حزب الإنسان"، لا أعرف هل حقا قال الله ذلك أم أنهم كالعادة يكذبون منذ أن رفع قابيل حجارته ليهشم رأس أخيه هابيل، ولأن تحالفهم المقدس مع الشيطان ورجال الموت له قدسية خاصة ومحل أهتمام عظيم عند الرب اللعين.
حينما أكتب هنا عن ألآمي التي فجرها رحيل والدتي بعد معاناة عشر سنوات من امرض متراكمة كانت كل ما ورثته من وجودها تحت حكم القتلة السفلة، يقينا لست راثيا لها فقط، بل أرثي كل الإنسان المظلوم بعد أن جردوه من ثوب الله بلا عنوان، هذا الإنسان الضحية وليس القاتل ولا تاجر الموت ولا تاجر الدين ولا تاجر السلطة، فأولئك وإن بدوا جبابرة عتاة أصحاب قوة وسلطان، لكنهم في النهاية سيشاركون التراب مع كل الأموات، لا أحد منهم سينام في قبر من ذهب، ولا أحد منهم سيدفن في حجرة مغطاة ومحشورة حشرا بالدولارات، سيأكلهم الدود سريعا لأن أجسامهم غنية بالفيتامينات والدهون والشحوم وخالية من الأمراض التي أنهكت أمي، ومثلها ملايين بل مليارات الفقراء الذين عجزوا من أن يحدوا الدواء المناسب في وقته أو قادرين على شراءه، أو ممن قتلهم رصاص وأسلحة ووسائل تجار الموت الذين يلبسون وجه الملاك حينما يتحدثون عن الرحمة والتكافل الاجتماعي والمبادئ والقيم، هؤلاء أصحاب المبادئ الإنسانية ودعوات أحترام حقوق الإنسان والحفاظ على الديمفراطية وووووو الكثير من هذا اللغو الفارغ ليسوا إلا قاتل واحد أفرغ قلبه من الضمير وأفرغ ضميره من قلب.
كان يا ما كان
في قديم العصر والزمان
قبل أن يبتكر الرب لعبة العصيان
ويعلم الحيلة لبني الإنسان
كان الإنسان إنسان بلا شغف للحياة
ولا يخاف الموت والنسيان
كان يأكل الشجر والورق وما تعلق بالأغصان
كان قريبا جدا لروح الأرض
وطبع الماء
وكرم الشمس
وجمال القمر
حتى عرف إبليس
بتحريض من خالق الجنان
وقال هيت لك
هذا عدوك وبينكم عداوة وأفتنان...
لم يعرف كلمة عداوة ولم يعرها أهتمام
حتى وسوس له بمكيدة الرب
وزرع في ذاته أول شريحة أخلاقية وسماها
شيطان
ومن يومها يموت الإنسان كب يوم بيد الإنسان
ويلعن الشيطان
تصور هذه المشهد الكوميدي على مسرح الوجدان
وأبتسم
وأبكي
وأدفن رأسك بالرمال
أهرب حيث أستطعت
لن تنجو أبدا
فقد تلوثت براءتك
ولم تعد تصلح للحياة
خذها برصاصة
أو بعلة مرضية
أو بحسرة
تعددت الأسباب والقتل
واحد أسمه الإنسان
بعد هذا اسألكم جميعا
"من قتل أمي"؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال


.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا




.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك


.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي




.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_