الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من القبيلة إلى الدولة... من أين يبدأ الطريق (1-5)

احمد يعقوب ابكر
قاص وناقد

(Ahmed Yagoub)

2023 / 1 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مع إعادتها الاعتبار للمجتمع كمُتغيّر مُستقل ومُهم في علاقته بالدّولة. فتحت ثورة ديسمبر؛ المجال أمام إعادة النّظر في طبيعة العقد الاجتماعي - الذي ينظم العلاقة بين الفرد والدّولة، وبين المجتمع والدولة. لقد وضعت الثّورة التي اندلعت في نهاية العام 2018 مفهوم الدّولة العميقة، القائمة على تشابك مصالح الفساد مع مصالح المؤسسة الأمنية، وعلى حرمان المُجتمع من أي قدرة على الحركة المستقلة أو الحُرية أمام الطّاولة لإسقاطها.لكنها طرحت إشكالية أخرى تتعلق بشكل الدولة وطبيعتها التي تروم إعادة بنائها، وما يتعلق بها من مسائل مثل المواطنة وانهاء قضايا التمييز بين المجتمعات- وشكل الحقوق والواجبات؛ وقد برزت القضايا المذكورة آنفاً بشكل صارخ تبدّى ذلك من خلال المُمارسة في الفضاء السياسي الذي تحول الى فضاءٍ للعنف مع تحولاتٍ كثيرة نشهدها في تنامي ظواهر مثل الشرخ الاجتماعي والعنف والتّكتل القبلي والصّراعات السياسية التي تأخذ أطرها ومرجعيتها من الاحلاف القبلية وكلما ضعفت سلطة الدولة ونظامها انتعشت القبائل.
إن الكُتل والكيانات الاجتماعية اصبح صوتها أعلى وأقوى من ذي قبل؛ في المشهد السيّاسي. ولا أبالغ حين نقول أن تأثير الكيانات الاثنية في بلادنا أضحى أكبر من أي تأثير آخر سواء كانت أحزاب سياسية أو إئتلاف سياسي أو منظمات المجتمع المدنية أو النّقابات. إن القبائل لا تزال تتمتّع بسيادةٍ ما على نفسها، وعلى مواردها، وتواصل حكم نفسها بنفسها في كثير من المجالات بحسب قوانينها أو تقاليدها الخاصة، وهذا يفرض بعض التساؤلات؛ منها كيف يجري تقاسم السيادة بين القبيلة والدولة من دون إلغاء هذا أو ذاك من الفريقين؟ فكانت ان أضحت القبيلة ؛عقبة أو تحدٍ لتشكّل وقيام الدولة الوطنية في بلادنا في ظل سيطرة النّظم القبلية والصراعات المتكررة في الاقاليم والأطراف.
يتميّزُ تاريخنا السوداني بالعديد من التناقضات الفجّة؛ ففي مشهدنا السّياسي الذي أضحى مختبراً لتجريب كل الايدلوجيات التي أثبتت فشلها المريع من اليمين الى اليسار؛ كانت القبيلة هي (الايدلوجيا) الوحيدة المستقرة التي لا تتغيّر أبداً والتي يلجأ اليها كل المهزومين من النخب السياسة والمثقفين والادارات الاهلية باعتبارها البيت والحاضنة الرئيسية التي تؤمّن الفرد من غوائل الآخر؛ وسرعان ما يتم التخلي عن الايدلوجيا والفكر لصالح الكيانات الاثنية.
في ما مضى وفي هذه الاوقات يبدو سكان بلادنا وقد تمّ تقسيمهم تبعاً لقبائلهم وطوائفهم وجماعاتهم بدل الانتماء السّياسي والفكري العابر للتقسيمات الاجتماعية وهو ما أنتج مايمكن ان نسميه (هجيناً) حائراً بين الانتماء السّياسي والولاء القبلي، مما أتاح للفاعلين ومتعاطي السياسة فرصة لتفكيك عناصر قوة المؤسسات عبر استثارة النزعة القبلية وزجّها في مواقف سياسية ؛ أي غزو الدّولة عن طريق القبيلة وتفكيك نزعة أي مؤسسة (حديثة على غرار أن الدولة نفسها مؤسسة حديثة) كان ذلك عبر اقتصاد الريع العشائري حين تتحول الدولة الى غنيمة لقبيلة ما وعن طريق الدوائر الانتخابية والبرلمان وبفعل قوة النخب (زعماء القبائل) فقدت الدولة هيبتها وتحولت إلى مجال للغنيمة فنتيجة عزل القبيلة كأعضاء عن الدولة لصالح النخب القبيلة وعجز الدولة عن التعبير عن المجموع الوطني ومصالحه أصبحت الدولة في إدراك الناس وتصوراتهم حالة طارئة، وقانونها لا يطبق إلا على الضعفاء؛ لذا فإن أغلب الخاضعين للدولة من عموم الناس يحسون بالظلم والقهر وهذا جعل علاقتهم سلبية بالدولة.
وفي المخيال السوداني عموماً؛ ترى الفئات أو الكيانات القبائلية المستبعدة من الموارد والسلطة أن تنظيمات ماقبل الدولة والتي تشير الى القبيلة . ترى هذه الفئات أن هنالك قبائل محددة في السودان تسيطر على الموارد والسلطة وأنها مؤثرة في قرارات الأفراد وذات وزن في بناء التنظيمات الاجتماعية والسياسية الأخرى مثل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بل حتى في المؤسسات التعليمية مما حدا بالبعض بتأسيس روابط قبلية في الجامعات والمعاهد العليا في صروح أكاديمية يحاجج فيها الفرد بأن لاتكون مثل هذه الظواهر متواجدة.
نعيش اليوم في فضاء متوتر جداً مع تزايد القلق؛ وتصاعد الاحتجاجات المطلبية؛وحالة الّلاأمن التي تعيشها المجتمعات والتي بدأت في ترتيب صفوفها في مواجهة الدولة ( المتخيّلة) واقول دولة متخيّلة ؛ حيث أن هشاشة النّظم والتنظيمات السياسية وغياب البناء الفكري للتنظيمات التي تتعاطى السياسة أفرز واقعاً جعل تنظيمات ماقبل الدولة(القبيلة) تلعب دوراً مؤثراً في صياغة وتشكيل وصناعة القرار. ومما لا شك أنّ الأزمة التي تعيشها بلادنا هي نتيجة مباشرة للأزمة التي تعيشها الأحزاب السياسية وهي أزمة فكرية، وسياسية، وتنظيمية شاملة، كما أنّها أزمة فهم لمتطلبات الواقع، ومتطلبات التطور ومتطلبات بناء الدولة وبدايات طريقها، والانسجام معها، إذ أنّها أخذت في أشكالها الحالية، ونهجها وأساليب عملها تلعب دوراً معرقلاً لمتطلبات التطور، وتزيد من تفاقم الأزمة التي تعيشها مجتمعاتنا ، فهذه الأحزاب بحاجة ليس فقط لمعالجة أزماتها فحسب، بل ولتجديد نفسها باستمرار في جميع نواحي بنيانها.
وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن المنطقة أو الدولة الهشّة لديها قدرات ضعيفة على القيام بوظائف الحوكمة الأساسية وتفتقر إلى القدرة على تطوير علاقات بناءة متبادلة مع المجتمع. كما أن المناطق أو الدول الهشّة تعتبر أيضاً أكثر ضعفاً على صعيد الصدمات الداخلية أو الخارجية مثل الأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية. وتشير الهشاشة إلى طيف واسع من الحالات: دول تعاني من أزمات، ودول في حروب، وسياق إعادة الإعمار، والأزمات الإنسانية والطبيعية وحالات الفقر المدقع وهو واقع ينطبق على بلادنا كلّياً ووإلا لماذا يحتمي المواطنون ؛ هذا مع تحفظنا على كلمة المواطنة في سياقنا هذا بالقبيلة والعشيرة حين تتأزم الاحوال ويضعف الأمن الاجتماعي؟

يتبع..........
مراجع:
الدولة والقبيلة في السودان:القبيلة في دارفور مثلًا- عبد الله أحمد جلال الدين محمد – المركز الديمقراطي العربي
غلاب, نجيب. 2010. لاهوت النخب القبليّة. بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام.
وحدة الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية والإثنية في المعهد العالمي للتجديد العربي محاضرة فكرية بعنوان "انثروبولوجيا القبيلة في العالم العربي: نزعات نقدية"، 14/7/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة