الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن نعلق الجرس: من لبنان إلى العراق تفكيك الوطن

عمر أبو رصاع

2006 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الوطن ، بأي معنى يتحقق هذا الوطن؟وكيف يمكن لنا الحديث عن الدولة الوطن في غياب مفهوم دولة المواطن ؟هل يمكن أن تنتج ديموقراطية التوافق العرقي والطائفي والجهوي أحزاب وقوى وتيارات وطنية؟

نحن نعلق الجرس ، ونطرق ناقوس الخطر لعل وعسى نتوقف لحظة ويتوقف معنا العقلاء من أبناء هذه الأمة ننظر لحالنا ولمآلات أمتنا ولما يعصف بالنسيج الوطني العربي عامة من تحولات خطيرة تتجاوز المرحلي إلى الاستراتيجي ، تتجاوز حدود الأزمة لتتحول إلى تغيرات تضرب عميقا في قلب التركيب الوطني تفككه وتدمر نسيجه.

عندما تم ايقاف الحرب الأهلية اللبنانية ، تم ايقاف النزيف ؛ نزيف الدم اللبناني على أرضه ، إلا أن طريقة إيقاف النزيف حولته من نزيف دم حقيقي على الأرض إلى نزيف دم معنوي عمق الشرخ وقطع أوصال لبنان.

لم يكن اتفاق الطائف إلا صيغة من صيغ التوافق الطائفي الديموقراطية ، صيغة عمقت وكرست القسمة الطائفية في لبنان واعطتها صفة الديمومة قانونيا ، فآليات التفاعل التي حددها الاتفاق حولت زعماء الدم وامراء الحرب بالأمس إلى رؤوس للعملية الديموقراطية في لبنان! ولم تتغير الوجوه إلا أن نوع السلاح هو الذي تغير وأضيف الحريري للمعادلة كرأس سعودي للطائفة السنية التي أخرجت مبكرا في لعبة الدم واعادتها السعودية بقوة المال إلى تركيبة التوافق السياسي الطائفي، لذا ليس غريبا أن يتشبث زعماء الطوائف باتفاق الطائف وكأنه قرآنهم الكريم الذي لا يجوز المساس به او مقاربته أو فض إساره ، هذه القسمة الطائفية التي تم تكريسها في لبنان هي التي تحول دون ان تتحول صيغة المقاومة الطائفية إلى مقاومة وطنية حتى وإن أراد القائمين عليها ذلك كما تحول دون أن تتحول دولة الطوائف اللبنانية إلى دولة المواطن اللبناني.

لا يمكن أن نتوقع من حزب الله أن ينجح في ترجمة النصر الاستراتيجي الذي حققه بغية بناء دولة المواطنة المقاومة القوية العادلة في ظل هذا الاتفاق الذي يظل يشد الانسان اللبناني لجذور طائفية تحدد ليس فقط مكانه على الخارطة اللبنانية بل ومواقفه السياسي التي تنزعه طائفيا إلى حد التناقض مع المصالح القومية والوطنية أحيانا.

استمرار تكرس القسمة الطائفية في لبنان ليس فقط لا يسمح بتحول تجربة المقاومة اللبنانية الشيعية إلى ظاهرة وطنية عامة وتيار وطني لبناني بل أنه يحول وذلك الأخطر في لبنان دون أن يتحول لبنان نفسه من بلد تجتمع فيه طوائف دينية إلى وطن للانسان اللبناني ، يحدد فيه مواقفه على أسس سياسية وطنية وليس على أسس مصالح فئوية وجهوية وطائفية.

إلى الشرق من ذلك وفي العراق تحديدا تواصل الولايات المتحدة عملية لبننة العراق ، وكأني أمام تصورات كسنجر الشهيرة للحل الدائم والوحيد الممكن لاسرائيل حتى تصبح دولة مقبولة في العالم العربي ؛ من خلال تفكيك هذا العالم العربي واعادة صياغته على أسس مختلفة.

فإذا كانت مشكلة اسرائيل الرئيسة في المنطقة أنها تعيش كجسم غريب في قلب عالم عربي متجانس على أساس قومي واحد جوهره عنصري اللغة والدين فإن تفكيكه واعادة صياغته على غير هذين العنصرين يبدو الحل الأمثل ؛ بمعنى آخر إن كان الشرق الأوسط الجديد الذي تبشر به رايس واليمين الانجيلي المهيمن على سدة الحكم في البيت الأبيض هو شرق أوسط فسيفسائي فيه دولة شيعية وأخرى سنية وثالثة كردية في العراق أو حتى عراق بصيغة ملبننة صيغة توافق طائفي وعرقي ديموقراطي وفيه كيانات أخرى مستقلة أو توافقية ديموقراطية علوية وسنية ودرزية ومارونية وشيعية في بلاد الشام وربما سنية شيعية في السعودية ، ويتواصل التفكيك عبر تقسيم المقسم وتجزئة المجزء إلى ما لا نهاية ، حتى نكون أمام خارطة فسيفسائية متناقضة إذن فما الضير أن يكون بينها أيضا كيان عبراني يهودي؟!

إن كل وطن وكل بلد في الدنيا يقبل القسمة على هذه القواسم الطائفية والعرقية والجهوية إلى ما لا نهاية وكل بلد أو وطن ايضا يقبل صيغة التوحد على الأسس الوطنية التي تستمد جوهرها من قيمة المواطنة أولا وأخيرا وربما وصولا إلى ما بعد المواطنة في الدولة الأمة أي المواطنة في الدولة متعددة القوميات كما هو الحال في أوربا ، فمنطق الأمور أن التحلل الداخلي والتفكك الداخلي مظهر من مظاهر الهزيمة والضعف والعكس صحيح فالنصر والتقدم يبرزان عناصر التوحد والانسجام والاندماج .

لقد حرصت الولايات المتحدة وهي ترسم صورة العراق أن تكرس عناصر تمزق العراق ولبننته وأصلت ذلك عندما سمحت بصيغ الأحزاب الجهوية والعرقية والطائفية مما حال دون تبلور ونضوج الاحزاب الوطنية ذات البرنامج الوطني ، واضعة العراق وأهله أمام انموذج مليء بالمفارقات التي ليس أقلها إيلاما أن تطالب الأغلبية البرلمانية التي يقودها حزب الدعوة بالفدرالية ، ومن غرائب الأمور أن تطالب الأكثرية النيابية الحاكمة بهذا. فالعرف البشري السياسي دوما يشير إلى أن الأقليات هي التي تنزع للمطالبة بالفدرالية وليس العكس!

ليس أقل مفارقة أن يطالب رئيس وزراء هذه الاغلبية الأسبق "الجعفري" بأن يقوم العراق بدفع تعويض لإيران عن خسائرها في الحرب العراقية الإيرانية ، فهل سمعت الانسانية كلها برئيس دولة ما يطالب هو بنفسه بلاده بأن تدفع تعويض لبلد آخر عن خسائره في حرب دخلتها بلاده؟!


إذن للانسان العراقي في ظل هذه التوليفة الحق بأن يترحم على أي ديكتاتورية سبقت وهو يرى بلاده تمزق طائفيا وعرقيا وجهويا وتحكمها نخب لا تستمد تعريفها من صيغة الوطن ولا تعمل في إسارها ، نخب آخر ما يمكن أن تعرف به هو كونها عراقية.


على من الدور تاليا ؟ ربما سوريا المرشح الأول إذا وفقط إذا نجحت أمريكا في انجاز الخطوة الاولى في العراق ولبنان ، وإذا وفقط إذا فشلت الوطنية بالإنتصار على الطائفية والعرقية والجهوية ، و هذا لن يكون إلا إذا فشلت القوى الوطنية اللبنانية والعراقية من نقل مشروعها المقاوم من الصيغة المذهبية إلى الصيغة الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق