الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغاربة قادمون...!!

ادريس الواغيش

2023 / 1 / 26
الادب والفن


بقلم: إدريس الواغيش

أحيانا نجد أنفسنا في ورطة، إما أن نكون مع الوطن أو ضد الوطن، لا خيار ثالث بينهما. وهنا لن نتردّد في أن نختار الاصطفاف إلى جانب الوطن. كانت والدتي خديجة رحمها الله تقول لي دائما، ما معناه أن النهر سيعود النهر إلى مجراه، مهما طال به الزّمن. وهذا ما نلاحظه اليوم في ظل التغيّرات الهيكلية والجيوستراتيجية التي يشهدها العالم من حولنا، ظهور لاعبين فاعلين جُدد على الساحة الدولية، وغياب آخرين وهم يصرخون من شدة الألم وبشاعة الخسارة. المغرب قادم لا محالة، مهما تكالب عليه الأعداء في الداخل والخارج. سيعود إلى قوّته وأمجاده، كما يعود النهر إلى مجراه.
قد نتساءل هنا عن حسن نية أو من باب الفضول: لماذا تصرُّ بعض دول أوروبا سرًّا وفرنسا علانية، وإن بشكل حربائي، على معاكسة المغرب في وحدته الترابية؟ إن لم نقل تعمل على إضعافه؟ ولماذا كل هذا الإصرار على خلق دويلة في جنوبه؟ ألم يكفي فرنسا ما فعلته في الماضي من فصل للمغرب عن عُمقه الإفريقي، واقتطاع جزء كبير من أراضيه وتسليمها هدية إلى مستعمرتها السابقة؟ وهنا لا بد أن نستحضر مقولة الهواري بومدين: «سأضع حجرًا في حذاء المغرب»، وهو يحاول مع القذافي خلق دويلة ممسوخة في الصحراء المغربية. الفكرة على غباوتها لم تكن من إبداع بومدين، ولا من فكر خياله، وإنما هي بإيعاز من دولة نسميها فرنسا مجازًا، مادامت الجهات الرسمية في المغرب لم تسميها صراحة. فرنسا التي تعتبر نفسها قوة عظمى في أوربا، أعطتها قبل أيام فقط بوركينا فاسو مهلة لسحب قواتها من أراضيها، وقبلها فعلتها دولة مالي. وإذا أردنا أن نكون أكثر وضوحا، نقول إن فرنسا هي من تحرك الجزائر، وهي التي صنعتها على مقاساتها في شمال إفريقيا كدولة وظيفية، ولازالت تحرك عساكرها والناطق المدني باسمهم من وراء ستار ولأهداف واضحة: تأخير نهضة المغرب، وإضعاف سيادته وإقلاعه الاقتصادي.
حين عجزت فرنسا منفردة بزعامة ماكرون الحالم بأوهام نابوليون، بصفتها دولة وظيفية في أوروبا، عن إيقاف تقدّم المغرب وإسكات صوته أو إعطائه التعليمات، كما تعطيها لغيره، استنجدت بالبرلمان الأوروبي، واستعملت أذرعه الجمعَوية كآخر طلقة لها. ولكن تبيّن أن هذا الاجتماع لم يكن سوى فقاعة صوتية أمام تنوُّع حلفاء المغرب الأقوياء عسكريا وتجاريا وصناعيا، يبدؤون من الهند وكوريا الجنوبية والصين شرقا وإسبانيا وإنجلترا وروسيا شمالا إلى الولايات المتحدة الأمريكية شرقا، وهي القوة العسكرية والاقتصادية والصناعية العظمى في الكون.
لا أحد منا أو فينا ينكر أنه توجد لدينا مشاكل اقتصادية واجتماعية وفي حرية التعبير وعراقيل في حقوق الإنسان، كما توجد في باقي دول العالم، بما فيها تلك التي تحاكمنا اليوم في برلمانها الأوربي، ومعها حتى الدول الأكثر تقدما وتحضرا وتطورا. ولكن دعنا نتساءل بتروّي هنا: متى كانت حقوقنا الإنسانية، وحرية التعبير عندنا كمغاربة تهم الدول الأوروبية وبرلمانها في بروكسيل؟ ألم تظهر الأحداق بأن "حقوق الإنسان" ما هي إلا ورقة ضغط لانتهاك حرمة بحارنا واستغلال خيراتها ومحاصرة تجارتنا شمالا، وفزّاعة تشهرها في وجهنا متى شاءت وانحازت مصالحها، وتضغط بها سياسيا على الدول والرؤساء الحكومات في إفريقيا وجنوب أمريكا والدول النامية والمتخلفة على السواء؟ وهل أصبحنا وحقوق الإنسان فينا مهمّين إلى هذه الدرجة عند الإنسان الأوربي والغربي عموما دون علم منّا؟ وهم الأكثر اعتداء عبر التاريخ على حقوقنا باستعمار بلداننا ونهب خيراتنا...!!
ورغم كل ذلك، فإننا عائدون إلى أمجادنا مهما حاولت فرنسا أو فعلت كقوة استعمارية تقليدية، لنا ما يكفي من مقوّمات العَودة. أوروبا كاملة تعرف تاريخ المغرب أكثر من غيرها، وسبق لشعوبها أن جرّبت بأسنا في عدة مواجهات معها عبر التاريخ القديم والجديد في البر أو البحر، وتعرف عبقرية المغاربة وذكاءهم وبأسهم وصبرهم على الشدائد. ونعرف نحن من جهتنا ما لنا وما علينا، ولن يعطل مسيرتنا قرار طائش ومتهوّر من وزير في الداخل أو هرطقة معارض أو جهة في الخارج. الدول الفاعلة سياسيا أدركت أن الدخول إلى إفريقيا لن يتم إلا بطريقتين، إما محو دولة المغرب، وهو من باب المستحيلات أو التعاون معه، إلا دولة فرنسا وبعض دول أوربا ارتأوا عكس ذلك.
اجتماع الاتحاد الأوروبي (27 دولة) الذي يعاني على كل المستويات: طاقيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا من أجل إدانة دولة واحدة هي المغرب، ومعاداته في وحدته الترابية بحجج واهية، يثبت بالدليل القاطع أن المغرب قوي ويخيفهم، ولكن ما يضعف هذه القوة هو ترنحها من حين لآخر، لأنه في الوقت الذي تتقوّى جبهتنا الداخلية، تنزل علينا قرارات بعض الوزراء في الحكومية المغربية كالمطرقة، سواء عن قصد أو غير قصد، وكأنها تريد إضعافنا من حيث تدري أو لا تدري. ولكن من حسن حظنا أن الوعي الشعبي المغربي حاضر ويعي ما يجري حوله، ووجود جبهة خارجية تقويها دبلوماسية حكيمة وقرارات ملوك كانت عبر التاريخ متريّثة وحكيمة. ولا عجب أن نرى تقدما في قطاعات سيادية، وتردّي في مكونات داخلية في بعض الوزارات مثل قطاع التعليم، أصبحت فيه شيع وقبائل وتنسيقيات مختلفة في ذات الوزارة الواحدة: مقصيّين من خارج السلم، أصحاب الزنازين، حاملي الشهادات العليا، متقاعدون، متعاقدون، تنسيقية حاملي الدكتوراه في الابتدائي والإعدادي وأخرى نظيرة لها في الثانوي التأهيلي. وهذا يبيّن أن هناك تدبير عشوائي لا يرقى إلى طموحات الدولة المغربية في بعض القطاعات والوزارات، ليس التعليم إلا نموذجا له، ويظهر كأن المغرب يسير بسرعات متفاوتة، وهذا الترنح قد يعطل الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي بشكل متوازن، ويعطي في نفس الوقت لخصومنا بعض الأوراق الرابح.
هناك من الدول من يعمل على تقوية الدولة المغربية والتعاون معها، كما هو الحال بالنسبة لأمريكا والصين وإنجلترا، قبل أن تلتحق بالركب كل من ألمانيا وإسبانيا، إما رغبة منهما أو تحت الضغط الذي فرضه المغرب كأمر واقع أو انتظار فرصة ما للتعبير بشكل مختلف، لأن أوروبا عوّدتنا ألا نثق بها كثيرا. الجوار الأوروبي يحفظ تاريخنا القديم والجديد، كما نحفظ تاريخه، وصراعنا مع الشمال والشرق لم يكن وليد اليوم، وما نقصده بالشرق هنا ليس دولة(هُوك)، وإنما القوى التي جاورتنا في الشرق مثل الفاطميين والعثمانيين، قبل أن تظهر دولة الجزائر في الجوار مع خروج الفرنسيين منها، ولا داعي للتذكير أن فرنسا هي من أسستها 1962م بقرار إداري، وقبل أن تخرج اقتطعت ما شاء لها من أراضي المغرب وسلمتها لمستعمرتها القديمة.
الظاهر أن ملامح قوة المغرب، بصفته دولة عريقة منذ القدم بتاريخها وحضارتها وما تحققه من إنجازات، بدأت تقلق بعض الدول الأوربية وتخيفها أحيانا، خصوصا بعد أن بدأ المغرب في اقتحام الكثير من المجالات الصناعية والصناعات الدقيقة، وهذا بكل تأكيد هو ما يرعب الخصوم ويخيفهم. ولكن ترنح جبهتنا الداخلية أحيانا يطمئنهم، وما يلاحظه المتتبعون من احتجاجات قطاعية في شوارع الرباط وكثير من مدن المملكة، وهو ما يجب العمل على تقويته، والأمر لا يتطلب من الدولة أكثر من تواصل جدّي وهادف مع فئات هذه القطاعات، بعيدا عن خرجات بعض زعماء الأحزاب المشكلة للحكومة. نحن لا نشكك في وطنية أحد، ولكن لا يجب أن نهمل وفاء الطبقات المتوسطة والكادحة التي عوّدتنا على حب الوطن في المحن، والوفاء له ولملوكه في أكثر الفترات الحرجة التي مر منها المغرب، من عهد السلطان محمد الخامس رحمه الله في زمن الحماية إلى عهد الملك محمد السادس نصره الله. وقد رأينا كيف قاوم الفقراء وأبناءهم الاستعمار الفرنسي وجنوده، وكيف كانوا أول من استقبل السلطان محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى وهم حفاة يلبسون جلابيبهم البسيطة.
مقومات عودة المغرب إلى أمجاد الامبراطوريات الشريفة التي تعاقبت على حكمه منذ الأدارسة والمرابطين والموحدين والمرنيين أصبح مسألة وقت، بالرغم من مناهضة فرنسا أو من ينوب عنها من أصوات مزعجة ولوبيات فرنكوفونية في الداخل والخارج، لأنها مستفيدة أكثر من غيرها من خيرات البلاد. والمغرب كما نعلم ونرى بأم العين لم يعد دولة مصدرة فقط لليد العاملة، بل أصبح كذلك دولة مستقبلة لليد العاملة الإفريقية، وما نراه من هجرة للعقول المغربية أو اليد العاملة نحو الخارج، ما هو إلا طموح في تحسين مستوى العيش، وليس بحثا عنه أو رغبة في الأمن والأمان. ولذلك لم يعد أمام فرنسا حاليا خيارات كثيرة، إما أن تقبل بنصف خسارة أو خسارة كاملة، في معركة لم يعد الربح فيها مضمونا. أقول لفرنسا أن المغاربة قادمون، وسنرى في المستقبل القريب مغربا مختلفا. والأيام بيننا...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى