الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية الظلم والظالمين والمظلومين

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 1 / 27
الادب والفن


نتكلم كثيرا عن الظلم الذي لحق بنا من الأخر الذي سماه أحدهم بـ "الجحيم" ونلقي كل غضبنا وضيقنا وإنزعاجنا من هذا الجحيم، لكم في أكثر الأحيان ننسى أننا لسنا الجنة التي وعد المتقون، كما ولسنا الملائكة الصافين ولا المسبحين، ولا الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، من عادة البشر أنه يشكو ويبث حزنه عندما تضيق فيه السبل، أما لو كانت الدنيا ربيع والجو بديع فينسى حتى أسمه وينسى مرارة الألم والظلم والقهر، ولا مانع لديه أن يفعلها إن أمكنه ذلك أو أمكنته الظروف أن يفعل حتى ما لم يفعله أبلس الأبالسة إلا ما رحم ربي، وهؤلاء ذر قليل وعملة نادرة في زمن صعب وأمور في غاية التعقيد.
فمن ظلم غيره فهو بالأصل قد تعرض لظلم في ذاته أو على ذاته أو لأجل ذاته، فالظلم مثل الفايروس يتنقل بالملامسة أو بالعدوى أو بطريق الزق أحيانا، كما يزق بعض الأصحاء بفايروس ميت ليمنح مناعة للجسم من الفايروس الحي، هنا قد لا يكون الفايروس ميتا بل ساكنا فبصيب البدن بالعدوى بدل أن يحصنها، الظلم مرض نفسي وأعتلال عقلي وعوق روحي يصيب الإنسان في مقتل، فلا يوجد هناك ظالم بالمطلق ولا مظلوم لم يظلم والمنطق هنا دوما نسبي، في التعميم والتقصير حسب الظرف والتربية والشعور الإنساني بفداحة الخسائر التي يتلفها الإنسان ذاته ظالما أو مظلوما.
ما يشعرك حقيقة ببشاعة الظلم هو أن تقف على قبر أو تحضر عملية دفن إنسان يعز عليك ان تفارقه ليس لأنه يخصك فقط، أو أنك تتعلق به كمحب أو عزيز تربطك به روابط روحية نفية بيولوجية مثلا، ولكن عندما يكون هذا المغادر محطات الدنيا كلها قد حمل ظلم وأسى كبير لم يستطع ولم يقدر أن يتخلص من بشاعة ما لحق به من قهر وهوان وأستغلال، وكل مسمى يتصل بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ظلم الواقع... وظلم الموقع... ظلم الزوج أو الزوجة.... ظلم الأب والأم... ظلم الأباء والبنات، كل ذلك ظلمات تعددت والسبب واحد أن الظالم لم يدرك حقيقة أنه سيكون في محل المفعول به غدا بدل ان يكون فاعلا اليوم، ولكن أظلم الظلمات تلك أن تتعرض لظلم من كافحت لأجل أن لا يظلم من أحد ولا يظلم أحد، دون كلمة إحسان أو شكر وأمتنان ومع ذلك تنال منه مظلمة قد تكون بقصد أو نتيجة أننا بالتركيب والتكوين، هكذا نحن حساسون فقط للفعل عندما يقع علينا فتهيج مشاعرنا وتصرخ أحاسيسنا.
في فقه المظلوم أنشودة التعجيل لرجل من بني نوح أو ربما من قوم لم يعرفوه، لكنهم ما زالوا ينادوا
يا سيدي يا نوح .....
متى تقترب مني ...
أنا ومتاعي طائف على وجه الماء ...
يكفيني لوح إن لم تسعني السفينة .....
قرب المساء أن يحكم أوقاته وأخاف حلكة الظلام.
فانوسي يكاد بنفذ منه الزيت ...
عجل بسعيك
وأسرع بكيدك
انت مأمور
وأنا بك مأسور
الوحا بعد الوحا ثم الوحا
الساعة بعد الساعة ثم الساعة ...
مدد يا نوح مدد.
الخشبة تكفي للنجاة في طوفان نوح ... لكن جبل بحجم قاره لن ينجيك، قد يكون للخشبة دور المنقذ ضد ظلم الواقع، لكن الجبل عنوان القدر حين يعجز أن ينقذك من ظلم نفسك... هكذا أقرأ النص وهو لي...
أمي التي كانت هنا
نجوت من الطوفان
بعد أن حملك الزمن حقائبه الثقيلة من ظلم الظالمين
بم تشعرين
سامحت أحدا منهم
منا
نفسك
الأخرين
أمي
لا أنكر أني واحدة من تلك الحقائب
وما احمل الآن شبيه بما تحملين
وأنتظر المزيد
فقد كتب الرب على عنوان كتابي
الظالم المظلوم
كما قرأت على كتب الحاضرين
نفس العنوان
ولكن بخطوط وألوان كثيره
اليوم تذكرت وقد مرت ثلاثة ليالي من قبل هذه الليلة أني ما زلت أهذي دون أن أجعل من حزني عليك مظلمة.... أعرف تماما أن الوضع عندك الآن عقلا غير مفهوم، ولكن ما أعتقده وأظن أنك تتحرري الآن من تلك المحمولات والحمولات ولم يعد يعنيك موضوع الظالمين، ولا المظلومين ولا حتى تشعرين بالظلم، فقد فات قطار المشاعر وجمدت الأحاسيس ولم يبقى سوى أنتظار وجه الله الجميل....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR