الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتحي محفوظ يكتب عن قصيدة الزائر للشاعر السمّاح عبد الله

السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)

2023 / 1 / 27
الادب والفن


أولا: القصيدة:

اَلزَّائِرْ
شعر: السمّاح عبد الله

لا خُبزتي تكفيه ما طلبَهْ
والليلُ عسعس
طالبا حطبَهْ
وذبالة القنديل قد خفتتْ
والزيتُ طقطق
مطفئا لهبَهْ
وترقَّصَتْ أشباحُه حولي
خبط الجدارةَ
معلنا حَرْبَهْ
عَدَّ الهواءَ علىَّ
في صمتٍ
والكوبُ كسَّره
وما شَرِبَهْ
ماذا تريدُ؟
أريد حاجاتي
حيطان هذي الدار
والرَّحَبَةْ
وأريد عينيك اللتين أرى بهما النهارَ
فأبتدي دَرْبَهْ
وأريد قلبك بالذي فيه
وأريد جرحك
نازفا حُبَّهْ
هذي المنامة لي
وذا وَرَقي
والمقعدُ البالي وقد سحبَهْ
ولقيتُني أنسلُّ مختبئا
بين الحوائجِ
لابسا ثوبَهْ
وكلامُه ينسابُ في صوتي
لكأنه في الجوف قد صبَّهْ
هذا قصِيدي
قاله وَجِلا
وأنا الذي بالأمسِ
قد كتبَهْ.

ثانيا: القراءة:

الاستلاب مكتملا

يحدثنا الشاعر الكبير السماح عبد الله عن رجل جاءه ليلا. إنه حديث الواثق الملم والخبير ..
" لا خُبزتي تكفيه ما طلبَهْ "
علينا أن نتيقن من أن ثمة أحداثا جرت قبل أن يقوم النشيد بالإفاضة، ثم يخبرنا المنشد بأن ما كان يملكه من خبز أقل مما كان يطلبه. تري من هو المنشد؟ إنه رجل يعاني من نقص الخبز الذي يكفيه وغيره. نقص في التدبير يسترعي انتباهنا، ويبقي السؤال التالي، من هو الآخر. يقول عنه إنه زائر جاءه في خفاء الليل ..
" والليلُ عسعس
طالبا حطبَهْ
وذبالة القنديل قد خفتتْ
والزيتُ طقطق
مطفئا لهبَهْ
وترقَّصَتْ أشباحُه حولي "
ثم يرسم النشيد في أناه تلك الحدود الفاصلة بين الليل وظلامه، والضوء وسناه: يطلب منه الليل المظلم أن يسعي إليه بالضوء، فحطب النار قد نفد، ومسرجة الزيت قد طقطقت لنفاد زيت الوقود. ظلت مشتعلة حتي انطفئت ذبالة الضوء الأخيرة، ومن ثم بانت خيالات الأشكال في ثوبها الشبحي .
" خبط الجدارةَ
معلنا حَرْبَهْ "
خبط زائر الليل جدار سكنه ليعلن عن قدومه، وقد ارتبط مجيئه بقدوم الليل. يمنح النشيد ذلك الطابع لفعل الزيارة خلافا لمضمونها. تتناسق خبطات الجدار مع خبطات المسرح قبل بدايات العرض، ودخول ذلك الحشد التمثيلي فرادي. يتناسق الطابع العام للزيارة، مع الصورة النمطية للاقتحام، ويتناسق إعلان الحرب بين الزائر المقتحم لحدود المسكن، وبين المنشد لتطوير فعل مرادف للزيارة, إلي فعل مؤكد للاقتحام، إلي الصيغة الضارية لإعلان الحرب، ومن ثم تتحول الشخصية بترادفاتها من صورة الزائر الي المقتحم ثم المحارب ..
" عَدَّ الهواءَ علىَّ
في صمتٍ
والكوبُ كسَّره
وما شَرِبَهْ "
إن الصورة العامة لأوجه الحرب المعلنة بين زائر الليل المحارب المقتحم الصفيق المدرب المحنك, وبين المنشد، تتوالي في ظل أفعال ترسخ في وجودها حالات العداء. ثم وهذا هو الأهم، لتمنحها ذائقتها الخاصة: قيام المقتحم بكسر كوب الماء دون أن يشربه، وقيامه بإحصاء عدد الأنفاس التي يتنفسها، وقيامه بعد الأنفاس يمنحنا مؤشرات تفصح عن رغبة الزائر في تقصي الارتباطات الحميمة بين المنشد والآخرين ..
" ماذا تريدُ؟
أريد حاجاتي
حيطان هذي الدار
والرَّحَبَةْ "
ويبدو من الحوار المضمن أن هناك حاجات يرغب الزائر في حيازتها، وفي ظل هذا، أعلن الزائر عن حاجته إلي حيازة كل ما كان المنشد يمتلكه، فالزائر يعتبر أن حيطان البيت ورحبته من ممتلكاته، وبذا يقوم النشيد بتطوير صفات الزائر وتحولاتها التاريخية من حالات زيارة نمطية إلي زيارة مقتحمة، إلي زيارة ذات طابع حربي، وانتهاء بترسيم صفات الاستلاب وترسيخ مضمونها ..
" وأريد عينيك اللتين أرى
بهما النهارَ
فأبتدئ دَرْبَهْ
وأريد قلبك بالذي فيه
وأريد جرحك
نازفا حُبَّهْ "
وفي صورة ماتعة، يقوم النشيد بحصر قوائم الأسلاب. انتزاع العينين من كهفيهما البصريين، حتي يمكن للمستلب أن يري بهما ضوء النهار، ويريد القلب الذي ينبض بكل ما يحمله من موهبة وأسرار وعواطف جامحة، وجروح نافذة في سويدائه:
" هذي المنامة لي
وذا وَرَقي
والمقعدُ البالي
وقد سحبَهْ "
تستمر قوائم الأسلاب : المنامة, ورق الكتابة, مقعده البالي ..
" ولقيتُني أنسلُّ مختبئا
بين الحوائجِ
لابسا ثوبَهْ "
لقد فقد أشياءه، واختبأ منزويا بين حوائجه، بعد أن تبادلا الثياب. ملابسه في مقابل الثوب الذي كان السارق يرتديه ..
" وكلامُه ينسابُ في صوتي
لكأنه في الجوف قد صبَّهْ "
ثم يحدثنا النشيد عن وقائع الاستعمار، وكيف انساب صوت المستلب في صوت المنشد، وكأنه قد قام بصبه في قلبه :
" هذا قصِيدي
قاله وَجِلا
وأنا الذي بالأمسِ
قد كتبَهْ. "
يدعي الزائر المقتحم المحارب المستلب المستعمر أن قصيدة الأمس التي قام المنشد بإبداعها هي قصيدته، كما ينبغي أن تكون، ووفقا لمنطق الزيارة المقتحمة، وطمس الحقائق بتبديل وقائعها، هو جزء من مشقات المبدع في عالم يسوده الفوضى والقهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة