الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلوس في كتاب :حول غزو الظلام لبختيار علي

دلير زنكنة

2023 / 1 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



بقلم: بكر أحمد
ترجمة من الكردية: دلير زنگنة

عندما يبحر تشارلز مارلو ، بطل قلب الظلام لجوزيف كونراد ،على ظهر سفينة "ياولن" البخارية، عبر نهر الكونغو إلى محطة عليا لشركة إستعمارية في إحدى المستعمرات الأوروبية ، يريد مقابلة ممثل الشركة الساكن هناك ، السيد كورتز.....لكنه يشعر بالتدريج أن الأمور ليست على ما يرام. ما يجري ويحدث هناك يصبح جوهر وصف كونراد لهذه الرحلة ، والذي يظهر لنا في كتاب صغير ركنًا صغيرًا من هذا الاستعمار لجزء من إفريقيا. يعتبر "قلب الظلام" أحد أعظم كلاسيكيات الأدب لإظهارها جزء صغير من المشروع الاستعماري في الكونغو. مشروع يقوم على قمع واستئصال "الآخر" المتوحش الذي يعيش خارج حدود أوروبا البيضاء والمتحضرة ، من أجل، حسب الرجل الابيض، أن يُروض و يصبح إنسانًا متمدناً.

للسيد كورتز دافع رئيسي هو الكراهية و الحقد تجاه الاخر البربري. إنه ينظر إلى تقربه مع السكان المحليين على أنه فعل جنسي بل إنه يتخطى حدود الرغبة المسموح بها. قبل سفره إلى الكونغو ، كتب مقالًا حول كيف يمكن للرجال البيض تغيير حياة إفريقيا ومواطنيها. غير أنه يقترح طريقة في الأجزاء الأخيرة من الرواية. الطريقة ليست سوى ثلاث كلمات: Exterminate all the brutes. ..... اي: أبيدوا كل الوحوش! " (1) 
في كتابه الشهير ، بنفس عنوان الكلمات الثلاثة للسيد كورتز في قلب الظلام ، يؤكد سفين ليندكفيست أن عملية الهولوكوست لم تبدأ في أوشفيتز وأن هذه النظرة لوضع الإنسان في أفران الحرق متجذرة بعمق في التاريخ الأوروبي.
باختصار ، "قلب الظلام " لكونراد ، نظرة عنصرية للمستعمرين تجاه الآخر ، الوحشي ، غير المتمدن .
و ستساعدني في قراءتي ل"غزو الظلام " لبَخْتيار علي.

يجعل بَخْتيار علي في "غزو الظلام " (2) تماما كجوزيف كونراد من النظرة "الى الاخر" في مكان و جغرافيا اخرى ،موضوعًا لواحدة من الروايات المهمة عن أقلية عرقية ومحاولة محو هويتها ، أوائل القرن العشرين اثناء عملية بناء اجتماعي لتركيا جديدة بنفس المعايير الأيديولوجية للسيد كورتز . باختصار: تحضير مشروع "عنصري علمي" لترويض "الآخر" أو بالأحرى "الآخرين" ووضعهم خارج حدود العيش المشترك الاجتماعي الذي أحدثه إنشاء جمهورية تركيا الجديدة. في رأيي ، هذا المنظور للحالة الكردية في تركيا كما تم تقديمه في "غزو الظلام " هو منظور جديد ويتجاوز الرؤية الشائعة حول الحركة القومية الكردية. يمكن التوقف عند و مناقشة و شرح هذه النقطة بشكل أكبر.
هذه المرة ، سيحل طارق أكانسو محل السيد كورتز وسيصبح شرق تركيا هو نهر الكونغو. لكن الرحلة هي نفس الرحلة والهدف النهائي هو نفسه. 


برج بابل

1 وَكَانَتِ ٱلْأَرْضُ كُلُّهَا لِسَانًا وَاحِدًا وَلُغَةً وَاحِدَةً. 2 وَحَدَثَ فِي ٱرْتِحَالِهِمْ شَرْقًا أَنَّهُمْ وَجَدُوا بُقْعَةً فِي أَرْضِ شِنْعَارَ وَسَكَنُوا هُنَاكَ. 3 وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَلُمَّ نَصْنَعُ لِبْنًا وَنَشْوِيهِ شَيًّا». فَكَانَ لَهُمُ ٱللِّبْنُ مَكَانَ ٱلْحَجَرِ، وَكَانَ لَهُمُ ٱلْحُمَرُ مَكَانَ ٱلطِّينِ. 4 وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لِأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا رَأْسُهُ بِٱلسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لِأَنْفُسِنَا ٱسْمًا لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلْأَرْضِ». 5 فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ لِيَنْظُرَ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْبُرْجَ ٱللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. 6 وَقَالَ ٱلرَّبُّ: «هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهَذَا ٱبْتِدَاؤُهُمْ بِٱلْعَمَلِ. وَٱلْآنَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. 7 هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ». 8 فَبَدَّدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلْأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ ٱلْمَدِينَةِ، 9 لِذَلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا «بَابِلَ» لِأَنَّ ٱلرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ ٱلْأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ ٱلرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلْأَرْضِ.(3).

ما وردت أعلاه احدى القصص الجميلة في التوراة عن بناء برج بابل. في هذه القصة غير الله التواصل اللغوي بين البشر و "بَلبَل" لسانهم حتى لا يفهم أحدهم الآخر. من أجل ، كما يشير النص ، تفريقهم وتوطينهم في اماكن اخرى لإنتاج التعددية اللغوية وخلق القبائل المختلفة. وهذا بالطبع في نص تاريخي مكتوب و مغلف بقدسية الدين.
لكن بعد قرون من الطوفان ونزول كما ذُكر، سفينة نوح في جبل أرارات ، و تفريق الله للبشر الذين يتحدثون الآن لغات مختلفة ، تأتي قوة سياسية ، وتحول غزْل الله هذا إلى صوف ، وتعتزم استعادة الوضع السابق لأحادية اللغة على الأرض.

"غزو الظلام" هي قصة محاولة إنشاء اللغة الواحدة في تركيا الكمالية في أوائل القرن العشرين ،من خلال حرمان الكرد من لغتهم و اجبارهم على نسيانها.

في مايو 1945 ، تم إرسال طارق أكانسو ، أحد الأبطال الرئيسيين لغزو الظلام ، من إسطنبول في مهمة خاصة إلى جنوب شرق تركيا لأجل فرض احادية اللغة التركية على القبائل المختلفة في البلاد. 
قبل مغادرته ، التقى بالرئيس عصمت إينونو ، وعقد معه اجتماعًا مغلقًا طويلًا ، وتلقى منه الأوامر و السلطة من أجل فرض اللغة التركية في جميع أنحاء شرق وجنوب شرق البلاد. "

باستلام مهمته الجديدة، سينهي طارق أكانسو مسؤولياته القديمة كمدير للجنة الأمن اللغوي. في وظيفته القديمة كموظف في اللجنة ، كان واجبه "تنظيف اللغة التركية من جميع الكلمات الاجنبية، بتهيئة الظروف لإنشاء دولة يسكنها عرق تركي خالص ، "دون أي عرق مخرب ودماء قذرة وعقول انفصالية ." 
عندما غادر اسطنبول ، جاء بشعور: "بانه في المناطق الجبلية والأماكن الوعرة في شرق تركيا ، لا تزال هناك قبائل لم تتطور و تتمدن بشكل كامل. "

إن تعليم هذه القبائل المستقرة في شرق تركيا للحضارة الجديدة و تمدينها هو الخط الاحمر الاساسي الذي يمتد على طول جسد هذه الرواية ، ومع تقدم الأحداث ، تصبح هذه النظرة العنصرية لأكانسو أكثر وضوحًا، و إحساسًا بها عند القارئ.

في لقاء ودي مع أكانسو ، يرى عدنان عارف باشا أن محو لغة وحوش شرق تركيا وحده لن يحل المشكلة ، فيقول له بصراحة: " اذا اردت، انت و اولادك ان تموتوا ميتةً جيدة ، فيجب ان تُفهمهم ، و ان تعلمهم أن هناك جدار سميك بيننا وبينهم ، جدار يجب أن يستمر إلى الأبد. لقد جئت لأخبرك ألا تثق بأي منهم. …اتبع قاعدة أخرى أيضًا ، اعرف شيئًا آخر أيضا، مهما كان هؤلاء هذا شيء اخر، هم أفاعي ، عقارب، قطط، أرانب ،حمام، لا يهم. يا طارق اكانسو! لا تنخدع ، كن حذرًا ، لا يمكن ترويض الوحوش ، يمكن فقط اصطياد الوحوش. "

مع نصيحة عدنان باشا هذه ، يأخذ أكانسو آرائه الفاشية إلى مستوى أعلى وتدخل عنصرية خالصة في آرائه وسلوكياته .تدخل قصة مطاردة و صيد أكانسو للنمر العطشى ودب هَكاري في غزو الظلام ، وتحتل مكانة خاصة في سلوك البطل، لان عنصرية آكانسو تحتاج الى رؤية الاخر كحيوان بري، كمتوحش، او اخر بري منزوع الانسانية، حتى يبقى الحدود بينه، كانسان متحضر ، و الاخر البري مرسومًا بالخط العريض الى الابد. رسالة يظل أكانسو مخلصًا لها حتى نهاية الرواية. 

ومن هنا ، فإن سياسة اذابة الأكراد داخل الحكم التركي في رواية غزو الظلام ، وحظر لغتهم وتتريكهم ، و حتى لو تحدثوا التركية ، لا تجعلهم مواطنين أتراك، و لكنهم سيبقون دائما و ابدا، تهديدا و يجب صيدهم.
إن وجود هذا الخوف العظيم ، الذي لا يكتفي بتدجين فريسته ، يفسر بوضوح عنوان غزو الظلام . من الان يجب أيضا غزو المنطقة المظلمة التي يكون فيها المتوحشون أحرارًا . ما إذا كان هذا الشيء ممكنًا هو سؤال يمكن للقارئ متابعته في الرواية. 

في "غزو الظلام" ، يقسم بختيار علي زمن هذه الرواية إلى إطارين مختلفين زمنيًا ، يبدأ الاول في 12 يوليو 1977 ويتعرف القارئ بعد الدخول الى احداث الرواية على تاريخ آخر للشخصيات الرئيسية الأخرى و الذي له علاقة بسنوات منتصف 1945. مع الترتيب البارع للأحداث ، يلتقي هذان الزمنان المختلفان ، ومن السنوات بين 1978 و 1994 ، يندمجان.
󈾬
يوليو، 1977


يستيقظ عصمت أوكتاي ذات صباح ويتحدث لغة أخرى غير لغته الأم. من اليوم فصاعدًا ، سينسى التركية ويتحدث بلغة الوحوش التي جاء طارق أكانسو من اسطنبول لكي يجبرهم على نسيانها .
لكنه ليس المصاب الوحيد. هنا وهناك ، خبر هذا الوباء الذي يؤدي بالناس الى نسيان التركية و الحديث بالكردية هو السحر الأدبي الجميل الذي مثل "ساراماغو" يسحر به بختيار علي القارئ. إذا كان إنشاء جمهورية جديدة: دولة واحدة ، ولغة واحدة ، وعلم واحد هو رسالة أكانسو التي تمثل وجهة نظر السلطة السياسية الجمهورية ، فإن نسيان اللغة بين مواطنين يسري الدم التركي في عروقهم ، يخلق ردة فعل هستيرية مجنونة عند الدولة و سلطتها العميقة . مجنونة الى درجة أن يتم عزل المواطنين المصابين بهذا المرض ومعاملتهم كانهم مجانين. لإن ظهور لغة وحوش البرية على لسان مواطني هذا البلد يعرض المشروع لدولة واحدة ولغة واحدة وعلم واحد بأكمله لخطر شديد.
ومن ثم ، يظهر ابن أكانسو الأصغر ، علي إحسان ، على مسرح الاحداث كمترجم سبق أن تعلم لغة الوحوش بأوامر من والده ، واحتل مكانة كبيرة في احداث الرواية.

العنف كجرح داخلي 


في غزو الظلام ، لا يرى بختيار علي عنف فعل الغزو على أجساد الضحايا فقط ، بل يظهر أيضًا بنجاح الحالة النفسية لمنع اللغة لدى الانسان من خلال بعض الشخصيات أخرى .
يعتبر زكي رضا باكلان خير مثال على قراءة الأثر النفسي لعملية نسيان اللغة هذه ، والتي تجتذب القارئ إلى ما وراء حدود الألم الجسدي و تهزه من الداخل . "لكن لا أحد يعرف أنني لست تركيًا. لا أحد .لقد خدعت الأتراك جميعًا ، فجميعهم يعتقدون أنني تركي اصيل ، والشخص الوحيد الذي لا أستطيع خداعه هو نفسي. لم ينظر إليّ أحد بازدراء ، ولم يقل أحد لي أنك أدنى منا ، لأنه منذ الطفولة علمني والدي كيف أبدو كمواطن تركي أصلي ، لأقول أشياء يحبها الأتراك. ذات يوم أصبحت من استخبارات الميت MIT لإخفاء حقيقتي ، لخداع نفسي و لكي أقول يا زكي رضا ، أنت تركي اصيل. لا أحد ينظر إليّ بدونية إلا أنا. لكن الحقيقة هي أنني أنظر إلى نفسي بازدراء لأنني أنظر إلى نفسي كشيء لست كذلك ، كأن هناك شيء حقيقي بداخلي أخفيه ، كأني كنت أرتدي قناعًا طوال حياتي ولا أستطيع نزعه. يا علي احسان لو لم اتعلم هذه اللغة فلن استطيع نزع هذا القناع ".

مسألة الهوية


نقطة أخرى يمكن ملاحظتها هي أن بعض الأسئلة المهمة عند سلطة الدولة في غزو الظلام تدور حول من هو التركي الاصيل ومن ليس كذلك ، و يتصارع بعض شخصيات الرواية مع أسئلة حول ما إذا كانت كردية او تركية . لذلك ، يمكن اعتبار مسألة الهوية واحدة من الأسئلة الأخرى التي يدور حولها غزو الظلام.
في رأيي ، إن اهتمام عصمت اوكتاي ورضا باكلان بأن يرجع الأول تركيًا والأخير كرديًا لا يقوم على التخلي عن هوية واكتساب أخرى ، كما قد يستنتج القارئ سطحيا . ومع ذلك ، في كلتا الحالتين ، هناك ضغط يجبر الأول (عصمت أوكتاي) على نسيان التركية والثاني (رضا باكلان) على متابعة حلم اكتساب اللغة التي طمست في داخله واجبر على نسيانها. وبدلاً من ذلك ، فإن مسألة الهوية في هذه الرواية تدور حول اكتساب وقبول العودة إلى زمن ما قبل الهوية ، زمن عري الانسان و انعدام غلاف يحتويه. لا يهم أيًا كان الغلاف واللون الذي يُعطى لهذه الهوية البشرية بعد ذلك لأن الإنسان ، وجد إنسانيته المفقودة و اصبح لا يعاني من انشطار نفسي.هذه النظرة لمسألة الهوية ، و ابقاء سؤال الهوية مفتوحة بخلاف وجهة نظر السلطة وبعض شخصيات الرواية ، هي نقطة مضيئة في الرواية يجعل من القارئ الكردي او التركي و الذي لا يقبل هذه النظرة الى الهوية الذاتية، ان يعطيه وعيا اخرا يمكن ان يرجع اليه فيما بعد. بحيث ان وضعًا يغرق فيه المجتمع في الدماء بسبب ضيق اغلفة هوياتهم، يجعل هذا العري الانساني أكثر ضرورة من أي وقت آخر.

ردًا على صرخات رضا باكلان لرؤية انسانه الداخلي المنسي وتعلم اللغة الكردية مرة أخرى ، يشك علي إحسان ، ابن جهاز الاستخبارات (MIT) وجلاد سجون ديار بكر ، في محادثة مثيرة ، في أنه حتى لو قام بازالة ذلك الشخص الذي بناه السلطة منذ الطفولة في داخله طبقة بعد اخرى فان ما مخفي تحت الطبقة الأخيرة ماذا سيكون: "عندها ستدمر نفسك ولن تحقق شيئًا. شعر والدي أن هناك تركيًا حقيقيًا في داخلي ، في أعماقي ، يجعلني تركيًا أبديًا. شعرت بهذا أيضا لفترة طويلة ، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد شيء في اعماقي. و لا يوجد شيء في اعماقك ايضا ،لا يوجد في عمق الانسان غير الانسان، لا يوجد تركي ، كردي أو أرمني هناك ".


نبتات أخرى


في غزو الظلام، ليست فقط وحوش شرق الأناضول هي التي يجب اصطيادها وقتلها ، ولكن اليونانيين والأرمن والاشتراكيين والنقابيين ... انواع أخرى من النبتات لا تستطيع الجمهورية الجديدة استيعابها. لان الخوف من الآخر و تأسيس اللغة الواحدة ، والعلم الواحد و الدولة الواحدة ، يجعل كل ذلك تهديدًا غير مرئيا يجب أن تكون الدولة على استعداد دائم لمواجهته.
إن توجيه الانتباه الى هذه المشاكل المختلفة في اعماق الجمهورية ، والتي تزيد من حجم هذه الرواية ، تُظهر للقارئ صورة أكبر لرؤية الفسيفساء التي تريد السياسة الرسمية للدولة أن تحرمها من تنوع الوانها. تظهر هذه الصورة وجه "الآخرين" في تركيا وتعطي صورة أوضح عن السلطة ومضمونها.

إن ادخال أحلام واهتمامات الجماعات العرقية والحركات السياسية الأخرى في تركيا في المعلومات التي قدمها بختيار علي في الرواية، يوضح مقدار الجهد و التعب الكبير الذي بذله المؤلف في الحصول على المعلومات. مع هذه المحاولة الجديدة، يطور بختيار قدراته الشخصية من خلال الجمع بين عدد من الموضوعات الأكثر أهمية ، والتي يمكن أن يكون كل منها مادة لرواية مستقلة ، ويظهر أنه لا توجد جغرافيا معينة يمكن أن تمنعه من جعلها أرضًا لرواية جديدة.

و لا يواجه القارئ معلومات عادية فقط حول أسماء الأماكن والأغاني والشخصيات السياسية والفنية لمجتمع آخر لا ينتمي إليه ، ولكنه أيضًا يعيد إحياء جزء مخفي من تاريخ الإبادة الجماعية لليونانيين والاشتراكيين في هذا البلد، و من خلال شخصيات غزو الظلام يسلط الضوء على هذا التاريخ المهم.

عندما يتكلم الجلاد


بختيار علي هو أحد الكتاب الكرد الذين كتبوا اكثر الصفحات عن العلاقة بين السيد والعبد ،والجلاد والضحية. إعادة التأكيد على هذا الموضوع يمكن أن يترك للقارئ إحساسًا بتكرار الذات. لكن في رواية عن الهيمنة والقهر ، والعنصرية والوحشية ، وحول واحدة من أكثر المفاصل دموية في تاريخ تركيا الحديثة، لا يمكن إلا أن تكون هذه الموضوعات والعلاقات محورية في الرواية ، بل إذا جاز لي القول ، الموضوع الرئيسي للرواية. لكن بسبب تمكن بختيار الكبير على تناول هذه الأسئلة ، يدفع قدراته إلى مستوى أعلى في هذه الرواية لإعادة النظر في هذا السؤال ، والذي في رأيي يفتح بابًا كبيرًا لقراءة غزو الظلام في تركيا الذي يحتاجه اكثر من المجتمع الكردي. حتى يتمكن أن ينظر إلى نفسه من منظور آخر.

كتابة "غزو الظلام" لـ "بختيار علي" حول العلاقة بين الحق في اللغة وغياب هذا الحق في المجتمع التركي، أشبه بالسير في حقل ألغام. إن عدم وجود منظور إنساني قوي عند المرور عبر حقل الألغام هذا يمكن أن يضع المؤلف في دائرة عدم ثقة القارئ ، عندما يلقي بظلال احتمال اتهامه بالانتماء العاطفي الى المجموعة المحرومة من حق اللغة. لكن بختيار علي سوف يجتاز هذا الاختبار بنجاح كبير.

دعونا نلقي نظرة على هذه المحادثة الشيقة بين الدكتور سنان وعلي إحسان في إحدى اماكن الرواية: "أنا خائف جدًا . لدي ما يكفي من الذنوب حتى لا يغفر لي الأكراد هل تعرف ما قاله لي ضابط قبل عدة سنوات؟ قال: "أفظع لحظة في التاريخ هو عندما يقتل الضحية جلاده".وسألته لماذا قال ذلك. فأجاب: "لأن الكراهية في يد الضحية عندما يضرب بفأسه على رأس الجلاد أكبر بكثير من الكراهية التي في ضربة الجلاد."
لا يمكن اعتبار غزو الظلام و كانه انتقام الضحية من الجلاد ، لا سيما في احتمال أن تتهم الرواية بانها كتبت من بلغة المحرومين من اللغة . وبدلاً من ذلك ، فإن الرواية هي محاولة لجعل الجلاد والضحية ، بعد إرث أكانسو وجنرالات الدين والجيش، يقفان معًا أمام مرآة وينظران إلى وجوه بعضهما البعض .


المربع في الجدار (4)


ذات مرة ، في الساحة الرئيسية للعاصمة العثمانية ، تم بناء مربع في جدار بالقرب من الميدان. وضعوا رؤوس العصاة و المتمردين هناك حتى يرى الناس إلى أين ستقودهم رفع رؤوسهم ضد الخلافة. هذا المربع ، لم يخلوا أبدًا من رأس مذبوح. ها هو "تونجي هاتا" في طريقه من سهول البلقان المظلمة ، مع عربته و خيوله و صندوقه المملوء بالجليد لكي يوصل الراس المقطوع لعلي باشا ، ممثل السلطان العثماني في ألبانيا ، إلى العاصمة. 

لجلب راس علي باشا إلى العاصمة ، يسافر تونجي هاتا عبر مختلف المناطق الواقعة تحت حكم الخلافة ويرى الظلام والصمت الذي خلقته سلطة السلطان في محو وحرمان المواطنين من مختلف مناطق المملكة.
ما ورد أعلاه هو ملخص لرواية "المربع في الجدار" للمؤلف الألباني إسماعيل كادارا لفضح البربرية التي أوجدها حكم السلاطين في البلقان. 

ويوضح للقارئ بالتفصيل كيفية عمل نظام محو اللغة والمؤسسات والإدارات المبنية حوله.

في "غزو الظلام" ، يرسم بختيار علي ، خريطة محو اللغة في المملكة المتقلصة بعد الخلافة وعند إنشاء الجمهورية الجديدة من قبل السلطات الجديدة ، باسلوب أوسع وأكثر إتقانًا، باستعمال لغة خاصة ، و يُظهر للقارئ من خلال ملحمة جديدة ،الخوف والصمت و محو اللغة في جمهورية الخوف.

يقال بان الرسام الصيني هو تاو تزو اثناء عهد أسرة تانغ ، كان ينظر الى لوحة جديدة على الحائط أمامه. فجأة صفق بيديه ففتحت أبواب المعابد في اللوحة ، فدخل الى لوحته و اختفى.

عندما انتهى من قراءة رواية غزو الظلام ، و اغلق الكتاب ، أشعر أن الكتاب أصبح لوحة كبيرة أمامي و دون أي جهد ، حتى بدون الحاجة الى تصفيق هو تاو تزو من اجل فتح باب اللوحة ، ادخل إلى لوحة "غزو الظلام"، و لو اردت الحقيقة ،انا نفسي لا أعرف متى سأخرج.

ملاحظات

‏1. http://www.literarymagazine.se/joseph-conrad/criminal-heart/review/sebastian-lonnlaw
2. غزو الظلام ، بختيار علي، الطبعة الاولى، 2020، السليمانية ، مركز رهند. 

3. Bible Bible Page 12 2017 𔆔.
Nischen i muren Ismail Kadare Bonniers 1986 𔆕
. Myths of Wu Tao-tzu Sven Lindqvist Norhaven Paperback A / S
…………………………………………
ملاحظات المترجم

1 غيرت بعض الكلمات لكي تناسب الترجمة العربية
2 غزو الظلام. بختيار علي. الترجمة عن الكُردية: إبراهيم خليل .تصدر قريبًا بالعربية عن منشورات نقش ودار شلير للنشر.
3 مصدر المقال

‏https://bakerahmed.se/index/?p=771








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة