الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بحيرة القمر

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2023 / 1 / 27
الادب والفن


ها هي الحافلة تقف بي أمام الفندق الضخم، اخذ الحمال يساعدني بإنزال الأمتعة. أنهيت إجراءات الإقامة، أخذت أتمعن في مواعيد الوجبات ..نظرت إلى ساعة هاتفي مدققة النظر في عقاربها، كل تكة فيها تعني الوقت الثمين.
لم أكن أحب ارتداء الساعات فهي توتر أعصابي، في الخامسة بوفيه الفندق.
من السادسة حتى التاسعة اجتماع اللجنة التحضيرية، في التاسعة تماما سيتم افتتاح الاجتماعات التحضيرية للمكتب ، وبحساب ذهني سريع نصف ساعة لتناول الطعام.
نصف ساعة ليست بالكثير لكنها الآن تفي بالغرض، بالكاد نستطيع اخذ الأنفاس فليس هناك وقت لتبادل الزيارات.
لكن اشعر انه بإمكاني في هذه الدقائق، أن أملئ عيني بلقاء عائلي سريع .
فلم تكن هناك أيام طويلة للزيارات ففي السنة مرتين: في السنة الصينية الجديدة ثم السنة القمرية من 15 يوليو إلى الأول من أكتوبر.
اذكر هذه الاحتفالات جيدا، ففي عيد (الهالوين ) عيد ننظر فيه إلى الموت مع كبار السن.
لسنين كان اختياري دوما لحسن الحظ أو لسوئه مع اثنين، فنكون نحن الثلاثة داخل القبر، وكأنه درس لننظر إلى الموت عن قرب، نستشعر عن قرب كبار السن.
تمنيت لو أني نظرت من أعلى كالآخرين لنرى الحياة دون الموت، لكن كلنا في الخطوط نفسها .
ولو اختلفت الأدوار التي نلعبها، لكننا نصل إلى صميم أنفسنا نستصرخ الصدق في قلوبنا دروسا ثمينة في الصدق.
كنا أربعة إخوة رجلين وامرأتين ، كنت الأصغر سنا أقيم في عاصمة المقاطعة حيث أعمل، شقيقاي فهما في المقاطعة أما أختي تسكن في مكان بعيد من المقاطعة.
لم تكن المسافة بعيدة بين العاصمة والمقاطعة طويلة، حيث يمكن قطعها خلال ساعة واحدة فقط.
لكن لم يكن أحد منا ليفكر في السفر لزيارة الآخرين، فقد كانت الساعة تعني مسافة طويلة منهكة للأعصاب.
كوني كنت الأصغر الأبعد بل الأكثر بعدا، قطعت مناطق كثيرة، بعيدة جدا لكن هل يمنع هذا شعور الرغبة في رؤية أختي!
هل هناك أثمن من كلمة أخت؟
تراها كلمة تداعب أوتار القلب.
يجب أن أراها ، وها أنا في القرية التي تعيش فيها أختي.
فها أنا بعيدة عن موطني، في هذا الفندق(كيكيونامي) وتعني الماء.
في الحقيقة هذا الفندق هو العلامة التجارية لسلسة فنادق في العاصمة، وفي المقاطعة .
وهو الفندق الأب لمجموعة الفنادق، وها هو قابع على النهر الأصفر.
لكن لماذا يستحوذ على ملكية النهر الأصفر؟
حكيت روايات عن رغبة الرئيس (ماو) في إحدى زياراته وعبر عن رغبته في سماع موجات النهر.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ بالتوسع حتى ولدت له فروع ثمانية ، وكأنك في قرية شقيقة ليست ضمن الحدود.
وهي أسطورة يصعب تصديقها، كأن تحلم أن تصبح ملكا!!
لكن هيهات ببساطة استولى باستيطانه على الكثير من الأراضي هجرت الكثير من الأطيار، ليس هذا فحسب بل على الماء كله.
فهو الماء نفسه بئر من الماء، لم تنكشف أستار توسعه بفساده فقط من بضع سنوات، فقد اشترى (كيكونامي) مساحات واسعة من الأراضي المحيطة حيث أقيمت عليها الفلل الفارهة وملاعب الغولف.
الاسم سلسلة الفنادق ذات الخمسة نجوم كله تقشير للجلد للطبقة الكادحة، بل طحن للعظام ، ليتاجر بالخلق الجديد من النساء من شفط الدهون وتكبير الصدر وجراحة التجميل.


خلق من الرأس حتى أخمص القدمين، وأي فندق بجواره، كشحاد عند قارعة الطريق متسكعا في الوحدة .
كانت الغرفة نظيفة مرتبة، رتبت أمتعتي، لم يكن ببالي سوى التفكير في أختي فلم تكن صورتها لتفارقني. أمسكت سماعة الهاتف أخذت أدير الأرقام هاتفها الخلوي.
طال انتظاري، أخيرا ردت على الهاتف قلت بتردد:مرحبا!
لم أكن اسمع صوتها بل أصوات أشياء تتحطم أو أنها تحطم لا ادري.
سمعت صوتها خشنا :"الرهان عليه؟"
أجبتها مستغربة: ماذا الرهان؟
قالت: لا عليك فقط العب لبعض الوقت.
اذكر أنها وزوجها في العام الماضي قررا الطلاق، لقد كان مقامرا بشعا، اغرق نفسه في الديون بل وأسرته.
أقسمت إن تم الطلاق أن تقطع إصبع يدها الصغير، توقفت عن المقامرة ولعب الورق لبعض الوقت.
لكنها عادت من جديد.
قلت: أنا في فندق (كيكونامي) تعالي؟
أجابت: أوه، حيث الرئيس ماو آه؟ ( لقد ارتبط اسم الفندق بالرئيس ماو ).
صمت برهة ثم قلت : أختي!
قالت: آه.
قلت: تعالي.
أجابت بتردد: "أتي غالى هذا الفندق؟" لكن لم يبقى علي الكثير لأفوز.."
غسلت وجهي تأملت، أمتعتي كثيرة، زائدة عن الحاجة.
نملئ حقائبنا بمستلزمات استهلاكية حتى وإن كانت رحلتنا صغيرة ، حاجيات ليست بذات قيمة.

وقفت في الحمام، تمعنت في أغراضه، وكأني ذاهبة في رحلة إلى الحمام.
فقط مستلزمات كثيرة كمالية تغير وتزاد كل يوم من خدمة الغرف.
تمعنت فيها استطيع إعطاءها مع بعض حاجياتي لأختي.
أشياء يمكن استخدامها سواء لها أو لضيوفها أو حتى لابنتها في الجامعة قد تستفيد منها، وان كانت مجرد فرشاة أسنان.
قد تتباهى فيها فهي من النوع الجيد، ورق التواليت متوفر لفافتين قد أعطيها إياها وقد اطلب المزيد من خدمة الغرف، مدعية بان لدي حاجة ماسة لكن هل هذا يعني أن اجعلها تسلب كل شيء.
استطيع إعطاءها المال أيضا لكنها لا تقدم لي المال؟
ولماذا أعطيه؟ ترددت في نفسي تارة وتارة أخرى جزمت أمري.
حياتي بكافة أبعادها أفضل بكثير من حياة شقيقتي، هي شقيقتي نعم وستبقى كذلك.
من الجيد أن يحصل المرء على إنسان لطيف يساعد الفقراء والمحتاجين.
فكيف هو الحال بين الأشقاء، وها نحن نتقدم في العمر، اخوين وأختين أشقاء في حكم القانون، لا يساعد احدنا الآخر.
وهل علي وحدي فعل ذلك أسئلة كثيرة دارت في مخيلتي فهل استطيع فعل ذلك؟
إنها أشبه بالاقتصاد المحلي ضنك دوما، بحاجة إلى المعونات، وتذهب هكذا أدراج الرياح منتظرة معونات جديدة، فهي بحاجة لمعونات كثيرة لتقيم أودها.
فهي أشبه بحفرة كبيرة تستنزف الكثير لردمها، فلديها استحقاقات كثيرة : شراء الاسمنت لبناء بيتها وتحسينه ، تسديد الديون المستحقة على زوجها المقامر مراب قذر، مصاريف ابنتها في الجامعة وابنتها الثانية في الثانوية.
كانت تسعى لتلد ولدا فأنجبت ستة (ثلاث بثلاث ) وهاهو ابنها الرضيع قد تخرج من المدرسة الابتدائية ، هاهم قد كبروا بسرعة.
اعترف انه بمقدورنا أن نقتطع من مواردنا نحن الإخوة من عشرة إلى عشرين في المائة لمساندة أختنا.

لكن ما من أحد ليفعل ذلك، اشعر أنها مظلومة .
لكن كيف لي أن أساعدها وحدي، فهي ليست لمرة فقط بل لمرات أخرى وأخرى.
لكن حالها كما هو حال الكثيرين، يعيشون دون خط الفقر دون مستوى المعيشة.
اذكر حديثها يوما لقد كانت تحلم بالكثير، كانت تريد أن تأكل أذن البحر، أن تأكل تأكل، تأكل عش الطيور.. عش الطيور.
أن تتنقل إلى كل المدن.. إلى بكين إلى بكين إلى شنغهاي.. شنغهاي.
ليس هذا فحسب بل إلى خارج البلاد، لكنها حظيت بزيارة قصيرة لعاصمة المقاطعة، حيث يؤكل (السوشي والزيميان).
فقط هي تحتاج إلى الحد الأدنى لكي تعيش .
التقطت جدول أعمالي، تأملت في قائمة المشاركين، توقفت عند اسمه (شو) لم يكن هناك سبب لأفاجئ أحد المستفيدين الكبار فحتما سيأتي.
لقد كان جدول الأعمال الرئيسي هو الانتخابات التي ستجرى في صباح الغد، ثم تبدأ مراسيم الافتتاح بمناقشات رجال الأعمال بعد الظهر.
شكليات للآسف، فلا شيء لمناقشته، فلا وجود للعصا السحرية فالموضوع هو الانتخابات جمعية الولايات المتحدة، حيث تجرى كل خمس سنوات.
كان ينبغي أن تكون قبل عام من الآن، فقد تقاعد رئيسها لقد كان رئيسا لسنتين فقط أنجز فيها الكثير، وهاهو يتقاعد بعد عمل لثلاث سنوات.
ولذلك انعقدت اللجنة التحضيرية لكنها ليست للفنانين مثلا ولا رابطة للذواقة ولا جمعية للدفاع عن الجمال وليست جمعية أدبية بإطلالات أدبية جميلة بكلماتها الرقيقة.
إنما هي في الواقع جمعية للنبيذ، قبل عشر سنوات كنت برفقة مجموعة من الأصدقاء حينها قدر لي أن اشتري عددا كبيرا من منشوراته الدعائية لجمعية النبيذ والتي قدر لها أن تخرج الشركة المنافسة ( ترايبود) من السوق.
تقدمت حينها لتصميم دعايات للمشروب لقد حظيت باستحسان كبير.


وحينها قدر لي أن أصبح محررة تنفيذية، وبجهودي المتميزة تمكنت أن اشغل منصب نائب رئيس الجمعية المتحدة، حيث أصبحت الأكثر انتشارا والأكثر تميزا فيما بعد.
لها حصتها السوقية الكبيرة في هذا السوق الضخم من الخمور الخفيفة ، التي وصلت إلى إشباع حاجة السوق.
قطع تفكيري رنين الهاتف.
لقد كان صوت موظفة الاستقبال ناعما رقيقا : سيدة تدعي انها على موعد معك لشراء بعض الوحدات هل اسمح لها بالدخول؟
أجبت: نعم .
تملكتني الحيرة "من هي التي تريد رؤيتي وإن كانت أختي فلما لم تصرح بذلك".
قلت في نفسي وقد أغلقت الأجندة "انه الازدهار الازدهار".
طرق على الباب " انه شخص ما إن كانت أختي فهي فلم تضع الكثير من الوقت."
فتحت الباب، وقفت وابتسمت وصاحت بصوت عال: أختاه.
كانت ترتدي سترة أرجوانية وحمراء وشاحا اخضر ألوان صارخة.
لقد أشعرتني بالدوار، دخلت إلى الغرفة، لم استطع التنفس لقد أغلقت انفي رائحة العرق، الغبار، دخان السجائر.
لا بد من إحضار جبهة التنظيف.
لقد غيرت برؤيتها كل مفاهيمي، أخذت امرر الوقت بدا علي عجلتي .
فسألت : من ران؟ هل تتعجلين شيئا؟
لقد اخذ الخوف مني مكانه فلم أجب.
قالت: أعطني اللعاب للشرب.
أسلوب سوقي لا استطيع احتماله، سارعت لفتح زجاجة ماء معدنية لشربها، فقد كدت أن أتقيء.

أخذت تتكلم بلا هدف: أنت تسلق لتسعة؟
ماذا يعني ذلك تمتمت في نفسي.
كنت قد تركت باب الغرفة مفتوحا.
"أشرت إلى المصعد راغبة في إنهاء الزيارة .
قالت :" آه هناك المصعد"..صمتت ثم قالت : أنا لا لا إني أخاف الجلوس فيه.
لقد بقيت صامتة أحدق في زجاجة المياه المعدنية في يدها.
حينها قالت وهي تضع مياه الشرب ملامسة من فمها كلاما غير مفهوم:ايها الأسود تأكل الأرز، أكل الأرز على مقربة من المنزل؟
لا بد أنها ثملة.
ترددت وقلت: أمازلت تأكلين في الليل أم اطلب لك وجبة طعام؟
قالت: يا لها من وجبة؟
لم تجب بما أريد و جلست على السرير، سألت بجدية لكنها لم تجب بل شرعت بالضحك.
بعثرت الكلمات المبهمة "لا ليس ذلك اعلم الأطباق زيميان."
قلت أنأكل معا ؟!
أرجعت جسدها للخلف أنا آكل؟
نظرت إلى ملابسها، نظرت بآسف.
لكنها أجابت بما هو في ذهني "ثم إني لن آكل هنا ، لن آكل هذا فندق كبير، حتى أنني لا استطيع تناول القليل منه."
نظرت إلى الساعة كان يجب أن اخذ حماما طويلا، الكثير من الماء في هذا الوقت.
استغليت وجلها، أعطيتها مستلزمات الفندق.
حملتها إياها، أخرجتها من الغرفة. أغلقت الباب تنفست الصعداء وقلت: بئر ماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب