الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أماني 4

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2023 / 1 / 28
الادب والفن


- 4 –
بماذا تفرق هي؟

نحن نحتفظ في أعماق أنفسنا بأمانٍ كثيرة في حياتنا تلازمنا ولا تتحقّق. أما أن تأتيك الأماني التي كنتَ تظنّها محطّمة أو معطّلة أو مؤجّلة، فذلك ما لم أكُن أتوقّعه على الإطلاق.
أماني باتت تسكن روحي دون أن أدري السبب. هذا الأمر كان مبعث حرج بالنسبة لي، خاصة خلال العمل. لم أستطِع أن أراها كأية موظفة أخرى أعمل معها. لم أستطِع أن أتوقّف عن التفكير فيها، فمنذ أن رأتها عيناي، استيقظ في نفسي شعورٌ شديد الوطأة، كان أقوى مني، باغتني وحطّم أسواري.
«أنت تشرد كثيرا في الآونة الأخيرة.» سمعتُ رائد يقول لي.
كنا جالسين في مقهى جديد في المدينة، نرتاده لأول مرة، على سطح أحد البيوت القديمة المطلّة على البلدة القديمة في عكا، والبحر أمامنا هادئ الموجات.
نظرتُ إليه مستغربا. «حقا؟»
«هناك ما يشغل بالك منذ فترة. ذلك واضح.»
زفرتُ أنفاسي. «لا أدري ماذا أقول لك يا رائد، لكن، إحساسك ليس خاطئا.»
«أهي أماني؟؟»
فوجئتُ به. «هل هذا واضح إلى هذا الحد؟»
«أنا أعرفك جيّدا، يا وجدي. منذ أن بدأتْ عملها في الشركة والتغيّر واضحٌ عليك.»
«رائد، أريد أن أسألك،» قلت له بجدية بالغة. «أيمكن للأماني أن تتحقّق حتى بعد مرور السّنين، رغم الجروح والخدوش؟»
«لا أدري... ربما.» أجاب خلال تفكيره. ثم أضاف سائلا: «ولماذا أنتَ حائر؟»
«لأني... لم أعُد واثقًا... منذ فريال.»
استغرق في تفكير بسيط وقال: «ليست كل النساء مثل فريال.»
«حقا؟»
«طبعا.»
تعجّبتُ من قوله. «إذن، قل لي، لماذا لم تتزوّج إلى الآن؟»
ضحك من كلامي وقال: «لا علاقة لذلك بالموضوع.»
«إذن ماذا؟»
«أنت تعلم رأيي في الزواج. رأيتُ من حولي ما يكفي كي أدرك أن الزواج ليس إلا مؤسّسة اقتصادية واجتماعية زائفة وكاذبة، تقتل الحبّ وتأسر النفس.»
«أنا كنتُ أحبّ فريال حتى بعد كل ما فعلتْ، كنتُ مستعدًا أن أسامحها وأبقى أحبّها... على الأقل من أجل تالا.»
«أرأيت؟ كنتَ مستعدًا أن تعيش في الزّيف والكذب طوال حياتك مع إمرأة لا يجمعك بها شيء، لا مشاعر تملؤك، لا حديث يؤنسك ولا راحة تغمرك. كنتَ مستعدًا أن تدوس على نفسك، على رغباتك وحاجاتك، وتمثّل أمام الناس كأنّ كل شيء على ما يرام، تمثّل الحب والسعادة مع إمرأة لا تشبهك بشيء... وتخونك مع أي رجل... كل هذا فقط من أجل ابنتك.»
«فقط؟؟ واضحٌ أنك لا تفهم يا رائد. أنا مستعدّ أن أفعل أيّ شيء من أجل تالا. لو كنتَ أبا ربما كنت ستفهم هذا الأمر. على أية حال، أنا حقا كنتُ أحبّ فريال رغم كل شيء ولم أكُن أمثّل. أعرف كم غريبٌ أن أقول ذلك، لكنني حقا كنتُ أحبّها، أتوق إليها ولا أتصوّر حياتي بدونها.»
«فريال لم تكُن تشبعك، ولا أنت كنتَ تشبعها.»
«فريال لا يشبعها أحد... ولا أي شيء. لكنها كانت النور الذي أرى من خلاله العالم، كانت حبي الكبير الذي ظننتُ أنه لن ينتهي إلى الأبد. طلاقنا كان صدمة قوية لي، لم أكُن أتصوّر يومًا أن يحدث الطلاق ولا كيف أعيش من بعدها. وبعد الذي حدث، وعدتُ نفسي ألا أحبّ امرأةً أخرى في حياتي. دفنتُ أحاسيسي في قبر الذكريات... ثم فجأة، ظهرت أماني وبعثرت كلّ أوراقي.»
«وأنت تحسّ أنها مختلفة؟»
«لا أعرف كيف أفسّر ما أحسّ به يا رائد. أنا لا أعرفها، لا أعرف عنها شيئًا، سوى أنها تركت أهلها وقريتها، عاشت في الجنوب البعيد، ثم جاءت إلى عكا.»
«ذلك مثير للاهتمام.»
«تعني الرّيبة.»
«ربما... ولكن... بماذا تفرق هي؟ ها نحن أيضا تركنا أهالينا وقرانا لنعيش هنا في عكا.»
فكّرتُ في كلامه، ثم قلتُ: «لكنّنا لم ننقطع عن أهالينا، ونزور قراها من وقتٍ إلى آخر. أما هي فقد انقطعتْ تمامًا عن أهلها.»
«وهل تظنّ أنها هي التي انقطعتْ؟»

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب