الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب لا يأكل أوهاماً

سالم جبران

2006 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


وقد تقتله الأوهام!!
لو سألوا الشعب الفلسطيني في منتصف القرن الثامن عشر، بداية المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، إذا كان يوافق أو لا يوافق على المشروع الصهيوني لقرر 110 بالمائة من الفلسطينيين المعارضة!
ولكن توازن القوى المحلي والعالمي، منذ ذلك الوقت إلى الآن قاد إلى تحويل فلسطين من بلاد أُحادية القومية إلى بلاد ثنائية القومية. وكما هو معروف، في حرب 1948، انتصرت القوات المسلحة اليهودية على الجيوش العربية المتدخلة، ولم تكن عند الفلسطينيين فصائل مسلحة منظمة، وكانت نتيجة الحرب استيلاء دولة إسرائيل على 76 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية.
هل نحن سعداء بهذا. لا بالطبع. ولكن هل هذه حقيقة، نعم حقيقة.
وفي كل الحروب، بين إسرائيل والدول العربية، انتصرت إسرائيل عسكرياً، في 1956، وفي 1967 وفي 1973. هل نحن سعداء بهذا. لا، والله ولكن هذه حقيقة.
هل يجوز للعرب أن يركبوا رأسهم وأن يتجاهلوا تطور 150 عاماً من النزاع؟ هل نغمض أعيننا ونقول إسرائيل يوك، ونقول كما قال الحاج أمين الحسيني: اليهود ذباب، وإذا نفخنا نقذفهم إلى البحر؟ هل نتجاهل الوضع العالمي؟ هل نتجاهل الحالة العربية ونعيش بالأوهام أن حماس وحزب الله، سوف يسترجعان كل فلسطين، شبراً شبراً، بوصفها "وقف إسلامي" غير قابل للتفريط؟!
إن القيادة الوطنية الفلسطينية، المتمثلة بحركة "فتح، بقيادة ياسر عرفات ورفاقه، أخذت قراراً شجاعاً عندما انتقلت من الرفض المطلق إلى البحث عن مصالحة تاريخية بين الكيان الفلسطيني والكيان اليهودي لا لأن عرفات كان مستعداً أن يفرط بنصف فلسطين، بل لأنه أراد أن لا تضيع كل فلسطين!
لقد تعثر السلام بسبب صلف وغرور وطمع إسرائيل، ولكن أيضاً بسبب أخطاء مأساوية للجانب الفلسطيني والعربي وبالأساس العجز عن كسب العالم دعماً للحق الفلسطيني في المحافل الحاسمة.
إن نجاح حماس في الانتخابات الفلسطينية لم يكن فقط نتيجة أخطاء وخطايا حركة "فتح" وسلطة فتح، بل بالأساس لأن الأُصولية الدينية المتطرفة اخترقت الشعب الفلسطيني كما اخترقت العالم العربي والإسلامي.
الأُصولية، للوهلة الأولى "لا تفرط بحق" ،"لا تتنازل عن مقدسات "، "لا تساوم على ثاني القبلتين" ولكن لو حللنا تحليلاً صحيحاً، فإن هذه المكسمالية الإسلامية تُغذي المكسمالية الصهيونية، وتفيدها أيضاً.
الآن حماس في السلطة، فماذا هي فاعلة؟ الدول العربية ليست من نهج حماس. وأوروبا التي تعاطفت مع فلسطين، حتّى أغضبت إسرائيل، ليست من نهج حماس. وروسيا والصين ليستا مع نهج حماس. العالم كله ليس من نهج حماس. عفواً، ايران والقاعدة وفلول الزرقاوي وحزب الله مع حماس. تشرفنا.
الشعب الفلسطيني بلا اقتصاد، بلا صناعة، بلا بنية تحتية، للأسف، أكثرية ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية من المساعدات الخارجية. فإذا قاطعنا العالم، ألا نقطع الوريد الذي نأخذ منه الدم؟ إن المجتمع الفلسطيني بدأ يثور على حماس لأنه يريد أن يأكل، الطلاب يريدون أن يتعلموا، المعلمون يريدون الرواتب التي لم يتلقوها منذ ثمانية أشهر. هل بإمكان المجتمع الفلسطيني أن "يقاطع" العالم؟ إذا كان العالم كله يؤيد البقاء والحرية والاستقلال لشعب فلسطين فهل نشتمه ونقاطعه إذا قال لنا: ولكننا نعترف، أيضاً، بإسرائيل، وفلسطين صارت وطناً لشعبين بدلاً من كونها وطناً لشعب واحد. حسب منطق حماس؟ لماذا لا يطالب السكان الأصليون في أمريكا الشمالية والجنوبية بطرد المحتلين الأوروبيين؟
إن العالم كله ليس مستعداً أن يؤيد تجاهل إسرائيل للشعب الفلسطيني كياناً وحقاً ومستقبلاً مستقلاً، ولكنه في الوقت نفسه ليس مستعداً أن يؤيد تجاهل وجود شعب إسرائيلي تشكل في فلسطين، خلال القرن والنصف الأخيرين.
لنترك كل المزاعم الصهيونية حول ما كان قبل ألفي سنة. ألا يوجد بشر شكلوا كياناً قومياً في هذه البلاد، خلال القرنين الماضيين؟ أحقاً يمكن كسب العالم أو نصف العالم أو ربع العالم أو ثُمْن العالم لمشروع تصفية الكيان اليهودي في إسرائيل؟ العالم يبحث عن التسويات لا عن التصفيات، العالم يبحث عن الحلول الوسط، لا الحلول الوهمية الخرافية.
علينا أن نقول لحماس (الصادقة مع نفسها في قناعاتها) ولكل الكذّابين الذين يتاجرون بالمأساة الفلسطينية أن ما هو قائم كخطر حقيقي واقعي هو مأساة فلسطينية تُضيِّع، لا مأساة يهودية تُحَوِّل إسرائيل إلى حكاية كانت.
إن الوثنية هي أُخت التعصب الأعمى، والتطرف هو شقيق الخيانة، على الأقل من حيث النتائج.
الشعب العربي الفلسطيني يريد أن يعيش الآن وإلى الأبد، لا أن يموت شهيداً ويحصل على كل النِعَم التي وعد الله بها شهداءه الخالدين.
الشعب الفلسطيني يريد الحرية والاستقلال والبناء الوطني الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يريد ترميم حياته المهدَّمة – منذ ستين عاماً.
وليست هناك مهمة أكثر قدسية وحيوية الآن من وحدة كل القوى الوطنية والديمقراطية والعقلانية الفلسطينية التفافاً حول مطلب "دولتان لشعبين"، فلسطين إلى جانب إسرائيل أو إسرائيل إلى جانب فلسطين. ليست هناك مهمة مصيرية وحياتية وعادلة أكثر من فض النزاع القومي في فلسطين على أساس أفضل حل ممكن الآن – دولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، إلى جانب إسرائيل.
الخيار أمام الفلسطينيين ليس كل فلسطين، أو نصف فلسطين بل علامة سؤال كبرى على نصف فلسطين الباقي، إذا حكمت المصير القومي الفلسطيني العقلية الأُصولية، المكسمالية، الرافضة لرؤية الواقع، الواهمة أن كل شيء في متناول اليد، تقول للتاريخ كن فيكون!
المصالحة التاريخية ليست تنازلاً بل أخذ الحد الأقصى في الظروف والمعطيات القائمة.
إن الشعب لا يأكل أوهاماً، وأخشى ما نخشاه أن تقتل الأوهام شعبنا، نتيجة نهج المغامرة العمياء المسلوخة تماماً عن الواقع المحلي والعالمي.
(سالم جبران_ شاعر ومفكر وإعلامي فلسطيني، يعيش في الناصرة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا