الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا نفعل مع ثقافة العولمة

مهدي النجار

2006 / 10 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر


هذا الاستفهام منوط بثقافتنا،ثقافة الاجتماع العربي الإسلامي وهي تواجه الإعصار الكاسح لثقافة العولمة مثلها مثل بقية ثقافات شعوب المعمورة،وبالتالي فهو يخص المشتغلين والنا شطين في حقولها وهم يشعرون بتهديدات خطيرة ليس فقط على مستوى توقعهم لان يصبحوا كائنات استهلاكية لأي شيء يأتي من الآخر بما فيه القيم الثقافية ،بل وأيضا توقعهم أن تمزق كياناتهم ويفقدوا كل أصالتهم،هذا الاستفهام ينبغي ألا يفارق رؤوسنا فهو يتضمن قناعتنا الأكيدة بأصالتنا الخاصة،يلزمنا من ناحية أخرى هذا الاستفهام،أي ماذا نفعل مع ثقافة العولمة،أن نشير بشجاعة ووضوح إلى أمور ثلاثة:

أولا:إن ثقافة العولمة،عابرة القارات والمحيطات،تتأسس على قاعدة مادية ضخمة،شبكة مخيفة وهائلة من العلاقات واللوبيات الاقتصادية،التجارية،المصرفية،التكنولوجية،تقتحم أي حدود واي حواجز كما لو إنها قوة أسطورية خارقة ،بالمقابل علينا الاعتراف بان ثقافتنا منكفئة تعيش داخل محيطات اقتصادية هشة واجتماعيات موصوفة بالعوز والفقر والامية وفوق ذلك يتكاثر السكان بصورة عشوائية وبطريقة انفجارية مريعة،يقال عن بعض مجتمعاتنا (يقال فقط)إنها غنية وتمتلك ثروات طائلة (العراق مثلا)لكن حسب شعوبها إنها ما زالت بعيدة عن الرفاه،وتسكن في بيئات مهمشة وجد فقيرة .
ثانيا: ينبغي الاعتراف إن الزمام المعرفي بكل أصعدته تقريبا اصبح بيد أصحاب العولمة ،إننا نخدع أنفسنا ونضحك على ذقوننا إذا لم نعترف بذلك،وإذا بقينا نماطل بحجة نحن أول من صنع الكتابة و أول من شيد الحضارات بدليل إن طلبتنا يتزاحمون ـ بل ويحلمون ـ بالحصول على مقعد شاغر في إحدى جامعات الغرب،ودكاترتنا يتبجحون بان شهاداتهم ممهورة بختم جامعات مدن العولمة الكبرى فهي ،أي هذه الجامعات وحدها المصرح بها والمؤهلة لمنح تلك الشهادات المرموقة.
ثالثا:اجتاز أهل العولمة مرحلة النظم السياسية المستبدة العتيقة وأسسوا دول الحق والقانون في حين مازلنا نعيش الآن تحت وطأة أنظمة القرون الوسطى،مرحلة الدولة السلاليةالشمولية ذات الحق المطلق سواء اتخذت هذه الدول شكل جمهوريات أو ملكيات أو إمارات،وسواء بدأت تمارس الديمقراطيات بشكلها المضحك الهزيل…في هذه الفقرة بالذات تكمن أحد نوا قصنا الأساسية.
تلكم الأمور إذا لم نعترف بها نظل هائمين كمن يبحث عن الغابة وسط الأشجار ،وألان ماذا نفعل؟ هل نندمج مع الآخر ونمزق خصوصيتنا ،أم نقف بالتضاد مع هذا الإعصار الكاسح كقوة طاردة له،أم نقف متفرجين على ما يحدث كأن الأمر لا يعنينا ؟!! هذه أسئلة برأينا ليست دقيقة ولا ينبغي طرحها بهذا الشكل المدرسي إزاء حالة معقدة ،ما ينبغي فعله هو الفحص والتحليل،فحص أولا وقبل كل شيء ثقافة العولمة التي باتت غارقة في مبادئ أخلاقية مشتتة وسط فوضى(أو حرية)شاملة،باتت هذه الثقافة بحاجة ماسة إلى أن تهدئ مواطنيها ومواطني العالم من القلق والمخاوف أمام القفزات الهائلة والمجنونة التي أحدثتها علوم الأسلحة وعلوم الاتصالات وعلوم الحياة(البيولوجيا) خاصة فيما يتعلق بثورة الجينات والحامض النووي مما ينتج عن هذه الثورة من ماس تعرض البشر للتلاعب بنوعه،باتت هذه الثقافة بحاجة للتحدث عن مكانة الشخص البشري،والرسالة الروحية للكائن الإنساني،والقيم العليا التي تؤسس أخلاقية الإقناع والمسؤولية،أي باختصار غياب البعد الروحي العالي المستوى عن أفق ثقافة العولمة،وتشيء الإنسان مثل سلعة أو مسخه كحشرة كافكا،من هنا تبدا قوة ثقافتنا وخصوصيتها،بامتلاكها لذلك البعد الروحي الذي يطمئن البشر ويمعنن آلامهم ويفسرها ،أي يضفي معنى على الآلام والمصائب والمحن ويساهم بنقل الناس من أحوال سلبية موجودة إلى أحوال إيجابية مفقودة عن طريق إضفاء معنى على الحياة بوجه عام.لكن الحقيقة إن هذا البعد الروحي لا يكفي مهما تغلغل في أعماقنا لمقاومة الانصهار في صهريج العولمة.
إننا بعد،وهذا أسوا ما في الأمر،لم نندرج في الحداثة سواء على مستوى الوفرة الاقتصادية أم التوازن الاجتماعي أم التقدم الثقافي،أذن كيف سنواجه ثقافة العولمة ونشرع بنقدها وهي تعد ظاهرة ما بعد الحداثة ، ولأننا نتحدث عن الحقل الثقافي في الفضاء العربي الإسلامي فلابد للفاعلين في هذا الحقل أن ينشطوا لدخول مضمار الألفية الثالثة ويعيشوا فضاءات عصر التنوير ، هذا يقتضي أشكلة التراث (وضعه على محك المساءلة والنقد التاريخي ) كذلك البدء بالنقد المعرفي للتاريخ وتجاوز أخطائنا المميتة وعطالتنا الفكرية عن طريق إضاءة الماضي وغربلته من الشوائب الأسطورية باليات معرفية معاصرة،ذلك الماضي الذي سجل اشراقته التنويرية ،وان كانت بصورتها البدائية ، والتي امتدت بين القرنين التاسع والحادي عشر الميلاديين (أي الثالث والخامس الهجريين) تبلورت في تلك الاشراقات ملامح الخطابات الإنسانية والعقلية قبل أن يبدا التنوير الأوربي بالظهور والتبلور في القرن الثامن عشر بمدة لا تقل عن سبعة قرون،ولا نعتقد يكمن الحل في صد اجتياح العولمة في الاستعراضات الخطابية التبجيلية وزعيق الشتائم أو الكتابات التوفيقية والترقيعية وليس بإبراز وجه ثقافتنا من خلال جبب الأسلاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية: حماس والفصائل جاهزة لإبرام اتفاق يتضمن وقفا دائما لإطل


.. مؤتمر صحفي في ختام أعمال قمة سويسرا بشأن السلام في أوكرانيا




.. الحرس الثوري أعلن في وقت سابق عدم التدخل في انتخابات الرئاسة


.. انتخابات الرئاسة الأميركية.. في انتظار مناظرة بايدن وترامب ا




.. جيك سوليفان: وسطاء من مصر وقطر يعتزمون التواصل مع حماس مجددا