الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة ساخنة؛ إغتصاب آمال الغلابة

دلور ميقري

2023 / 1 / 29
الادب والفن


1
عاطف الطيب ( 1947 ـ 1995 )، نال بحق لقب " مخرج الغلابة "؛ كونه في أفلامه جميعاً قدّم واقع الإنسان المصري، المسحوق بالأزمات الإقتصادية والإجتماعية والفكرية. عبقريته، تكمن في أنه خلال خمسة عشرة عاماً ـ هيَ مجمل سنوات مسيرته الفنية ـ قد أخرجَ أفلاماً، يُعد كلٌ منها علامة مميزة من علامات السينما الواقعية. وقد سبقَ لنا تحليل تحفته، " سواق الأوتوبيس "، التي حلت في المرتبة الثامنة في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
على ذلك، وانطلاقاً من لقبه المذكور آنفاً، نُدرك سببَ مشاكل عاطف الطيب مع الرقابة، تقريباً في كافة أعماله السينمائية؛ ومنها فيلم " ليلة ساخنة "، الذي نحن بصدد دراسته. بطلة الفيلم، الفنانة لبلبة، عبّرت في حديث صحفي مع الإعلامي محمود سعد عن مدى خيبتها، لما شاهدت عرضَ " ليلة ساخنة " وقد حذف منه ثلاثة مشاهد مهمة؛ وأيضاً بالغة الصعوبة والجهد، بالنسبة إليها شخصياً. جدير بالذكر، أن لبلبة استحقت بجدارة جائزتين عن دورها في فيلم " ليلة ساخنة ": جائزة بينالي السينما العربية من معهد العالم العربي في باريس، عام 1996.. وجائزة أحسن ممثلة، نفس العام، من مهرجان كيب تاون في جنوب أفريقيا.
وعن هذا الفيلم، " ليلة ساخنة، المنتج عام 1995، حصل عاطف الطيب على الجائزة الفضية من مهرجان القاهرة؛ ولكن بعد وفاته. في المقابل، ومثلما حال معظم أعمال المخرج، فإن فيلم " ليلة ساخنة " محجوبٌ عن الفضائيات بما فيها المصرية. علاوة على أن نسخته في النت ( محذوف في يوتيوب )، تم اختراقها على مدى طول الفيلم، البالغ حوالي 110 دقائق، بموسيقا وأغانٍ أجنبية!
مؤلف قصة وسيناريو الفيلم، رفيق الصبان ( 1931 ـ 2013 )، هوَ من مواليد دمشق، عمل في البداية بالمسرح السوري كاتباً ومخرجاً. ثم انتقل إلى القاهرة، وأكمل فيها مسيرته الفنية طوال بقية حياته. فضلاً عن كتابته للسيناريو، كان ناقداً سينمائياً بارزاً. كذلك عمل أستاذاً لمادة السيناريو في المعهد العالي للسينما بالقاهرة. من الأفلام المهمة، التي ألف قصتها، " أيام السادات " للمخرج محمد خان، انتاج عام 2001.
رفيق الصبان، كان قد لفتَ إليه الإهتمام منذ بداية حلوله في مصر، بتأليفه قصة فيلم " زائر الفجر "، المنتج عام 1973. الفيلم، بالرغم من أنه يفضح قمعَ الحريات في زمن النظام الناصري، إلا أنه سُحب من الصالات السينمائية المصرية بعد أسبوع واحد من عرضه. ويقال أن مخرج الفيلم، ممدوح شكري، قد توفي بأزمة قلبية متأثراً بموضوع منع الفيلم. أما بطلة " زائر الفجر "، الفنانة ماجدة الخطيب، فعلاوة على خسارتها المادية كونها منتجة الفيلم، فإن الأجهزة الأمنية لفقت لها فيما بعد تهمة تعاطي المخدرات ورميت في السجن لمدة عام واحد.

2
شارة فيلم " ليلة ساخنة "، مترافقة مع موسيقى صاخبة، محلية وغربية، شأن ما بات مألوفاً في الكثير من الأغاني المصرية منذ عقد الثمانينيات. وإنها إشارة ذكية من المخرج، كون سائقي التاكسي في القاهرة معتادين على صم أسماع الزبائن بهذا النوع من الأغاني، الهابطة المستوى. لكن موسيقى الفيلم عموماً، هيَ من تأليف الملحن مودي الإمام.
حبكة فيلم " ليلة ساخنة "، تنم أيضاً عن موهبة كل من مؤلف القصة والمخرج. إذ يتقاطع في الحبكة مصيرا رجل وامرأة، ضمن ظروف قاهرة. وتسير الأحداث بشكل مكثف، بما أن زمن الفيلم كله محصورٌ في ليلة واحدة؛ هيَ ليلة رأس السنة: الرجل، هوَ سيّد ( الفنان نور الشريف )، الذي يعمل على سيارة أجرة ويعيل حماته، المسئولة عن رعاية ابنه الصغير عقبَ وفاة زوجته. أما المرأة، حوريّة ( الفنانة لبلبة )، فإنها تعيش مع شقيقتها الوحيدة، الطالبة في الجامعة، وتتدبر المصاريف من خلال خدمتها للرجال الأثرياء.
المشهد الأول من الفيلم، يأخذنا إلى شقة رثة يعيش فيها سيّد مع طفله، المعاني من إعاقة ذهنية ( التوحّد ). كان يستعد لعمله المسائي على التاكسي، عندما يستنجدون به من الشقة المجاورة، أين تعيش حماته مع ابنتها. الحماة تعاني من أزمة صحية، وهناك في المستشفى يخبرون سيّد أنها بحاجة لعملية جراحية عاجلة. مع أنها مستشفى عمومية، إلا أنهم يمهلونه إلى الصباح، لتدبّر مبلغ مائتي جنيه ثمناً للوازم العملية. يضع ابنه في رعاية خالته، التي تريد أن تلازم والدتها، قائلاً لها أنه ليسَ من الصعب تدبير المبلغ بما أنها ليلة رأس السنة.
على المنقلب الآخر، نجد أن حوريّة أيضاً عليها تدبير مبلغ من المال، وذلك قبل حلول ظهر اليوم التالي. فإن صاحبة الشقة، تنذرها بأن البلدية تطالبها بمبلغ خمسمائة جنيه لقاء مساهمتها في ترميم البناء عقبَ زلزال القاهرة. تستنجد حوريّة بجار شاب، يلوح أنه معتاد على القوادة، فيخبرها أنه يعرف رجلاً ثرياً بحاجة لصحبة إمرأة في ليلة رأس السنة. لكن حوريّة تشترط على القواد منذ البداية، أنها ترغب فقط في تقديم الشراب للمدعوين، والرقص لو أصروا على ذلك.
مصادفة غير سعيدة، تجمع أولاً حوريّة بسيّد. فإنها عندما كانت تهم باجتياز الشارع، تكاد سيارة أجرة أن تدهسها. كانت سيارة بطلنا، والذي تلقى كلمات نابية من المرأة الملولة، بالرغم من أنها هيَ الملومة في الحادث. يتابع قيادة السيارة، لحين أن يوقفه رجلٌ مع عائلته، يطلب منه أخذه إلى حي بعيد عن مركز القاهرة. يشترط عليه سيّد مبلغَ عشر جنيهات، ويوافق الرجل. لكن هذا الأخير، يتبين أنه شخص نصاب. إذ بمجرد وصوله، يستنجد بالناس زاعماً أن السائق استغفله بالأجرة ولم يشغل العداد. بالنتيجة، أن شرطي السير يسحب رخصة سيّد ويكتب له مخالفة. موقف آخر، يُحبط بطلنا عندما طلب منه أحدهم إيصاله إلى مدينة الإسكندرية مقابل مبلغ مائتي جنيه. فما أن سارت التاكسي دقائق قليلة، إلا والرجل يُشير إلى سيارة مرسيدس ويوقفها: " إنه صديقي، وسأركب معه إلى الإسكندرية! ".
في الأثناء، تصل حوريّة مع القواد إلى عوامة على النيل، يمتلكها رجل ثري متوسط العمر. وما لبثَ هذا الأخير، أن حملَ المرأة المسكينة على مرافقته إلى حجرة النوم. عقبَ فراغه من مضاجعتها، يمنحها مبلغ خمسمائة جنيه. لكن أحد الرجال هناك، ينتزع المبلغ من حوريّة وأيضاً السلسال الذهبي، الذي في عنقها. تحاول استرداد تلك الأشياء، عبثاً. ثم ترمى خارج العوامة، ولا يكون منها باكية معولة سوى تهديدهم بالشرطة. تتوجه بالفعل إلى قسم بوليس، إلا أنها تتراجع خوفاً من إلباسها هناك قضيةَ دعارة.
نتوقف هنا للإشارة، بأن المخرج عاطف الطيب سيظهر في لقطة سريعة بالفيلم. ذلك كانَ، لما اصطدم بحوريّة في دهليز قسم البوليس. وكما أشرنا في مقالنا عن فيلمه، " سواق الأوتوبيس "، فإن عاطف الطيب ظهرَ أيضاً ممثلاً في فيلم صديقه محمد خان، " نص أرنب ".
نعود إلى سيّد، وكان قد آبَ إلى المستشفى، قلقاً على طفله الصغير. وجده لوحده في حجرة جدته، بعدما سبقَ وزاغَ عن خالته، التي أجبرتها الممرضة على مغادرة المستشفى. فاضطر إلى أخذه معه بالسيارة، وتحمل تصرفاته غير السوية طوال الطريق. وإذا به يرى عن بعد امرأة شابة، يبدو من هيئتها أنها تصرخ طالبة النجدة. لقد كانت حوريّة؛ لكنه للوهلة الأولى، لم يعرف أنها نفس المرأة، التي شتمته مساءً بعدما كاد أن يدهسها. يقف وينصت لحكايتها، فيشفق على ما جرى لها في العوامة. يرافقها إلى ذلك المكان، فيمثّل أمام البواب أنه ضابط أمن. بيد أن الرجل أخبره، بأن الجميع غادروا العوامة إلى أحد كباريهات شارع الهرم.
في الطريق إلى شارع الهرم، يوقفه زبون، يُدعى كامل البنهاوي ( الفنان سيد زيان ). إنه يعرّف عن نفسه في اتصال هاتفي مع أحدهم، بصفته رجل أعمال. يطلب من سيّد ايصاله إلى المطار، ولكنه ينزل في منتصف الطريق لعدم تحمله تصرفات الطفل الصغير، الجالس بقريه. في طريق العودة، تلاحقهم سيارة فيها شبان سكارى معابثون، يبدون إعجابهم بحوريّة. بعدما تخلص من ملاحقتهم، تحول سيّد إلى شارع الهرم. ثمة عند كراج أحد الكباريهات، انتبهت حوريّة إلى وجود سيارة صاحب العوامة. عند ذلك، طلبت من السائق أن ينتظرها. ما لبثت أن وجدت الرجل جالساً مع إحدى فتيات الليل، وكانت هذه تضع في عنقها السلسال الذهبي المسروق. السارق، كان في تلك اللحظة يرمي مال معلمه على رأس الراقصة. فما كان من حوريّة إلا التوجه نحوه بعدما انتزعت سلسالها من عنق فتاة الليل. في الأثناء، كان سيّد يشتبك مع عصبة الشبان أنفسهم، الذين سبق أن لاحقوا سيارته. تخرج حوريّة من الملهى راكضة، وتستنجد بعمال الكراج كي يخلصوا سيّد من أولئك الشبان. يتابعان المسير في السيارة، وإذا هذه المرة بعصبة كبيرة من الرجال يقطعون عليهم الطريق. كانوا ممن يُدعَون بالسلفيين، متجمهرين أمام مسجد والخطيب داخله يصرخ عبرَ مكبر الصوت مكفراً مَن يحتفلون بعيد رأس السنة " تشبهاً بالفرنجة ". على الأثر، يتوجه سيّد إلى صيدلية كي يطلب من صاحبها اسعاف جرح رأسه، وكان أصيب فيه خلال العراك مع الشبان الطائشين. لكن الصيدلي، وكان أيضاً على هيئة السلفيين، يرفض بشدة اسعافه بعدما رأى معه امرأة متبرجة تضع على رأسها باروكة شقراء.
بمحض المصادفة، يتقاطع طريق السيارة مع رجل الأعمال نفسه، البنهاوي. فيطلب هذا من سيّد أن يأخذه إلى طريق المطار. هذه المرة، كان يحمل حقيبة سفر علاوة على حقيبة يد. يقول لهما أنه ذاهب إلى المطار، ولكنه سيتوقف لمقابلة شبان سيرسلهم إلى الخارج. تطلب منه حوريّة مساعدة سيّد، بتأمين عمل له في دولة خليجية. فيرد رجل الأعمال: " أنا أستطيع ارساله لو أراد إلى أفغانستان "
" وماذا سيفيد من السفر لتلك الدولة؟ "
" هناك أيضاً يوجد بزنس! "، يرد الرجل.
في منتصف الطريق، يطلب البنهاوي من السائق التوقف قليلاً. لقد كانت مجموعة من الرجال تنتظره. أحدهم، وكان يبدو أنه المعلّم ( الفنان عزت أبو عوف )، ما عتمَ أن تجادل مع البنهاوي وهدده بالقتل لو لم يحصل على كامل حصته من صفقة ما. يعود هذا الأخير إلى التاكسي، بحجة جلب المال، وما أسرع أن طلب من سيّد مغادرة المكان على وجه العجلة. يلاحقهم أولئك الرجال في سيارة مرسيدس، ويتمكنون من قطع طريقهم. ينزل البنهاوي من السيارة، وبيده المسدس، لكن ذلك المعلّم يعاجله بالرصاص. قبل سقوطه صريعاً، يُصيب الآخرَ بطلقة مسدس في بطنه. يعود سيّد بسرعة إلى سيارته، لينطلق بها بعيداً عن مكان الجريمة. حقيبة اليد، الخاصة بالبنهاوي، كانت ما تزال مفتوحة وقد بان منها رزمٌ بمئات الدولارات. تطلب منه حوريّة أن يذهبوا إلى شقتها، وهناك يمددون الطفل النائم على السرير. بعدئذٍ يتفحص سيّد محتوى الحقيبة، ثم يقول لحوريّة أن فيها ما يعادل المليون جنيه. تقول له، أنهما لو احتفظا بالمبلغ لعاشا في رفاهية طوال العمر.
المشهد الأخير من الفيلم، عندما يتجه سيّد مع حورية إلى قسم الشرطة كي يعيد حقيبة اليد. لقد أقنعها بأنهم لقاء أمانته، سيمنحونه عشرة بالمائة من قيمة المال. كان واضحاً أنه وقع في حبها، ويرغب بالزواج بها. تنتظره في السيارة، ويدخل هو إلى القسم. غير أن ضابط القسم، وكان رجلاً فظاً، يتهمه بالتواطؤ مع أفراد العصابة. ذلك حصل، بعدما اتصل بمركز الأمن فأبلغوه بالعثور فعلاً على جثة البنهاوي: " إنه مشتبه بتجارة المخدرات والإرهاب ".
يؤوب سيّد إلى السيارة مقيد اليدين، لإرشاد البوليس على الحقيبة. ينزلون حقيبة السفر، ثم يسألونه ما إذا كان هذا كل ما كان يحمله البنهاوي. يرد بالإيجاب، فيما كان ينظر لحورية بطريقة معبّرة؛ وكأنه يوافقها على إخفائها حقيبة اليد، التي تحتوي على الدولارات. يقول لها فيما كان البوليس يقودونه مجدداً للقسم، أن تأتي بالغد مع محامٍ. على الأثر، تنطلق حوريّة بالسيارة إلى بيتها وإلى جانبها حقيبة المال.
الملاحظ أن للفيلم حبكة مزدوجة، تخص كلاً من سيّد وحوريّة. فإن كلاهما في ورطة، وكان يسعى في ليلة رأس السنة إلى الخروج منها بسلام. وإذا الحبكة المزدوجة، تنتهي إلى الحل بشكل مشترك: حقيبة يد، تحتوي على ما يعادل مليون جنيه، تقع بأيديهما؛ هما مَن كانا يأملان، حَسْب، ببضعة مائة جنيه لحل مشكلتهما. لكن سيّد كانت لديه مشكلة أخرى، وهيَ عجزه مادياً عن علاج طفله الصغير، المعاني من التوحّد.
من المفارقات في الفيلم، قيام رجل العوامة بانتزاع الخمسمائة جنيه، التي كوفئت بها حوريّة لقاء المضاجعة؛ ليعمد لاحقاً إلى نثر المال بلا حساب فوق رأس الراقصة في الكباريه.
ومن المفارقات الأخرى، إنكار الشيخ أمام جماعته السلفية لما أسماها ببدعة الاحتفال برأس السنة، باعتبارها تشبهاً بالفرنجة؛ في وقتٍ تضطر فيه المرأة المسلمة ـ بحَسَب الفيلم ـ إلى بيع جسدها نظراً لحاجتها إلى المال. كذلك الصيدلي، السلفي، لا يرى من المسكينة حوريّة سوى باروكتها وتبرجها. أما البنهاوي، تاجر المخدرات، فإنه يعتبر إرسالَ الشباب للجهاد في أفغانستان نوعاً من البزنس !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب