الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثاني عشر من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة

أمين أحمد ثابت

2023 / 1 / 29
الادب والفن


اشتد النزاع في الكواليس بين رئيس الرابطة والمحمودي حول مشاركتي ، كان يلتف حول كل واحد منهما اثنين الى ثلاثة اخرين ، استمر لثلاثة عروض من المشاركات الطلابية – كنت قريبا منهم وراء ستارة المسرح و . . يرمقني بكراهية رئيس الرابطة – اخذتك اجواء المشاحنة تلك و . . وما كنت تراه من تشابك بالأيدي في مؤخرة صالة المسرح . . وبوابة المفتوحة المكتظة بالواقفين عندها ، اخذتك لذلك اليوم المشئوم لتكوين اتحاد الطلاب المشبوه عبر تحالف الاخوان وجهاز الامن – كان الوقت عصرا والجامعة تخلو من الطلاب . . عدا المتواجدين في المكتبة المركزية والعائدين الى فناء كلية الآداب بعد شراء القات للالتقاء مع الزملاء الاخرين للسير معا ، ومجاميع التي كنا منها . . اعتدنا التجمع تحت الشجرة الوارفة التي تحتل عشب الفناء المطل علي الاقسام في الدور العلوي وقاعات المحاضرات في الدور السفلي بشكل حدوة الحصان – كان البلاغ قد وصل إلينا ظهرا عن مؤامرة يحيكها الامن لإعلان تشكيل النقابة الطلابية التي ظللنا ومن سبقونا نكافح لتشكيل اتحادا وطنيا للطلاب عبر انتخابات عامة ، متحرر عن الوصاية لأية جهة كانت عليه – كانت تدب حركة نشيطة لجهاز الامن الرسمي وبقاء كثير من الطلاب المتعاونين معهم ، المتلقين توجيهات للانتشار في عموم الكليات لتجميع الاخرين من امثالهم – تداعينا لاستحضار ما قدرنا عليه من الاعداد الطلابية المناوئة لسيطرة الامن والاخوان على الجامعة – كثرت التحرشات بنا على امتداد الفناء الجامعي – عند الثالثة تقاطرت الجثث الملتحية بقمصانها البيضاء القصيرة المتسخة ، كانت الهيئات التي ترتديها لأناس من خارج الجامعة غالبيتهم لوجوه تعلم بالغباء والكراهية . . لا تشعرك بالارتياح – كان البلاغ اخذ الحيطة والحذر من احتمال شبه مؤكد أن الوافدين يحملون عصي غليظة وخناجر للاشتباك مع أية جماعة طلابية معارضة تعمل على إفشال هذا المخطط – تجهز البعض منا بخناجر مخفية ربطت على الاقدام . . تجنبا لاحتجاز امن الجامعة أي انسان من حمل سلاح ابيض او لوح خشب او معدن – غير العاملين معهم . . المتروك لهم حرية الدخول والحركة بزيهم المدني المحمول على خصره او على الكتف سلاحا ناريا الى جانب الجنابي – انتشرت التجمعات الرافضة المتحركة بهتافات مناوئة نحو مسرح الجامعة ، الذي كان مكان الجريمة الامنية لتنفيذ ذلك المخطط – جرت مصادمات مع جهاز الامن الرسمي واتباعهم ، لم تمر دقائق إلا وارتال اللحى الوافدة تخرج عن فم بوابة المسرح بهياج في الدعوة للجهاد ضد الملحدين والعملاء ، كان كر وفر ، اشتباكات حتى الخامسة مساءا . . هنا وهناك و . . هناك - كنا مستبسلين لا نهاب الموت او الاعتقال ، اللذان كانا امرا اعتياديا بالنسبة لنا - وهناك دماء تسيل وضرب مبرح من الطرفين ، كانت اكثر وحشية وهمجية مورست ضدنا ، حين ما كانت تستفرد مجموعة كبيرة بواحد او اثنين على حين غرة ، او عند هروب عدد من ضئيل من الاصحاب امام من هجمات الامن الدموية بأعقاب البنادق واطلاق النار واعتقال من تصل اليه يدهم ، لتنفرد جماعة كبيرة من الملتحين اثر مطاردة بمن تحيط به . . فتغرقه بالدماء – كانت تأسرهم الفتوحات الاسلامية بقوة السيف ، ركوع كفار الحضارات عند اقدام الفاتحين . . ممن كانوا ينعتونهم ببرابرة صحراء الجزيرة العربية ، أن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ، عليكم بالكفرة الملحدين . . الخونة – كان واضحا افشالنا للإجراء الشكلي لإعلان اتحاد الطلاب اليمنيين ، افرغ جوف المسرح ممن فرخوا لعقد المؤتمر ، حتى . . لم يتبق على السلم الحجري الخارجي المؤدي الى المسرح سوى عددا لا يزيد عن اصابع الكفين ، من الخائفين والموجهين لتأديب المناهضين – احتقن الوضع من بعد الرابعة والنصف ، الاخبار عن ما تجري من اعتداءات على طلاب الجامعة من الامن الوطني والاخوان المسلمين ينز له الجبين ، كان سيارات الاسعاف ترد من بوابتي العلوم والآداب ، تقاطر افراد بشكل عددي من جماعات مسلحة مواجهة ضد المعتدين ، منهم بالبدلات العسكرية المموهة واخرين مرتدين المعاوز ، سمع اطلاق متبادل للنار ، فرغت ساحة العراك إلا من بقايا المشهد . . المنزويين في حالة تخفي ، لاختلاس فرصة الهروب من داخل الجامعة ، بعد أن وجدوا انفسهم متروكين لوحدهم . . سيقتص منهم هؤلاء المسلحين واعداد الطلبة الذين عادوا للتحلق واسعاف زملائهم – كان ملحمة غريبة بين القهر والاستبداد والمقاومة للعزل من الطلبة الاحرار – تضخم الوضع . . فجاءت توجيهات الى مختلف المتواجهين بفض الاشتباك ومغادرة الجامعة . . مع الافراج المباشر على كل من اعتقل وعلاج المصابين وعدم تعرض جهاز الامن لأي طالب تشتبه به كان حاضرا . . في نفس الليلة او في الايام التالية – غادر الجميع مع عمل اشخاص كرابط تواصل إذا ما جرى أي اعتقال لواحد منا او من الطلبة التابعين للأمن وادارة الجامعة – كان عادة تجري عملية إحلال للاخوانجيين بشكل صامت غير معلن رسميا ، فالحزبية محرمة بقوة النظام ، وليس هناك إلا حزبا واحدا يضم كل الوطنيين . . هو حزب الرئيس والسلطة الحاكمة – غشت على لحظات وقوفك تلك الذاكرة المستحضرة بأجواء الحفل المشحونة بالتوترات – دون علم لكبار الضيوف المرسومين على مقاعدهم الامامية - اخرجتك من قمقم حسابات الضعف التي لازمتك منذ وطئت قدماك مطار القاهرة
- مساء سعيد على جميع الحضور و . . طيب الله اوقاتكم .
. . تسرني المشاركة بذكرى هذا اليوم الغالي على قلب كل يمني
- هل تسمحون لي ببعض الوقت لقول كلمة تعلق في نفسي . . قبل إلقاء القصيدة .
ضجت القاعة بمئات الاصوات المملوءة بالحبور من الخلف – كانت المرة الوحيدة قبل تحدثي ارى فيها بوضوح مهابة كل من قعد في الصفوف الامامية من الوفود الرسمية ، مشيحا بصري عمدا عمن كان يجلس جوار أي منهم من يمنيي النظام الرسمي ، كنت كمن اتخاطر معهم خلال ما تعكسه عيني من شعاع تجاه مجلسهم المتسمرين عليه ، اوهمهم بعظمة تنازلهم لهذا الشاب أن يقول ما في نفسه – يعرفون حب اليمني لبلده وذكرى اعياد ثوراته – تفرقت دلالات السماح لكلمتي قبل قراءة القصيدة ، منهم من كان يهز رأسه بتعالي ويلوح بكفه على صورة نصف رفعة لليد ، اخرون بتفاعل ودي فتحوا اذرعهم عاليا ، منهم بدون صوت و . . الصوت من كان مقعده ابعد الى الخلف او في اتجاه احد طرفي تلك الصفوف – شكرا – اشرعت بصري بعيدا كشارد يلاحق شيئا في فضاء غير منظور للآخرين – لم أعد ارى احدا أو احس كل ما يحيط بي – انفرجت كلماتي لا شعوريا بتدفق الكلام دون توقف ، الذي انساب هادئا ليرتفع تدريجيا الى حالة من الحماس الانفعالي المليء بالحرقة – خيم موت على القاعة ، لم تكن اذني ترن في داخلها أي صدى لوجود بشري ، فقط . . عند لحظات التوقف التي كنت اشدد الضغط على حروفها اللفظية بمقتضى الخطابة التي امتلكتها . . يرتفع الصفير والتصفيق والهتافات والشعارات الوطنية الواصلة من الخلف ، والصراخ بالاستمرار عند رؤيتهم محاولات لقطع حديثي من بعض المقدمين الخدام . . مع كثير من اللعن والشتم الموجه اليهم ومن ورائهم – لا نفس يصل من المحنطين الرسميين في الصفوف الامامية – لم أكن ارى شيئا ، لكني بعدها كنت قادرا على تخيل حالتهم وقتها و . . محاولاتهم لتغطية وقع كلامي على من يجلسون جوارهم من خلال اختلاق التذرعات ب . . أني مدفوعا من الشيوعيين . . لأتفوه بما اقوله ، وافتعال احاديث جانبيه تشغلهم عن كلامي – اكثر من نصف ساعة اعري نظام الاستبداد ، الحاكم بالنار والتسلط القبلي والتكفيري تجاه الوطنيين والشعب ، كيف اتى رئيسه على مؤامرة دنيئة لقتل الرئيس وبتواطؤ خارجي رجعي ، انهى ارث الدولة الحديثة وغيب الدستور والقانون ليحل محلها اعراف القوة والاعراف القبلية المتسلطة على الحكم ، كيف قاد تصفية للوطنيين بوحشية وافسد الناس بشراء ضمائرهم وجعل ظاهر عمل الدولة لنهب مقدرات الامة وحكم الناس وحقوقهم بحكم قراقوش – ظهرت مهاترات بين المجاميع الواقفة على الاطراف . . وصلت الى الفراغ الفاصل بين اول صف للجلوس في الصالة وخشبة المسرح التي ترتفع عن ارضية الصالة بما يقارب المترين او اقل قليلا – تقطع حديثي مؤخرا اكثر من مرة بين متحلقين حولي من الطرفين من يطلب بنزولي عن الخشبة او البدء في إلقاء القصيدة على مضض ، فالبرنامج فيه الكثير والكثير من الفقرات و . . اخرين يتشابكون بالأيدي معهم لأكمل حديثي . . ومنهم ينصحني بإلقاء القصيدة – اعتذر عن إطالتي بالحديث و . . إن كنت لم اقل شيئا بعد . . مقارنة بساعتين مما قيلت فيه من اكاذيب – عنوان القصيدة

تراتــــيل . . في إفـك الحصـار

. . وينغلق عليك . . المسار
، حصــــار
. . حصــــــــــــار
، تبلد في الافق
، غباء في الابتهال
، تضرع
، غمام . . يلف المكان
، يمام . . لا يعرف موطئا للقدم
- لا ســـــــــــــلام
، نعوش تهترئ
. . من كثر الكلام
، اصوات . . تنعق
. . بالانتصــــــــــار
- حصــــــــــار –
. . ويصادر المعاش
، حين تحتضر علياء
، وينطرح جسد ابنها الوليد
. . قربها
. . فاقدا للحياة
- ما أجمل اسمها
، ما أنصع . . ضحكتها
. . حين كانت تلعب
. . في زمن اخر
، لم تكن تعقص شعرها
، لم تعهد يوما
. . كون . . دونها
، عشقت الاغاني
. . ولم تسر سرها . . لأحد
، سوى المرايا
. . وظلها
- حصــــــار –
. . تكسرت المرايا
، تشققت الارض
. . جفافا
، واستقطعت المساحات . . بيدي متخمين
، عاثوا فسادا
- اراقوا الدماء . . بكذبة
، واستلذ الرياء
. . العواء

. . وانتهاك الاجنة
- قالوا هناك احجية
، يمــيد الله السماء . . على اناس نائمين
. . في الصحو
، ويرسل عليهم صواعق نار
. . من قردة خاسئين
. . ينتهكون عرضهم
، وعند البيع . . يبخسون اثمانهم
- حصار –
، لا اعرف كيف . . تعصر قامتي
، وتأبى يدي . . شح السؤال
، فأجدني . . فاقدا جذوتي
، فاقدا . . طعم الكلام
- قد عصفت رياح الانقلاب
، لم تبقى . . همس ضمير
، بقايا . . من ذكريات محارب
- لم تبقى سوى . . امراء نخاسة
. . وبطولات . . لأنصاف رجال
، عرفناهم رخصا
. . حتى كان الانقلاب
، اسياد علينا
، على امة لم تخرج بعد
. . عن مهدها

، أمة تولول . . في احزانها
، تولول . . في افراحها
و . . تولول حتى . . في الاماني
. . وعند لحظات الدعاء
- حصــــــــار
. . وحرب لا تنته
- يا أبتي
. . لما احضرتني
. . في ارض يباب
، وعصرت في داخلي . . اوهاما من البطولة
، ما أن لمحت بارق ضوء
. . تركتني للغبار
. . متخبطا في مدار
، أحاول معرفة نفسي
، أحاول خيط الحقيقة
وأقنع نفسي
. . حول زمن يجيء
- لا شيء يأتي . . يا أبي
. . سوى
. . حــرب
، حصــــــار

- تكرار المنايا
. . يلف المكان
- حصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار -
فأحاصر نفسي
. . كسرا للحصـــار
، وأحاصر نفسي المخنوق في بلدي
- أحاصر . . ذكرى وطن حلمت به
، وأوجـــاع تاريخ . . لم يغادر
- أحاصر صوتي
، بيتي
، ألمــــــي
. . وصغاري
. . في بكائهم
- لن تراني . . قدري
أظـــل . . شاكيا
- لن ابــوح . . لك
. . لهم
، أني اشظى
- أجـزاء -
بعدد ايامي . . العـابرة
، أيــامي . . الباقيـــة
وعدد اكــواني . . التي نسجـتها
. . يــوما . . فيــوم
بملايين السنوات الضـوئية
- لن اعيد قول اخرين
. . أني كنت حالما
، وأني فنيت عمرا
. . في الضياع
- سأقول : أني أظل موجودا
، وسأظل سنديانة . . معمرة

أرفعوا المصاحف . . على السيوف
، أو اعلنوا تغيير الخلافة
- دقوا طبال الحرب
. . كلمــــا شاء لكم
. . إني موجود
. . فلن تنطبق السماء
، ولن يفيض سركم . . علــــــــي
- إني واقف . . هنا
، هنـــاك
. . وهناك
أفيء بظلي
، واحفظ قطراتي الباقية من دمي
. . أراقبكم
- قد تأكلون زرع الارض
، تشربون عرق الصامتين
، وخوف الهاربين . . من الدمار
لكنكم . . تظلون عابرين
. . كسخط الارض
، قيض صيف طويل
. . لـــــه أن ينقضي .

دوي التصفيق ظل يلاحقني . . عند فواصل التوقف و حتى اختفائي وراء الكواليس ، وسحبي الى خارج المسرح من باب خلفي يفتح على البهو الخارجي لما قبل المسرح - لم أكن أتوقع ما احدثته من اثر ، ما اعرفه . . أني تخلصت من شيطان كان يخنق روحي ويكتم علي انفاسي و . . يركعني لأصبح جبانا . . غير حقيقتي – استنشقت هواء باردا عليلا . . حين وجدتني خارج المسرح – بالطبع لم يعرف من المتجمهرين هناك أني من كنت قبل قليل على خشبة العرض – سرنا دون توقف نحو الطرف البعيد من الشارع ، بعد أن مرقنا بضيق الانفس بين اليمنيين المكتظين في البهو وحتى رصيف الشارع لمتابعة الحفل – أنا سأروح البيت مع صخر ، الحقونا وقت ما تحبوا – سرت وفاهم في الطريق الى المنزل ، يبدو انهم اتفقوا مع بعض بسرعة ابعادي عن المكان ، خاصة بما قلته في كلامي وأيضا كلمات القصيدة – انت مجنون . . ما أحد يفعل ما فعلته ، علينا نخاف على انفسنا ، نحن تحت رحمتهم بما سيفعلونه معنا من الداخل ب . . الغاء ابتعاثنا و . . المشكلة إذا اعادونا . . ماذا سيفعلون معنا – كان في البدء كلاما وطنيا وحماسيا يطلقه فاهم بعفوية عاطفية - كبف اسقطت عليهم جبالا فوق رؤوسهم . كيف ستكون حالتهم – التي تخيفهم مسبقا – عند وصول ما حدث الليلة الى الرئيس ، لا شيء يخفى عنه وإن كان لأمر تافه – بعد استهلاك الشحنات العاطفية ، تحول الحديث الى جدية إيجاد حل سريع لسفري الى سوريا - بعد الليلة أغلقت كل الأبواب . . حتى مساعدة خالك السفير . . إذا ما تحرك فيه قليل من ضمير الرحمة بفعل قرابة الدم – انقلب الحديث عن اخطار التقارير التي سترفع على من يستضيفني ومن يرونهم في صحبتي . . حتى عند مقهى لشرب الشاي أو في تجول في احياء القاهرة ومناطقها المختلفة – اوصلني الى المنزل . . على أن ابقى فيه ، وهو سيعود لحضور السهرة ، خاصة انه من محبي الفنانين احمد بن احمد قاسم ومحمد سعد عبدالله سيلتقي بالآخرين ويعرف الأجواء الى اين وصلت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص


.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود




.. تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على آلة العود.. الموسيقا


.. الموسيقار نصير شمة: كل إنسان قادر على أن يدافع عن إنسانيته ب




.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 202 مليون جنيه خلال 3 أسابيع