الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب الذين غزوا فارس هل كانوا بدواً حفاة

جعفر المظفر

2023 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك شك في أنّ بلاد ما بين النهرين كانت قد بنت أول حضارة في تاريخ البشرية ولذلك فإن العودة لتأكيد صلة العراق بهويته التاريخية الماضوية يصبح مغرياً, وربما سنجد أنفسنا أمام محاولة لطغْيَنَةِ ماضٍ لا يمكن استعادته مما يؤدي إلى مزيد من الضياع والتيه. إن التأكيد على العمق السومري والبابلي والأكدي والآشوري للعراق، مطلوب لغرض فهم الطبيعة الحالية للموروث المجتمعي العراقي، وليس لغرض إحلال ثقافة متراجعة أو حتى مختبئة خلف ظلال المشهد الحالي, ولقد حدث لمصر قبل العراق هذا الصراع الأزموي من أجل البحث عن الذات والهوية بعد انهيار حكم عبدالناصر، ورأينا بعض المثقفين وهم يهربون إلى الخلف بحثاً في التاريخ عن ثقافة يمكن أن تغطي على عمق الإنهيار متعلقين بأذيال الحضارة الفرعونية ليصبحوا لا هم بالمصريين ولا هم بالفراعنة, وإنما هم في ذلك كالعراقيين الذين ينكرون صلتهم بالعرب وبالموروث العربي لصالح انتسابهم البابلي أو السومري أو الآشوري وما شاكل.
والحال إن هذه العودة غير الموفقة للتاريخ لن تحقق لهم الصلة بالتاريخ بمقدار ما تقطع صلتهم بالحاضر الذي يجب أن يجدوا أنفسهم فيه بشكل يقيهم شر الضياع الثقافي وجاهلية الإنتماء.
ولعل أفضل ما يمكن متابعته هنا أن الذاكرة والموروث الفارسي قد تشكلا تحت عناوين تؤكد أن العرب البدو الغزاة هم الذين هدموا الحضارة الفارسية التي كان قد بناها الساسانيون وذلك حينما غزوا الأراضي الفارسية تحت راية الإسلام بداية من معركة القادسية.
لكن بإمكان عودة سريعة للتاريخ أن ترينا أن البادئ بالغزو كان هو الطرف الفارسي وليس الطرف العربي أو الإسلامي, وأن الفرس الساسانيين هم الذين هدموا الحضارة العراقية البابلية وغيرها من الحضارات التي تشكلت في أرض الرافدين, ولم يعرف عن العراقيين أنهم الذين غزوا بلاد فارس او اعتدوا على حدودها قبل أن يتقرر تحرير العراق على يد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب, ولنلاحظ أن معركة القادسية نفسها التي أدت إلى (غزو) الأراضي الفارسية لم تكن قد حدثت في البداية على أرض فارس وإنما على أراضي العراق المحتلة من قبل الدولة الفارسية الساسانية.
وسنكتشف على عكس ما يقولون أن (الحضارة الفارسية), سواءٌ في زمن كورش الكبير أو في زمن غيره من الغزاة الفارسيين لأرض الرافدين لم تقدم للعراقيين سوى الحروب والعساكر والإحتلال. ولم يذكر لنا التاريخ أن إيران قدمت للعراق في فترة الغزو ذاك أي تطور حضاري بل كانت هي السبب في تهديم حضارته والحجْر عليه.
وهنا ستتكفل هذه الحقيقة التاريخية المهمة بإعادة ترتيب الحقائق التاريخية من جديد, وحتى أنها ستقلب عاليها سافلها, فالعملية عربياً (أسلمة إيران) لم تنشأ في بدايتها كـ (غزو لإيران) وإنما كحرب (تحرير للعراق) لأنّ الفرس هم الذين كانوا في البداية من (غزوا) العراق أما العرب فقد أتوا بعد ذلك لكي يحرروا العراق من تبعات الغزو الفارسي, وإن اندفاعهم بعدها إلى أراضي فارس لإسقاط دولة الأكاسرة الساسانيين كان امتداداً لعملية تحرير العراق من الإحتلال الفارسي ولوضع حد للأطماع الفارسية التي كانت تؤكد أن العراق هو جزء من الإمبراطورية الفارسية. بل لعلنا نجد في اختيار هم لـ (المدائن) العراقية عاصمة لتلك الإمبراطورية خير دليل على ما نقوله, وليس صعباً بعدها أن نفهم أمنية الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (أن يجعل بينه وبين الفرس جبلاً من نار) على أساس خلوّها من أية كراهية عِرْقية أو عنصرية مسترشدين بالوقائع التاريخية التي تؤكد أن الفرس لم يكونوا في وارد الكف عن مطامع إعادة احتلالهم للعراق مرة أخرى, وإن إيقاف ذلك العدوان لم يكن ليتم إلا من خلال القضاء على مصدر الخطر الأساسي ألا وهو مطاردة كسرى الفرس في عقر دياره, أو أن تتحقق أمنية عمر بن الخطاب أن يجعل بين العرب وبلاد الفرس جبلاً من نار.
وهكذا جاءت أسلمة إيران حينها كنتيجة لسياق وليس تحقيقاً لنوايا مسبقة هدفها احتلال إيران أو أسلمتها. ويقودنا هذا المشهد إلى معاينة ما سبقه من أحداث مفصلية وأهمها تلك التي انتصر فيها القائد العربي (المثنى بن حارثة الشيباني) على الفرس في معركة (ذي قار) لنستدل منها على أن العرب لم يكونوا طارئين على العراق في أثناء الإحتلال الفارسي ذاك, بل كانوا في الحقيقة من سكانه الأساسيين, وأن معركة تحرير العراق نفسها لم يقم بها (عرب الجزيرة البدو الغزاة) وإنما قامت بها في الأصل القبائل العربية العراقية التي استنجدت بدولة الخليفة عمر بن الخطاب فجاءتها الجيوش العربية المسلمة سعياً لنجدتها, ثم جاء احتلال إيران بعد طردها من العراق كنتيجة في سياق ولم تأتِ لغاية منقطعة وقائمة بذاتها للغزو ذاته!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل كانت بلاد فارس الساسانية حضارة ام امبراطورية
منير كريم ( 2023 / 1 / 30 - 16:35 )
الاستاذ المحترم جعفر المظفر
شكرا على مقالك المفيد جدا
انا اةرأ في تاريخ العلوم كجزء من اختصاصي فلم اجد ان الامبراطوية الساسانية العسكرية انتجت علوما ومعارف
بل العكس فان لغة الفرس كانت مفككة واستزادادت من اللغة العربية اضافة لما ذكرت بان تلك الامبراطورية العسكرية دمرت حضارات وادي الرافدين وكادت ان تفعل الشيء نفسه في مصر
الحضارات القديمة الفرعونية والبابلية والسومرية والاشورية واليونانية والصينية والهندية انتجت علوما ومعارف لاتزال اثارها موجودة للان
شكرا

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية