الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الصرّاف - سَمِعَتْ كل شيء

فرح تركي
كاتبة

(Farah Turki)

2023 / 1 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عن دار الحكمة/ لندن ، صدرت الرواية الأولى للإعلامية والصحفية ( سارة الصرّاف ) بعنوان { سَمِعتُ كلَّ شيء } ، التي كُتبت بصوت وروح طفلة ترويها وكأنها تتكلم مع نفسها ، وتعبر عن مخاوفها وتصوراتها عن كل شيء عاشته، رأته، سمعته ،
ويعدّ ذلك إختيارا" ذكيا"وحرا" وموفقا"، لأن مساحة الصدق فيه كبيرة، فالطفل لا يحتاج أن يجمّل الأشياء ، بل يضع كل شيء في مكانه ، كما في قطع اللغز التي تظهر متناثرة ويطلب منه ان يعيد ترتيبها..
إختارت الروائية فترة زمنية محددة ألا وهي الثمانينات في القرن الماضي التي تزامنت مع الحرب العراقية - الإيرانية ، وتمكنت من الكشف عن الكثير من الحقائق التي كان من الصعب تناقلها والجهر بها ، فكان لكل كلمة ثمن، ربما يكون حياة قائلها ، ولم تتجاوز المشاعر، المخاوف، التحديات، المشاكل التي واجهتها النساء العراقيات بعدّهن انسانياً أكثر من يدفع الضرائب في الحروب وعادة ما يكون باهضا" جداً، فالأم والزوجة والأخت اللواتي كن ّ يعشن ويمتن مع كل معركة وذويهم في الجبهة ، وخير دليل تلك الأعداد الهائلة من الأرامل ، والجيش الجرار من الأيتام الذين ينتظرهم مستقبل مجهول ... الرواية كُتبت بحس مرهف ولغة حقيقية صادقة ، اضيف إليها بإمتياز الكثير من المفردات العراقية العامية مع شرح بسيط لها ... سعة هذه الرواية الكبيرة التي بلغ عدد صفحاتها ٤٠٠ صفحة ، دلالة على إمكاناتها السردية العالية ، وتجربتها الناضجة التي تستحق الحفاوة ، وكأنها يد كاتب لا يكل ولايمل وحبره لا يجف ..
من أهم الأمور التي عرضتها كمعالجة إجتماعية هي التحرش الذي يتعرض إليه الطفل ضمن نطاق الأقارب والمعارف وكأنها تحذر كل أم وأب عَبر الطفلة "رغد" التي انفصل والداها وبقيت تتنقل من بيت لآخر..
عشتار البطلة كانت أكثر من طفلة، فهي حفيدة لسيدة تحملت الكثير وتحلت بالحكمة وسعة الصدر ، وكان بيتها الذي يظهر من المشهد الأول وكأنه "صالون أدبي" مع تغيير عنوانه إلى المعنى الأقرب "صالون اجتماعي"، تتردد فيه جارات جدتها وصديقاتها ، فكان هذا المجتمع هو النافذة التي أطلت من خلالها على أسرار الحياة وخفايا الناس الدفينة ، حتى يظهر لها
بعد منتصف الرواية وجود بيت جدها لأمها التي توفيت وزوجها - والد عشتار - في موسكو بحادث سير، نعم هي يتيمة وكأن الإعلان عن موت والديها ليس جنائزيا" او مأسوياً ، فقد عرضته "الصرّاف" على شكل تساؤل يطرحه طفل عن وجود أبويه ، فيكون الجواب من الآخرين انهما في السماء..ومن جهة أخرى وجود العوض الذي اغدقته عليها جدتها والعمة فاطمة المسؤولة عن إدارة شؤون البيت وتربيتها ، وتعلقتْ بها جداً بعد جدتها ...
برعتْ الروائية في خلق الموازنة عبر مفارقة ذكية وحكيمة ، وكأنها تفرض علينا أسسا" اجتماعية غائبة عن كثيرين بسبب التعصب والتعنت ، ألا وهي منع أهل الطفل من جهة الأب عن اهل أمه او بالعكس في حالات اليتم او الانفصال ، فإنهم يقطعونه بمنشار ، فيعيش نصف روح، نصف انسان، نصف كيان ، دون أن يعرف ما حقيقة الطرف الآخر..
كأنها تنظر إلينا بعيون جدة عشتار وتنصحنا بعين حازمة أن ما تفعلونه خطأ" فادحا"، لذلك كانت أسرة جدها لأمها هي الجهة الداعمة للثقافة والتجلي مع ثرائها المتحضر والعيش وسط بيئة متنوعة ، فيما كانت جدتها لأبيها طيبة وكريمة وبيتها مفتوحا" للجميع ، فكانت نتيجة هاتين البيئتين
طفلة هي سند لنفسها رغم قلقها الدائم وخوفها من المستقبل ..
إن وجود اللمسة العاطفية الوجدانية ببراعة قلم أنثوي متحفظ يقدس العُرف والدين ، ولكنه صريح وجريء في تعرية نوايا الرجل اذا كانت حقيقية او مزيفة ، وفي كبت المرأة من مجتمع محافظ صارم ، يحاسبها ويترك الرجل ، تَمَثل في قصة عايدة وحبيبها الخمسيني الذي يكبرها بعشرين عاماً..
جسدت قصة حبهما بصدق وبراعة وبنصوص شاعرية ، وكأنها رواية داخل روايتها الأصل ،مما أضاف لها متانة" وتشويقا" وبلاغة" تحمل حساً رومانسيا"شفافا"...
ومما يحسب لها ، أنها ختمت روايتها بإنتهاء الحرب ، لتتوجها برحيل " فاطمة " ،
التي كانت محور حياتها لسنوات ، وهذه إشارة رمزية الى أن السلام لا نلمسه بأيدينا الا بعد سيل من الخسائر الكبيرة والتضحيات الغالية..
وعادة المضحى بهم ليسوا طرفاً في القضية، ليعش أحدنا الى النهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو