الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية

دلور ميقري

2023 / 1 / 31
الادب والفن


1
تعرّفت مصر على السينما قبل كل دول المشرق، التي كانت رازحة تحت الإحتلال العثماني، المعروف بحجبه للعلوم والفنون والمعارف عن شعوب تلك المجتمعات. ذلك أن مصر كانت محظوظة، من هذه الناحية على الأقل، بوضع الوصاية ضمن التاج البريطاني. وحتى أواخر القرن التاسع عشر، كان ينشط في البلاد عدد كبير من الفرق المسرحية، المعتمدة بشكل أساسي على الموسيقى والغناء. عروضها أيضاً، كانت مترجمة عن مسرحيات فرنسية بالدرجة الأولى. في ذلك الوقت، عندما بوشر باستيراد الأفلام الأجنبية من أوربا وأمريكا، تم تحويل عدة مسارح إلى صالات سينمائية.
في عام 1907، استُهل الإنتاج السينمائي في مصر حينَ قام المصور الفرنسي، بروميو، بعمل فيلم قصير عن بعض الأماكن المشهورة في مدينة الإسكندرية. فاعتبر ذلك التاريخ، لاحقاً، كعام ميلاد السينما المصرية. بعد عشرة أعوام، أنتج أول فيلم روائي في البلاد، " الأزهار القاتلة "، من خلال الشركة السينمائية المصرية ـ الإيطالية. المخرج الرائد، محمد كريم، كان هوَ بطل الفيلم. بقي إنتاج الأفلام الصامتة طوال عقد العشرينيات أيضاً، لحين أن تم تأسيس استديو مصر بمبادرة من المخرج المعلّم، أحمد بدرخان، وبدعم من الإقتصادي الكبير طلعت باشا حرب.
كمال سليم ( 1913 ـ 1945 )، تتلمذ سينمائياً على يد أحمد بدرخان، الذي ما لبث أن أوكل إليه عمليات المونتاج في استديو مصر. في عام 1937، أخرجَ كمال سليم أول أفلامه، " وراء الستار ". بعد ذلك بعامين، استُقبل فيلمه الثاني، " العزيمة "، باحتفاء كبير من قبل الجمهور والصحافة على حد سواء. في خلال حياته القصيرة، قدّم هذا المبدع الرائد دزينة من الأفلام، بعض سيناريوهاتها كان من تأليفه؛ ومنها " العزيمة "، الذي يُعد أول فيلم واقعي في السينما المصرية.. كذلك، حاز المرتبة الأولى في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
من المهم أيضاً التنويه، إلى أن صلاح أبو سيف كان المخرج المساعد في فيلم " العزيمة ". وسيُعرف أبو سيف، لاحقاً، برائد السينما الواقعية.
بديع خيري ( 1893 ـ 1966 )، هوَ مؤلف حوار فيلم " العزيمة ". كان مبدعاً متعدد المواهب؛ شاعراً زجالاً، وملحناً، وكاتباً مسرحياً، وممثلاً. يُعد أيضاً أول من كتب للسينما المصرية، وقبل ذلك شكّل ثنائياً مسرحياً مع نجيب الريحاني. وقد كتب لهذا الأخير سيناريو فيلمه " غزل البنات "، إنتاج عام 1950، الذي أختتم به الريحاني حياته الفنية الحافلة.

2
شارة فيلم " العزيمة "، كدأب الأعمال السينمائية المبكرة، تبدأ بكتابة أسماء صانعي الفيلم ومن ثم أسماء الممثلين بما فيهم الأبطال. الشارة، مترافقة مع موسيقا تصويرية من وضع الملحن عبد الحميد عبد الرحمن، وكان في بداياته يقدم معزوفات فردية على آلة الكمان بين العروض المسرحية والأفلام السينمائية الصامتة.
يُفتتح الفيلم بمشهد عام للحارة الشعبية، يخترق أجواءها صوتُ أذان الفجر. هذا، مع أن تقنية التصوير في الظلام لم تكن متاحة في ذلك الزمن. من المهم أيضاً الإشارة إلى مهارة مدير التصوير، فرانسوا فاركاش ( هنغاري الأصل ). التصوير المستخدم في الفيلم، كان ذا ايقاع بطيئ ويركز على تفاصيل الوجوه والأشياء والأمكنة. تنتقل الكاميرا إلى مدخل الفرن، هناك أين كان صاحبه ( الفنان حسن كامل ) عائداً وهوَ ثمل. من سؤاله للأجير، عما لو شعرت امرأته بغيابه ليلاً في الخمارة، نُدرك أنها امرأة حازمة ( قامت بالدَور الفنانة ماري منيب ) ومسيطرة على شئون المنزل. ما لبثَ أن ظهرَ الجزّار، المدعو بالعتر ( الفنان عبد العزيز خليل )، الذي يلوح من سلوكه مع الآخرين أنه شخص شرير. يسخر من الحانوتي، الحاج روحي ( الفنان مختار عثمان ) بلقب عزرائيل، فيرد هذا عليه: " عقبى أن تكون زبوني غداً! ". بطلا الفيلم، لن يتأخرا بالظهور. فاطمة ( الفنانة فاطمة رشدي )، تخرج إلى الشرفة كي تنشر سجادة ثم تبدأ بسقي أصص الأزهار. تُفتح نافذة المنزل المجاور، ليطل سي محمد ( الفنان حسين صدقي )، فتحييه فاطمة بود وبهجة. بدَوره، ينتبه الجزّار لظهور فاطمة على الشرفة، فيثني على جمالها بصوت مرتفع. من ملامح وجهها، ندرك نفورها الشديد من هذا الرجل.
محمد، يستعد للتوجه إلى الجامعة كي يرى ما لو كان اسمه بين خريجي كلية التجارة. والدته ( الفنانة ثريا فخري )، تدعو له بالنجاح ثم تذكّره بأن والده تعبَ كثيراً ليرى هذا اليوم السعيد. الأب، ما عتمَ أن استقبل ابنه في دكان الحلاقة، الذي يعمل به. من موقفه هناك، يشاهد محمد فاطمة خارجة من الدار، فيتوجه نحوها ويتكلم معها عن أمله بالتخرج وإيجاد وظيفة مناسبة حتى يقترن بها سريعاً.
هناك في الجامعة، يعلم محمد أنه تخرج بدرجة امتياز. زميله الثري، عدلي ( الفنان أنور وجدي )، يطلب منه مرافقته بسيارته إلى المنزل، وذلك لمحاولة الإصلاح بينه وبين أبيه. هذا الأخير، نزيه باشا ( الفنان زكي رستم )، يتلقى بسرور عرضاً من محمد بأن يؤسس مع عدلي شركة للاستثمار في مجال تجارة الأخشاب: " عندما أعود من سفرتي لأوربا، أتمنى أن أسمع أخباراً سارة عن شركتكما ".
في الأثناء، يكون المعلم العتر في زيارة لمنزل أسرة فاطمة، بهدف طلب يدها. الأم تبدي موافقتها، فيما الأب يقف إلى جانب ابنته، التي تعلن أنها لن تتزوج إلا من محمد. هذا الأخير، يصدم من خبر عزم مصلحة الضرائب على مصادرة محتويات دكان والده، لبيعها في مزاد علني. هنا، ينشأ موقف طريف: يبشره الحانوتي، الحاج روحي، بأنه ينتظر موت زبون غني، وعندئذٍ سيسدد المبلغ المترتب على أبيه للضرائب. وهذا ما حصل، فعلاً!
عقبَ سفر الباشا، يتهرب عدلي من تنفيذ المشروع ويتابع صرفَ المال على ملذاته. فيقوم محمد بمراجعة الشركات، عله يجد وظيفة. إلا أنه يلاقي الأبواب مسدودة بوجهه، في وقتٍ كانت الصحافة تشير فيه إلى نسبة كبيرة من البطالة بين خريجي الجامعات. لكن والد عدلي، الذي عاد من السفر وعلم بما فعله ابنه الطائش، يتوسط لمحمد في وظيفة بشركة كبيرة. ما أن تسمع والدة فاطمة بالأمر، إلا وتوافق فوراً على زواج محمد من ابنتها.
الباشا، مدير الشركة ( الفنان عباس فارس )، يطلب ذات يوم من محمد أن يدرس ملفاً مهماً ويشدد على الحرص عليه. لكن أحد زملائه، يتناول الملف سهواً من على المكتب ويرميه على رف إحدى الخزائن. بسبب ضياع الملف، يُتهم محمد بتسريبه لشركة منافسة ويطرد من العمل. عندئذٍ، يضطر محمد للعمل أجيراً في محل لبيع القماش. يُفضّل كتمان الموضوع عن امرأته، حتى لا يتسبب بتكديرها. لكنها سرعان ما تعلم بحقيقة عمل رجلها، وذلك عن طريق المعلم العتر، الذي أخبر والدتها. جارات فاطمة، هن من بادرن باصطحابها إلى محل القماش كي يسخروا منها برؤية زوجها بملابس العمال الأجراء. بالنتيجة، يحصل الطلاق بين الزوجين.
على المنقلب الآخر، يتم إعادة محمد للعمل في الشركة على أثر العثور على الملف الضائع. إلا أن صديقه عدلي، وكان مطروداً من المنزل بسبب غضب أبيه الباشا، يحمل محمد على القبول بتنفيذ مشروعهما بشأن تأسيس شركة. الباشا، يبدي سروره من المشروع ويسهم فيه بماله. في الأثناء، ينقل أحدهم لمحمد خبرَ إجبار أم فاطمة لابنتها على الزواج من المعلم العتر. فيبادر محمد، الذي ما زال يحب فاطمة، إلى نقض كتب الكتاب بدلالة عدم اكتمال عدّة الزوجة المطلقة. عند ذلك، تنشب معركة حامية بين أتباع المعلم العتر وأولاد الحارة، الذين يشعرون نحو محمد بالمحبة والاحترام. يتدخل البوليس ويلقي القبض على العتر، فيما الحبيبان يؤوبا للعيش تحت سقف واحد كما في السابق.
واقعية فيلم " العزيمة "، يُمكن ملاحظتها من سياق الأحداث، المتسم بخلوه من الإثارة والمبالغة والعنف وإقحام مشاهد الرقص الشرقي. كما أن الفيلم نقل بتفاصيل مدهشة، أحوال الحارة الشعبية في القاهرة. في المقابل، لم يهتم بنقل مشاهد من قصر الباشا والد عدلي. من ناحية أخرى، نجد أن للفيلم أكثر من حبكة. فهناك موضوع التنافس على يد فاطمة بين محمد والعتر؛ مشكلة والد محمد مع الضرائب؛ إشكالية صداقة محمد وعدلي؛ الملف المفقود؛ وسوء التفاهم بين الزوجين، المؤدي للطلاق. هذه المشكلة الأخيرة، تذكّرنا إلى حد ما بعقدة حبكة فيلم " لعبة الست "، انتاج عام 1946، وهوَ من أهم أفلام نجيب الريحاني وتحية كاريوكا. لم يكن بلا مغزى، أن كاتب سيناريو ذلك الفيلم هوَ نفسه بديع خيري؛ مؤلف حوار " العزيمة ".
بعض مشاهد الفيلم، تعطينا ولا شك فكرة عن مقدار التحرر في المجتمع المصري في ذلك الزمن. على سبيل المثال، مبادرة محمد للوقوف مع فاطمة في الشارع وعلى مرأى من أهل الحارة، دونَ أي حرج أو مشكلة. أيضاً، نرى والدة فاطمة تشرب القهوة في نهار أحد أيام شهر رمضان؛ بينما والدها لا يكف عن شرب الخمرة. المولد النبوي، يشهد في خلال الإحتفال به في الحارة ظهورَ راقصة شرقية ببدلتها، التي تكشف مفاتنها، وهيَ تؤدي وصلة في سرادق للمحتفلين بالعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق