الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث العراق الجسيمة: غزلان وتماسيح

صائب خليل

2006 / 10 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مهمة العقل ان يحلل الأحداث ليشير الى رد الفعل المناسب لها. فإذا تكاثرت الأحداث اضطر العقل الى ان يختار المهم منها وان يهمل ما هو اقل اهمية, اما حين تتوالى الأحداث الجسام بأسرع كثيرا من المعتاد, لايعود للعقل سوى ان يهمل احداث مهمة لحساب البعض الآخر الأكثر اهمية.

والحقيقة اننا لم نعد ندري ما هي الأحداث الأكثر اهمية في هذا السيل الجارف لكي نتوقف عنده ونحسبه لنتخذ موقفاً متأنياً دقيقاً, ولو بشكل معقول.

فقبل ايام كتبت جريدة الزمان ان قاسم جبر, والد أحد أعضاء فريق التايكوندو العراقي الذي اختطف قبل خمسة اشهر عثر علي ابنه حيا في سجن بوكا الواقع في ناحية أم قصر, أحد السجون التابعة للقوات متعددة الجنسية.
وإنه يجري اتصالات مع بعض الجهات لاطلاق سراحه مع زملائه من أعضاء الفريق.
ورغم ان جريدة الزمان جريدة بعيدة عن الثقة, وانا نفسي كتبت عن ذلك اكثر من مرة, لكن الخبر يبقى خبراً مهماً يتطلب الرد عليه, خاصة وانه يورد اسماءً محددة يمكن التأكد منها, أما بمحاسبة الصحيفة ان كان ملفقاً, او اجراء تحقيق في الأمر. فموضوع إختطاف فريق التايكواندو كان قد اشعل حملة اتهامات طائفية شديدة ساهمت في الوضع المتردي في البلاد, حتى ان البعض قد اختطف رهائن من الطائفة المتهمة بالخطف, لإستبدالهم برياضيي الفريق. أن من شأن التحقيق في هذا الأمر ان يكشف الحقيقة: اما حقيقة الكذب المستمر لصحيفة الزمان وتأثيرها المخرب او حقيقة من يلعب اللعبة الكبيرة القذرة لإثارة العداء الطائفي, لذا كانت هناك فرصة كبيرة لتحقيق مكسب هام في كلتا الحالتين.
لكن الموضوع الخطير هذا مات في مكانه, إذ تلاحقت الأحداث, و بذا لم يتخذ رد الفعل المناسب لهذا الخبر.

ثم تناقلت الصحف تقرير قدمه فريق من الباحثين الأميركيين والعراقيين حول سقوط اكثر من 650 الف شخص في العراق منذ الإحتلال الأمريكي, وهو يتجاوز بكثير كل الأرقام التي سبق أن قدمتها جهات حكومية أو غير حكومية أمريكية وعراقية. وهذا بدوره أثار موجة نفي من الإدارة الأميركية والحكومة العراقية, الّتان القتا باللائمة على المنهجية المعتمدة في إحصاء القتلى, فأنتقد بوش نتائج الدراسة بشدة ووصفها المتحدث باسم الحكومة العراقية بأنها«تزيد بصورة غير معقولة عن الواقع وتعطي أرقاما تخالف ابسط قواعد التحري والدقة المطلوبة».
لكن معدو الدراسة، وهم مجموعة من الباحثين من معهد الصحة العامة التابع لجامعة جون هوبكينز الاميركية وجامعة المستنصرية في بغداد، ردوا بانهم استخدموا منهجية صحيحة معترف بها عالمياً وأن الحكومة الأمريكية نفسها تستعملها في اماكن اخرى في العالم.
فأين هي الحقيقة؟ ولم لا يطلب البرلمان تحقيقاً فيقابل الباحثين مع الناكرين وجهاً لوجه ليخرج بنتائج مقنعة؟ ..الحدث ذهب ايضاً دون تحقيق كأنه ليس مهماً ان يكون عدد القتلى في العراق أكثر من عشرة مرات اكثر من المعروف رسمياً.

ثم جاء الخبر الصادم المدوخ, حين هاجمت قوة عسكرية امريكية واقتحمت مقر المحكمة المركزية العراقية وسط بغداد وأطلقت مجرم محكوم بالسجن بتهم الفساد هو وزير الكهرباء السابق ايهم السامرائي لتحميه بسفارتها في «المنطقة الخضراء»!
بعد ذلك أعيد الى الشرطة كما صرح الدكتور علي الدباغ المتحدث الرسمي للحكومة العراقية سعيداً "ان السفارة الاميركية في بغداد اكدت انها تحترم القضاء العراقي وتحترم قرار الحكومة العراقية عبر السلطة القضائية، فليس واردا ان ينتهك اي طرف سيادة هذا البلد وغير مسموح بذلك على الاطلاق، والقرار المستقل للقضاء العراقي".
وهو سعيد بذلك, (رغم ان احداً لا يصدق كلمة واحدة من هذا) لأن "السيادة" قد تحققت رغم انه وحسب رأي المتحدث الرسمي للحكومة العراقية فأن «اان السامرائي يحمل الجنسية الاميركية، لذا فهو مواطن اميركي ومن حق السفارة الاميركية ان تؤمن حياته الى ان يتم نقله الى السجن الذي سيقضي فيه محكوميته».
والآن لنراجع ذلك قليلاً قبل ان نصاب بنوبة السعادة والحبور التي اصيب بها الدكتور الدباغ بتثبيت سيادة بلده:

اولاً : القانون الدولي يقر انه في حالة حيازة شخص على جنسيتين, فأن من حق الدولة التي يتواجد الشخص على ارضها ان تحاسبه بأعتباره مواطناً لها, ولها ان تتجاهل جنسيته الثانية. لذلك فأن حق حماية الأمريكيين للوزير السابق ليس صحيحاً على الإطلاق ولم يتم على اساس الحق بل على اساس الفتوة والقوة الأمريكية واهانة السيادة العراقية كالعادة.

ثانياً: بأي حق تهاجم القوات الأمريكية قوات الشرطة العراقية, واثناء ادائها لواجبها وبشكل مسلح؟ ولو فرضنا ان اشتباكاً حدث وقتل البعض فيه فمن المسؤول عن ذلك؟

ثالثاً: القوات الأمريكية عادت لتدعي ان القوة لم تكن منها وانما من قوة الحمايات الخاصة, ثم على ما يبدوا اعترفت بالحقيقة ونقلت اللص الى السفارة, ثم اعادته ان صدق الدباغ الى الشرطة العراقية. لو فرضنا ان الدباغ قد اختفى واصر الجيش الأمريكي على إنكاره, افلا تكون مسؤولية الشرطة العراقية انها سمحت لمجموعة مسلحة بسلبها شخص هي مكلفة بحمايته ومسؤولة عنه؟

رابعاً: ما الذي يفترض في الشرطة العراقية ان تفعله في مثل هذه الحالات مستقبلاً: تفترض ان القوة المهاجمة قوة امريكية "منزلة" فلا تتعرض لها, ام تفترض احتمال كونها عصابة تحاول اختطاف السجين او المتهم, فتقاومها؟ ما هو الدرس الذي تتعلمه الشرطة العراقية من ذلك؟

خامساً: كيف عرف الأمريكان بحكم المحكمة بهذه السرعة ان لم يكونوا يتنصتون عليها؟

سادساً: لو فرضنا ان كلام الدكتور الدباغ صحيح وان من حق الأمريكان حماية مزدوجي الجنسية من العراقيين الأمريكان, أفلا يعني ذلك ان من واجب الحكومة اصدار قانون ليس فقط بمنع اي شخص يمتلك الجنسية الأمريكية من تولي اي منصب في الحكومة او ا لبرلمان او اي موقع حساس, بل وبإخراج كل من حمل تلك الجنسية من العراقيين فوراً من العراق باعتباره شخص خطر يستطيع ان يفعل ما يشاء بدون حساب لأنه خارج سلطة القضاء.؟

لم ولن يعرف المواطن العراقي الإجابة عن هذه الأسئلة, لأنها لم تطرح اساساً على ما يبدو.

ثم جاء إقرار قانون الفدرالية في البرلمان الاربعاء 11/10/2006. إستغربت كثيراً, ان "الشفافية" في القرار, التي طالما غنى لها الكثيرين, وصلت الى درجة ان احداً لا يعلم بالضبط من صوت لصالحه ومن صوت ضده! بل ان نائب جبهه التوافق حسين الفلوجي وشكك في قانونية القرار باعتبار ان الجلسة تأجلت لمدة ساعتين من اجل اكمال النصاب بدلاً من النصف ساعة المقرة في النظام الداخلي. كذلك شكك باكتمال النصاب القانوني في تلك الجلسة قائلاً: " خرج معنا من القاعة قرابة 115عضوا ومتوسط الغياب في المجلس لا يقل عن 70 عضوا فكيف اكتمل النصاب؟".

ليس المهم ان كان حساب الرجل صحيحاً ام خطأ. الفضيحة ان لا احد على ما يبدوا يعلم على وجه التحديد كم عدد النواب الذين حظروا الجلسة, لذا يتم تقديرهم من خلال التوقعات التقريبية!

ثم اسمعوا ما يلي:
"وأضاف الفلوجي ان «رئيس البرلمان وعد باستخدام التصويت الالكتروني فحضر نواب «التوافق» الجلسة املاً في تعطيل مشروع القانون بهذه الطريقة، لكن الجبهة اكتشفت في اللحظة الاخيرة استبعاد عملية التصويت الالكتروني التي كان من المؤمل ان تزيد من نسبة المعارضين للمشروع من النواب غير القادرين على الافصاح عن معارضتهم للمشروع بسبب انتمائهم الى كتل مؤيدة له»."

من هذا نستنتج اولاً أن التصويت الألكتروني مستعمل في البرلمان وهو ما استغربه. فالتصويت الألكتروني مهدد بالتزوير دائما وبكل سهولة وهناك الكثير من الدراسات حول الموضوع, فانت تكون تحت رحمة الجهاز اوالحاسبة التي تعد الأصوات, ويمكن بالطبع برمجتها لتقول ما يشاء المبرمج خاصة إذا كان الفارق قليلاً بين التأييد والرفض, فكيف يثق النواب بهذا الهراء؟
ثم على ما يبدوا فان المقصود بـ "التصويت الإلكتروني" هو سريّة التصويت, وأن الوفاق توقعت نتيجة افضل لأن "النواب غير القادرين على الافصاح عن معارضتهم للمشروع" سوف يكونون احراراً في قول رأيهم! أي نواب هؤلاء يخشون ان يقولوا رأيهم امام كتلهم؟ هل نحن في ديمقراطية مجلس قيادة الثورة ام ماذا؟ ثم كيف لنا ان نختار ممثلينا ان لم يكن لنا ان نعرف على ماذا يصوتون وعلى اي قرار يعترضون وايها يؤيدون؟ كيف سنحاسبهم على وعودهم الإنتخابية ونحن ممنوعون من معرفة مواقفهم البرلمانية؟

مفيد الجزائري، عضو «القائمة العراقية» قال "ان نواب القائمة العراقية الذين شاركوا في جلسة الاربعاء لم يشاركوا في اقرار مشروع الائتلاف كما "يتهمهم" البعض". ومادام القرار تهمة تستدعي الإنكار, فما السبب إذن في الموافقة عليه؟ يقول الجزائري: «ما حدث في البرلمان اول من امس هو اقصى ما يمكن ان تتفق عليه الكتل السياسية لارضاء جميع الاطراف». وطبعاً هذه مغالطة غريبة, فأولاً لايفترض ان تصوت لترضي الجميع بل ناخبيك, وعلى هذا الأساس تحتسب الأصوات, ثم من الواضح ان "الجميع" لم يكونوا راضين ابداً.

أما لماذا فعلوا ذلك فيؤكد الجزائري على ان وجودهم حقق مكاسباً مثل « تعريف الاقليم بأنه يتكون من محافظة واحدة او اكثر بدلاً عن (...) اقليمين او اكثر». اضافة الفقرة الخاصة بالاستفتاء والاعتراف بنجاحه في حال تصويت 50 في المئة من الناخبين المسجلين، في الوقت الذي اقترحت فيه جبهة التوافق ان تكون نسبة المصوتين 40 في المئة من نسبة الناخبين.
أما مكسب "المحافظات بدل الأقاليم" فيفترض انه سيعدل قليلاً من الجانب الطائفي للمشروع, ولا ارى حقيقة هذا التعديل. وأما الـ 50% فهو رقم صغير غير معروف في الإستفتاءات في العالم, لأنه يعني ان تأييد 25% من الناخبين للمشروع يكفي لأقراره. اما ان البديل السابقة كان اتعس (إشتراك 40% في التصويت = تأييد 20%) فهل يعني بالضرورة ان القرار المعدل عادل؟

وفي هذه الفترة مرت امور اخرى قد لا تقل شأناً مثل قانون الإستثمار الذي لايمكن لعراقي ان يصوت له لو سئل عنه, وكذلك مر دستور كردستان المليء بالأستفهامات الكبيرة وغيرها وغيرها....

كل هذه الأسئلة والمواضيع الأساسية تمر في سيل الأحداث دون ان يثير ذلك قلق احد ليحاول ان يوقفها للتمكن من هضمها واتخاذ موقف وقرار بشأنها واعطاء الردود المناسبة لها.
ربما كان هذا هو الطريق الأنسب لتمرير بعض الأمور الأساسية بشكل لايرضي الشعب: ان تمررها كلها مرة واحدة, فحتى ان انتبه الناس ومنظماتهم وأحزابهم, فلن يتمكنوا ان يصطادوا إلا القليل منها, وسيفلت الباقي من المناقشة والأستفسار. الغزلان تفعل نفس الشيء حين تعبر نهراً تسكنه التماسيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن الجمعية الوطنية الفرنسية؟ • فرانس 24


.. فلسطينيون يقيمون مصلى من القماش وسط الركام في جباليا




.. دمار كبير في أحياء غرب رفح جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غ


.. مصابون يصلون إلى مستشفى ناصر في خان يونس بعد قصف على مناطق ج




.. حريق ضخم اندلع في سانتا باربرا الأميركية .. والسلطات تخلي ال