الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من القبيلة الى الدولة .... من أين يبدأ الطريق (3-5)تنازع الهويات والسيطرة

احمد يعقوب ابكر
قاص وناقد

(Ahmed Yagoub)

2023 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تنازعت القبيلة والدولة فيما بينهما على السيادة في أوجه عديدة ؛ بدءاً بالهويّات المفضية الى الاعتراف المتبادل والتنازل . ان أزمة الهوية الوطنية في أغلب القارّة لم تكن الا نتاج لتطور تاريخي أفرزته أطر الحكم بعد الاستقلال. فقد تشكلت الدولة الأفريقية (أو السودانية) تاريخياً من عدة عناصر وتنويعات إثنية وعرقية وثقافية وسمتها بتركيبة تعدّدية. فكانت الدولة الأفريقية، ولا تزال، تتألّف من وحدات عرقية متمايزة، لدرجة أنه كان من الممكن لغالبيتها أن تزعم إبان الاستعمار أنها قومياتٌ قائمةٌ بذاتها.
وفيما درجت السلطات الاستعمارية على تطبيق سياسات تفاضلية تمايز سياسياً واقتصادياً بين المجموعات والأقاليم المختلفة، فقد لازم تلك التعددية تفاوتاً كبيراً في صوغ معادلة السلطة وتقسيم الثروات القومية والخدمات الاجتماعية وفرص التنمية. وأفضى هذا التنوع الغزير قروناً مع تلك التباينات الشديدة إلى زرع بذور النزاع والشقاق بين العناصر المكونة لهذا التنوع.
وبدلا من أن تنشد الدولة حلولا بعينها لمعالجة هذه التباينات عبر انتهاج نظام تمثيل عادل وتوزيع منصف للثروات، فإن غالبية حكومات ما بعد الاستقلال آثرت فقط الركون مجملاً إلى تبنّي الأنماط الدستورية التي خلّفها المستعمر.
وباتّخاذها ذاك المنحى أرست تلك الحكومات مفاهيم أحادية جامدة للوحدة تمّخض عنها قمع أشكال التنوّع العديدة، منتقصةً بذلك حقوق العديد من العرقيات والقبائل، تاركةً إيّاهم بلا حول ولا قوة، يتطلعون ليس فقط للاعتراف بخصوصية هوياتهم إزاء هيمنة الأغلبية، أو الأقلية في بعض الأحيان، بل لتمثيل كياناتهم عبر الأطر الدستورية وأنظمة الحكم في الدول التي يعيشون في كنفها.
أفضت هذه السياسات في العديد من الأقطار الأفريقية إلى النزاع المسلح والمطالبة بحق تقرير المصير بشتى الصيغ والدرجات ولا يستثنى السودان من هذا الواقع. قامت الانظمة السابقة في الدولة بشن الحروب على أطراف البلاد لدواعي عديدة ترمي بذلك للاعتراف بشرعيتها وكانت الهُويّة حاضرة في هذا الصراع؛ إذ استخدمت الاسلمة والتعريب كسلاح اعتراف يجب كسبه من جانب الدولة؛ قامت الحرب في الجنوب وجبال النوبة وغرب السودان والنيل الازرق وتمت إبادات على اسس عرقية بحتة؛قامت الدولة نفسها بتجييش قبائل معينة ومدّها بالسلاح تحت تبرير ( الأنا والآخر)؛ وفي وقت ما انقلبت نفس هذه القبائل على الدولة أو دخلت معها في مساومات وتسويات عديدة. كانت الدولة والنّخب تنظر للأمر من زاوية الحاق القبائل كقطيع لها مع إنتزاع الاعتراف الكامل منها بشرعيتها كجماعة تقود حروب مقدسة! مما يعطيها الحق في استخدام موارد هذه المناطق بالكيفية التي تراها ؛هذا الأمر الذي ووجه بعنف مضاد وثورات إثنية مضادة من القبائل المعينة. وكان رأي غالبية هذه القبائل فيما يمكن قوله: أن الدولة من حيث هي دولة بالمفهوم الحديث فان منطقها معوج وهي مؤسسة متخيّلة تقوم بنيتها الاساسية على العنف والاقصاء وهو مايشابه رؤية ماكس فيبر للدولة . يصوغ ماكس فيبر فهمه للدولة على أساس أنها "هيئة بشرية تطالب بنجاح إحتكار الإستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي." ويستخدم بيار بورديو تعريف فيبر ليضيف إليه بعداً آخر: إذ يقول "أن الدولة هي شيء مجهول (X) وتطالب بنجاح إحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي والرمزي على أرض محددة وعلى مجمل المجموعة السكانية المرتبطة بها. وإذا كانت الدولة بإطار ممارسة عنف رمزي، فإن ذلك يتجسد في الوقت نفسه في الموضوعية تحت شكل بني وميكانيزمات محددة في "الذاتية" وفي العقول تحت شكل بنى عقلية وصور من الإدراك والتفكير.
ولأن المؤسسة المنشأة سواء كانت قبائلية او مؤسسة الدولة فهي نتيجة لسيرورة تنشأتها في الوقت نفسه في بني إجتماعية وعقلية متوافقة مع هذه البنى الإجتماعية، فإنها تعمل على النسيان بأنها نتيجة لسلسلة طويلة من أفعال الإنشاء وتقدم نفسها مع كل مظاهر الطبيعة.
نزاع الدولة مع القبيلة لم يقتصر على الهوية فقط؛ انما كان نزاع الموارد أشد وأعنف .يسيطر رجالات الادارات الاهلية(زعماء القبائل) على أطيان زراعية واسعة باسم القبيلة وهو مايدر حصاداً وفيراً نهاية العام تدخل في جيوب محددة .وفي الان فان المحاكم العرفية تدر دخلها ايضاً،بعض القبائل لديها سيطرة تامة على الاراضي التي تقطنها وقانون الدولة لايشملها ابداً يشمل هذا الاراضي الزراعية والسكنية. الدولة في اطار بشط نفوذها وسيطرتها وكسب العوائد لصالح النخب المتنفذة فيها قامت بتحالفات مع زعماء القبائل حول الاراضي الزراعية الخصبة وفي احايين كثيرة انقلبت عليهم بالسيطرة عليها وفرض نفوذها بمنطق القوة والغلبة ولعل المرء يتساءل كيف يتم تحقيق التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة في جغرافيا واحدة تتنازع العرقيات مع الدولة في السلطات ؛ دون فهم هذه التغييرات والتحولات المجتمعية مع العمل على تفكيك هذه البنى والمؤسسات والا فان الخلل سيلازم اي تجربة تتخطى هذا الامر.

نازعت القبائل الدولة في سلطاتها وطرق النخبة الحاكم في تشكيل الوجدان وتأسيس خطاب ثقافي أو سياسي ومحاولة بناء دولة متخيلة على الاسس الحديثة ( علماً بأن النخب لايقومون بفعل الامر من اجل بناء دولة فهم نفسهم نتاج بنى اثنية لم يستطيعوا الفكاك منها) فكان ان نظرت القبيلة الى الدولة بانها تحولت الى ما يسمى باـ(لمركزية الاثنية )التي إبتدعها عالم الإجتماع الأمريكي وليام. ج. سامر وظهرت أول مرة سنة 1906 في مُصنفه Folkways. وبحسب تعريفه، فإن المركزية الإثنية: "هي المصطلح التقني الدال علي تلك النظرة الي الأشياء التي تري أن مجموعتنا الخاصة هي مركز الأشياء كافة بحيث نقيس المجموعات الأخري ونقوِّمها نسبة إليها... كل مجموعة تزكي فخارها وخيلاءها وتتباهي بأنها الأرقي وتمجد آلهتها الخاصة وتنظر الي الأجانب (الآخرين) نظرة إحتقار وتعتبر أن عوائدها الخاصة هي وحدها الصالحة، وإذا ما رأت أن لمجموعات أخري عوائد مغايرة أثارت هذه إزدراءها." وبطبيعة الحال فان هذه النظرة قابلتها القبيلة بنظرة مضادة خاصة الجماعات التي ترزح تحت العنف والاقصاء. فالجماعات المسيطرة بمركزيتها الإثنية يمكن أن تتخذ أشكالاً قصوي من اللّاتسامح الثّقافي والدّيني وحتي السياسي. ويمكن أن تتخذ أيضاً أشكالاً مُخاتلة وعقلانية وهو ما يحدث في بلادنا الان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا