الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوحدة في ديوان -للنخيل قمر واحد- علي البتيري

رائد الحواري

2023 / 2 / 1
الادب والفن


الوحدة في ديوان
"للنخيل قمر واحد"
علي البتيري
ديوان كتبت قصائده من عام 1884 " ضبية تدفن رأسها في البحر" إلى عام 2004 قصيدة العنوان "للنخيل قمر واحد" والتي افتتح بها الديوان، بمعنى أنها موزعة على عشرين عاما، ومع هذا نجد جامع ووحدة في القصائد، من خلال حجمها (الطويل)، ومن خلال الألفاظ والقاموس اللغوي للشاعر، إضافة إلى وحدة الموضوع/المضمون الذي تحدث عن النخيل/العراق والانكسار العربي.
سنحاول إضاءة شيء من هذه الوحدة من خلال تناول بعض ما جاء في الديوان ونبدأ بالقصيدة الأقدم: "ضبية تدفن رأسها في البحر":
"تتثاءب الصحراء في عينيك
فانبثقي من الكثبان رمحا
يشتهي النقع المعتق في جرار الصمت
من عهد الرحيل إلى زمان الحبو كالأطفال
خلف دم الميادين الذبيحة..
وتجني تعويذة الموت في مخيمنا الجديد
أمسى يريع صغاره بناه يشوي صفحته
من حلم رمل البيد بالظل الفقيد..
من لهفة الأعراب للكلأ المزروع من بعيد
من جثة صلبوا بها قمر العشيرة، من سيوف
تستعيذ بعطف قيصر، من تباريح النخيل" ص78.
بداية نقول أن عنوان القصيدة يعد نبوة للشاعر لما سيكون عليه حالنا في المنطقة العربية بعد (الخراب العربي)، إذا هناك ألوفا ممن ابتلعهم البحر في رحلة الهروب من الموت الذي لاحق المواطن حتى في بيته، وهذا يحسب للشاعر وللقصيدة.
إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة نجد حضور السواد من خلال الصحراء: " الصحراء، الكثبان، رمل، البيد، للكلأ" ومن خلال من يعيش فيها: "الأعراب، العشيرة"، وأيضا من خلال تناول الأدوات وطبيعة الحياة في الصحراء: "رمحا، الذبيحة، سيوف" هذا على صعيد الوصع العام، أما عن تفاصيل الحياة فيها فنجدها من خلال حاضرة من خلال المباشرة ومن خلال الترميز: "تتثاءب، الصمت، الحبو، دم، الموت، مخيمنا، المراوغ، جثة، صلبوا، قيصر" وكأن الشاعر بهذا المقطع يأخذنا إلى عالم خماسية "منيف" "مدن الملح" وما فيه من ظلمات.
إذن يمكننا الوصول إلى السواد/القسوة من خلال الألفاظ المجردة، لكن ما يهمنا في القصيدة هي وحدتها مع مسار بقية القصائد في الديوان، وهذا من نجده في "النخيل، والقمر":
"من جثة صلبوا بها قمر العشيرة، من سيوف
تستعيذ بعطف قيصر، من تباريح النخيل"
فقاموس الشاعر يحوم حول فكرة موت الجمال في "القمر، النخيل" وما يحدثه هذا الموت من ألم/سواد في (صحراء) المواطن العربي، ينقلنا الشاعر إلى تفاصيل ما جري ويجري الآن في (صحرائنا):
"يا ضبية البحر المحمل بالحنين والحقائب
والبكاء على مبشرنا القتيل
من ليل العباءات المباحة للرياح
... يا ضبية انعتقي..
من لحمي المبثوث في الطرقات إيذانا
بصمتي أو نشيدي
ودعي أصابعك النحيلة تصطفي
قطف الرصاصة من وريدي
في موسم الغضب المكدس فوق أمتعة الرحيل
صبي لهيبك في الرماد وجددي ناري المضاعة
بين طمس دمي وأهلي" ص79.
رغم أن المقطع متعلق بحالة الفلسطيني بعد الخروج من بيروت، إلا أنه يُؤخذ إلى ما جري من الهروب بحرا في دول الخراب العربي، لكن ما يهمنا هو السواد، الصحراء التي تُتعب الشاعر وتُرهقه، نجدها في ألفاظ: "العباءات، للريح، الرحيل، لهيبك، الرماد، طمس" وإذا ما توقفنا عند الألفاظ القاتمة: "القتيل، لحمي، الرصاصة، وريدي، لهيبك، دمي" نصل إلى حجم الضغط الواقع عليه.
ونلاحظ أن الشاعر يدخل إلى القصيدة من خلال: "لحمي، بصمتي، نشيدي، دمي، أهلي" وهذا يشير إلى تخليه عن (الوصف الخارجي) واشتراكه بالواقع، بما يجري.
وبما أن الشاعر هو الذي يصف الواقع القاسي والمؤلم، فلا بد له من إيجاد مخففات للقارئ، بحيث لا ينزعج/يتألم بعين الحالة التي تألم بها الشاعر، من هنا جاءت صيغة النداء المكررة "يا ضبية" وبما أنه المنادى أنثى، تحمل جمال الأنثى، وجمال الطبيعية، فقد منح القارئ شيئا من الراحة والهدوء، كما أن الصورة الشعرية التي نجدها في كل مقطع من المقاطع السابق جعلت السواد/الألم (يختفي)خلف جمال الصورة واللغة.
"يا المتجملون بصمتكم
ما باله لا ينحي ليقبل الرمل المجلل بالأسى معكم؟
إني أراه ممدا في ثلج أدمعكم
ضيعتهم القمر المحنى بالدم الصفدي أم
في البحر ضيعكم؟!" ص84.
الصحراء حاضرة في: "الرمل" والجمال في: "القمر" والتيه له حضور كذلك: "ضيعتم/ضيعكم" وإذا علما أهمية القمر في الصحراء/الرمل كدليل، نعلم حجم الخراب الذي حصل للأمة العربية، بعد خروج المقاومة، خروج آخر المشاريع التحررية العربية من بيروت 1982.
وإذا أخذنا قصيدة "ظلال لاستراحة الجواد الأصيل" المهداة إلى عبد الوهاب البياتي، والتي كتبت في عام 1991، نجد الشاعر متمسك بقاموسه الشعري:
" قادم من بعيد يعيد لذاكرة الأرض
رؤيا الحمام المشظى، ويعلن باب القصيدة
بالماء والطين خشية أن تتسلل كوكبة من
جنود المراثي إلى مأتم الجمر عند اجتماع شيوخ الرماد.
...
ها هو يعلن للمصطفين بتغريبة الروح:
ـ لا أمن للعشق في الكون لا مجد للحب
إلا بظل الحبيبة حين تصير الظلال الحميمة
معبر عشق وحيد إلى جنة من نخيل العراق
...
هابط من سماء المنافي
كطائر ليل رأى شهبا في عيون المرابين تهوي
لتسطو عل قمر الشهداء النبيل
هابط بمظلة أشواقه فوق صدر حبيبته الأرض
مثل نسيم عليل
يكفكف دمعتها ويغني
فتغفوا على صدره وتنام لتنسى
صراخ النخيل
...
عائد من بلاد بها الليل يرقص حتى الصباح
على شرفات الغناء
عائد لازدهار البداوية في زمن الآخرين الذي ينهش السيف
والجاه والكبرياء
على تلة من رمال الجزيرة ينصب خيمة صمت
تليق بأشعار بعض القبائل يطوي كتاب الصحارى" ص91-95.
نجد حضور المكان/الصحراء في: "البداوية، رمال، خيمة، القبائل، الصحارى" وهذا يعطي مؤشر إلى (سواد) المكان، وإذا ما حاولنا التوقف عند كل مقطع، سنجد أن هناك خط يجمعه، ففي الأول يمكننا إيصال المعنى من خلال: " قادم ـ رؤيا ـ تتسلل ـ شيوخ الرماد" ونوه إلى رمزية العراق من خلال "الماء والطين" وقد ربطت بالقصيدة، بالكتابة، التي تعد أول إنجاز بشري حققه العراقي، ليكون فاتحة لبقية الأمم والشعوب لاستخدامه لاحقا، ونجد النظرة السلبية للنظام البوليسي القمعي (شرق المتوسط) من خلال "جنود المراثي، شيوخ الرماد".
أما المقطع الثاني: فنجد الرابط فيه: "يعلن ـ لا أمن للعشق، لا مجد للحب ـ إلا بظل الحبيبة ـ نخيل العراق" واللافت في هذا المقطع أن أداة الشرط "إلا" المكررة مقرونة ب تكرار "بظل/الظلال" التي كونت وأوجدت "الحميمة" وكأن اجتماع حرفي الميم فيها زاد اللحمة بين العشق والحب من جهة وبين الحبية من جهة أخرى، ونلاحظ أن البياض المطلق الذي تسم به المقطع، فكانت "إلا" التي تكررت "لا أمن، لا مجد" تبدو وكأنها تناص للشهادتين: "إن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله"، وهذا الأمر يمكننا أن نسنده من خلال "جنة" التي أقرنها بنخيل العراق.
أما المقطع الثالث فالرابط الذي يجمعه هو: "رأى ـ تهوى ـ لتسطو" "هابط ـ نسيم ـ ويغني ـ فتغفو" نلاحظ أن هناك تكرر "هابط" وهذا له علاقة بفكرة الاستمرار، فالهبوط هنا لا يحمل بمعنى سلبي، بل هو هبوط الوحي/الملاك/الخير لهذا جاء مقرونا ب"الطير، بمظلة" وتأكيدا لخيرية "هابط" جاءت "يكفكف" التي تكرر فيها حرفي الكاف والفاء" والتي تعطي أيضا معنى السلام والهدوء".
ونلاحظ جمالية المقطع في تناوله للسماء: "سماء/هابط/قمر/مظلة/ شهبا" وللأرض: "الأرض/النخيل" والإنسان: "ال"هابط" الغائب/الشهداء/أشواقه/دمعتها/يغني/فتغفو/وتنام/لتنسى" وإذا ما توقفنا عند حالة الإنسان نجد هناك رجل وامرأة/ ذكر وأنثى، كحال السماء والأرض، وهذا ما يجعل المقطع يأخذ بعدا تكاملا إن كان على مستوى الطبيعية، أم على مستوى البشر.
أما المقطع الرابع نجد العودة الأولى "يراقص" والعودة الثانية "لازدهار" فالدافع للعودة هو الحب والعطاء، وإذا ما توقفنا عند العودتين سنجد أن الأولى مقرونة بالبياض: "يراقص، شرفات، الغناء" والثانية ممزوجة بالألم والقسوة: "ينهش، السيف، صمت، الصحارى" لهذا لا نجد أي لفظ/كلمة تتكرر فيها الحروف كما هو الحال في المقاطع السابقة.
وإشارة إلى علاقة الشاعر العابرة بالمكان الأول، فقد ذكره بلفظ واحد فقط "بلاد" ولم يعطي تفاصيل أخرى عنه، لكن في المكان الثاني يتوقف عنده في اكثر من موضع: "تلة، رمال، الجزيرة، الصحارى" وهذه يشير إلى تعلقه واهتمامه وحسرته على ما يجري في الثاني.
نأتي إلى قصيدة العنوان "للنخيل قمر واحد" الذي يستوقفنا طريقة عرضة، فمن المفترض أن يكون "قمر واحد للنخيل" لكن تقديم الشاعر للنخيل/الأرض على القمر/السماء يشير إلى اهتمامه أكثر بما هو اجتماعي/إنساني:
"...يسأل شباك أمي
عن الراحلين إلى جزر الشهداء
فتجهش في قلب أمي الوردة التي
ظل يحنو عليها حمام الرحيل
قمر يمتطي صهوة الريح
يشعل أنفاسه في الظلام لهاثا مضيئا
ويسأل عن نخلة
دفنت رأسها في الرمال
وحلت ضفائرها الخضر حتى استحالت بساطا
يداس بنعل الغزاة الثقيل" ص6.
حضور "النخيل والقمر" رغم مرور أكثر من عشرين عاما على الاستخدام الأول عندما تحدث عن الخروج من بيروت، إشارة إلى تواصل واستمرار المأساة العربية، فالشاعر ما زال عقله الباطن مُوجوع بألم الرحيل، لهذا نجده يذكره: "الراحلين/الرحيل" ولا يكتفي بذلك بل يعطي تفاصيل عما يسببه من وجع: "فتجهش، يحنو، لهاثا، مضنيا" والرحيل هنا ليس رحيل أشخاص عاديين، بل رحيل ما هو أهم، الكرامة/المقاومة/العزة/الفرح، لهذا ترك أثرا اجتماعيا/سياسيا/نفسيا: "استحالت بساطا يداس بنعل الغزاة الثقيل" ولكي يثير القارئ عاطفيا، ويخفف عنه عناء السياسة والواقع البائس فقد قدم العلاقة بين الحبيب "القمر" والحبيبة "نخلة" بصورة عشق متقد.
"قمر راكض كجواد مضى يتشكل في دمنا
حجرا ورغيفا ونخلة ليل مضاء..
يعيد ليافا الحزينة ذاكرة البرتقال
يفاتحني بحديث له جذوة الاشتعال
ثلجهم أسود.. غارق في السواد
ولهم سفن في الزمان الأخير
تجيء محملة بالجراد..
عيون بوارجهم في الظلام
تحدق في خبز أطفالنا
...أي صيد يلوح أمام الزناد..
إنهم يشتهون لنا وطنا
من قبور معلبة وسجون
إنهم يحملون..
أن يروا أمنا في الصحارى
تنوح على نخلة
سقطت فوق أقدامهم" ص9.
العراق/قمر النخيل قوميا عروبيا وحدويا بطبيعته، هو السند والحامي للحق العربي في فلسطين وبقية الأراضي المحتلة، لهذا جاء ذكر يافا وبرتقالها بهذه الجمالية التي تحمل الحنين لعز فلسطين وخيرها.
وهنا يمكننا القول أن الشاعر يحمل في عقله الباطن أهمية العراق/القمر والنخيل في عملية التحرير والنهضة، لهذا أعاد ذكرة بعد الرحيل الثاني الذي أنهى المشروع العربي نهائيا بعد أن حوصر العراق لمدة خمس عشرة سنة لينتهي بالاحتلال والتقسيم الجغرافي والسكاني/الطائفي.
لهذا نجد الشاعر يتنبأ بما سيكون عليه العراق بعد أن هزم في "أم المعارك": "ثلجهم أسود، سفن جراد، بوارجهم ظلام، يشتهون لنا قبور وسجون، يروا أمانا تنوح" فحالة العراق بعد الاحتلال عام 2003 كانت أكبر مأساة وقعت للهرب في القرن أكثر من قرن كامل، فهي أفظع وأروع من الاحتلال الاستعماري الذي حصل في بداية القرن العشرين، حيث أزال الاستعمار الجديد أهم ركن عربي يعتمد عليه في مواجهة الأعداء.
الديوان من منشورات أمانة عمان الكبرى، عمان، الأردن الطبعة الأولى 2007.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو