الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يشبه ما يجرى اليوم في مصر بما جرى فى تركيا عام ٢٠٠١ ؟!

أحمد فاروق عباس

2023 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


حدثت فى تركيا أعوام ١٩٩٩ - ٢٠٠١ أزمة اقتصادية وسياسية طاحنة ، وضعت الاقتصاد التركى على شفا الإفلاس ، مع انخفاض أغلب المؤشرات الاقتصادية ..

وهى أزمة انتهت سياسيا ولم تنته اقتصاديا ، بمعنى أن الحل كان سياسيا أولا ، ثم جاء بعده الحل الاقتصادى !!

وهو ما يلعب عليه كثيرون الآن بالنسبة لظروف مصر ..

فى البداية ..
ماذا حدث بالضبط فى تركيا أعوام ١٩٩٩ - ٢٠٠١ ( والذى انتهى بذهاب بولنت اجاويد وتولى اردوغان وحزبه الحكم عام ٢٠٠٢ ) ؟!

وهل ما يحدث الآن فى مصر شبيه بما حدث في تركيا فى تلك السنوات ، الأمر الذي يستلزم ظهور أردوغان مصرى ، والذى سينقذ الاقتصاد المصرى كما فعل أردوغان التركى من ٢٠ سنة ؟!!

وهل ما حدث في تركيا من ٢٠ سنة قابل للاستنساخ في مصر الآن ؟!

أولا .. أزمة تركيا الاقتصادية عام ٢٠٠١ .

تعرضت تركيا أعوام ١٩٩٩ - ٢٠٠١ إلى أزمة اقتصادية طاحنة ، كان أهم مفرداتها الآتى :

١ - قامت تركيا بتجربة إصلاح اقتصادى عام ١٩٨٣ ، ترتب عليها أن عانت تركيا اقتصاديا طوال عقدى الثمانينات والتسعينات وفى عام ١٩٩٩ زادت حدة الأزمة ، وكان سببها الأول خارجيا ، مع الأزمة الاقتصادية التى ضربت دول جنوب شرق آسيا عام ١٩٩٧ ، ثم الأزمة الكبيرة التي ضربت الاقتصاد الروسى عام ١٩٩٨ ..

وكان للازمة الروسية أثر كبير على الاقتصاد التركى ، نظرا لحجم التبادل الكبير بين البلدين ، ولاسيما " تجارة الشنطة " وقد بلغ حجم هذه التجارة فى السنة السابقة على الأزمة ٧ مليار دولار ..

٢ - كان السبب الثانى للأزمة داخليا ، متعلق بالزلزال المدمر الذى ضرب تركيا فى أغسطس ١٩٩٩ ، والذى أضر ضررا كبيرا بالاقتصاد التركى ، يدل عليه مثلا أن الزلزال حدث في أهم مناطق تركيا الاقتصادية ( تحتوى على نحو ٣٠% من مجموع المنشأت والمعامل الصناعية في تركيا ) ..

وقد قدرت خسائر تركيا من هذا الزلزال الرهيب من ١٥٠ - ٢٠٠ مليار دولار ..
وكان هناك تراجع فى جميع القطاعات الاقتصادية عام ١٩٩٩ ، تراجع فى الإنتاج ، وفى التصدير ، وفى السياحة ..

كانت تلك أسباب شبه قدرية ..
لكن كانت هناك أيضا أخطاء بشرية كبيرة .. منها :

٣ - عمليات السلب والنهب للبنوك الحكومية ، فقد افلست ٧ بنوك تركية كبيرة بعد أن نهبت ارصدتها بعمليات احتيال واقراض لشركات وهمية ، ولرجال أعمال دون أخذ ضمانات كافية ..
ثم هروب اصحاب هذه الشركات الوهمية ورجال الأعمال إلى الخارج مع أموالهم ..
وقدرت تلك المبالغ المنهوبة من الجهاز المصرفى التركى بنحو ١٠٠ مليار دولار .

المذهل أن الشئ نفسه بالضبط حدث فى مصر ، وفى نفس الفترة بالضبط - عام ٢٠٠١ - فى حكومة د عاطف عبيد ، ونهبت مليارات من البنوك بتسهيلات وضمانات وهمية ، وأوشك يومها بنك القاهرة على الإفلاس ، وهرب رجال الأعمال - كما حدث في تركيا - إلى الخارج بأموالهم ، وكان أشهرهم رامى لكح ..

٤ - زاد الأمر سوءا في تركيا أن الاتحاد الاوربى رفع الرسوم الجمركية على البضائع المصدرة أو المستوردة بين تركيا والدول الأوربية ، وكانت تركيا هى الخاسرة بشدة بالطبع ..

٥ - فساد الحياة السياسية فى تركيا ..
تعاقبت الحكومات التركية على الحكم بدون تقدم يذكر للاقتصاد التركى ، وفى التسعينات وصل إلى حكم تركيا شخصيات سياسية مثل بولنت اجاويد ، ومسعود يلماظ ونجم الدين أربكان وتانسو تشيلر ..

وفى دراسة أعدها اتحاد الغرف والبورصة التركية أن فساد الحكومات والحياة السياسية فى تركيا خلال عقد التسعينات تسبب في ضياع ١٩٥ مليار دولار !!

وكانت القروض والائتمان في جزء كبير منه يعطى على أساس الحظوة السياسية ، أو القرب من شخصيات نافذة فى الأحزاب الحاكمة أو البرلمان أو الحكومة ، وليس على أساس الاستحقاق والجدارة والجدوى الاقتصادية ..

وكان تدخل السياسيين ونواب البرلمان فى عمل البنوك والمصارف لمنح تسهيلات مالية كبيرة لأشخاص معينيين - خاصة فى مواسم الانتخابات - شيئا عاديا في تركيا !!

وبعد منح التسهيلات الائتمانية لمحاسيبهم كانت تأتى الحماية القانونية لهم من المساءلة ..

ولم تكن هناك وسيلة لدى البنك المركزي التركى لتغطية العجز المالى ، فلجأت الحكومة إلى طبع مزيد من البنكنوت لمواجهة الأزمة ..

وبدأت المشكلة تأخذ صورة الأزمة في نوفمير ٢٠٠٠ ، وبلغت ذروتها فى فبراير ٢٠٠١ بانهيار قيمة العملة الليرة بعد قرار تعويمها وفقدانها لأكثر من ٤٥ % من قيمتها مقابل الدولار ، وأدت الأزمة إلى وقف خطة الإصلاح الاقتصادي ..

وتمت الاستعانة بالدكتور كمال درويش - وهو اقتصادى تركى كان يعمل وقتها نائب مدير البنك الدولى فى واشنطن - ليتولى منصب وزير الاقتصاد فى تركيا ..

وكان عماد الخطة التى وضعها كمال درويش بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي تقوم على الآتى :

تصفية البنوك الخاسرة ، وهو ما كشف عن فساد كبير في هذه المصارف تورط فيه مسؤولون كبار في الدولة ، وتتضمن أيضا تخفيض الإنفاق الحكومي ، تعزيز العائدات الضريبية ، التوسع في برنامج الخصخصة ، إعادة النظر في الدعم الزراعي الذي تقدمه الحكومة ، إصلاح البنك المركزي ومصادرة الملكية ، وذلك بمنع البنك من منح أية اعتمادات مالية إلى المؤسسات المنهارة ماليا ، إعادة تنظيم إجراءات عمليات الشراء الرسمية للأراضي من قبل الدولة واقتصارها على ما هو ضروري ، رفع الدعم عن بعض السلع الاستراتيجية، تجميد المطالبة برفع الأجور في القطاعين الخاص والعام، خصخصة شركة ترك تليكوم للاتصالات، والخطوط الجوية التركية، وتحرير قطاع التبغ ..

وأدت الأزمة الشديدة إلى وقف خطة الإصلاح الاقتصادي تلك لخفض التضخم بقيمة ١١,٥ مليار دولار التى قدمها صندوق النقد الدولي ، بسبب معدل الانكماش الذي سجله الاقتصاد التركي نهاية عام ٢٠٠٠ والذي بلغ نحو ٤ % ، وارتفاع معدل التضخم إلى نحو ٨٠ % مع نهاية عام ٢٠٠١ .

ولم تأت الاستثمارات الاجنبية المباشرة الي تركيا كما وعد صندوق النقد الدولي ، واستنادًا إلى تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( الأونكتاد ) فإن قيمة رؤوس الأموال الأجنبية التي دخلت الاقتصاد التركي عام ١٩٩٨ لم تتجاوز ٦٠٠ مليون دولار ، فيما بلغت قيمة رؤوس الأموال التي خرجت من تركيا في نفس العام نحو ٧ مليارات دولار !!

فى حين بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتجهة إلى تركيا عام ٢٠٠٢ - وبعد توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ووعده بتدفق تلك الاستثمارات على تركيا - مليار واحد فقط !!

ومع حبس الاستثمارات الأجنبية عن تركيا طوال التسعينات وخاصة بعد ١٩٩٩ ، وارتفاع أرقام التضخم بصورة هائلة ، وزيادة البطالة ترنحت الحكومة التركية التى كان رئيسها مريضا ، وجاءت الإشارات من واشنطن أن حل الأزمة الوحيد هو الدعوة للإنتخابات ..

وعندها قرر أحمد نجدت سيزر رئيس تركيا الدعوة لانتخابات عامة ، كان من المفهوم أن أردوغان وحزبه سيفوز بها ..

وعقدت الانتخابات وفاز حزب أردوغان كما هو متوقع - أو كما جرى الترتيب له - وهنا أعلن الجيش التركى تذمره ، فقدمت دعوة لرئيس الأركان التركى - حلمي أوزكوك - لزيارة واشنطن ، وهناك سمع من المسؤلين الأمريكيين دعمهم لحكومة يشكلها حزب العدالة والتنمية ، وقد أكد السفير الأمريكي فى تركيا - روبرت بيرسون - ذات المعنى فى تصريحات علنية ، حيث أبدي دعم الولايات المتحدة للحكومة التي سيشكلها حزب العدالة وللسياسات التي قدمها الحزب خلال الحملة الانتخابية ( أنظر تقرير مراسل الأهرام فى تركيا الأستاذ عبد الحليم غزالى ، عدد الأهرام ٩ نوفمبر ٢٠٠٢ ) ..

الغريب أنه بعد وصول اردوغان وحزبه إلى السلطة في تركيا تدفقت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بغزارة شديدة على تركيا ، ووصلت - طبقا لأرقام الانكتاد - عام ٢٠٠٥ إلى ١٠ مليارات دولار ، ارتفعت الاستثمارات فى نهاية ٢٠٠٧ إلى ٢٢ مليار دولار ، ومنذ تأسيس الجمهورية التركية عام ١٩٢٣ وحتى ٢٠٠١ - أى فى مدة تزيد على ٧٥ سنة - كان عدد الشركات الأجنبية العاملة في تركيا نحو ٥٠٠٠ شركة ، فى حين بلغ عدد الشركات الأجنبية العاملة في تركيا ٢٤٠٠٠ شركة عام ٢٠١٠ !!!

وقبلها تم حقن الاقتصاد التركى بعشرات المليارات ..

فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها مستعدة لتقديم مساعدات قدرها ‏٦ مليارات دولار لتركيا‏ ، إضافة إلي ضمانات حكومية أمريكية لقروض يمكن لتركيا الحصول عليها من المؤسسات المالية الأمريكية بقيمة ٢٠ مليار دولار‏ ، مقابل الموافقة التركية علي تأييد الحرب الأمريكية ضد العراق ، والسماح للقوات الأمريكية باستخدام القواعد التركية في هذه الحرب ، وساومت الحكومة التركية طويلا واستطاعت الحصول على صفقة أكبر ..

وطبق اردوغان بنود الإتفاق مع صندوق النقد الدولي التى تم التفاوض بشأنها مع سلفه بولينت اجاويد ..

الأغرب أن قصة صندوق النقد الدولي تحولت إلى قصة نجاح فى تركيا وليس إلى قصة فشل !!
وتمت في تركيا على يد اردوغان أكبر عمليات خصخصة في تاريخ تركيا ..

... كانت تلك لمحة من قصة وصول اردوغان وحزبه إلى حكم تركيا !!

فهل ما جرى في تركيا أعوام ١٩٩٩ - ٢٠٠١ هو ما يجرى الآن فى مصر ؟
الإجابة هى .. لا .

ليس فى مصر طبقة حزبية وسياسية فاسدة جعلت الحكم لعبة كراسى موسيقية بينها ..
وليس فى مصر نهب لمئات المليارات من البنوك والهرب بها إلى الخارج ..
ولم تصل أرقام التضخم في مصر إلى ٨٠ % ..

ربما كانت نقطة الإتفاق الوحيدة مع تركيا ، أنه يوجد أيضا حزب فى مصر مستعد أن يتفق مع الامريكان على ترتيبات معينة - كما فعل أردوغان وحزبه فى تركيا - تقضى بوصوله هو إلى السلطة ، وبتحقيق الامريكان عن طريقه لأهدافهم في الشرق الأوسط ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل