الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهمة في قطار

فوز حمزة

2023 / 2 / 3
الادب والفن


وجد نزارغالي بعد أن أُغلِقَ باب القطار أنه الراكب الأخير. توقف هنيهة ليستعيد أنفاسه ثم بدأ بالتخطي في الممرات باحثًا عن مقعد رقم 26 وما أن عثر عليه حتى ألقى بجسده عليه مادًا يده في جيبه الشمال ليتأكد من أن المسدس ما زال في مكانه. انتبه للفتاة الجالسة قبالته والتي كانت تنظر إليه بطرف عينيها وهي تحاول لملمة عباءتها وإدخال خصلة من شعرها داخل حجابها الأسود.
فتح الهاتف قائلًا لنفسه: الساعة الآن الثامنة مساءً وأربع دقائق. أمام القطار خمس ساعات ليصل مدينة الناصرية.
مد جسده قليلًا باسترخاء محاولًا أخذ قسطًا من الراحة، فتعثرت إحدى قدميه بساق الفتاة التي شعرت بالذعر، لكنها اكتفت بالنظر نحو هاتفها ثم صوبت بصرها نحو النافذة.
بينما راح يرد على رسالة وردت من رئيسه: لن أخيب ظنك سيدي، إن شاء الله سأحاول إنجاز المهمة بأسرع وقت. أغلق الهاتف متسائلا مع نفسه: ما الذي فعلته لمياء القاضي ليصدر عليها حكم الموت؟! أخبروني إنها ناشطة مدنية وحينما سألت عن معنى ناشطة وصفوني بالغبي .
- متى نصل الناصرية؟ سألته الفتاة.
- بعد أقل من أربع ساعات.
- هذا يعني أننا أصبحنا بعيدين عن المسيب!
قالتها بنوع من الراحة.
- أنتِ من المسيب؟
وقبل أن تجيب رنَّ هاتفها لتقول للمتصل: نعم. أنا في القطار، سأصل بعد أربع ساعات، قولي لقاسم أن ينتظرني في المحطة. ثم بصوت تغيرت نبرته فجأة: لن أعود لبيت عمي، لن أتزوج من صالح الأهبل.
ابتسم حينما سمع كلمة أهبل.
تمعن فيها وهي تتحدث في الهاتف، كانت جميلة، لكنها ليست من النساء التي تستهويه، هزيلة ولون وجهها يميل إلى الأصفرار كأنها لم تأكل منذ أيام.
استنتج ربما تكون هاربة من أهلها، لا يبدو من هيئتها أنها تملك الشجاعة للهرب، لكن إن كانت كذلك فعلاً فهي تستحق القتل مثل الناشطة لمياء القاضي التي وصفها رئيسه كأنها بركان لا يعرف موعد انفجاره، وأنها من النساء اللواتي يستمتعن بنبش القبور، لهذا ستدفن في واحد من تلك القبور التي حفرتها. إنه القصاص الذي تستحقه!
شاهدها مرة على التلفزيون وهي تقول: من حق كل إنسان أن يكون موجودًا ما دام موجودًا. أراد أن يفهم ما تقول، رئيسه أخبره أن لا ينصت لهكذا أحاديث لا تفعل شيئًا سوى بلبلة الأفكار.
أغلب حديث الرئيس يبدو غير مفهوما بالنسبة إليه إلا إن الاختيار وقع عليه لتتم تصفيتها في القطار حينما تغادر الناصرية قبل وصولها مدينة البصرة.
شعر بانخفاض درجات الحرارة عندما تمكن البرد من أصابعه. الظلام في الخارج كان دامسًا إلا من بعض النجوم التي أرسلت ضياءً خافتًا زاد من وحشة الليل.
حانتْ منه نظرة إلى الفتاة ، يتدلى رأسها على صدرها وأنفاسها تكاد لا تسمع.
شعر بحاجته لسيجارة وللحديث حتى لو كان مع هذه الهزيلة. النساء لا يصلحن للحديث – كما كان يقول والده - كلما تشاجر مع والدته، ولم يفهم السر الذي كان يدفع والده لضرب أمه حتى تسقط مغشيًا عليها. لم يتوقف عن ضربها إلا بعد فقدانها السمع.
شعر بالضيق وتمنى لو بإمكانه تدخين سيجارة. خطر على باله أن يبتكر أي حديث ليتمكن من البقاء مستيقظًا لحين تنفيذ المهمة، لم يتبق سوى ساعة و ربع ويصل القطار إلى الناصرية.
صمت غريب من نوعه عمَّ المكان عندما توقف القطار، نسي رغبته في السيجارة والحديث
وبدأ بمراقبة الوضع. نظر عبر إلى الممرات قبل أن يتجه بصره إلى النافذة، سوى بضع شجيرات متناثرة هنا وهناك، لا شيء آخر.
- هل وصلنا المحطة؟
سأل رجلًا كان يسير بين الممرات يحدق في وجوه المسافرين.
- لا. جاءتنا أوامر بالتوقف لوجود مسلحين قرب محطة الناصرية قد يقومون باقتحام القطارأو اختطافه، لا ندري، عليكم بالهدوء!
بدأ همس بعض الركاب بالتصاعد بينما البعض الآخر ما يزال غاطًا في النوم أما الفتاة بدأت يديها بالارتجاف وعلا وجهها خوف يشبه خوف الموت، كان يرى تلك النظرات في عيون من قتلهم، سألته:
- ماذا حدث؟
لم يرد عليها واكتفى بهز كتفيه.
أسند رأسه على زجاج النافذة وضيق عينيه قليلًا ليتمكن من الرؤية، باءت المحاولة بالفشل، الظلام غطى كل شيء.
مضت ساعتان والقطار ما زال واقفًا، أصوات رجال وهدير سيارات في الخارج أما داخل القطار فالخوف كان قد نشر عباءته على الجميع .. مرت على باله صور كل الذين تمت تصفيتهم على يديه، أحيانًا كان يرى وجوههم في صحن الأكل أمامه، لكنهم الآن يحيطون به من كل جانب.
مسح عرق جبينه وهو يفكر في التخلص من المسدس حينما وجد أن الأمور قد بدأت بالتأزم عندما سمع إطلاقات نارية خارج القطار.. لم يجد سوى حقيبة الفتاة التي تركتها على المقعد وذهبت إلى الحمام. خبئه بسرعة في قعر الحقيبة وعاد لمكانه متظاهرًا بتصفح الهاتف.
تنهد تنهيدة قصيرة واضعًا رأسه بين كفيه قبل أن يطبق جفنيه مستسلمًا لشعور الراحة وكأنه تخلص من حجر ثقيل.
في المنام رأى نفسه في مسكن للأقزام له ستة أبواب، رائحة الرطوبة تحوم على كل شبر بينما جدرانه آيلة للسقوط.
كان الفجر ما يزال أرجوانيًا حينما أستيقظ على يد أحدهم تهزه وصوت يقول له: هل ما زلت نائمًا؟! لقد وصلنا محطة البصرة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??