الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفكير الإبداعي: رغبة وتدريب.

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2023 / 2 / 4
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


يبقي موضوع "التكفير الإبداعي" من بين المواضيع التي استأثرت باهتمام مجموعة من الباحثين قديما وحديثا، سواء كانوا عربا أو أجانب. ولم يقتصر الاهتمام به فقط على الباحثين المشتغلين بميدان التربية أو التنمية الذاتية، بل اتسعت دائرة الاهتمام لتشمل علماء النفس والوراثة والبيولوجيا، نظرا لما يكتسيه هذا الموضوع من أهمية بالغة، وما يلعبه من دور في نشوء الحضارات وتقدم الأمم، وتطوير حياة الإنسان، ومساعدته على خلق أسلوب جديد في الإبداع وخلق أفكار جديدة. وتدريب الذات على إيجاد حلول وبدائل كثيرة مُساعدة على حل المشاكل التي تعترض سُبُل الإنسانية، وتُشكل لها عقبات في مسار الحياة اليومية.
وأكثر من ذلك، أصبح هذا الموضوع كونيا يفرض نفسه على الصعيد العالمي، سواء على الدول المتقدمة أو النامية، لكونه أمسى من الضرورات أو الركائز المهمة في حل المشاكل الحالية، بل ومواجهة التحديات المستقبلية. كما يعد التفكير الإبداعي من المفاهيم الشائكة والمعقدة، باعتباره عملية ذهنية تهدف إلى تقديم الحلول والمقترحات والأفكار الجديدة ذات الخصائص الفريدة والمعقدة التي يفتقر إليها المجتمع. وهي أفكار لم تكن معروفة بين أوساط هذا المجتمع في السابق.
وعليه؛ فإن التفكير الإبداعي هو عملية فكرية مركبة، تسعى إلى محاولة تجاوز ما هو معتاد وسائد من الأفكار، ويسعى إلى ضرورة ابتكار طرق ومناهج جديدة في التفكير. وتوليد البدائل، وتحرير العقل من قيود التقليد المجتمعية، وإخضاعه إلى العصف والزوبعة لاستفزازه بشكل مستمر، من أجل القدرة على التفكير، وإفراز المنتوج الإبداعي، وتحويل الأفكار إلى أفعال. كما يساهم أيضا في الانفتاح بشكل كبير على المحيط الاجتماعي، والدخول في دائرة أوسع تجعل من الجماعة أو الفرد يفكر خارج الصندوق في أكثر من مجال، باستخدام أساليب مختلفة. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن التفكير الإبداعي لم يقتصر على مجال معين بل يشمل مجالات شتى.
وبالتالي فإن الاهتمام بالتفكير الإبداعي ليست بفكرة جديدة أو وليدة اللحظة الراهنة، بل شغلت تفكير الإنسان منذ القدم، ولا زالت تشغله إلى حد الآن، حيث تعود جذوره إلى عصور تاريخية قديمة، عندما بدأت تظهر معالمه الأولى مع الإغريق والرومان، وتطور مع مرور الحقب والأزمنة إلى أن وصل عصر النهضة الأوروبية، لكن لم تظهر الدراسات العلمية بشكل جدّي والتي اهتمت بالتفكير الإبداعي كنشاط عقلي إلا مع بداية العقد الثالث من القرن الماضي. أمام ظهور كم هائل من المشكلات والتحديات التي عرفها العالم المعاصر، والتي يعيشها الأفراد والمجتمعات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية حتى، وكذلك تزايد حدة التنافس والتباري بين الدول لإثبات الوجود والتمكّن من بسط السيطرة على مختلف الأقطاب، ولهذا تحتاج إلى الابتكار والابداع في هذه الأنشطة الإنسانية لتخطي هذه التحديات، والارتقاء بالإنسانية إلى مراتب عُليا، الشيء الذي جعل الاهتمام به في وقتنا الحالي ضرورة قصوى، دعت إلى التركيز على تعليم عملياته، وتدريب الأجيال الصاعدة للتمكن منه.
وبناء على هذا، ظهرت أهمية التفكير الإبداعي، وبدت فعاليته في حل المشكلات، واسهامه في تنمية الوعي الذاتي للمجتمع، والرفع من مستوى الذكاء الفردي والجماعي. وكذلك الارتقاء بالمجتمع وتكوين الحضارة ذات المقوّمات الخاصة والفعالة.
ومن الأساليب التي تساهم في تنمية التفكير الإبداعي، والتغلب على إزالة المعوقات التي تحول دون تحقيق العملية الإبداعية: أولا وكبداية، ضرورة التخلص من القيود الذاتية والمجتمعية في طرائق التفكير، والتخلي عما هو مألوف ومعتاد، أو أصبح تقليديا. ثانيا: وجوب التخلص من الشوائب التي تشتت التركيز، والابتعاد عن المحيط السلبي الذي يقمع الطاقة الإيجابية في الإنسان، ويمنع الابداع. والتدريب على تطوير وتنمية هذا الأخير. فأغلبية العلماء المختصين في مجال التنمية يرون أن هناك طريقتين لتطوير مستوى التفكير الإبداعي: الأولى مباشرة من خلال خلق برامج تدريبة خاصة في هذا الشأن، والثانية محاولة تطوير بعض الأساليب والمناهج التربوية المستخدمة عند السابقين، ومحاولة النظر مجدّدا إلى ما نراه دوما أمرا بديهيّا. ومن بين الطرق المقترحة في تدريب على التفكير الإبداعي وتطويره ما يلي:
- العصف الذهني أو الزوبعة الذهنية: هو تقنية يعتمد عليها الطالب أو الكاتب قبل البدء في إنجاز موضوع ما، وهي عبارة عن كتابة المعلومات التي يعرفها في ورقة بشكل اعتباطي وبدون ترتيب، بعدها تأتي مرحلة الكتابة الأولية، وحينها يتمّ انتقاء ما يليق من الأفكار المطروحة. وهذه التقنية لها دور مهم جدا في تطوير التفكير الإبداعي لأنها لا تعوق تفكيره أو تجعله يخاف من الخطأ.
- التعلم التعاوني: هي استراتيجية حديثة للتعلم، تسمى كذلك التعليم بالقرين. حيث تعتمد هذه الاستراتيجية على العمل بالمجموعات وتشجيع الأفراد على القيام بالأعمال الجماعية، والاشتراك فيها سواء بشكل كلي أو جزئي، حيث يتعلم الأفراد من بعضهم البعض، ويتعاونون من أجل تحقيق المصلحة المشتركة. فالتعلم التعاوني هذا، استراتيجية تعتمد بالأساس على مبدأ اختلاف الكفاءات المتوفرة لدى الأشخاص المشاركين، سواء في مستوى الذكاء أو الميول، أو تخزين المعلومات. وتستمدّ جذورها من النظرية الفارقية. وهذا الأسلوب من التعلم يساعد الفرد على الخروج من دائرة الاشتغال الفردي المحدود، إلى دائرة أوسع تتسم بالمرونة، واقتراح الأفكار الجديدة ومناقشتها من زوايا عدة، وبآراء مختلفة، والوصول إلى إنتاج مشترك أكثر فائدة وفعالية.
ومن الوسائل المساهمة أيضا في العملية الإبداعية، هي الحصول على هامش من الحرية، والبيئة الآمنة، وكذلك الراحة النفسية والشعور بالأمان، فكل هذه الأمور تجعل من الفرد يفكر خارج الصندوق دون أن يشعر بالرقابة أو الخوف، وكلها وسائل تخلق من الفرد أنسانا مبدعا. كما ينصح أيضا بممارسة التأمل والطقوس الملهمة.
وفي الختام يمكن القول إن التفكير الإبداعي هو أمر مكتسب ليس عطاء البيئة الوراثية أو البيولوجية، بل هو عملية صعبة تقوم على تدريب مستمر للتمكن من سقل العقل، وتعويده على التفكير والعمل الجماعي. إذ يعتبر الابداع أعلى مراتب المعرفة، وأسمى أنواع التفكير والذكاء العالي، ويمكن لأي فرد يبذل جهدا كبيرا، ويثابر بنجاعة متميزة، وله دافع قويّ، وقابلية التعلّم والانصهار الثقافي، والتمثل الفكري أن يكون مبدعا. كما تبقى مسؤولية الإسهام في غرس ملكة التفكير الإبداعي بشكل أساس على عاتق المنظومة التربوية التعليمية، والتي تعد الركيزة الأساس في المجتمع بعد دور الأسرة والفرد نفسه، تضاف إليه مسؤولية الجميع في الرغبة في تطوير عملية التفكير الإبداعي لإسهام في تقدم بالمجتمع السير به إلى الأمام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|