الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نكتب ؟ و ماذا نكتب ؟

علي فضيل العربي

2023 / 2 / 4
الادب والفن


سألني أحد الشباب الهاوي للأدب : لماذا تكتب ؟ و ماذا تكتب ؟ و من أين تستلهم أفكار كتاباتك القصصيّة و الروائيّة ؟ و هل يمكنني - و أنا الهاوي لفعل الكتابة و المغرم بها غرام قيس بن الملوّح بابنة عمّه ليلى العامريّة ، و العاشق لها عشق النحلة للزهرة - أن أكتب شيئا ممّا يختلج في صدري من هموم يوميّة ، و يتلاطم في ضميري ، من أفكار ، أحسبها ذات معنى و فائدة للمجتمع حبّ للكتابة ، و ما تضطرم نفسي من آمال و تطلّعات ذاتية و إنسانيّة ، أظنّها ، صالحة كعمل إبداعي ، في حقول النثر أو الشعر ؛ كقصيدة أو قصة أو رواية أو مسرحيّة أو مقالة أدبيّة . و أنال لقب الكاتب أو الأديب أو المبدع ، و أنضمّ إلى قافلة الكتاب و الأدباء المبدعين .

قلت لصاحبي : أسئلتك ليست وليدة الحاضر وليست بدعة جديدة الطرح ، غير أنّها متجدّدة . فقد سألها قبلك ملايين الناس ممّن باتوا في عداد الأموات الغابرين في عوالم الرميم ، و الأحياء ممّن سبقوك في مضمار الكتابة . سألها الكتاب و الشعراء و أئمة الفلسفة و على رأسهم سقراط و أفلاطون وابن رشد و ابن طفيل و الفارابي و ابن سينا و غيرهم .
إنّ الكتابة الإبداعيّة ، منبعها الموهبة ، التي يرعاها الأديب الموهوب بالمطالعة الجادة ، و البحث المستمرّ ، لبلوغ مرحلة الملكة و الفطام الفكري . و هي شبيهة برعاية الأم لوليدها حتى يبلغ مرحلة الفطام . إنّها ( الكتابة الإبداعيّة ) فنّ ، فيه من التبصّر و الحكمة و الموسوعيّة الثقافيّة ، ما في العلوم العقليّة من الدقّة و المنطق . و لا يمكن أن تقوم لها قائمة ، إلاّ إذا توفّرت لدى الكاتب و الأديب أدوات الكتابة مثل : الزاد اللغوي و النحو و الصرف و الأسلوب .
أسئلتك ، يا صديقي ، ولدت منذ أن بدأ الإنسان ، يتعلّم النطق بالحروف ، و يبصر ما حوله و فوقه من مخلوقات متحرّكة و غير متحرّكة ، مخيفة إلى درجة الرعب ، مدهشة إلى مستوى الإعجاز ، أكبر منه ، و أصغر منه ، ثم بدأ يستغّل أنامله و يحرّكها ، و يخطّ رسوماته على صخور الجبال و الفيافي . فقد اكتشف الإنسان الأوّل ، و هو المسمّى إنسان ما قبل التاريخ ، أنّه لم يُخلق وحيدا في الكون ، بل هو كائن ضمن مجموعة لامتناهية من المخلوقات الطائرة و الزاحفة و القافزة و السابحة و السائرة على أقدام أربعة .
و في خضم هذا المعمعة الوجوديّة ، بدأ عقل الإنسان الأول ينبض يمارس طقوس التفكير المنطقي و غير المنطقي ، و يتعلّم فلسفة التأمّل في ما حوله . و في ما يحافظ على وجوده ، أو في ما يتهدّده . و بدأ التجريد يتكوّن رويدا رويدا ، و طفق المخيال يحلّق بالإنسان في رحاب العوالم المجرّدة . و من هنا ، و في رحاب الواقع و الخيال ، ولد الإبداع الفنّي و الأدبيّ ، و تحرّر الإنسان من الدهشة و الصمت و التيه في فيافي الغموض و الخوف من الطبيعة ، و التخفّي و الاحتماء من عواصفها و أعاصيرها المدمّرة و ضواريها الفتّاكة ، و انطلق اللسان من عقاله ، و بدأ الإنسان يعبّر عن آرائه في ما يدور حوله ، و تزاحمت في رواق نفسه الحائرة أسئلة جمّة ، رفعته من حضيض الغريزة و الشهوانيّة إلى شرف التفكير و الحكمة .
أمّا ماذا يكتب الكاتب ؟ و من أين تنبثق الأفكار ؟ فإنّ الكاتب يكتب عن الإنسان في جميع أحواله الاجتماعية و الفكريّة و النفسيّة و الاقتصادية ؛ يكتب عن المعذّبين في الأرض . عن الناقمين من موقعهم في سلّم الوجود ، عن المحرومين من لذّة الحياة ، عن التعساء و السعداء ، عن الحالمين بحياة أفضل ، عن الفقراء و الأغنياء ، و النبلاء و العبيد ، عن الطبيعة المرئيّة في لحظات هدوئها أو غضبها ، و غير ممّا يقع تحت بصره و بصيرته .
إنّ للأديب المبدع - أكان شاعرا أم ناثرا - موردين ينهل منهما . أحدهما خارجيّ ، منبعث من صلب الواقع المعيش ، المحيط به من كل جانب ، و الآخر ذاتيّ ينطلق من الفضاء الذهني المجرد و عوالم الخيال . و بين الموردين علاقة جدليّة ، قائمة على الأخذ و العطاء . فلا مسافة بين العقل و الواقع ، فكلاهما يؤثر في الآخر ، إيجابا أو سلبا . و لا حاجز بين الشعور و اللاشعور . و كل النشاط العقليّ ، منذ استوطن الإنسان الأرض ، مصدره الوحي و الطبيعة و الواقع المعيش ، و التخييل الإبداعي و الميتافيزقيا مصدرهما العقل الراشد و السليم .
و حين تتراكم هذه العناصر المذكورة سلفا ، و غيرها ، و حين يعيش الأديب في أعماقه أطوار التجربة الأدبيّة ، بدءا من الملاحظة و الإبصار إلى غاية التفاعل ، و تنطبع في ذاكرته الإبداعيّة صوّر من الحياة اليوميّة ، و يغرف منها ما يحرّك يراعه من مشاعر شتى و متضاربة و متلاطمة ، ممزوجة بالخيال و التخييل . إنّ الإبداع الأدبي وليد الموهبة و التجربة و الممارسة و الخبرة و الملكة . و لن يبلغ الكاتب درجة المبدع إلاّ إذا أحسن استغلال هذه العناصر السالفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل