الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسات والتقاطعات المشرفة

بدر الدين شنن

2006 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


مازال " الخوف " على الوطن أو التخويف من التآمر والعدوان الخارجي عليه ، هو " التقاطع " الوحيد ، في المشهد السياسي السوري ، بين المعارضة والنظام ، كل حسب مفهومه للخطر والوطن ، وكل حسب خلفياته وشروطه . ودون مجازفة يمكن التأكيد على أن " التقاطع " قد فرض نفسه كأمر واقع ، قبل أن يكون خياراً مدروساً . نتيجة عوامل داخلية مرتبطة ببنية وميزان القوى . إلاّ أن هذا التقاطع محكوم بجملة تناقضات تجعل منه تقاطعاً معبراً عن عمق الأزمة الشاملة في البلاد أكثر مما تعبر عن معبر لحل هذه الأزمة . فالوطن بالنسبة للنظام كما يمارس علناً هو النظام نفسه ، أي أن الوطن متماه بالنظام ، وكل ما يهدد النظام هو تهديد للوطن ، والعكس صحيح بقدر ما يضر أو يفيد النظام . ووفقاً لذلك يصبح عدو النظام عدواً للوطن ، ومقياس هذه العداوة تقوم على مبدأ الولاء للنظام أو عدمه .. وعلى هذه القاعدة يرتكز ميزان العدالة في محكمة أمن الدولة وأخواتها السيئات الذكر ، إزاء المعارضين للنظام

والوطن بالنسبة للمعارضة الوطنية الديمقراطية ، هو الشعب كله أولاً ، وعنه تنبثق الدولة والد ستور والقانون ، وكل ذلك يقوم على وعاء جغرافي .. والجغرافيا .. افتراضياً .. بدون كل ذلك هي فراغ وهيولى ووهم ، وكل ما يهدد وحدة الشعب وحرياته وحقوقه وكرامته وأرضه ، هو تهديد للوطن ، ووفقاً لذلك فإن النظام الاستبدادي الذي فعل ما فعله على مدار نحو أربعين عاماً من ا ستبداد ونهب وقهر يصبح ايضاً عدواً للوطن ، ومقياس هذه العداوة يقوم على مبدأ احترام إرادة الشعب وحقوقه وحرياته أو عدمه

فكيف يمكن أن يكون هناك تقاطع بين مثل هذين الطرفين وهذين المفهومين .. ؟

ودون مجازفة ، يمكن تفسير هذه الظاهرة " التقاطعية " الخويفية علناً والتخوينية باطناً ، أن ذلك دليل عجز متبادل على حسم الصراع الداخلي من قبل أي طرف من طرفي الصراع ، فالخطر الخارجي ، وإن يكن وارداً من حيث القراءات السياسية لما يحيط بالبلاد ، إلاّ أنه ليس ملزماً للنظام أو المعارضة باستقالة أحدهما الطوعية للآخر ، أو بلقاء ا ستسلامي ضمن إطار توافقي يتمترس كل طرف فيه بخلفياته إزاء الآخر ، وهي دليل آخر على أن أطراف الطبقة السياسية في البلاد تربط بالخارج مسؤولية الجمود أو التغيير لصالحها في الداخل ، وتستخدم هذا التقاطع للإحراج وللتبرير والتعبئة

واللافت في هذه المرحلة ، هو ظاهرة انتعاش الحراك السياسي عامة تحت الضغط الخارجي ، ما ا ستدعى ظاهرة الرغبة المضمرة في إطالة عمر هذه المرحلة ليتمكن كل طرف أن يحقق بعض النقاط لصالحه ، بل لازال هناك من يراهن بعد على التحقيق الدولي في مقتل الحريري في هذا الصدد . واللافت اكثر ، أن النظام ا ستطاع أن يحقق مكاسب سياسية أكثر من المعارضة في هذا المضمار ، لاسيما إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان

وهنا يصبح " الخوف على الوطن " غطاء ضعف ، وا ستقواء ، وسلاح ضغط ضد الآخر . والسؤال الكاشف لهذا " التقاطع " هو .. ما هو البديل عن محور " الخوف على الوطن " ، الذي سيكون محور الصراع بين المعارضة والنظام ، في حال فقد هذا المحور مبرر ا ستمراره .. ؟

لم يكن خطأً بطبيعة الحال التعاطي مع البعد الوطني في الصراع من أجل التغيير الديمقراطي في البلاد ، وإنما هو ربط جدي وعالي المسؤولية بين المهام النضالية في هذه المرحلة ، لكنه لايشكل تقاطعاً جدياً مع النظام ، الذي لم يقدم أية بادرة ذات قيمة وطنية ، تعبر عملياً عن تراجعه عن نظام الاستبداد سياسياً وأمنياً ، تساعد على توفير الحد الأدنى من الإطمئنان لمثل هذا " التقاطع " ، وما حصل حتى الآن بالملموس ، أن النظام قد ا ستعاض عن ذلك ببعض ممارسات العلاقات العامة من قبل الرئيس هنا وهناك ، وأنه قد ا ستثمر جيداً الممارسات " التقاطعية " المجانية من قبل الآخر .. بل الخطأ هو الإتكاء على محور " الخوف على الوطن " وحده للتعبئة ولشرعنة الحراك المعارض لإحداث التغيير الديمقراطي

والخطأ الأكبر المتواصل هو عدم الانتقال إلى الفاعل التغييري الجدي .. إلى الشعب .. إن عشرات آلاف العمال على الأقل يكابدون الجوع مع أولادهم وعائلاتهم ليس بسبب الغلاء الفاحش فحسب ، وإنما بسبب عدم قبض رواتبهم لأشهر طويلة ، وهناك ملايين الفقراء يعيشون ليس تحت خط الفقر وإنما تحت خط الجوع ، وهناك ملايين المرضى دون علاج يذكر .. والنظام يهددهم بالمزيد من الآلام الاجتماعية

ليس للوطنية وجه واحد هو الذود عن حياض الوطن .. ولكن للوطنية وجه آخر لايقل قيمة وأهمية ، وهو الذود عن رغيف المواطن وعمله وحبة دوائه وكرامته

إن الدفاع عن الوطن يبدأ بالدفاع عن حقوق الإنسان بالحرية والغذاء والصحة والتعليم والمعتقد والعدالة .. ومن أجل هذه الحقوق تجري السياسات المشرفة .. وعند هذه الحقوق تنهض التقاطعات الوطنية الراسخة

ليس المطلوب إيقاف دق ناقوس الخطر ، والضغط على النظام ، لممارسة بعض المسؤوليات الوطنية إزاء هذا الخطر .. وإنما من أجل درأ هذا الخطر جدياً .. ينبغي تفعيل القوى المهمشة .. والنهوض بالقوى الشعبية .. واحتضان مطالبها الملحة الوطنية والطبقية في آن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد انتخابات -تاريخية-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي


.. احتفالات بالانتصار.. -الجبهة الشعبية الجديدة- تتصدر التشريعي




.. -سأقدم استقالتي-.. كلمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال ب


.. سمكة قرش ضخمة تسبح قرب مرتادي شاطىء في تكساس




.. بايدن.. مصيبة أميركا العظمى! والدولة العميقة تتحرك! | #التا