الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبدعون والجاليات العربية في الولايات المتحدة: تجاهل وغياب للدعم والمساندة

غازي الإمام

2023 / 2 / 5
الادب والفن


ساقتني الأقدار لاكتشاف كنزٍ ثمينٍ لا يعرف قيمته إلا من خبِرَه ويعطيه حقه. هذا الكنز يتمثل بالفكر والإبداع الذي جسده الرسام والفنان العربي سعيد الاتب، من خلال لوحاته الفنية الرائعة والمميزة. وهو فنان يستحق الثناء والمديح، إذا أردنا أن ننصفه، تبعاً لنتاجه الفني وعطائه الإبداعي، عبر تجربته الطويلة كفنان تشكيلي عربي- أمريكي . وانه من الإنصاف ان ينال حقه من التقدير، على الرغم معاناته الحالية، بسبب إهمال الجالية العربية له، ولفنه الإبداعي، وتهميشه ، خاصة في باترسون، موطنه الحالي في ولاية نيوجرسي في الولايات المتحدة .
ساقتني الأقدار، أن اعود بصورة مفاجئة من كوستاريكا، الى مدينة باترسون، لأن أكون ضيفا على الفنان سعيد الأتب، في منزله الذي حوّله الى مرسم ينجز فيه ابداعاته التشكيلية، وإلى متحف واسع يضم لوحاته المختلفة. متحف للفن البصري، إذا شئنا القول، وبمُختلف المدارس الفنية، التي يُمكن رؤيتها من خلال اللوحاتن والقطع الفنيّة، والرسومات الرائعة التي ادهشتني وأبهرتني في هذا المتحف والمعرض المزين بأجمل اللوحات الفنية التي رسمها سعيد، والتي تُثير إعجاب الناظر إليها، وتمنحه إحساساً مفعماً بالبهجة، ما يجعلك تطيل النظر الى كل منها لتبهر المتلقي، بالتصوير الزيتي، وبالالوان الجميلة، والتي يتم من خلالها نقل الواقع الموجود الذي يستوطن ذاكرة ومخيلة الفنان سعيد الأتب، والتي تفيض بعواطفه، وما يكنه قلبه ووجدانه من متخيلات واقعية ومعبرة... لتلمتس من خلالها الواقعية الرمزيّة، والواقعية الكلاسيكيّة.
وكثير من هذه اللوحات الإبداعية، تتبع في تكويناتها والوانها، المدرسة الانطباعية، المتأثرة بالطبيعة والمناخ الاجتماعي المحيط بسعيد الأتب، والذي ترجمه الى اعمال فنية تجسد شعوره واحاسيسه المرهفة. وقد لجأ الفنان سعيد الأتب الى المدرسة التعبيرية، في تكوين اللوحة، والألوان المُستخدمة، وهي المدرسة التي تستند إلى انطباع الفنان عن المشهد، أكثر من تصويره ونقله بدقة، عبر خلال لوحاته الجميلة والمعبرة.
ولعله من المهم الإشارة الى ان الفنان الأتب، يولي عناية خاصة في رسوماته، لوصف الأشياء المُهملة في الحياة، مثل حرية المرأة والظلم الذي تتعرض له في بعض المجتمعات المتخلفة، والتي تحكمها قوانين تعود إلى العصور الحجرية. وكذلك التعبير عن القضية الفلسطينية، والقضايا العربية، ومعاناة العرب في صراعهم السياسي والاجتماعي الطويل مع العدو الصهيوني.. وكذلك تصوير واقع المعاناة المرير للفقراء والمساكين، في المجتمعات المختلفة عربياً، كما في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. والغرض من هذه الطريقة هو إظهار أهمّية الشيء، وضرورة التنبّه للتفاصيل التي تؤثر في شعورنا وحياتنا، وتسليط الضوء على المهمشين.
.
كذلك تجد في رسوماته لوحات تنتمي إلى المدرسة السوريالية، والتي اعتمدت على تجسيد الأحلام والأفكار، وقد تم الرسم عن طريق استعادة ما في ذاكرته بالدرجة الأولى، وليس النقل عن طريق البصر .
ولكن، أقولها للأسف، أن جاليتنا العربية لا تهتم لهذه الفنون الإبداعية، ولا لمن يرسمها. ولا تقدّم اي دعم وتشجيع لمثل هذه الفنون، بحجم اهتمامهم بالأكل والطعام وجمع المال بأي طريقة، وبافتتاح المطاعم ومحلات السوبر ماركت، ومحلات الذهب.. بدون أدنى اكثراث لكل ما يمتّ للفكر والثقافة والفنون بصلة. وأجد انه من الواجب تذكيرهم بأن الفنون في اوربا، ساهمت في نقلها من عهد الظلمات الى عهد التنوير، او ما يسمونه Renaissance. وان الحضارة الإيطالية، وصلت النجوم على يد دافنشي، وموديلياني، ورافاييل، وارماندو تيستا..
وان المتاحف، مثل اللوفر في فرنسان، ومتحف الميتروبوليتان، ومتحف الفنون في نيويورك ، وغيرها تعتبر من مصادر الدخل القومي المهم، للسياحة والرقي.
إنه من واجب ومسؤولية جاليتنا العربية في امريكا، أن تبادر من خلال رجال الاعمال والإعلام، الى احتضان المواهب الفنية، واظهارها علناً، وفي جميع وسائل الاعلام الأمريكية، لدحض فكرة ان العرب هم مجرد إرهابيين، ومجرمين.. وهذا ما فعله الفنان سعيد الأتب من خلال تناوله لمفهوم الخوف من الإسلام او مايسمى Islam Fobia من خلال لوحاته الإنسانية الراقية.. وبذله لجهد كبير في اظهار الصورة الحضارية للإنسان العربي غير المتعارف عليها بالفكر الغربي عامة، والأمريكي خاصة. وهذا – في واقع الأمر - ما لا يحبذه ويرضاه اللوبي الذي يعادينا داخل المجتمع الامريكي...والذين لا يريدون بأن يظهر العرب علناً للمجتمع الامريكي، بصورة حضارية، كما يفعل الفنان العربي سعيد الأتب، وذلك بالسير على طريق المبدعين العالميين أمثال الرسام الهولندي فينسنت فان خوخ.. والفلسطيني الراحل ناجي العلي، والسوري الراحل لؤي الكيالي، والفنان السوري العالمي عبد الحميد فياض .. وغيرهم من الرسامين الذين جسدوا الفكر والكلمة، من خلال لوحاتهم الجميلة والمعبرة.
ونعود لشخصية سعيد الأتب، كفنان ومثقف، من جانب، وأسلوب حياته وطريقة عيشه وسلوكه، فترى فيه كثيراً من صفات الفنانين، والكتاب والمفكرين الذين عانوا من الصعاب في حياتهم، وعانوا الكثير من خيبات الأمل بالمجتمع: البيئة والناس الذين يحيطون بهم، والذي جسده الكاتب اللبناني جبران خليل جبران بقوله " إن المعاناة تخلق العبقرية لدى الانسان " وقد ظهر ذلك بوضوح بعد ان هاجر من لبنان الى نيويورك، المدينة التي اعطته حقه من خلال تقدير ابداعه وكتابته، وخاصة عندما عبّر عن إجحاف أهله وأناسه في لبنان والبلدان العربية، وابدع في كل ما كتبه ورسمه بالمهجر، واشيد بالذكر هنا بكتابه الرائع النبي prophet" الذي اشتهر بعد مماته، وجعله مخلدا ونبيا في نظر قومه...
لقد وصف جبران بالمجنون على الرغم من عبقريته، وقوبل بالتهميش والجحود والعداء في لبنان والعالم العربي، وعلى العكس، قوبل بالشهرة والنجاح والتقدير في غربتهن وفي بلدان المهجر من قبل الأمريكيين، بصورة خاصة.
كذلك حال سعيد الأتب في معاناته من قبل الجالية العربية، حيث لا يوجد بينهم من يهتم بالفنون والآداب، ولم يوجه احداً منهم الثناء او التقدير لكل ما يرسمه من لوحات ابداعية، مميزة، بتجربته الكبيرة وخبرته الواسعة، بل قوبل بالإهمال وبالتهميش المتعمد، بل ومحاولة البعض للنيل منه، عبر وصفه بالجنون.. وهذا آخر شئ التمسه شخصيا منه.
اقول هذا الرأي بالاستاذ سعيد الأتب من خلال تجربة شخصية، حيث تمتد معرفتي به الى سنين طويلة، ولم اجد فيه الا الاحترام وطيبة القلب، والشهامة والذكاء، وحبه في مساعدة كل من يطرق بابه، ليقدم له كل ما يمكن ان يسعده،
إضافة لكونه فناناً متمكناً من ادواته، وذي تجربة غنية، وعطاء إبداعي، غير محدود ، وذي قيمة فنية عالية ورفيعة، لا يقدرها إلا من درس تجربته، وعرف شخصه المبدعة عن قرب.. وهنالك مثل بدوي يقول:
" اللّي ما يعرف الصقر يشويه" .
________________
*مترجم سوري - امريكي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!