الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السيرة الذاتية حفريات المصطلح وحدوده المعرفية.
ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث
(Yasser Gaber Elgammal)
2023 / 2 / 6
الادب والفن
ثمة تشبكات بين المصطلحات في المجالات المعرفية وخصوصًا الحقول الأدبية، فتوجد معركة قديمة حديثة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ المعرفي، وهي معركة الأجناس الأدبية، وتداخلها.
دعونا نأكد على نقطة غاية في الأهمية حول هذا الخلاف، وهي أن أي مصطلح لابد أن يمتلك حدودًا معرفية محددة، وهذا سواءً كنا مؤيدين للقول بتداخل الأجناس الأدبية أو رافضين له، فهذا أمر لابد من التسليم له .
لسنا في حاجة إلى سرد هذا الخلاف وبيان حجج كلا الفريقين، فهذه مسألة نقدية بحته مظانها كتب النقد، وإنما مانريد رصده في هذ الجزئية هو بيان الفوارق الجوهرية بين السيرة الذاتية ومذكرات الشخص، وهذا بدوره يقودنا إلى بيان المصطلح ثم فض الاشباك بين هذا المصطلح والمصطلحات الأخرى ثم بيان الصواب في تلك القضية، وهذا ما نحاول الوقوف عليه الآن :
السيرة الذاتية لغة واصطلاحًا :
يقول ابن فارس: "السين والياء والراء أصل يدل على مضي وجريان، يقال سار يسير سيرا، وذلك يكون ليلا ونهارا. والسيرة: الطريقة في الشيء والسنة، لأنها تسير وتجري. يقال سارت، وسرتها أنا. قال:
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها ... فأول راض سنة من يسيرها( )
ويقول مجمع اللغة العربية : السيرة هي السنة والطريقة والحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره والسيرة النبوية وكتب السير مأخوذة من السيرة بمعنى الطريقة وأدخل فيها الغزوات وغير ذلك ويقال قرأت سيرة فلان تاريخ حياته (ج) سير( )
ويقول أستاذنا "أحمد مختار عمر": السيرة الذاتية، وهي عمل أدبي يقوم فيه مؤلفه بسرد قصة حياته، ويتضمن بالضرورة وصفا مباشرا ودقيقا لبعض الحوادث التاريخية وملامح الحياة في الفترة التي عاش فيها صاحب السيرة( )
وهكذا فإن المعنى اللغوي لمصطلح السيرة يفضي في نهاية الأمر إلى تقصي السير أو وصف مسيرة تلك الرحلة الحياتية، وهكذا فإن تقصي هذه الدلالة المعجمية يمنح للكلمة حضورها في نظام اللغة العربية، فهي محض تعددٍ في معانيها واستعمالاتها وإن بدا الأصل واحدا، والوقوف عليها متأسس على معرفة قبلية بحمولة المفردة اصطلاحيا، التي تتطابق مع تعريف (المعجم الوسيط) القائل بأن السيرة مقرونة معنًى بنقل أحاديث الأولين( ).
ويظهر أن إماطة اللثام عن مصطلح (السيرة) والتعريف به لغويا، مقدمة لبيان مرجعياته المعرفية وطبقاته الدلالية المكونة، فقبل أن يستوي على سوقه فنا له أصول ومميزات، انبنى وفقا لما تقتضيه سنن التطور والنمو وكما هو حال غيره من المصطلحات على امتدادات تاريخية؛ تسعى الدراسة لتجلية حجبها إدراكا لما آل إليه وضع كتابة (الأنا) من أهمية، عبر إحساس الذات بعامل الزمن، المتعاقب عليها تأثيرا وتأثرا. ( )
ونحن نزيد على ذلك بقول إن التأسيس اللغوي لجذر" سير" يقتضي في نهاية الأمر نقل سيرة الشخص وفق معطيات لغوية تواصلية جديدة ، تهدف في نهاية المطاف إلى الإفصاح عن بنية سردية جديدة ينهض من خلالها مجموعة من الدوال والتقنيات اللغوية والأدبية، وهو ما يعرف بالسرد وتقنيات السرد التي تساهم في بناء موقف من هذه السيرة على المستويين الدلالي واالجمالي .
المعنى الاصطلاحي :
يرى "فليب لجون" أن السيرة الذاتية هي حكي استعاديّ نثريّ يقوم به شخص واقعيّ عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفرديّة، وعلى تاريخ شخصيّته"( )
ويقول جون أيضًا: "بواسطة سلسلات من التعارضات بين مختلف النصوص المقترحة للقراءة( ) "
ويفرق "إحسان عباس" عند تعريفه للسرة الذاتية ، فيقول: " حديثًا ساذجًا عن النفس، ولا هي تدوين للمفاخر والمآثر"( )
وهذه التفرقة مبنية على أن " الأوّل: لا يزال كّلما أمعن في تيّار الحديث يثير شكنا - الحديث عن المفاخر - ، والثاني: يستخرج الثقة الممنوحة له مّنا- الحديث عن المأثر-"( )
ولعل كلام "إحسان عباس" فيه جزء انطباعي حكمي مؤسس قبل الرؤية لقضية السيرة الذاتية، بخلاف " يمنى العيد " التي ترى أن السيرة الذاتية هي : " عمل أدبي قد يكون رواية، أو قصيدة، أو مقالة فلسفيّة، يعرض فيها المؤلف أفكاره، ويصوّر إحساساته بشكل ضمني، أو صريح"( )
ومن ذلك يمكننا القول بإن السيرة الذاتية عمل أدبي قد يكون رواية أو قصة أو قصيدة أو مقال فلسفي يتناول فيه الكاتب محطات من حياته بكافة جوانبها، ويكون ذلك وفق أسلوب أدبي يخرج فيه الكاتب مكوناته العمرية بصورة مباشرة أو ضمنية، بغية ايصال رؤية ورسائل عبر التقنيات الإرسالية إلى المتلقي بهدف توعيته والنهوض به في تلك القضايا المعروضة والمسرودة معرفيًا وواقعيًا .
• المذكرات لغة واصطلاحا :
الذكر في تأسيسه اللغوي " ضد النسيان ذكرت الشيء أذكره ذكرا وذكرا، وهو مبني على ذكر وعلى ذكر، والضم أعلى، وذكرته ذكرا حسنا. وذكرتك الله أن تفعل كذا وكذا كالقسم. ويقول الرجل للرجل إذا أنكره: من أنت أذكر، بالألف مقطوعة مفتوحة. ورجل ذكر: شهم من الرجال ماض في أموره. وسيف ذكر: ماض في ضريبته. وذكرة السيف، يقال: حديد ذكر يلحم بحديد أنيث، فالسيف حينئذ مذكر.
قال الشاعر:
(وعبد يغوث تحجل الطير حوله ... وقد ثل عرشيه الحسام المذكر)( )
يقول ابن فارس: "ذكرت الشيء، خلاف نسيته"( )
وهكذا نلحظ أن المذكرات في اللغة من الجذر ذكر يذكر ذكرًا، وبالتالي فهي عملية استدعاء من الذاكرة لأحداث من الماضي مر بها الإنسان في أوقات ومراحل عمرية مختلفة، وكما يقول اللغويون أن المعنى الاصطلاحي يؤسس على المعنى اللغوي، ويخرج منه .
فإن المذاكرات اصطلاحًا هي : " تسجيل المرء لبعض حوادث حياته الماضية في مكان أو ظرف ما."( )
أو يمكن تعريفها على أنها سرد " من العمل الأدبي الذاتي، يكتبه المؤلف عن حياته، أو حياة شخصيّة فّذة "( )
أو بمعنى مختصرهي: "حوادث حياته الماضية في مكان أو ظرف ما "( ).
وهكذا يمكننا القول إن المذكرات هي تسجيل لوقائع حياتية مهمة في حياة بعض البشر وخصوصًا الذين لهم علاقة بشأن العام أو لهم مواقف مؤثرة في شتى المجالات الحياتية.
وهناك من وضع بعض الفروق بين المذكرات والسيرة الذاتية، لأنه "وفي كنف هذا التعالق استحال لمفهوم السيرة الذاتية مصطلحات، تتقاطع به في نواة واحدة دالة على حياة الأنا، من مثل أدب السيرة الذاتية الروائية واليوميات والمذكرات، وأجناس أدبية أخرى الرواية كالسيرة الذاتية الروائية، و رواية السيرة الذاتية، والإعتراف .
وهكذا فإننا أمام تداخلات لا حصر لها طبقًا لنظرية الأجناس الأدبية، والفصل الحاسم والدقيق قد يكون من الصعوبة بمكان، والحقيقة التي ينبغي التسليم لها إن كاتب المذكرات " من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، فصله منطقيًّا عن السيرة الذاتيّة... فكاتب المذكرات عادة هو شخص [أدى] دورًا مميّزًا في التاريخ، أو أُتيحت له الفرصة لكي يشاهد عن كثب التاريخ في صنعه"( )
ومذكرات "السيد حافظ" من هذا القبيل، فمن الناحية الموضوعية فهي تعج بالمواقف المؤثرة في المسيرة الثقاقية سواء على مستوى المسرح المصري أو العربي أو على المستوى النقدي والأدبي، فهي تسطر مواقف عديدة في فترات مختلفة ممتدة على أرض أمتنا العربية ـ وفي ظروف متباينة - فقد جاءت في أربعة وخمسين عنوانًا، كل عنوان تحته من القضايا والمضامين الكثير، يفتح أفاقًا واسعة للمتلقى حول الثقافة والفن، فـ"السيد حافظ" اسم لكاتب ذو عطاء كبير لكنه مغمور إلى حد ما أو بالأحرى أسقط اسمه إما سهوا أو عمدًا، والمرجح أن يكون ذلك عمدا لأسباب كثيرة ، وبذلك حرم الكثير من القراء من التعرف عليه والإطلاع على إنتاجه المسرحي المتميز"( )
جاءت هذه المذكرات كاشفة وموضحة لعلل كثيرة تحتاجها الأجيال القادمة التي هي في أمس الحاجة إلى المعرفة الصادقة ، المعرفة الواعية المبنية على الموضوعية وعدم التزييف .
يقدمها لها كاتب بمستوى ومكانة "السيد حافظ"، فهو كاتب ومخرج وصحفي عربي، ولد عام 1948م بمحافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية، متخرج من جامعة الإسكندرية قسم فلسفة وعلم اجتماع عام 1979م، حصل على دبلوم في علم النفس والتربية عام 1975م، أدار قطاع الدراما بالثقافة الجمـاهيرية بالإسكندرية منذ سنة 1974م إلى غاية 1976م، ثم ترأس تحرير مجلة رؤيا التي تصدر في مصر لعدة سنوات، كما كان ولمدة خمس سنوات مديرا لمركز الوطن العربي للنشر والإعلام (رؤيا)، كان محررا بجريدة السياسة الكويتية لمدة سبع سنوات، وقد حصل على الجائزة الأولى في التأليف المسرحي بمصر عام 1970م كما تحصل عام 1983م، على جائزة أحسن مؤلف لعمل مسرحي موجه للأطفال بالكويت عن مسرحيته (سندريلا)، وهو بالإضافة إلى أنه كاتب مسرحي قصاص وشاعر وعضو في اتحاد الكتاب المصريين وعضو اتحاد الكتاب العرب، وهو حاليا كاتب وصحفي متفرغ.
"السيد حافظ" بكلمات شاعرية رقيقة يصفه "فيصل صوفي" قائلا: " السيد حافظ ...طائر نورس جوال..اقتلعته خماسين القهر الكواشة سماء مصر الجميلة فنزح لا يحمل بين جنباته الكسيرة سوى عشق قديس متفان، وغضب بحر هادر وسذاجة فلاح مقهور وسلاحه كلمة ملغومة تزلزل عروش سارقي ...الأمن من عيون الجياع "( )
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. في ذكرى وفاته.. أعمال لا تُنسى للفنان القدير صلاح قابيل
.. فنان بولندي يحتج مكبلا ومعصوب العينين أمام السفارة الإسرائيل
.. وزير الثقافة: لهذا السبب.. السنة دي تحديدًا في معرض الكتاب ا
.. انتظروا الفيلم الوثائقي -مأساة أيزيدية- - الخميس 11 مساءً عل
.. الفنانات الرائدات