الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً شهاب الفضلي.. ما دمت هناك وأنا هنا

سعدون محسن ضمد

2006 / 10 / 15
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


ما كان ضرَّك لو أنك استشرتني قبل أن تجمع متاعك وتغادر المدينة.. مدينتنا.. مدينتنا المتعبة الفقيرة، ما كان ضرك لو أنك استأذنتني، لو أنك بررت لي قرار رحيلك، كان يمكن لي أن أصدق بأنك تريد المغادرة بسبب الأنقاض التي تمتلئ بها مدينتنا، بسبب غبارها الكثيف، بسبب المياه الثقيلة التي ستغرقها عمّا قريب، حتى بسبب انقطاع الكهرباء. صدقني لو أنك تذرعت بانقطاع الكهرباء لعذرتك، ولصدقت حينها بأن الكهرباء تتعثر في مدينتا فقط، وأنك لا تريد أن تهجر العراق نزولاً عند رغبة ملوك الظلام.
أما أن أشمَّ رائحة رحيلك من أزيز الرصاص، من زعيق المفخخات، من جنون البارود، فهذا ما لا أطيقه، نعم يا صديقي فأنا لا أطيق أن تهرب منّي، أن تشعرني بأنني عدوّك، لا أطيق أن استيقظ في يوم مشؤوم لأكتشف هكذا وبدون مقدمات، بأننا حقّاً أنا وأنت سني وشيعي، وأننا لم نعد إنسانين عراقيين بلا إضافات.
لكن أولم نكن وقبل أيام قلائل نجتمع معاً، نتجادل، نختلف، يعارض بعضنا البعض، ثم نضحك. ألم نكن قبل أيام قلائل يساري سنّي وإسلامي شيعي يختلفان بينهما وهما يضحكان؟
لماذا لم يشعر أحدنا في تلك الأيام بأننا من طوائف أو أعراق مختلفة؟
ثم لماذا أُحِسُّ الآن بأنك أهنتني وأنت تغادر مدينتنا، هل تدري كم أنك أهنتني وأنت تغادر. ليس بسبب أنك غادرت مُرغماً وأخليت الساحة لملوك الظلام، وليس لأنني لا أستطيع حمايتك من الجحيم الذي استعر في عراقنا وبات يهددنا نحن الاثنان، وليس أيضاً بسبب من أننا نحن الاثنان عاجزان عن التصدّي لعواصف الخراب. كان سبب شعوري بالإهانة ناشئ من إدراكي حقيقة الهزيمة التي أتعرض لها أنا، وتتعرض لها أنت أيضاً، بل ويتعرض لها كل العراق. الهزيمة التي انطلقت بانطلاق مسلسل سقوط القباب.
أنا لا أعتبر بأن خطورة (تفخيخ) القباب ناشئ من كونها مقدَّسة فقط، بل لأنها كشفت لنا مأزقنا الحقيقي، أيضاً لأنها وحدها التي أقنعتك بأنك لم تعد بين أهلك، خطورة عملية تفخيخ القباب تكمن بأنها هددتك أنت، أنت الذي لم تشعرك دماء أطفال بغداد الجديدة، بأنك شريك فيها، وأن عليك المغادرة، ولم تشعرك الدماء التي سالت في الحلة ولا في الكاظمية ولا في النجف بأنك شريك، أبداً ولا كل الحرائق التي اشتعلت بالعراق، فعلت بك ذلك، كنت يومها تشعر بأن الدماء دمائك والأشلاء أشلائك، والحرائق ناشبة بجسدك أنت، كنت تدري بأن الجميع يُُصَدِّق بك، فلماذا استجد عندك اليوم اعتقاد جديد، لماذا إذاً فاجأتني برحيلك لحظة سقوط القباب؟ لماذا جعلتني أشكُ بنفسي؟
لو تدري كم جُنَّ جنوني، وأنا أصيح خلف قوافلك المُغادِرة:
بريييييييييييييييييييييييييييييء.
لكنك بريء يا صديقي. توقف.. لا تغادر، أبيض أنت، مليء بالمروءة، جياش بالفرح، خالص البراءة، مفعم بالتلقائية.. فلماذا تغادر؟؟
سأُقسم للجميع إذا أردت بأنك لست منهم، أحميك بجسدي، أقدم لك نذوري، أبيت معك، أتخندق بخندقك، أتسمى بأسمائك. قل لي فقط ماذا تريد ثمناً لعودتك، وسأفعل. عودتك التي تساوي برائتي. ارجع فقط وسأبتدع لعينيك صلاة جديدة، صلاة تخص العراق، العراق فقط، صلاة لا تخص أحد، ولا تتحيَّز لأحد، ولا تستفز أحد ولا تشرعن لأحدٍ سفك الدماء أو (تفخيخ) القباب.
إرجع، فقط لئلا يتلاشى الأمل، عد إلى مدينتنا، مدينة الغبار، مدينة المتعبين، المنسيين، مدينة الجياع. إرجع!
لماذا تبتعد؟
أرأيت..!
أرأيت كيف أننا أصبحنا فجأة مهزومين، أنا وأنت، كيف أننا انتقلنا كل إلى الضفَّة التي يُنسَب لها.
أنت هناك وأنا هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل


.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف




.. استطلاع: ارتفاع نسبة تأييد بايدن إلى 37% | #أميركا_اليوم


.. ترامب يطرح خطة سلام لأوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات | #أمي




.. -أنت ترتكب إبادة-.. داعمون لغزة يطوقون مقر إقامة وزير الدفاع