الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين تصريحات لورنس العرب وتصريحات رئيس الاركان البريطاني دانات

عادل الياسري
مؤرخ

(Adel Alyasiry)

2006 / 10 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كانت تصريحات الجنرال ( ريتشارد دانات ) قنبلة موقوتة فوق رأس بلير يوم الخميس في صحيفة ديلي ميلي البريطانية الذي اعتبر ان بقاء الجيش البريطاني في العراق يفاقم من المشاكل الأمنية ونجعل الوضع أسوء للعراق ولأنفسنا. وهي لاتختلف عن تصريحات لورنس العرب اثناء الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الاولى . فقد كتب في جريدة السندي تايمز بعد معركة الرارنجية في العراق وعن الخسارة التي لحقت بالجيش البريطاني واخفاقه. وعن الجنرلات وحجبهم الحقيقة عن الجمهور البريطاني لما يحدث في العراق من العنف الدموي وهذا نصها أو بعض منها .

ان الناس في انكلترا قد أقعوا في مصيدة في العراق سيكون من الصعب عليهم ان يتخلصوا منها بشرف وكرامة . ان حجب المعلومات عنهم بصورة مستمرة قد أدى بهم الى الوقوع مخدوعين في هذه المصيدة ؛ فان بيانات الحكومة في بغداد تأتي متأخرة وناقصة و منافقة . ان الامور أسوأ بكثير مما قيل لنا ؛ وان ادارتنا في العراق أكثر دموية وعجزا مما يقال للناس هنا . ان هذا الامر عارا على تاريخنا الامبراطوري ..! وسرعان ما ستصل الحال الى وضع ملتهب لا يرجى له شفاء . فاليوم نحن أقرب ما نكون من الكارثة . ان الاثم الاكبر يقع على عاتق المسؤولين عن الادارة المدنية البريطانية في العراق وخاصة الضباط الثلاثة برتبة كولونيل ؛ الذين أطلقت أيديهم في ادارة البلاد . ان هذه الادارة لاتخضع لتوجيهات دوائر وزارة الخارجية ؛ بل تعمل من خلال الفجوة التي تفصل مابين وزارة الخارجية و وزارة الهند .
لقد استفاد رجال هذه الادارة من حرية العمل التي سمح لهم بها أثناء الحرب لكي يستقلوا بتصرفاتهم اثناء السلم . انهم يقاومون اي اقتراح يأتيهم من الحكومة في لندن بشأن أنشاء حكم ذاتي حقيقي . وقد نشروا هناك مؤخرا تصريحا منمقا حول الحكم الذاتي ؛ وكتبوه ووزعوه على عجل استباقا لتصريح اكثر تسامحا كان جاهزا في لندن . وكانوا في سنة 1919 ينتزعون من سكان العراق بيانات عن تقرير المصير ترجح كفة بريطانية عن طريق الضغط السياسي و اظهار العضلات بواسطة الطائرات وعن طريق نفي الشخصيات الى الهند .

ليس بوسع الحكومة البريطانية أن تتنصل عن مسؤولياتها جميعا . فان مايصلها من معلومات أكثر بقليل مما يصل الجمهور وكان عليها أن تطالب بمعلومات أكثر و افضل . فلقد بعثت الى البلاد دفعة وراء اخرى من التعزيزات دون ان تحقق في الامر . ولما أصبح الحال سيئا لدرجة لا تحتمل قررت الحكومة أن تبعث بمندوب سام ؛ وهو نفس الشخص الذي كون النظام القائم هناك ؛ وحملته رسالة لترضيت العرب بأن شعوره وسياسته قد تغيرت كليا .ومع ذلك فأن سياستنا لم تتغير ولا حاجة هناك للتغيرها . فالمشكلة اذن هناك تناقض يبعث على الآسى بين مانقوله وما نفعله . لقد قلنا اننا ذهبنا الى العراق لاجل ان تدحر تركيا . ثم قلنا اننا باقون في العراق من أجل أن نحرر العرب من إضطهاد الحكومة التركية . ومن اجل أن نفتح أمام العالم طريقا الى ثروة البلاد من نفط وقمح . وبذلنا في سبيل هذه الغاية مليونا من الرجال وألف مليون من المال . ونحن نبذل هذه السنة أثنين و تسعين ألفا من الرجال وخمسين مليونا من المال لنفس الغايات .
لكن حكومتنا أسوأ من النظام التركي القديم . فهي قد جندت أربعة عشر الفا من السكان في القوات المسلحة ؛ وصارت تقتل مأتيين من العرب سنويا. وقتلنا مايقارب عشرة الاف من العرب في ثورة هذا الصيف فقط . اننا لانستطيع الاستمرار على هذه الشاكلة ؛ فالعراق بلد فقير و قليل السكان ؛ ولو شاهد عبد الحميد ما نصنعه لصفق بصيع سادته .
نحن ندّعي ان وجودنا في أرض الرافدين هو من أجل تطويرها لمصلحة العالم . ويتفق جميع الخبراء بان الايدي العاملة هي العامل الحاسم في تطوير عملية البلاد . فالى أي حد سيكون قتل عشرة الآف فلاح ومدني خلال هذا الصيف ؛ وهو أمر معرقلا لعملية انتاج القمح و القطن و النفط ؟ والى متى سنسمح بالتضحية بالملايين من الباونات و الالآف من جنود الامبرطورية و عشرات الآلاف من العرب في سبيل شكل من الادارة الاستعمارية التي ليس فيها نفع لأي أحد سوى موظفيها ؟... لورنس

*****
هكذا كتب لورنس العرب بالامس. ولكن ماذا لو كان هو اليوم امريكيا و كيف ستكون مقالته وربما بهذا الشكل او بهذه الطريقة ؛ إذن لنرى مقالة اليوم وهذا نصها ..
ان الناس في الولايات المتحدة قد اقعوا في مصيدة في العراق ؛ سيكون من الصعب عليهم ان يتخلصوا منها بشرف و كرامة . ان حجب المعلومات عنهم بصورة مستمرة قد أدى بهم الى الوقوع مخدوعين بهذه المصيدة ؛ فأن بيانات الحكومة في بغداد تأتي متأخرة وناقصة ومنافقة . ان الامور أسوأ مما قيل لنا عنها وان ادارتنا في العراق أكثر دموية و عجزا مما يقال للناس هنا في الولايات المتحدة. ان هذا الامر عار على التاريخ الامريكي. ان سرعان ما وصل اليه الحال الى وضع ملتهب لايرجى له الشفاء .فاليوم نحن أقرب الى الكارثة المروعة للانسانية في العراق من العنف الدموي الذي يشترك فيه الجميع من الاحزاب الطائفية السياسية ( السنية و الشيعية ) و الاحزاب الانفصالية القومية ؛ التي شجعناها على دوامة الاحتراب اليومي ؛ ونرى بركة الدم في شوارع بغداد تفور يوميا. وان الاثم الاكبر يقع على عاتق المسؤولين عن الادارة المدنية الامريكية في العراق و( خاصة الضباظ برتبة جنرال ) الذين اطلقت واشنطن ايديهم في الخراب والفساد والدمار في العراق. ان هذه الادارة لا تخضع لتوجيهات دوائر وزارة الخارجية ؛ بل تعمل من خلال الفجوة التي تفصل ما بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع . لقد أستفاد رجال هذه الادارة من حرية العمل التي سمحت لهم أثناء الحرب لكي يستقلوا بتصرفاتهم أثناء السلم . انهم يقاومون أي مقترح يأتيم من الحكومة في واشنطن بشأن أنشاء حكم ديمقراطي حقيقي في العراق . وقد نشروا تصريحا منمقا قبيل ايام حول الحكم الديمقراطي ؛ وهو تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات طائفية وعنصرية ؛ ووزعوا قبل اشهر دستورا ؛ كان اضحوكة للضاحكين ومسخرة للساخرين في كل مكان؛ و ذهب المغفلون بالتصويت عليه وتحركهم اسواط الطائفية السياسية واخرين حملوا اختام التزوير ..!

ليس بوسع ادارة بوش ان تتنصل من مسؤولياتها جميعا . فأن مايصل اليها من معلومات اكثر بقليل مما يصل الجمهور؛ وكان عليها ان تطالب بمعلومات أكثر و أفضل . فلقد بعثت الى تلك البلاد دفعة وراءاخرى من التعزيزات العسكرية دون ان تحقق في الامر. ولما اصبح الحال سيئا لدرجة لايحتمل ؛ قررت ادارة بوش أن تبعث بخليل زاده بدلا من بريمر والتي لاتعلم وزارة الخارجية كيف عين زاده في افغانستان . وحملت ادارة بوش زاده رسالة لترضيت العراقيين . وهو نفس الشخص الذي تعامل مع زمر دكاكين المعارضة ؛ وهم مجموعة من المرتزقة الذين باعوا اسرار بلادهم بحفنة من الدولارات اثناء حكم صدام حسين ؛ وقال ان سياستنا سوف تتغير من دكاكين معارضة الامس و مزوري جوازات السفر .

ومع ذلك فان سياستنا لم تتغير ولا حاجة هناك لتغيرها . فالمشكلة ان هناك تناقض يبعث على الآسى بين ما نقوله و ما نفعله . لقد قلنا اننا ذاهبين الى العراق لاجل ان ندحر نظام صدام حسين ؛ ونحررهم من اضطهاده ؛ وننشر الحرية و الديمقراطية ؛ لكننا نشرنا الفوضى والدمار في كل ارجاء العراق ؛ وتدمرت البنية التحتية للعراق ؛ وانتشرت البطالة في كل حدب وصوب في العراق ؛ وغاب الامن حتى في القرية الصغيرة الآمنة بأهلها ؛ واحترقت مزارع القمح و المنشأت النفطية ؛ وصار المفسدون يهيمنون على كل شيئ في العراق ..ان الحكومة العراقية الحالية هي أسوأ من نظام صدام حسين القديم .. فقد جندنا عشرات الالاف من السكان المحليين في الجيش و الشرطة و التي تعمل مع قواتنا المسلحة ؛ وصارت تقتل المئات من العراقين للمحافظة على الأمن لكننا نعثر على اكثر من خمسين جثة مجهولة يوميا .. وقتلنا الالاف في النجف و الفلوجة بعد تمردهم علينا .. اننا لانستطيع الاستمرار على هذه الشاكلة ؛ فالعراق بلد صعب وغني وصار اهله فقراء ؛ وغرباء في وطنهم و يبحثون عن ملجئ آمن او هم (هومليز ) ..ولو شاهد عبد الحميد ما نصنعه لصفق اعجابا بصنيع سادته ..!

نحن ندّعي ان وجودنا في العراق هو من اجل تطويره ونشر الديمقراطية ونقضي على الارهاب في العالم .ويتفق جميع الخبراء و المراقبين و المحللين ان عملية تطوير البلاد ليس جلب مرتزقة فاسدين محميين في المنطقة الخضراء ..والى متى سنسمح بالتضحية بالبلايين من الدولارات والاف الجنود الامريكين يقتلون في العراق واكثر من نصف مليون عراقي قتيل منذ سقوط نظام صدام حسين ؛ في سبيل شكل من الادارة الاستعمارية التي ليس فيها نفع لأي احد سوى موظفيها ..انتهى

*******
والتساؤل هو متى يحذوا جنرالات الجيش الامريكي حذو الجنرال ريتشارد دانات رئيس اركان الجيش البريطاني ؛ لكشف الحقيقة للشعب الامريكي.. ومثلما فعلها لورنس العرب بشجاعة.. وما أشبه الليلة بالبارحة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24