الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات السيد حافظ بإعتبارها وثيقة تاريخية تصنع المستقبل .

ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث

(Yasser Gaber Elgammal)

2023 / 2 / 7
الادب والفن


الكتابة أنواع متعددة منها مايتعلق بالشخص، ومنها ما يتعلق بالأخرين، وفي الحالة الأولى يطلق عليها السيرة الذاتية، وفي الثانية يطلق عليها السيرة الغيرية( )، وإذا كان العمل يجمع بين محطات من السيرة الذاتية ومواقف تاريخية أو أحداثًا تتعلق بقضايا كبرى فإنها في هذه الحالة تنتفل إلى مساحة المذكرات التي تعد في النهاية وثيقة تاريخية ، وشهادة على جزء من الأحداث بالصواب والخطأ وفق رؤية الكاتب وما لدية من معطيات وبراهين حول ما يقول ويوثقه .
"السيد حافظ" من الكتاب الذين عاصروا أحداثًا متعددة ، ومتنوعة عبر حقب زمانية مختلفة، بداية من المرحلة الجامعية والعهد الناصري ثم السادتي حتى الآن ، كما استطاع السفر خارج البلاد إلى عدد من الدول العربية كالكويت والإمارات العربية المتحدة، وهذا من أجل العمل، كما أنه سافر إلى أقطار أخرى من أجل مشروعه المسرحي، كالعراق والأردن وغيرهما...
ويمكن تقسيم ذلك إلى مراحل كما جاء في المذكرات :
• مرحلة الطفولة: إن البداية عند "السيد حافظ" كانت من الحارة والنادي وكذا الساحة الشعبية، ومن الأشكال المسرحية الشعبية كخيال الظل والقراقوز، لقد أدرك "السيد حافظ" منذ البداية أن القراءة هي السبيل الأمثل لاكتساب قلم جيد يجسد من خلاله أفكاره في مجال المسرح، والتي كانت تملأ ذاته وكيانه وليس له من ملاذ منها سوى السعي إلى تكريسها؛ إذ وعى وهو في الصف الأول الثانوي هذه الحقيقة المهمة (وهي ضرورة القراءة)خاصة وأنه على دراية تامة بأن المسرح فن قديم وثري، مرت عليه مراحل كثيرة واحتضنته اتجاهات ومدارس عديدة ومتنوعة وجب على المهتم ، اتصل "السيد حافظ" بقاعة المسرح في سن الثانية عشرة من عمره، حيث شاهد أول عمل مسرحي شبه تقليدي مكنه من مشاهدة نجوم كبار في فن المسرح( )
وفي ذلك يقول السيد حافظ: " فمن سن ميلادي وحتى عشر سنين لا أتذكر أني لعبت في الشارع والحارة." ( )
ويؤكد على ذلك بقوله " من سن عشرة الى عشرين بدأت حياتي تتغير عندما شاهدت فيلم (بداية ونهاية) شدني الكاتب الكبير "نجيب محفوظ" عشت في جلبابه بعضا من الوقت"( )

• مرحلة دخول المسرح : " ثم بدأت ادخل المسرح في سن 12 سنة. وفي هذا السن بدأت حياتي مع المسرح تتغير. قرأت لأستاذي الكبير"توفيق الحكيم" "( )
تقول الدكتورة "ليلى بن عائشة": " إن ولع " السيد حافظ " بالمسرح لم يكن ليجعله يقف مكانه متفرجا، بل إنه كان حافزا له على المبادرة بالوقوف على الخشبة أيضا، فهو لم يكتف بالوقوف على عتبة هذا العالم العذري-كما يعبر عنه- بل خطا خطواته الأولى إليه في سن مبكرة جدا فقادته بعد ذلك كل هذه الخطوات، صوب دخول اللعبة عن طريق مسرح الأندية الصيفية، وترك كل مادون ذلك من الأمور التي كانت تستهوي الأطفال في مثل سنه ككرة القدم وغيرها.وبولوجه هذا العالم كان ينتابه إحساس هو الأساس –كما نعتقد- في بناء حسه وذوقه وإدراكه الفني ويعبر عنه وعن هذه المرحلة بقوله:« ... تركت ملاعب الكرة وركضت على خشبة المسرح طفلا مشحونا بالعاطفة والإحساس باليتم ... والإحساس بأن العالم يحتاج إلى من يعبر عنه... كتبت الشعر العامي ثم الشعر الفصيح لكن القصة القصيرة بهرتني فكتبت أول قصة قصيرة وأرسلتها إلى الإذاعة ، ففوجئت بأن مقدم البرنامج الدكتور "علي نور" يشيد بالموهبة القصصية وبالطبع لم يذعها.
إذا حاولنا أن نحدد العلاقة بين "السيد حافظ" والمسرح فليس لنا إلا أن نقول بأن قصته مع المسرح قصة قديمة، إذ احتواه احتواء كليا، وقد عبر عن تلك العلاقة بقوله إنه -أي المسرح- أبي القديم وإبني الذي يجب أن أنقذه ... ومحاولاتي نسيج فرعوني كان يرتل سرا في المعابد ... شاهده هيرودوت سرا... لكنه الآن أصبح علانية. لقد كان "السيد حافظ" يهرب بموهبته ويخفيها لا لشيء إلا لأنه لم يجد من يحتضنها احتضانا يثلج صدره ويطمئن قلبه، فما كان منه إلا أن احتفظ بسر الكتابة المقدس لنفسه، ولكنه سرعان ما أعلن اعتناقه لها وإيمانه العميق بضرورة الدفاع عنها وعن حبه الأبدي لفن المسرح( ).
• مرحلة النشر والهجرة : يقول السيد حافظ " من عشرين لثلاثين بدأت المعاناة، معاناة النشر معاناة الكتابة معاناة الوجع معاناة أن اكتشف في القاهرة القاسية القلب على أبناءها وعلى فنانيها وعلى مبدعيها. "( )
ويقول في شأن الهجرة "أما في الفترة من عشرين إلى ثلاثين بدأت معاناتي بالهجرة إلى الخليج( )...
• مرحلة الكتاب في الصحف والمجلات : يقول " من ثلاثين إلى أربعين كنت أناضل في الحياة وفي جريدة (السياسة)، ففتحت أبواب الصفحات الثقافية التي توليت الإشراف عليها وصفحات الفن"( )
• مرحلة العودة إلى مصر، يقول " في الاربعين عدت إلى مصر.. من الأربعين إلى الخمسين خسرت كل أموالي في مؤسسة (رؤيا). ( )
• مرحلة السفر داخل الوطن، يقول "السيد حافظ"، "في سن الخمسين كنت بدأت أتدهور وسافرت إلى القاهرة لأبدا من الصفر وسكنت انا وأولادي في شقة حقيرة مفروشة، كانت معي أمي العظيمة تدعمني، ومعي أم أولادي وبدأت أكتب للتليفزيون المصري وأكتب مرة أخرى وأعود من خمسين إلى سبعة وخمسين سنة إلى أن حدثت لي المشكلة الكبرى . زلزال مرض زوجتي وابني وتخلي الأصدقاء عني وتخلي الوطن عني وتخلي الأقارب عني فأصبحت وحيدا مثل شجر السنديان( )
• مرحلة السفر إلى الخارج مرة أخرى : يقول الكاتب ". المهم سافرت إلى الإمارات في سن 57 سنة . ومن 57 إلى سن 63 عشت في الإمارات فترة صعبة. كنت محظوظا أن ساعدني بعض الرفاق القدامى( )
ومن ذلك يمكننا القول : إننا أمام تجربة متعددة الجوانب، الاجتماعية والمعرفية، أمام رجل يقدم لنا عصارة ستين عاما من الإبداع والانتاج المعرفي، حيث يقول " ستون عاما أنجزت أكثر من مائة وعشرين كتابا تضم مسرحيات وقصص قصيرة ومقالات صحفية ودراسات... الحمد لله أني لم أعبث ولم أكن من المتنطعين وماسحي الأحذية والخدم للثقافة التي تخدم طبقة ما من البرجوازية أو الرأسمالية والطبقات العليا. كنت دائما مع الفقراء في الكتابة كانوا يجرون في دمي، نعم كنت دايما أحب أن أكتب للفقراء ومازلت أفعل هذا. لكن الفقراء لا يقرأون. لأنهم يحتاجون إلى خبز وكوب حليب وإلى كوب شاي وإلى طبق ساخن من الطعام وإلى دفء؛ الفقراء ليس لديهم وقت للقراءة والكتابة والاستماع إلى الموسيقى الراقية، هم في طاحونة البحث عن الحياة."( )

إن الموقف الحقيقي للكاتب والذي يسجله التاريخ هو الموقف المؤسس على قناعات فكرية خالدة، قناعات نشأت مع الفرد وترعرع حولها ،ساهمت في بناء شخصيته وعقليته المعرفية، وهذا الذي دفع السيد حافظ إلى الاستمرار في الكتابة والنهوض بها على نحو مغاير كما في التجريب، وما قدمه من رؤى مغايرة للساحة المسرحية في تلك الفترات ، رؤى قومها الإيمان بقدرة الكتابة على صناعة المجد والخلود، وتعبيد الطريق أمام الأجيال القادمة ، رؤى مؤسسة على أن أي " نبت لا يصلح إلا في بيئتهِ ولا ينمو إلا من ري أهله ، ولا فائدة فيه للمجتمع إذا فقد جذوره الأصيلة المتصلة بعقيدة
وتراث وماضي و حاضر ومستقبل المجتمع المراد زرع القيم في بيئته ، فإذا كان استيراد المواد والآلات والبضائع في مجالات الصناعة والتجارة يحمل معه بصورة مباشرة أو غير مباشرة أفكاراً وثقافات صانعيها ومورديها "( )، فأن استيراد النظريات والتجارب والاعتماد على الأخرين في كل شيء أعظم أثراً وأشد خطراً.
إن ما سطره الكاتب "السيد حافظ" في ذكرياته ومذكراته يمثل وثيقة تاريخية تتموضع حول فترة تاريخية يغيب عن الأجيال القادمة دقائق تلك الفترة، فهذه السيرة تضع بين أيديهم خلاصة مرحلة زمنية ممتدة قرابة خمسون عامًا، وقد تنبه الكاتب إلى تلك النقطة عندما قال :" إن عزائي الوحيد في هذا العالم هؤلاء الطلبة الذين ينتشرون في أنحاء الوطن العربي يكتبون دراسات ويشرف عليهم قلة من المبدعين الشرفاء، وأنا أقول كل من أشرف على رسالة دكتوراه هو من الشرفاء. عني هو من الشرفاء وعن غيري هو من المتميزين، فهناك الكثرة من الأساتذة يشرفون على دراسات ورسائل ليس لها معنى وليس لها منطق ولكن في الحقيقة هناك في الوطن العربي وفي مصر بعض الباحثين العباقرة الذين يوجهون طلابهم إلى أدب المستقبل" ( )
إن هذا النص السابق ذكره يؤسس في وجدان الأجيال حقيقة مقررة سلفًا ، وهو أن " السيرة الذاتية تحتل مكانة عالية لدى الأوساط العلمية والأدبية، وأنها قد تكون مرآة لصاحبها مثلما هي مرآة لزمنها ووطنها ومجمتعها"( )
إن "السيد حافظ" في ذكرياته ومذكرياته يتناول أحداثًا مختلفة ومواقفًا متعددة حول تجربته في الكتابة والتأليف والانتاج المسرحي، كما أنه يتناول علاقته بالأدباء والمفكرين الكبار أمثال : "إحسان عبدالقدوس"، "توفيق الحكيم"، "يوسف السباعي"، وهؤلاء هم الجيل الأول للرواية، كما يتناول مواقفه مع "نجيب محفوظ"، و"محمود دياب"، و"سعد الدين وهبه" و"سمير سرحان" وغيرهم من المسرحين... كما يحدثنا عن "فاروق حسني" ، و"جابر عصفور"، وغير هؤلاء كثر... وهذا على المستوى المصري.
أما على المستوى العربي، فيحدثنا عن "الطاهر وطار"، و"سعد الله ونوس"، و"عبدالعزيز الصريع"وغيرهم الكثير من الكتاب والمترجمين والمفكرين الذين كانوا رموزًا في بلدانهم في تلك الفترات الزمنية.
إن أفضل ما يمكن قوله عن مذكرات "السيد حافظ" ما قاله هو عن نفسه، حيث يقول أنه: "...شاب جريء جدا وطموح جدا...حطم بطموحه وجرأته قواعد المسرح من أرسطو إلى بريخت، .ولا شك أن شهادة كهذه تثبت أن الكاتب حاول بكل ما أوتي من قوة أن يبني مسرحا جديدا كل الجدة يخالف فيه رواد فن المسرح، منطلقا من رؤى وأفكار مستمدة من واقعه، يقول الكاتب عن نفسه « لست "تشيكوف" ولست "يونسكو" ولكنني إنسان مرسوم في معبد آمون ومحفور على جبهة التاريخ، أسطوري الملامح باهت التقدير أرفض لوني وصورتي على الحائط.. أتجاوز..، فعشيقتي إيزيس تهبني في كل رحلة وكل تجاوز سرا من أسرار الحقيقة، تهبني رفضا منقوعا في شريان الوعي، لكني يا أصحابي ألوّن في داخلي كل شيء بلون جديد... إني حين انبثقت من فيضان النيل... كتبت على جبهتي بأنني لا أريد أن أكون سطرا من السطور البيضاء الجوفاء أو كلمة في ناموس آخر جامد أو ناسكا في محراب الإغتراب".. لقد حمل الكاتب على عاتقه مهمة جسيمة، هي النهوض بالمسرح العربي ومحاولة بناءه بما يتناسب مع المجتمع العربي ولا يود أن يكون تابعا لأحد أو صورة مماثلة لغيره، إنه يرغب من خلال تجربته في بناء الآخر انطلاقا من الذات. وبكل تواضع يقول "السيد حافظ" عن نفسه أيضا :« إنني كاتب بسيط أبحث في عيون الناس عن اللغة السرية ومدن تمنح الأمان للإنسان... عاشق مصر العربية ... لست بكاتب كبير، ولست بصاحب تقليعة ولكنني محاولة ثم محاولة ثم محاولة تحاول أن تكون الكتابة المغامرة الأبدية حتى تفتح أمام جيل آخر طرق البحث عن الكلمة، الفعل الخلاص، .ويزداد هذا الكاتب تواضعا حين يقول عن نفسه بأنه كاتب مبتدئ يعشق الوطن حد الثمالة، ومحموم بحب الفقراء وهذا ما يجسد الجانب الإنساني الرائع في شخصه. "( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الغناء في الأفراح.. حلال على الحوثيين.. حرام على ا


.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب




.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ


.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش




.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا