الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السواق الصوفي(قصة قصيرة)

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 2 / 8
الادب والفن


السواق الصوفي
--------------
في مصرنا (ملح الأرض) أناس مكافحون كل كفاح، ومطحونون كل طحن، السماع لهم والنظر فيهم يوعظ ويعلم ويربي ويزكي، شكلهم معلم، ولسانهم معلم، وابتسامتهم معلمة، وسماعهم معلم! وقلوبهم زاكية وهادية! بمثلهم نرزق وبمثلهم نحفظ من الكوارث والنوازل! وبمثلهم تبقى مصرنا وتستقر!
إن أنس لا أنس ما حييت هذا الشاب العجيب في قالبه وقلبه، كان مقدرا لي وله أن ينتقل بي في أماكن متنوعة بقاهرة المعز، يوم الاثنين الفائت!
هاتفني:
- حضرتك دكتور صبري أبوحسين!
- أجبت: نعم!
- متى آتيك لتوصيلك إلى المقر؟
- أجبت: بعد صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا!
- إن شاء الله.
أتاني في الموعد والمكان بالضبط. شاب يبدو من لون بشرته أنه صعيدي ثلاثيني، سماره الجميل يدل على أنه من الصعيد الجواني الأصيل!
ركبت سيارته الخاصة السماوية الجميلة. ألقيت تحية الإسلام، و قلت ذكر ركوب الدابة، وأخذت في الجهر بذكر الله، فقال لي: مددد يا أهل الله!
سألته عن اسمه فقال: فلان الفلاني!
فقلت خيرا: جمال ويمن إن شاء الله. فقال: وأزهري أيضا!
فقلت يا بشراي!
فقال: والله يا أستاذ خرجت اليوم مبكرا جدا، وقمت بغسل السيارة، فقالت لي الحرمة : لماذا كل هذا؟ فأجبت أنا ذاهب إلى الأزهر الشريف ورجل من الأزهر الشريف، فلابد أن أطهر السيارة وأجملها! حبا في الأزهر وأهل الأزهر. أزهر شيخنا وكبيرنا الطيب!
قلت له : هل تعرف شيخنا الطيب؟ قال: أنا من بلده من الأقصر!
قلت: بارك الله في أهل الأقصر أجمعين. فهم الأصلاء الكرماء النبلاء! وقد أكرموني!
قال: يا أستاذ، نحن في الأقصر أسرة واحدة، يسأل بعضنا عن بعض، وييسر بعضنا لبعض! ويكرم بعضنا بعضا، والجميع يكافح بكل ما أوتي من قوة! وقمنا بمبادرة في قريتنا بتخفيف الزواج على الشباب وأهليهم، بالتخفف في أمر الشبكة والمهر! لأنني وزملائي عانينا في زواجنا، وتزوجنا بعد سن الثلاثين بعد كفاح مرير مع التقاليد والمظاهر الفارغة التي لا أصل لها عند سلفنا الصالح المصلح!
وأخبرني عن ساحة الشيخ الطيب، وما فيها من كرم وإطعام مستمر .آلالاف تذهب لقضاء حوائجها وللأكل وللراحة النفسية في هذه الساحة المباركة! فآال الطيب لا يردون داخلا ولا سائلا!
وقال لي: نحن ندعو للأزهر ربنا ينصره ويثبت أهله ويبارك فيهم؛ فهم بركات مصر، وهم أوتاد مصر! قلت في نفسي: كلام عجيب! المعنى عميق! ويضيف إلى عقلي الكثير!
وأخبرني جلال الأقصري أنه كان ملتحقا بجامعة الأزهر ولكن حدثت ظروف حالت بينه وبين الاستمرار! وعلمت أنه يمني الأصل! مصري الحياة! فقلت: أصل العرب وأجدع العرب، ونعم الناس! فقال : ربنا يبارك فيك يا أستاذ!
وحدثني عن أمه وكفاحها على ماكينة الخياطة عمرا طويلا من أجل تربيته وأخته، وأنه يسر لها أداء العمرة وأخذ يبكي قائلا وأريد أن أحججها!
فأخذت أدعو له ولها ولأمي، وأخذنا في البكاء! وسرد كل منا كفاحه! يااااالله! سرود عذاب ووصب وتعب وضنك...
ودعا لي بدعوات ثلاثة لم يدعها لي أحد من قبل:( ربنا يديم عليك نعمه، وربنا يستخدمك! وربنا يبارك في السماع)! وكان يعرف أني ذاهب إلى لقاء أثيري!
وقلت في نفسي: ما البركة في السماع هذه؟! فتذكرت قول الله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون..ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم....
ثم تطرقنا إلى حال الناس فقال:
عجيب أمر هذا الجيل في مصر! مطحون ومشغول، ولا مجال لديه ليبكي أو يشكو، ينتقل من عمل إلى عمل، ومن جهد إلى جهد، آلة شغالة لا تتوقف ولا تستريح، ولا تشكو ولا تصرخ ولا تبوح! عمل بعد عمل، من العمل إلى النوم المؤقت إلى العمل....وهكذا دواليك! ما أقساه من زمان! وما أتعسه من جيل!
وأعجبني في موقفه من الجماعات والأحزاب، قال: متاجرون وخاسرون وفاشلون! ولو كان فيهم خير لثبتوا واستقروا وعمروا! لا يستحقون نصرا ولا خيرا! الشيخ الطيب ابتعد بأزهره عن السياسة، فبقي وانتصر وأفلح! ولذلك نقول عنه في الأقصر: الطيب وأزهره!ربنا ينجيهم! ثبت الشيخ بأزهره وتزلزلوا، عمر وخربوا، جمل وشوهوا، صدق وكذبوا، حر وسجنوا! أو هربوا، شيخ حسيب نسيب، خلوتي، حكيم عاقل، مثقف، كبير القلب والعقل، لسانه طيب، ألقى الله عليه مهابة، حبب الله فيه خلقه، في النص دائما لا يحب التشدد ولا التمييع! آمن بأنه لا يحكم في بلاد الله إلا بمراد الله! فاستراح وأراح! فقلت: صدقت!
والله لقد اتعظت من هذا الشاب وتعلمت ما لم أتعظه أو أتعلمه من غيره، وما لم أتوقعه! ربنا يبارك فيه وفي أهله وأمه ويرزقه ما يحجج به أمه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي