الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطفى والجسر والزلزال

طارق حربي

2023 / 2 / 8
الادب والفن


وقف مصطفى ذو التسع سنوات على جسر الشهداء ببغداد، وألقى
نظرة على نهر دجلة الناضب!
- متى نهاجر من العراق مثل جيراننا بيت أبو علي؟!
- ليش ماما هذا العراق؟!
قالت أمه التي بدأتْ في الفترة الأخيرة تراقب نمو ابنها السريع، وكثرة صمته وانعزاله في غرفته في طابق المنزل العلوي. ومن بين ما لاحظتْ كثرة أسئلته عن وجود الله؟ ولماذا خلق الإنسان ليشقى ويموت؟ وعن ساعة النحس التي ولد فيها في العراق، وصعوبة العيش فيه. وشدة انبهاره بالصور الملونة للمجموعة الشمسية والمجرة، واسئلته المستمرة عن أسرار الكون العجيب!
- غاضتْ مياه دجلة وفسد الهواء! صعب عليَّ التنفس لكثرة عوادم السيارات! انا اكره إيران خذيني إلى تركيا أريد اللقاء بصديقي علي!
- تركيا؟
- أجل
- تركيا ضربتها الزلازل والهزات الأرضية قبل يومين، انهارتِ المباني العالية وقضى تحت ركامها خلق كثير!
اتكأ على درابزين الجسر المغطى هنا وهناك بطبقة بيضاء من ذرق النوارس المتيبس على الحديد، وكان بالأمس نظيفا ولامعاً، وبينما هو كذلك ندتْ عنه صرخة أو كادتْ، خسب أنه إذا أطلقها تمتد بطول المسطحات المائية في النهر الناضب!
ثم راح يفكر بما قاله معلم العلوم عن دورة المياه حول الطبيعة، وحدق غير مصدق في مياه النهر الشحيحة، والجزر الصغيرة التي انبثقتْ مؤخرا فيه، وعبور الناس إلى الضفة الأخرى مشياً على الأقدام!
مدَّ ساقه اليمنى بين اسياخ الجسر خضراء اللون، وراوده حلم لو أنه يرمي بحذائه في النهر فيصير زورقاً يسافر فيه حتى المصب. ثم دحج بين قدميه في رصيف الجسر المتكسر، الذي وقف عليه الجواهري، في وثبة كانون عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث الجائرة، وهزج بقصيدة أخي جعفر، باحثاً عن حُصَيَّة يرميها في الماء الضحضاح، لتتشكل دوائر صغيرة تكبر فتشغله عما هو فيه من كرب، ويأس من تصحيح أحوال العراق العصيةعلى الفهم. دوائر تحيله إلى حركة الأفلاك الدائبة وتمدد الكون، وأسئلته الكثيرة التي كان يطرحها على المعلم عن أسرار الحياة. والأقدار التي وجد نفسه يجلس في حانتها طفلاً غريراً. ورمتْ به في العراق حيث الماء يوزع في الجليكانات الصدئة، والكهرباء 3×3، والقضاء فاسد، والتعليم منهار!
- قولي لي يا أمي؟
- ماذا؟
- متى نهاجر وننقذ أنفسنا من العراق مثلما فعل ابو علي وعائلته؟!
- آه لو كنت اعلم يا ولدي متى يحين موعد الرحيل إلى دول الغرب البعيدة!

طربزون/تركيا
شباط 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل