الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال عبد الناصر .. والملحدين الجدد !!

أحمد فاروق عباس

2023 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


جمال عبد الناصر ظاهرة غريبة جدا فى حياتنا السياسية والثقافية والعقلية ..
فمع أن الرؤساء ينتهى بموتهم الإختلاف أو الإتفاق حولهم ، وينتقل الحديث عنهم وتقييم أعمالهم من دنيا الناس إلى كتب المؤرخين أو أرشيفات الوزارات ودور الكتب ، إلا أن هناك قلة نادرة تنتهى أعمارهم وتطول السنين على غيابهم ولا يزيدهم ذلك إلا أقتراباً وحضوراً .. اتفاقاً أو اختلافاً ، حباً أو كرهاً ، هجوماً أو دفاعاً ..
وعلى رأس هؤلاء - وأهمهم - يأتى جمال عبد الناصر ..
وجمال عبد الناصر هو الوحيد الذى أتفق على كراهيته الإخوان المسلمين مع كثير من الماركسيين ، كما أتفق فى الهجوم عليه أهل اليسار من الاشتراكيين الثوريين وحزب الوفد من أهل اليمين !!
ويُشتم من الجهاديين كما يشتم من الملحدين !!
واذا كانت كراهية الإخوان المسلمين لعبد الناصر معروفة ووقائعها مشهورة ويمكن فهمها ، على الأقل إنسانيا ..
فماذا عن اللادينيين والملحدين ؟!
هناك شئ يمكن ملاحظته بسهولة منذ فترة ، وهو حالة العداء بين الملحدين الجدد من المصريين والعرب مع جمال عبد الناصر !!
قرأت من فترة قريبة لواحد من هؤلاء اللادينيين المصريين - وهو طبيب - كلاما يضع على عاتق جمال عبد الناصر أخطاء الدنيا كلها !!
وهو معجب في نفس الوقت بالأسرة العلوية الملكية ، وخاصة بمؤسسها محمد على ، وأبناءه وأحفاده من بعده ، ويرى أن مصر وصلت إلى الذرا في أيامهم !!
ويرى أن عبد الناصر قضى على الديموقراطية فى مصر ، وهو ما سمح - فى رأيه - بانتشار أفكار الإخوان بين المصريين !!
ولا يعرف سيادة الطبيب أن الإخوان تنظيم نشأ عام ١٩٢٨ ، أى فى ذروة العصر الملكى ، ووصل إلى ذروة قوته وانتشاره في الأربعينات أى فى عنفوان الملكية فى مصر !!
ولا يعرف سيادة الطبيب أن الإخوان كانوا جزءا من الحياة السياسية فى تلك السنين ، وأنهم تحالفوا مع حكومات عدة أيامها ، أشهرها تحالفهم مع إسماعيل صدقى وحكومته عام ١٩٤٦ ، وهو ما شرحه بتفصيل مسهب د طارق البشرى - وهو واحد منهم ، أو على الأقل متعاطف معهم - في كتابه المهم عن تلك الفترة ..
لم يكن سيادة الطبيب يعرف أن مرشد الإخوان الثانى المستشار حسن الهضيبى التقى مع حاكم البلاد - الملك فاروق - أكثر من مرة ، وقد وصف مرشد الإخوان إحداها بأنها زيارة كريمة لملك كريم !!
هل هؤلاء هم الذين سمح لهم عبد الناصر بالتواجد والانتشار ؟!
أم أن العهد الملكى - الليبرالي الديموقراطي - هو ما سمح بانتشارهم ؟!
ربما لم يعرف سيادة الطبيب أن الإخوان مارسوا العنف والإرهاب قبل مجئ عبد الناصر " والعسكر " إلى الحكم !!
الم يسمع من الذى قتل حكمدار القاهرة ، وقاضى الاستئناف - أحمد باشا الخازندار - ووصل ارهابهم إلى قتل رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي !!
فهل قمع عبد الناصر وسجونه - كما قالوا - هى ما جعلتهم يلجأون إلى العنف والإرهاب ؟!
ويقول سعادة الطبيب أن جمال عبد الناصر قتل الديموقراطية فى مصر وفرض عليها الصوت الواحد ؟!
لا يعرف سيادة الطبيب أن مصر لم يكن بها قبل ١٩٥٢ سوى حزب واحد فقط - هو حزب الوفد - ولم يكن درجة نمو المجتمع المصري تسمح بغير ذلك وقتها ، وأن كل ما كان حوله كانت أحزاب قصر - أى أحزاب السلطة - مثل حزب السعديين أو الأحرار الدستوريين ، وهى فى النهاية أحزاب كرتونية ..
وحتى الحزب الواحد الجماهيرى لم يصل إلى السلطة إلا فترات قليلة جدا ( ست سنوات ) وحرم منها أغلب الفترة البرلمانية في مصر ، بينما حكمت أحزاب القصر - أو أحزاب السلطة - ٢٥ سنة !!

ولكن لماذا يكره الملحدين الجدد جمال عبد الناصر ؟!
هل اتساقا مع الموضة التى تسرى في مصر والمنطقة العربية الآن ؟!
أم ادعاء بعلو ورفعة الأصل ؟!
لكن الأمر ليس قاصرا على اللادينيين المصريين فقط ..
أحد هؤلاء من السوريين المشهورين ، هو الأستاذ جورج برشينى ، وهو كاتب وله مؤلفات وترجمات ، ومؤسس دار نشر في دمشق ، وصفحته على فيسبوك لها آلاف المتابعين والمعجبين ..
وقد كتب مؤخرا يقول :
" أشفق على كل سورى أولاً ومصرى ثانياً وعربى ثالثاً يترحم على المجرم عبد الناصر ، الذى كان سبب تدمير سوريا ثم مصر ثم العالم العربى أكثر مما دمرتها كل الدول الاستعمارية ، عبد الناصر رسخ في العالم العربى موضوعان خطيران : الطائفية والمخابراتية "
وهو نص غريب ، وكلامه غير صحيح بالطبع ، ينسى كل من حكم مصر مصر وسوريا وباقى العالم العربى - وحوالى نصف دوله نظم ملكية - قديماً وحديثاً ، ويلقى كل الأخطاء على رجل مات من ٥٢ سنة !!
وكانت كل فترة حكمه لمصر ١٦ سنة - من ١٩٥٤ إلى ١٩٧٠ - بينما كانت فترة حكمه لسوريا ثلاث سنوات فقط ، من ١٩٥٨ إلى ١٩٦١ !!
كلهم لا يقرأون تاريخ بلادهم ، مع أنهم يتهمون مخالفيهم بالجهل والتخلف !!
الملحد المصرى يتهم من يقَّدر دور جمال عبد الناصر بأنه واقع تحت تأثير الإعلام المصرى الشمولى ..
بينما يتهم الملحد السورى من يترحم على جمال عبد الناصر بأنه مغيب ، ولا يفقه شيئا !!
الملحدين العرب ظاهرة فارغة ، بلا عمق ثقافى أو فلسفى أو علمى كما جرى لنظراءهم في الغرب ..
وقديما قيل - بحق - أن الأقصى تطرفا فى كل التيارات هم الأقرب إلى بعضهم البعض ، مهما بدا من تناقض أو تعارض ظاهرى ..
فمن كان يصدق أن أشهر الملحدين العرب وهو الدكتور صادق جلال العظم - وهو سورى - وصاحب كتاب نقد الفكر الدينى ينهى حياته متحالفاً - موضوعيا - مع داعش وجبهة النصرة والإخوان المسلمين !!
ومثله د برهان غليون ، وغيرهم كثيرون ، وخاصة الماركسيين أبطال ربيع دمشق عام ٢٠٠١ !!
وجميعهم من أعلام " الثورة السورية " عام ٢٠١١ والربيع العربى ، الذى خرج من أروقة أجهزة العمل السرى في دول الغرب ..

وبمناسبة سوريا ، فقد لاحظت - وأنا محب ومهتم بسوريا وشئونها - أن كثيرين من السوريين أصبحوا يلقون بجزء كبير من مشاكل بلدهم على فترة الوحدة مع مصر وعلى جمال عبد الناصر !!
وكيف أن المصريين نهبوا سوريا كما قال بعضهم ودمروا ديموقراطيتها كما يقولون !!
لا أعرف هل هذه آراء متسرعة ، أم عرض من أعراض زلزال الربيع العربي الذى ضرب الأرض العربية ، وضرب معه العقل العربى ..
لا ثقة عندى حقيقة فى هؤلاء اللادينيين ، ومثلهم أنبياء التنوير الجدد ، الذين تركز عليهم الأضواء من فترة ..

الملحدين الجدد ورواد التنوير الجدد كتيار سياسي عليهم - بالنسبة لي على الأقل - علامة استفهام كبيرة ..
ورأيي أنهم فى أغلب الأحيان يلعبون فى الحياة العربية دور النقيض للتيارات المتطرفة دينيا وسبب ومبرر وجودها ..
فمادام الإلحاد موجودا والملحدين ومدعى التنوير يملأون الدنيا فالطلب على التعصب الدينى - كرد فعل طبيعى - سيزداد !!
بقدر ما أن زيادة التطرف والتعصب الدينى سيجعل الطلب على الالحاد - كرد فعل طبيعى - سيزداد !!
كلاهما وجهى عملة واحدة ، والدافع وراءهما ليس بريئا ..
وقد كان لى تجربة عندنا في الكلية منذ عشر سنوات بالضبط ، كان الإخوان هم من يحكمون وقتها ، وكان نجوم الفترة شخصيات مثل عاصم عبد الماجد وحازم صلاح أبو اسماعيل وصفوت حجازى ، وذلك الرجل الذى طالب بهدم المعابد الفرعونية وأبو الهول لأنها تماثيل تعبد من دون الله !!
وكانت أغلب الأفكار المسيطرة وقتها على العقل المصرى من هذا القبيل ، وكل من يعترض بكلمة فهو من الليبراليين والعلمانيين !!
وفى بداية الفصل الدراسي الثاني من تلك السنة - يناير ٢٠١٣ - وكنت أقوم بتدريس مقرر عن الاقتصاد لطلاب الفرقة الثانية ، وفى أحد فصوله كلام عن الاقتصاد الإسلامى ..
وفى يوم شتوى من أيام شهر فبراير من ذلك العام وبعد انتهاء المحاضرة جاءنى بعض الطلاب - كانوا ثلاثة أو أربعة - يسألوننى :
هل انت مؤمن حقا بما تقوله لنا ؟!
ولما تكلمت معهم ، وجدت أنهم فى طريق رحلتهم من الإيمان إلى الشك - عكس رحلة مصطفى محمود ورحلته من الشك إلى الإيمان - وأنهم فقدوا إيمانهم بسبب ما يرونه أمامهم من أناس عرفوا أنفسهم أمام الناس بأنهم حماة الدين الجدد ..
ورأيهم أنه إذا كان هؤلاء هم أهل الدين وحماته فهناك بالتأكيد مشكلة !!
ومرت الأيام والسنين وازددت اقتناعا أن الإلحاد والتطرف كل منهما لا عيش له بدون الآخر ، فلو اختفى احدهما لفقد الآخر مبرر وجوده ..
لذا يعمل من يريد بقاء المجتمعات والدول دائما فى حالة قلقة ، ويجعل حكمها نوعا من النوم على سرير من الأشواك على تغذية كلا الطرفين من وراء ستار ..
اما بالنسبة لانبياء التنوير الجدد فعليهم ألف علامة استفهام ، فالنجم الأكبر فيهم كان حتى وقت قريب يعمل في قناة الحرة الأمريكية ، وهى قناة افتتحها أجهزة الدعاية الأمريكية مع بداية هذا القرن لتغيير العقول فى العالم العربى ..
وأخر بدء حياته - وهو فى العشرينات من عمره - كاتبا في صفحة الرأى فى أشهر الصحف الخاصة فى مصر ، وهى صحيفة كان مشهورا في الحياة السياسية والصحفية المصرية أنها صوت السفارة الأمريكية في مصر ، بحكم ارتباط مؤسسيها المعلن مع الأمريكيين ..
وكلاهما يعمل الآن فى قناة مصرية خاصة ..

وغنى عن البيان أن ما يهمنا هنا فى هذا التيار هو دوره السياسى وحركته على مسرح السياسة ، وليس تجربته الفكرية وعمقها أو خواءها ..
السياسة هى ما نتكلم عنه وليس الفكر ..

فى النهاية..
جمال عبد الناصر رجل ظهر على الأرض العربية منذ سبعين عاما ، وقال كلمته على مسرح الأحداث ثم مضى إلى حال سبيله ..
وقدم لمصر ولأمته العربية كل جهده وطاقته ، ووقف أمام إمبراطوريات كبرى - كبريطانيا - ولدول عظمى - كأمريكا - وأنهى نفوذهم في الشرق كله ، وأيقظ شعوبا من رقدة القرون الطويلة ..
ويبدو أن ذلك هو سبب المشكلة كلها ..
وهو ما جعل تلك الإمبراطوريات الكبرى والدول العظمى تقف وراء تيارات - وأحيانا تخلقها خلقا - تحارب نيابة عنها معركتها القديمة مع رجل مات من خمسين سنة !!
لذلك كان طبيعيا ألا يعجب جمال عبد الناصر أهل اليمين الدينى ، ولا نقيضهم ممن ترك الدين كله ..
لذلك ليس غريبا أن حاربه الإخوان المسلمين بالأمس ، ويحاربه الملحدين اليوم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمه فى اذنك
كامل حرب ( 2023 / 2 / 9 - 15:21 )
من الواضح انك ناصرى عتيد ومطبلاتى محترف ومهلالتى فريد ورقاص عجيب ؟ مهما عملنا المستحيل لكى نفهمكم مدى عقم تفكيركم وسخف اجيندتكم وجمود اهوائكم فلن ننجح ابدا ؟ انتم فعلا تثيروا الاشفاق والحزن واليأس ؟ انتم فعلا حاله ميؤس منها تماما , السبب الاول فى خراب مصر ودمارها هم عصابه الضباط الاحرار الفاسدين اللصوص القتله البلطجيه الكذبه المرضى الساديين المنحطين وعلى رأسهم الاغبر عبد الناصر وثوره يوليو التى جاءت بالكوارث والنكبات والمصائب