الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوريون كضحايا و متسولين

مازن كم الماز

2023 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ليس السوريين محظوظون بما يفعلونه بأنفسهم ، أو ما لا يفعلونه ، و ما يفعله به الآخرون ، لقد أعجبهم دور الضحية لكن المشكلة في أن الستارة على وشك أن تقفل و أن الجمهور الذي صفق في البداية بحماسة قد أصابه الملل الآن ، الجميع غادر إلا الممثلين الذين يصرون على الصراخ أمام مقاعد فارغة … السوريون مثل كل البشر ، لا هم بالملائكة و لا بالشياطين ، شاهدنا كيف تصرف سوريون "لا ينطقون عن الهوى" عندما تهددت امتيازاتهم ، لا يستحق أبطال العالم في الصراخ أي فضل أو لوم استثنائي هنا ، هكذا يتصرف البشر عادةً ، لا شيء استثنائي هنا ، لا ملائكة و لا شياطين ، بشر تتنازعهم هواجس السلطة و الثروة و المال ، يغضبون عندما يسرقهم الآخرون و يقهقهون عندما ينجحون في سرقة الآخرين ، يحزنون عندما يسوقهم الآخرون و يسوقون غيرهم بحماسة عندما يمسكون بالصولجان ، لا شيء استثنائي هنا ، مجرد بشر يحبون الصراخ بعض الشيء لأنهم يعتقدون أن الصراخ هو الطريقة الوحيدة التي يمكنهم أن يكسبوا شيئًا ما من خلالها و لأنه الشيء الوحيد الذي اتضح أنهم يجيدونه … السوريون بشر عاديون ، لا ملائكة و لا شياطين لكن السوريين بشر اعتادوا عادات سيئة … منذ ثلاثة أيام و المناضلون يشتمون العالم و الغرب المنافق ، كل شيء إلا إله محمد أو أنفسهم ، رغم أن العالم لم يكن هو من زلزل الأرض تحت أقدام "إخوتهم" و أقدام جيرانهم ، لكن عدا ذلك لا شيء تغير في حياتهم ، سيذهبون يوم السبت القادم أو الجمعة ، حسب طوائفهم ، إلى مطاعمهم المفضلة كما فعلوا الأسبوع الماضي و الذي قبله ، بعضهم سيذهب إلى عشيقاتهم أو عشاقهم ، بعضهم سينام مع زوجته الشرعية ربما بعد أن يتلو شيئًا من القرآن أو الإنجيل ، بعضهم سيشرب الشاي ، آخرون سيشربون النبيذ ، سيأكلون و يشربون ثم سينامون كآي كائن بشري يعيش على هذه الأرض ، لن يدعو أحدهم أيًا ممن شردتهم الزلازل إلى بيته أو إلى عشائه أو لشرب بعض النبيذ أو تناول بعض اللحم و لا حتى للصلاة في بيته لكنهم سيشمتون كل من لا يفعل ذلك ، بعضهم سيرسل عشرين يورو أو خمس و عشرين ليشعر بشعور غامر من التضحية و التفوق سيمنحهم الحق في تقمص ثياب الملائكة و قميص عثمان و في التوجه إلى السوسيال في المرة القادمة بخطى واثقة ، فقط لبعض الوقت ، حتى ينفذ رصيدهم … بل إن أبطال العالم في الصراخ لا يجدون غضاضة في التلويح بقميص عثمان و في نفس الوقت ، التبجح بحصار الجوعى و الموتى من أجل تحريرهم ما دام هؤلاء لا يفقهون و لا يستمعون لمن جاء لهم بالحرية ، بسجون هم حراسها و ببلاد هم سادتها … لقد أعجب السوريون بدور الضحية رغم اختلافهم على من الذي حكم عليهم بهذا الدور و يعتقد السوريون أنهم لم يعودوا بشرًا منذ اللحظة التي بدأوا فيها بقتل بعضهم البعض و يعتقدون أن أحدًا ما لا بد أن يمنحهم مكانًا في فردوس ما ، فردوس قد يسمح لغيرهم بدخوله لكنهم الأحق به من الجميع ، و مثل بقية المؤمنين بالجنة أو بأن هناك آلهة خلقتهم لكي تدخلهم ، بعد عناء ، إلى جنة بلا حدود و بلا نهاية حيث الوفرة و السعادة التي يسهر عليها ذلك الإله و عبيده ، يعتقد السوريون أنهم قد فعلوا كل ما يتوجب عليهم لدخول الجنة و على العالم أن يحقق أمنيتهم طالما كانت السماء مجرد أثير فارغ من كل شيء و من المعنى أيضًا … كان الملل قد أصاب السوريين و أصاب الجميع مؤخرا ، حاول السوريون قتل هذا الملل القاتل بأحاديث جوفاء عن مجزرة حماة و عذابات الأفارقة الذين يحتقرونهم بقدر احتقار الرجل الأبيض لكن الطبيعة كانت رحيمة بهم و قاسية في نفس الوقت ، كان الزلزال مناسبة لقهر الملل و الرتابة و محاولة قهر التفاهة التي بدا أنها قد أصبحت فجة و مثيرة للسخرية و الاشمئزاز لكن تفاهتهم و مبالغتهم في التفاهة كانت الحد الذي انتهى عنده كل شيء و على خشبة المسرح تقدم اليوم حكايات تبدو الآن أكثر إمتاعًا … حمل الزلزال أيضًا مفاجآت أخطر ، فأبطال حرية الصراخ و رثاء الذات و البكاء على الأطلال فوجئوا بأن النظام أيضًا يملك حق تمثيل السوريين و أن محاولاتهم احتكار هذا التمثيل حصريًا بقيت فاشلة ككل ما فعلوه منذ أن دعوا السوريين إلى مقتلة بلا نهاية لا يعرفون ، و لا يكترثون ، كيف و لماذا و متى ستنتهي إلا فقط و طبعًا بانتصارهم و تتويجهم ، ثم اختصوا بعدها بواجب اللطم تاركين الموتى و الجوعى يتضورون جوعًا في سبيل كذبة لم يعد أحد يهتم بإخفائها أو بكشفها أو بها و بأبطالها ، لقد فوجئ أبطال العالم في حرية الصراخ بأنهم قد استثمروا صور الموت و آهات الموتى و تاجروا بهم حتى جعلوهم مجرد تفصيل ممل ، مثلهم في ذلك مثل كل البشر … عاش السوريون طويلًا داخل قوقعتهم التي تضيق عليهم باستمرار حتى أنهم اليوم يتنفسون كالحشرجة و يتمددون فقط نحو دواخلهم التي تنحط و تنكمش و تصغر حتى تكاد تختفي بينما هم لا يكادون يلقون بالا لما يجري خارج تلك القوقعة التي يسعون جاهدين ليجعلوا منها كفنهم الأخير … منذ 2011 تحولت سوريا إلى منطقة غير صالحة لسكنى البشر ، قطعت الأشجار قتل البشر سحلوا ذبحوا وسط تهليل هذا الفريق أو ذاك و أطلق السوريون على مقتلتهم أسماء و أوصاف شتى لتهوين فعل قتل الآخر أو العدو و ذبحه ، باعوا كل شيء ، تاجروا بكل شيء ، سرقوا كل ما يمكن سرقته ، و تكرر ذلك مرارًا في كثير من الأحيان و كان دائمًا جوابهم الوحيد هو الصراخ ، فعلهم الوحيد هو الصراخ ، صراخ متسولين يعتقدون أنهم أحدثوا بأنفسهم ما يكفي من عاهات ليبدو متسولين حقيقيين … و يصعب إقناع السوريين اليوم بأنه لا وجود للجنة و أن العالم هو ميدان صراع و أن الإنسان يحتاج لأن يفعل شيئًا ما هنا على هذه الأرض ، لكن الواقع دائمًا حائط قاسي القلب أو محايد تماما لا يلق بالًا و لا يكترث لأوهام البشر ، السوريون بشر عاديون ، لا ملائكة و لا شياطين ، لا قديسين و لا أشرار ، هم مجرد بشر ، اعتادوا بعض العادات السيئة و قد حان وقت نسيانها اليوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة