الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات المعجزة والايمان في( شهقة الحوت)

فرح تركي
كاتبة

(Farah Turki)

2023 / 2 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


للروائي المغترب ( ناهض الهندي ) وكما عهدناه في كتابه السابق ( من شقوق الظلام ) في سبر أغوار عالم السجون ، صدرت روايته الأولى ( شهقة الحوت ) عن دار أكاد للنشر والتوزيع / ٢٠٢٢ ، وقد وُفِق في إختيار هذا العنوان مستعيرا" رمزية قصة النبي يونس عليه السلام ، الذي أخرجه الله من سجنه بعد أن تمسك بإيمانه رغم ضآلة الأمل بالنجاة من بطن الحوت ، فهكذا هو السجين السياسي الذي يعد نفسه قد دخل بطن الحوت فلا سبيل للخروج منه ، ليأخذنا دون مقدمات في الحديث عن شخصية رئيسة هي حامد المهدي ، ويبدو الأمر وكأنه سيرة لرجل ذي كبرياء وكرم ، حتى ظننا أنه هو بطل الرواية ، لكن البطولة كما الأموال يورثها الآباء لأبنائهم ليتمكنوا من مواجهة أي جحيم يلقون فيه ظلماً وقد يواجهون ذئابا" لها وجوه بشرية تبطش ويتطاير من أعينهم الشرر والكره كما الجلاد كاظم ، وهذا ما وجده الشاب " سجاد " وأخوته" طه "الصغير و"مجتبى" الذي حكم عليه بالإعدام بتهم سياسية باطلة .. لو تمعنا في أحداث الرواية لوجدنا أنها تناسل للظلم الذي وقع على الإمام الحسين وآل بيته عليهم السلام في حادثة الطف التي كانت عائلة " المهدي " تواظب على أداء شعائرها بصدق وتجل وايمان ...
لغة الرواية السليمة والتي تحمل وجها" واحدا" مناسبا" يدعوك لأن تحتفظ بها ، لتختار من بين صفحاتها وعباراتها العميقة ، اقتباسات قلّما مرت على قارئ ، فالهندي له أسلوبه المميز الذي تجنب ان يتعكز على كتابات من سبقه ، ودون أن يجعلنا ندعي بإجترار صياغات أسلوبية نسخها من الآخرين ، كما في وصفه لزهرة المهدي عند تحولها الكبير من رهافة الاحساس الى التجلد الذي شبهه برباطة جأش زينب عليها السلام ، وهي تقدم فرس المنية لأخيها " نبع الدموع الرخيصة التي تذرفها ...في مواقف شتى في كل يوم ، صار منجماً لا يقتلع منه إلا حجرا" خشنا" " ...
تعد الرواية صرخة وجع تنبع من أي سجن في العالم بدءا" من العراق ليصل صداها الى كل المسامع في المعمورة ، هي رفض لوجود أي أنسان في تلك الهوة ، فكيف لمُعتَقَلات في عمر الزهور واجهن التعذيب بكل ما تحمل اجسامهن التي تشبه الفراشة وبكم ما تتمتع ارواحهن من طاقة للبقاء ، والسبب قد يكون وشاية من حزبي أو صديق ، أو للإلتزام الديني ، أما السبب الاكثر فداحة هو عدم الانضمام الى صفوف حزب البعث ، فكانت تلك هي الثغرة لسيل من التهم التي تنال من الكثير لرفضهم وتمسكهم بمبادئهم ، ففي البدء أجبروا كلا" من مجتبى وسجاد توقيع تعهد خطي بعدم الإنتماء لأي حزب عدا حزب البعث بعد ممارسة مختلف الضغوط من قبل أزلام النظام الذين زجوا بأبناء "المهدي" في غياهب السجون من جهة واستمروا في إبتزازه ليعرف أي خبر عنهم من جهة أخرى ، كشفا" صارخا" لفسادهم ، وتعرية" واضحة"لرخص مبادئهم ..
لم تخلُ الرواية من الحديث عن جماليات العراق وثقافته ، فقد طاف بنا الروائي على " تنور الطين " الذي ينتج خبزا" ممزوجا" بالتراب والدخان فيعجن وتترسب فينا تربة العراق ، مرورا" بالأغاني التي يتغنى بها الكثيرون ، وهي تحمل الشجن الموروث تختزل تأريخ العراق ومامر به من ويلات ونكبات وأحزان ..
جاء هذا كله لنمتلك رؤية بعيدة عن نشأة أبطال الرواية ، فهو قد سرد لنا تلك التفاصيل التي غذّت وعيهم الذي بدأ يتشكل منذ مرحلة الفتوة ، وهم يجمعون مصروفهم ليبتاعوا صحيفة رياضية ، ثم تطور الأمر بعد بلوغهم عمرا" اكبر الى صحيفة عامة ليتكون لهم رأي سياسي .
السجن ، أي الجحيم ، الذي عاش سجاد مآسيه وقساوته ، وحصل على حكم بالسجن المؤبد ، وإعدام شقيقه مجتبى ، هو حفرة ، هاوية ، يجردون فيها المعتقل من حقوقه الانسانية كلها ، يحاولون زجه في اعترافات نهايتها الهلاك ، لكن خلال كل ذلك كان سجاد متماسكا" ولم ينهار ، فقد كان يشعر بأن يد الله تربت على قلبه ، إلا في مرة إنهار فيها وكان معهم رجل دين اسمه "الجلالي" تحدث معهم ومسح دموعه ، فكان كما الندى على ورد متيبس .
إختار الهندي نهاية" مفتوحة" كما هو الاسلوب الحديث الذي يزيد من حدة التشويق عند القارئ ويقوده للتحليل وربط الأحداث ليصل لفهم أعمق لمعاناة إنسانية أشبه بالسريالية كما وصفها الروائي ، لفداحة ماوقع عليه من حيف ، وماتعرض له من أذى ، لايمكن أن يتحمله إنسان أو تطيقه روحه ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في