الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرايا الغياب/ سليمان النجاب12

محمود شقير

2023 / 2 / 10
الادب والفن


21

تأخذه تقلبات الأوضاع إلى بلدان شتى. ونلتقي ذات مرة في تونس.
بعد مغادرته عمان إلى دمشق، جاء إلى تونس، لحضور الاجتماعات القيادية التي سبقت انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الثامن عشر. وجئت إلى تونس من براغ لحضور دورة اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين. أقام سليمان في فندق بعيد من مركز المدينة (هل هو فندق أبي نواس؟ ربما)، وكان في الفندق أيضاً ياسر عبد ربه وعدد آخر من القادة الفلسطينيين. سكنت ليلة واحدة في هذا الفندق، ثم شعرت بالرغبة في الانتقال إلى فندق "المشتل" في مركز المدينة، حيث يمكن الخروج للتمشي في الشوارع الغاصة بالناس، في أي وقت (كان يطيب لي التمشي في شارع الحبيب بورقيبة، وهو الشارع الرئيس في تونس، وكنت أجلس في مقهى هناك عند نهاية الشارع أتأمل الناس وهم في غدو ورواح).
استغرب سليمان رغبتي في مغادرة هذا الفندق رغم ما يتوافر فيه من هدوء. قلت: المشتل هو فندقي المفضل، وقد نزلت فيه مرات عدة. افترقنا، وفي المشتل التقيت عدداً من الزملاء الذين جاءوا لحضور اجتماعات الأمانة العامة لاتحاد الكتاب.
في الاجتماع الأول للأمانة العامة، حضر عدد من القادة السياسيين بينهم سليمان، الذي قدم مداخلة زاوج فيها بين السياسة والثقافة، وقد لقيت مداخلته تقديراً من الكتاب والسياسيين الذين كانوا في قاعة الاجتماع.
ثم انشغل سليمان في اجتماعات قادة التنظيمات الفلسطينية، ولم يكن حتى ذلك الوقت عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وانشغلت أنا في اجتماعات الأمانة العامة لاتحاد الكتاب.
في نهاية الرحلة إلى تونس، غادرنا سليمان وأنا، إلى المطار، وعدنا معاً إلى براغ. كنا نتحرك فوق ساحة هي في اتساع العالم، والوطن بعيد من متناول أيدينا. بقي سليمان في براغ يومين ثم عاد إلى دمشق. وبعد ذلك بأشهر، أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

22

ولم يعد ثمة مكان واحد لسليمان لكي يستقر فيه. فرضت عليه مهماته القيادية تنقلات لا تقيم وزناً لأي استقرار. عاد للإقامة في عمان مرة أخرى.
أقام في بيت قريب من ضاحية المهندسين حيث يقيم أخوه عبد الرحمن. كان سليمان يومها عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وكان يتردد على تونس بين الحين والآخر لحضور اجتماعات القيادة الفلسطينية.
كنت مقيماً في عمان بعد عودتي من براغ. وقد قرر الحزب أن نفتتح مكتباً، نصرّف من خلاله بعض القضايا مثل: مراسلة منظمات الحزب في الخارج وتنظيم الصلة معها، توزيع مجلة "صوت الوطن" التي تصدر في قبرص، واستقطاب عدد من الشعراء والقاصين والنقاد وكتاب المقالات السياسية لنشر كتاباتهم فيها. وهكذا، قمت بتسجيل "مكتب الغد للدراسات" باسمي في وزارة الصناعة والتجارة، واستخرجت رخصة لفتح المكتب الذي استأجرنا له عدداً من الغرف في بناية على الشارع الرئيس في المدينة الرياضية بعمان. داوم ثلاثة من قيادة الحزب في المكتب هم: تيسير العاروري، محمد أبو شمعة ومحمود شقير. وكان سليمان يأتي لزيارة المكتب في أوقات متقاربة، وفيه كان يجري لقاءات مع عدد من الشخصيات السياسية.
وذات مرة، نظمت له ندوة سياسية في المكتب، دعوت إليها ثلاثين كاتباً وصحافياً ومثقفاً، جاءوا كلهم تقريباً. ودار بينهم وبين سليمان حوار امتد ساعتين حول الوضع السياسي الذي أعقب حرب الخليج الثانية. بدا سليمان في ذلك الاجتماع راغباً في تقديم وجهات نظره، وكانت تبدو عليه مظاهر العصبية أحياناً أثناء الحوار.
وكانت شخصيات سياسية أردنية وعربية تتردد على بيت سليمان في عمان. وذات يوم، دعا الصحافي والسياسي المصري حسين عبد الرازق وهو أحد قادة حزب التجمع، لتناول طعام الغداء في بيته، ودعاني فلبيت الدعوة. دارت بيننا أحاديث سياسية متنوعة. كان سليمان يطرح التساؤلات باستمرار، ويثير قضايا سياسية تستحق التأمل والتفكير.
وذات مرة، جاء عبد المجيد حمدان من الضفة الغربية زائراً إلى عمان. أقام في بيت سليمان بضعة أيام. كان سليمان آنذاك لا يخرج من البيت بسبب وعكة صحية ألمت به. وكنت أنا وعبد المجيد مدعوين لحضور سهرة بمناسبة حلول العام الجديد في بيت إحدى الكاتبات. خرجنا إلى السهرة وظل سليمان في البيت بسبب المرض. لاحظت أنه متضايق من هذا المرض الذي كبله في البيت أكثر مما ينبغي.
سليمان لا يطيق الانعزال عن الناس.
وقبل أن يعود للإقامة في عمان، كنت أهاتفه من "مكتب الغد للدراسات". أهاتفه وهو في مكتبه في تونس للتشاور معه في قضية ما أو لمناقشة اقتراح ما. يكون أحياناً في أصفى مزاج، يدور الحوار بيننا على أفضل وجه ممكن، ويكون أحياناً أخرى متعكر المزاج، يدخل الحوار منعرجات حادة ويتعطل بعض الوقت ليعود إلى مساره الطبيعي من جديد.
بعد عودته للإقامة في عمان، بادرني باقتراح له علاقة بموقعي الحزبي. قال إنه تشاور مع الأمين العام للنظر في أمر تنسيبي لكي أصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب. قال إن الأمين العام لم يعترض، وفي حال موافقتي على هذا الاقتراح فسوف يطرح الأمر على المكتب السياسي ومن ثم على اللجنة المركزية. قال إنه والأمين العام يعتقدان أنني سأحظى بموافقة أعضاء المكتب واللجنة المركزية، والمطلوب مني الآن أن أعطي جواباً على ذلك.
كنت أعي مقدار المسؤولية التي تترتب على عضو المكتب السياسي للحزب. وكنت أشعر بالأسى لأنني متوقف منذ زمن عن كتابة القصص القصيرة، ولا أكتب سوى مقالة أسبوعية لصحيفة الرأي الأردنية.
قلت دون تردد: لا أستطيع القيام بهذه المسؤولية. صمت سليمان ولم يناقشني في هذا الموقف، معتبراً أن ما قلته نابع من قناعة لا تحتاج إلى أية مناقشة. لو أنه قال لي: فكر في الأمر، لا تتسرع في تقديم الجواب، لأدخلني في دوامة. لكنه، بفطنته، أراحني من قلق التفكير وعبء الحيرة قبل اتخاذ القرار.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟