الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقد أيقظَ الزلزال عيوننا الغافِلة من عِز النوم فهل سيُوقِظ ضمائرنا النائمة؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الساعةُ الرابعةُ وسبعةُ عشَر دقيقة من صباح يوم الاثنين الباكر، السادس من شباط 2023، كانت اللحظات الأكثر رُعبا ومأساوية في تاريخ سورية..
كانت اللحظات التي وحّدت بين الحقيقة والخيال.. غارقون في عز النوم وفجأة نفتحُ عيوننا على حقيقةٍ كنا نعتقد أنها خيالا أو وَهْما لا يمكن أن يحصل.. ولكن الخيال والوهم صار حقيقة..
في لحظاتٍ كما طَرْفات العين، يقسو القدَر إلى درجةٍ لم نكُن نتصورها أو نفكِّر بها في يومٍ من أيام حياتنا.. تموتُ الأحلام بين رُكامِ الأبنية التي تهاوَت كما عُلَب الكبريت فوق رؤوس ساكنيها، الذين رأوا فيها أحلام حياتهم، بعد أن دفعوا أثمانها شقاءَ أعمارهم..
كم جلسوا في غُرفِها وبين جدرانها في أجواءٍ عائلية عاطفيةٍ وديعةٍ دافئةٍ، يتبادلون الأحاديث، والنِكات، بمحبّةٍ وغيرةٍ وكأنهم رُوحا واحدة في أجسادٍ متعدِّدة، ويتحدثون عن المستقبل وكيف سيحققون فيه أحلام الأبناء..
كلُّ شيءٍ انتهى.. كل شيءٍ ماتَ، في طُرفَة عين.. لقد اغتالهُ القَدَر..
**
في تاريخ سورية، حصلَت زلازل عديدة.. أبرزها:
زلزال دمشق، في 24 تشرين ثاني/نوفمبر عام 847 ميلادي، ولم يُعرَف عدد الضحايا... وكان جزءا من عدة زلازل ضربت المناطق من دمشق، وحتى أنطاكية والمُوصِل، وكانت الضحايا 20 ألف في أنطاكية، و 50 ألف في المُوصِل.. وكان من أقوى الزلازل التي ضربت صدْعَ البحر الأحمر..
زلزال حلب عام 1138 في 11 تشرين أول/أكتوبر، بالقرب من مدينة حلب في شمال سورية.. ونجمَ عنهَ 230 ألف ضحية، حسب روايات التاريخ.. وقُدِّرت شدّته بـ 8.5 على مقياس ريختر.. وكان رابع أخطر زلزال بالتاريخ..
زلزال حماه في شهر آب عام 1157 ، بالقرب من مدينة حماه، ، ونجم عنه عشرات آلاف الضحايا.. وتدمير العديد من الأبنية..
زلزال دمشق الكبير عام 1759، في آب/ أغسطس، وكان سلسلة من عدة زلازل ضربت بلاد الشام..
زلزال حلَب الثاني في 13 آب عام 1822 .. وكانت شدّتهُ 7.0 على مقياس ريختر، ونجمَ عنه 30 ألف ضحية.. وإصابة أكثر من مائة ألف.. وتدمّرت مدينتي منبج وعفرين..
وهناك العديد من الزلازل غيرها..
**
نحنُ اليوم أمام حقيقة مُرّة.. زلزالٌ جديد..
ما حصلَ فقد حصل.. إنهُ أقسى من أن يتصوّرهُ عقلُ إنسان من مآسٍ.. ولكنها الحقيقة.. والسؤال اليوم: وماذا بعد الزلزال؟.
هل ستصحو ضمائرنا بعد الزلزال، كما صحَت عيوننا لحظة الزلزال، ونُفكِّرُ بطريقةٍ مختلفةٍ؟.
هل سيكون ذلك درسَا لنا كي نضع خططا متكامِلة لمواجهة هكذا كوارث طبيعية؟.
هل سنعمل جاهدين لبناء دولة قانون ومؤسسات فاعِلة قادرة أن تمارس دورها الحقيقي الفاعِل في خدمة الشعب، وتُعبِّرُ عن إرادة وضمير الشعب، ودولةُ عدالَة وتكافؤ فُرَص، وفصلٍ للسلطات؟.
هل سنحرص أن يكون الشخص المُناسِب في المكان المناسب، حتى لو لم تربطهُ بنا علاقةُ قرابةٍ أو مُصاهرةٍ، أو مصلحةٍ؟.
هل سنضعُ خلفَ ظهرانينا العصبيات الطائفية والدينية والمذهبية والعشائرية والمناطقية، في علاقاتنا داخل مؤسسات الدولة وفي المجتمع، ونتعاملُ مع بعضٍ كأبناء وطن واحدٍ تربطنا هوية وطنية واحدة جامِعة، نتساوى من خلالها جميعا بكافة الحقوق والواجبات، بغضِّ النظر عن كافة العوامِل الأخرى؟.
هل سنُحاسِب الفاسدون والمُفسِدون، الذين أثرُوا كل هذا الزمن، على حسابِ تجويعِ وسرقةِ أبناء شعبهم، أم سيبقوا هُم يُحاسبوننا؟.
هل سيكون القانون فوق الجميع، ولا أحدا فوق القانون مهما كان؟.
هل سيقبل كلٍّ منا الآخر مهما اختلف معهُ في الرأي والعقيدة والتفكير؟.
هل سنُطبِّق الدستور وكل ما وردَ به من مواد وفقرات؟.
هل سنعترف أن لكل مواطن الحق أن يشغل منصبا، استنادا لأقدميتهِ وتراتبيتهِ، وخبرتهِ، ومؤهلاتهِ، ولا نقفز فوق كل ذلك، أو ندعس على كل ذلك، أمام المحسوبيات والمُحاباة، والدّعم والواسطات، والمصالح المادية؟.
هل سنؤمن أن كل من يختلف معنا ليس خائنا، وكل من يتّفق معنا ليس مِلاكا؟.
هل سنسمحُ بحرية الرأي والتعبير ووضع الإصبع على الجِراح دون خوفٍ من أيةِ جهةٍ بالدولة، أو أيِّ قانون يُحصي على الناس الأنفاس؟.
هل ستكون مصلحةُ الوطن فوق كافة المصالح الشخصية، ويكون الولاءُ صادقا للوطن، ونرى أنفسنا من خلال الوطن، ولا نرى الوطن من خلالِ أنفسنا ومصالحنا ومكاسبنا، ومن خلال من يُوصِلوننا للسُلطَة ؟.
هل سنعتمدُ مبدأ: من أين لك هذا، ونسأل كل أولئك الذين كانوا موظّفين مثلنا بالدولة، يتقاضون رواتب مُحدّدة ومعروفة، ثمّ أصبحوا بعد المناصِب، من أثرى الأثرياء، هل سنسألهم مِن أين لكُم هذا، ومِن أين تكدّست عندهم كل هذه الثروات، الظاهِر منها، أو المخفي، أو الموجود في المصارِف بالداخل والخارج، وتلك التي خبّئوها بأسماء زوجاتهم وأولادهم وبناتِهم؟.
هل سنتوقّفُ عن التعامُل بمعايير مُزدَوَجة، ونتخلّى عن عقلية: وعينُ الرِضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ــ ولكنَّ عينَ السُخطِ تُبدي المساويا؟.
هل سنتوقف عن ثقافة المزارِع في مؤسسات الدولة، وعن إدارتها بأمزجةٍ ومحسوبيات وارتجال وكأنها مُلكية خاصّة، وبعيدا عن كافة الشروط والمعايير الموضوعية والمنطقية والعقلانية والعدالة والمساواة؟.
هل سنحترم عقول الناس ونسمح لهم بانتخاب من يمثلونهم في البرلمان وفي النقابات والاتحادات والمجالس المحلية وغيرها، بكل حرية وبعيدا عن الأسماء المَفروضَة سلَفا، والناجحة سلفا، والمُنتقاة على أُسسٍ لا يجهلها أحدا؟.
هل سنتوقّفُ عن الجشعِ والطّمع والغش والكذب والاحتيال، ومص دماء بعض، دون أن نحسِب حسابا لِلحظةٍ شبيهةٍ بلحظة 6 شباط 2023 ، الباكِرة..
هلْ، وهلْ، وهلْ.. وهناك مائة هلْ وهلْ..
إن نحَونا في هذا الاتجاه، فنكونُ قد تعلّمنا من هذه المأساة الكارثية، وإلا فسوف نبقى نعيشُ كل يومٍ زلزالٌ جديد..وسوف نقطع حبْلَ السِرّة مع الوطن، ونحنُ نقتلهُ بأيادينا، كما انقطع حبلُ السِرّةَ بين تلك الرضيعة ووالدتها التي ولّدتها بين الرُكام ثمّ ماتت..
إن لم نتعلّم من كل ذلك.. فلن نتعلم أبدا.. وعلى المُستقبَل السلام.. وحينها سوف نُردِّدُ جميعا كلمات ذاك الشابْ المُؤثِّرة، بعد أن فقد كافة أفراد أسرتهِ، ولم ينجو غيرهُ، فقال: كلُّهم بخير إلا أنا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو