الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسكو تشن حربا أخرى في الداخل

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2023 / 2 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


تخلق عسكرة الدولة كل الظروف لأزمة ديمغرافية طويلة الأمد وتعلن حربا صامتة الثانية على رأسمالها البشري.

قال أحد المحللين المتابعين عن كثب الشأن الروسي: تتمثل إحدى المشكلات الاجتماعية والسياسية الرئيسية في المجتمع الروسي الآن في أن القادة السياسيين الذين يبلغون من العمر سبعين عامًا في المتوسط ويقررون للشباب كيف سيعيشون وما الذي هم مستعدون للتضحية بحياتهم من أجله.

في نهاية العام الماضي ، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحكومة بوضع حزمة من الإجراءات بحلول عام 2023 من شأنها زيادة معدلات المواليد ومتوسط العمر المتوقع في روسيا. كما أعرب عن حيرته من انخفاض معدلات المواليد في عدد من المناطق. ومع ذلك ، بعد بضعة أيام فقط ، اقترح وزير الدفاع "سيرجي شويغو" تغيير السن الذي يتم فيه تجنيد الرجال الروس للخدمة العسكرية الإلزامية من ثمانية عشر إلى واحد وعشرين عامًا وزيادة الحد الأقصى لسن التجنيد من سبعة وعشرين إلى ثلاثين عامًا. وهذا يعني استدعاء الشباب بعد حصولهم على شهاداتهم الجامعية ، وسحب المتخصصين المدربين من سوق العمل لإبطال مهاراتهم في الخدمة العسكرية.

هناك تناقض صارخ بين هذين الهدفين: إذا توجه الرجال إلى الحرب أو هاجروا بشكل جماعي بدلاً من الإنجاب، فمن أين سيأتي الأطفال؟ سيكون التأثير على سوق العمل شديدًا أيضًا، فالتجنيد الإجباري في مثل هذا "العمر الإنتاجي" يطرد القوة العاملة من الاقتصاد الذي يُتوقع بالفعل أن يخسر 3 إلى 4 ملايين شخص تتراوح أعمارهم بين عشرين وأربعين بحلول سنة2030 (مقارنة بعام 2020) لأسباب ديموغرافية موضوعية.

وتفقد كثلة السكان العاملين أيضًا أولئك الذين غادروا البلاد بالفعل أو سيغادرون البلاد ردًا على العسكرة المكثفة للحياة ، ناهيك عن أولئك الذين يتم حشدهم أو قتلهم أو تشويههم في القتال ( المسابين بعاهات دائمة) إذا استمرت ما يسمى بـ "العملية الخاصة".

تجميع كل هذه الأمور ، سيؤدي لا محالة إلى عجز كبير في القوى العاملة وعدد كبير من المشاكل الديموغرافية ، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم الديناميكيات السلبية في معدلات المواليد التي لوحظت في روسيا منذ 2016-2017. سيصبح الانخفاض في عدد السكان في سن العمل مزمنًا. وهذا ما لا يرغب فيه بوتين.

تعكس بعض الأسباب الموضوعية للمشاكل الديموغرافية في روسيا الديناميكيات التاريخية: عدد النساء في سن الإنجاب آخذ في الانخفاض ، ومتوسط العمر الذي تنجب فيه النساء أطفالًا يرتفع باطراد في المجتمعات الحضرية الحديثة والمتعلمة جيدًا.

هناك أيضًا عوامل قصيرة ومتوسطة المدى (يمكن أن ينتج عنها أيضًا عواقب طويلة المدى). خلقت جائحة كورونا و ما يسمى بـ "العملية العسكرية الخاصة" خلفية من الخشية الشديدة بشأن المستقبل. لقد أدى ذلك إلى تغيير تنظيم الأسرة بشكل متوقع: فقد قرر بعض الأشخاص عدم إنجاب الأطفال أو إرجاء تكوين أسرة أو إنجاب طفل آخر إلى حين ظرفية أكثر استقرارًا نفسيًا وماليًا . كما أن عسكرة الحياة في روسيا لا تشجع الناس على إضافة المزيد من الأفراد إلى عائلاتهم، باستثناء أولئك الذين يعتبرون أن من واجبهم تزويد الوطن الأم بـ "علف المدافع" للحروب المستقبلية.

وفقا لحسابات ديموغرافية مفترضة، إن فترة من الخدمة العسكرية لثلاثمائة ألف رجل تم حشدهم في الجيش في سبتمبر وأكتوبر 2022 ستعني 25 ألف ولادة أقل ، حسب تقديرات مدير معهد الديموغرافيا الروسي. هذا ليس عددًا كبيرًا، لكنه قد يرتفع بشكل كبير نتيجة للهجرة، والانخفاض طويل الأجل في معدلات المواليد، والتوسع المحتمل في سن التعبئة.

كما يسعى القائمون على الأمور الروس إلى زيادة معدل المواليد، وطلك قلقًا بشأن انخفاض توفر جنود المستقبل لـ "عملياتهم العسكرية الخاصة" القادمة ، ويفكرون فعلا وفعلي - بدعم من رجال الدين ومساندتهم - في فرض حظر جزئي على الإجهاض حاليا. علما، عندما تكتسب غالبية السكان القدرة على تنظيم معدلات المواليد، لم تعد عمليات الإجهاض منتشرة في البلاد.

ويقر علماء الاجتماع أن هناك ظاهرة واجهتها روسيا مرات عديدة وهي: بروز موجة بعد موجة من الحروب والقمع الشيء الذي يستنزف الموارد البشرية. لدى يؤكدون أن أفضل طريقة لتعزيز معدلات مواليد عالية هي تهيئة الظروف لحياة مستقرة ، يمكن التنبؤ بها ، وسلمية ، وآمنة - بما في ذلك الشباب الذين ليسوا في مأمن من التجنيد والتعبئة في أي وقت.

حتى عام 2022 ، كانت روسيا تُعتبر من اقتصاديات السوق متوسطة الدخل ، وعلى الرغم من هذا لم يتم توزيع الدخل بالتساوي النسبي المقبول ، الأمر الذي غذى اتجاهًا يقلق خبراء "اقتصاديات التعليم": فقد بدأ الشباب الذين لا تستطيع أسرهم تحمل تكاليف لتحاقهم بالجامعة والمدارس العليا، يرفضون التعليم العالي ويفضلون التدريب المهني الثانوي ، مما يسمح لهم بدخول سوق العمل في أقرب الآجال.

إن تغيير سن التجنيد إلى واحد وعشرين ، سيكون - في عيون الكثيرين - ضربة مزدوجة لسوق العمل والاقتصاد: لن يتمكن خريجو الجامعات المؤهلين تأهيلا عاليا من دخول سوق العمل وسينتهون بدلا من ذلك في الجيش ويفقدون مؤهلاتهم ، في حين أن الشبان الحاصلين على درجات مهنية والذين هم بالفعل في سوق العمل سوف ينفصلون عن الاقتصاد جزئيًا نحو تحسين مهاراتهم. سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذا لن يؤثر على المؤشرات النوعية والكمية للناتج المحلي الإجمالي الروسي ، ودخل الأسرة ، ونوعية رأسمال البشري.

في الأساس، هناك حرب أخرى جارية في الداخل: حرب ضد نوعية الرأسمال البشري، وعسكرة البلاد تخلق كل الظروف لتقليص هذه النوعية لأطول فترة. على الرغم من أن روسيا لن تشهد بطالة واسعة النطاق ، إلا أن هذا هو الحال فقط لأن الاقتصاد سيواجه عجزًا في كل من العمالة التي تتطلب مهارات عالية ومنخفضة المهارات.

لقد شجع بوتين القوات المسلحة على عدم الخجل من طلب المزيد من التمويل ، وهذا يؤثر أيضًا على جودة الرأسمال البشري. فمن المعلوم أن الإنفاق على الجيش والأمن هو "إنفاق غير منتج"، بمعنى أنه لا يساهم في تحسين نوعية الحياة. إنه مضاد للإنسان من جميع النواحي.

وفي الوقت نفسه، فإن نسبة الإنفاق الإنتاجي (فوق كل شيء، التعليم والرعاية الصحية) راكدة في أحسن الأحوال ولا يمكنها منافسة الإنفاق غير المنتج الذي يعتبر الأولوية بالنسبة للدول العسكرية - البوليسية.

في هذا المضمار أكدت مديرة مركز اقتصاديات التعليم المستمر التابع للأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة ، "متوسط عدد سنوات التعليم للسكان العاملين في روسيا في حالة ركود في أحسن الأحوال ، ومنخفض في أسوئها في بعض الجوانب. وهذا يعكس أيضًا حقيقة أن الشباب يريدون الدخول بسرعة إلى سوق العمل والبدء في جني المال، إن قيمة التعليم الجيد آخذة في التدهور. بالنسبة للدولة اليوم ، يعد التجميع والتفكيك السريع لبندقية كلاشينكوف مهارة أكثر أهمية من أي تعليم أو مهارة ".

من المعلوم أن التعليم الحديث عالي الجودة يؤدي إلى إنتاج أشخاص حديثين ومفكرين ليسوا مستعدين للذهاب للقتال من أجل "مُثُل خاطئة". الأفراد المتعلمون هم أفراد مستقلون، بما في ذلك اقتصاديًا والدولة التي تسعى لعسكرة المجتمع لا تحتاج إلى شعب مستقل، إنها بحاجة إلى أشخاص يمتثلون للأوامر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو