الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية ومزايا الذكور: رداً على شيلا مكغريغور

جون مولينو

2023 / 2 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نشر المقال في العدد 2:32 من مجلة الاشتراكية الأممية، صيف 1986، نقلاً عن أرشيف الماركسيين على الانترنت



الحجة النظرية الأساسية في رد شيلا مكغريغور الحماسي ضد مقالتي تتلخص بالأسطر التالية:

“إذا كان الحال أن الاضطهاد يقسم الطبقة العاملة ضد نفسها، فلن يكون من مصلحة أي عامل في أي وقت وأي مكان في الحفاظ على هذا الاضطهاد. إن المحاججة بأنه من المصلحة المباشرة للعمال في الحفاظ على اضطهاد النساء، هي نفس المحاججة بأن المصلحة المباشرة للعمال هي بالحفاظ على حكم الرأسمالية. وفي هذه الحالة يتعين على العمال تأجيل بناء الثورة الاشتراكية والتعاون مع الرأسمالية لتحقيق مصالحهم المباشرة” (مكغريغور- المصدر نفسه).


بكلمات أخرى، ترفض شيلا، من حيث المبدأ، فكرة أن رجال الطبقة العاملة قد يستفيدون بأي شكل من الأشكال من اضطهاد النساء على أساس أن قبول هذه الفكرة هو “منطقياً” انفصال عن الاشتراكية الثورية والماركسية، أو وفق تعبيرها، “الخطوة الأولى نحو الخروج عن هذا التقليد [الاشتراكية الثورية]” (مكغريغور- المصدر نفسه).

ولتدعيم موقفها هذا، تستشهد شيلا بمقولة شهيرة لماركس حول العداء بين العمال الإنكليز والإيرلنديين باعتباره “سر عجز الطبقة العاملة الإنكليزية” ومن كتاب لوكاش عن لينين الذي يشير إلى أن “راهنية الثورة البروليتارية هي المعيار التي يمكن من خلالها الحكم على كل الأسئلة” (مكغريغور- المصدر نفسه).

لنبدأ بالإشارة إلى ما هو صحيح، من دون شك بالنسبة إلى الماركسيين، في هذه الحجة: أي أن كل الانقسامات في الطبقة العاملة تضعف النضال الثوري للطبقة العاملة وبالتالي هي ضد مصالح الطبقية للبروليتاريا ككل. ودعونا نسجل أنها ليست حجة ضد رأيي. بل على العكس، كانت حجتي كلها في مقالي وفي نقاشي مع شيلا المنظم من قبل حزب العمال الاشتراكي في سكيغنيس عام 85، أن اضطهاد النساء يقسم الطبقة العاملة وأن التمييز الجنسي الذكوري يشكل عقبة أمام وحدة العمال التي ينبغي محاربتها لمصلحة الطبقة ككل.

في الحقيقة، لا يمكن تحويل هذا الموقف الماركسي الأساسي إلى حجة ضدي واعتبار أن الاضطهاد والانقسام يضعفان الطبقة ككل بحيث لا يمكن لأي قسم أو جزء من الطبقة “الاستفادة” المباشرة منهما، أو أن يكون لديه مصلحة مباشرة على المدى القريب، في مثل هذا الاضطهاد أو الانقسام. “لإثبات” ذلك ينبغي إلقاء نظرة أكثر شمولية للتقليد الماركسي أكثر من مجرد اقتباسين مختصرين. أو بالأحرى ينبغي القول إنه بمجرد إلقاء نظرة أكثر شمولاً، نجد أن الماركسيين قد اعترفوا مراراً وتكراراً بوجود مثل هذه “المنافع” والمصالح المباشرة، ووجدوها مراراً متعارضة مع المصالح التاريخية للطبقة ككل.

التناقض بين المصالح المباشرة والطبقية للعمال

المثل الأول الذي سأعطيه للماركسيّ الذي يعرف أن شريحة من الطبقة العاملة يمكن أن تستفيد من اضطهاد غيرها من العمال يعترف بالفعل بأن العمال يستفيدون من اضطهاد النساء، الذي هو ليس إلا كريس هارمان. كانت حجة كريس، في المقالة التي بدأ هذا الجدال حولها، هي:

“… الفوائد التي ينالها رجال الطبقة العاملة من اضطهاد النساء هامشية فعلياً… الفوائد تأتي فعلياً من مسألة العمل المنزلي. بالتالي يصبح السؤال هو إلى أي مدى يستفيد رجال الطبقة العاملة من عمل النساء غير المأجور… يمكن قياس ما يكسبه رجال الطبقة العاملة مباشرة من زوجاتهم من عملهن. إنه مقدار العمل الذي سيضطر إلى القيام به إذا كان عليه التنظيف والطبخ بنفسه. وهذا لا يتطلب سوى ساعة أو ساعتين باليوم”. (1)


كما نرى، يوافق كريس على أن الفوائد موجودة لا بل يمكن قياسها. لم يكن اختلافي مع كريس من الناحية المبدئية إنما اختلافاً تطبيقياً حول “أهمية هذه الفوائد”. يقول كريس إنها هامشية. وقد شددتُ: أ) أن الفوائد أكبر مما قدّرها؛ ب) أنه على الرغم من كون هذه الفوائد هامشية بالمقارنة مع مزايا الطبقة الحاكمة وبمقارنة بتلك التي سيحصل عليها الجنسين من الاشتراكية، مع ذلك كانت كافية لحصول تأثير كبير على سلوك ووعي رجال الطبقة العاملة، وبالتالي تشكل عقبة (وهي عقبة يمكن التغلب عليها) أمام الوحدة الطبقية.

كان هذا هو السياق الذي قدمت فيه التشابه مع وضع العمال البروتساتنت والكاثوليك في إيرلندا الشمالية: وجهة نظري هي على الرغم من أن امتيازات العمال البروتستانت كان هامشية، إلا أنها كان لها تأثير كبير على سلوكهم ووعيهم طول 60 عاماً. سأستدعي الآن “شاهدي” الثاني حول مسألة الفوائد القصيرة الأمد لجزء من الطبقة العاملة- إيمون ماكان. ولكن بداية، لنتذكر ما استنتجته شيلا من حجتي.

“مع ذلك، إذا فصلتَ المصلحة المباشرة عن المصلحة طويلة الأجل للعمال البروتستانت، كما فعل جون في مقاله، فسينتهي الأمر بكَ إلى القول ليس فقط إنه من مصلحة العمال البروتستانت المباشرة هي الحفاظ على امتيازاتهم على الكاثوليك، ولكن هذه الوحدة ليست في المصالح المباشرة للطبقة العاملة البروتستانتية، بالتالي إن إدراك العمال البروتستانت لإمكاناتهم الثورية ليست في مصالحهم المباشرة. إذا كان هذا هو الحالة، فسيتعين التخلي عن أي منظور للثورة الاشتراكية في إيرلندا التي شاركت فيها الطبقة العاملة البروتستانتية” (مكغريغور- المصدر نفسه).

قارن/ي الآن ما كتبه [إيمون] ماكان حول هذه المسألة عام 72:

“قبل نصف قرن، كان على البروتسانت الاختيار بين الاتحاد والحكم البرجوازي من دبلن… على أساس اقتصادي قصير الأمد، لم يكن الحكم من دبلن في مصلحة الجماهير البروتستانتية.

ليس صحيحاً أن البروتستانت، الذين ضللتهم البروباغاندا، قد اتخذوا خياراً مجنوناً. إنما اتخذوا خياراً اقتصادياً عقلانياً تماماً بين البدائل المعروضة. هذا لا يعني أن قرارهم الواعي استند إلى حسابات اقتصادية باردة. إنه يعني أنه كان هناك عدم استقرار اقتصادي مثير للفضول يقوم على أساس شوفيني شبه ديني والذي عبّر عنه الاتحاديون، وهو عقلاني لم يتم تحدّيه في حركة الطبقة العاملة الحالية.

إنه لأمر أكاديمي القول إنه كان هناك بديل ثالث- أي تحقيق جمهورية كونولي الاشتراكية في إيرلندا- كان من الممكن تمثيل كل العمال بشكل أفضل. هذه حقيقة بديهية جذابة. ولكن إيرلندا الاشتراكية لم تكن خياراً أمامهم”. (3)

ما بقي هو أن تشرح شيلا كيف أن إيمون، بعد 13 سنة، “لم يتخلَ عن أي منظور للثورة الاشتراكية في إيرلندا”. علي القول إنني عندما أجريت تشابهاً مع الوضع في إيرلندا الشمالية، فعلت ذلك مع علمي المسبق بأنني سمعت مراراً هذه الحجة التي يرددها متحدثو حزب العمال الاشتراكي، خاصة في الجدال مع مؤيدي تنظيم المناضل الذين أنكروا حصول العمال البروتستانت على أي امتيازات وبالتالي رفضوا دعم التحرر الوطني للعمال الكاثوليك أو الجيش الجمهوري الإيرلندي في أي شكل من الأشكال.


مع ذلك، قد لا يعتبر كريس هارمان وإيمون ماكان حاسمَين في التقليد الماركسي، لذا دعونا نعود إلى الكلاسيكيات. كتب إنغلز في رسالة له إلى ماركس عام 1858: “البروليتاريا الإنكليزية باتت برجوازية أكثر فأكثر… بالنسبة إلى أمة تستغل العالم بأكمله، هذا [الرأي] له طبعاً ما يبرره إلى هذا الحد أو ذاك”. (4) في رسالة إلى كاوتسكي عام 1882 كتب التالي:

تسألني عن رأي العمال الإنكليز بالسياسة الكولونيالية. حسناً، تماماً كما تفكر [البروليتاريا] بالسياسة بشكل عام. لا يوجد حزب عمالي هنا… والعمال يشاركون بكل فرح باحتكار إنكلترا للسوق العالمية والكولونيالات”. (5)

بكلمات أخرى، يقول إنغلز، إن المزايا المادية الحقيقة، والفوائد (6) والامتيازات- أطلق عليها ما شئت- التي تتلقاها الطبقة العاملة الإنكليزية نتيجة للإمبريالية تشكل الأساس المادي لقابلتيها للتأثر بالأفكار البرجوازية.

وما كان رد لينين على هذه الأسطر؟ هل أدان إنغلز لقطيعته مع الماركسية؟ لا، مطلقاً، لقد استعملها كأساس لنظريته عن الطبقة العاملة الأرستقراطية. وبحسب نظريته، إن الإصلاحية والانتهازية، كما يسميها لينين، قد اكتسبت سيطرة على الحركة العمالية الأوروبية بسبب قدرة الامبريالية على استعمال الأرباح الهائلة الناتجة من استغلال الكولونيالات من أجل توزيع “المنافع” و”الرشاوى” على شريحة من العمال والقادة العماليين. ويسأل لينين عن السبب:

“… لماذا هذه الانتهازية أقوى في أوروبا الغربية أكثر من بلادنا؟ لأن ثقافة الدول المتقدمة كانت، وما زالت، نتيجة القدرة على العيش على حساب ألف مليون مقهور. إن هذه الآلاف من الملايين من الأرباح الفائقة هي التي تشكل الأساس الاقتصادي للانتهازية في حركة الطبقة العاملة”. (7)

أشار لوكاش، في نفس الكتاب الذي استشهدت فيه شيلا، إلى ذات النقطة: “التحريفية… تضحي دوماً بالمصالح الأساسية للطبقة ككل… من أجل تمثيل المصالح المباشرة لمجموعات معينة… أصبحت تياراً حقيقياً داخل الحركة العمالية فقط لأن التطور الجديد للرأسمالية جعل من الممكن بشكل مؤقت لمجموعات معينة من العمال الحصول على مزايا اقتصادية منها”. (8)

بالطبع، قد يكون هناك اعتراض على أننا في حزب العمال الاشتراكي كنا دوماً ننتقد نظرية لينين هذه. على الرغم من أن هذا النقد كان أمبريقياً، فقد كان لأن آليات “الرشوة” ليست كما رأى لينين وأن المستفيدين ليسوا من طلب ذلك- ولم نقل أن لينين كان يخطو الخطوة الأولى بعيداً عن الماركسية، حتى في التفكير فيها. المقال الأساسي حول هذه المسألة في تقليد حزب العمال الاشتراكي هو “الجذور الاقتصادية للإصلاحية” والذي كتبه طوني كليف. يحاجج كليف، ضد لينين، بأن فوائد الامبريالية، وبالتالي تأثير الإصلاحية، لا تقتصر على شريحة عليا، إنما تغلغلت في الطبقة العاملة في بريطانيا والدول الرأسمالية المتقدمة. الاستشهاد، المطول نوعاً ما بمقال كليف، مفيد جداً ههنا:


“سمح توسع الرأسمالية عبر الامبريالية للنقابات العمالية والأحزاب العمالية [الإصلاحية] انتزاع الامتيازات للعمال من الرأسمالية من دون الإطاحة بها. وهذا أدى إلى نشوء بيروقراطية إصلاحية كبيرة والتي بدورها شكلت عائقاً أمام التطور الثوري للطبقة العاملة.

لكن بيروقراطية النقابات العمالية وحزب العمال فعالة في تدجين الطبقة العاملة على المدى الطويل فقط إلى حد تكون فيه ظروف العمال مقبولة. في التحليل الأخير يكمن أساس الإصلاحية في الإزدهار الرأسمالي… إذا كانت الإصلاحية تجد جذورها في الامبريالية، فإنها تصبح كذلك درعاً مهماً لها، وتدعم امبرياليتها الوطنية، ضد الامبريالية المنافسة وضد الحركات الكولونيالية الصاعدة. تعكس الإصلاحية المصالح الوطنية اليومية الضيقة للطبقة العاملة في الدول الرأسمالية الغربية في ظل الإزدهار الاقتصادي العام. هذه المصالح المباشرة تتعارض مع المصالح التاريخية والأممية للطبقة العاملة والاشتراكية”. (9)

ما هو لافت حقاً هنا هو درجة قرب عبارة كليف، خاصة في جملته الأخيرة (إضافة إلى صيغة لوكاش) من موقفي:

“إحدى الأسباب التي تجعل الأيديولوجيا المتحيزة جنسياً قوية جداً لأنها مرتبطة بالمصالح الآنية (وإن لم تكن طويلة الأمد) للعمال. هذه المصلحة المباشرة للعمال بالهيمنة الذكورية تتعارض مع مصالحهم التاريخية في توحيد الطبقة ويشكل عقبة أمام تحقيق هذه الوحدة”. (10)

من الواضح أنه مازال متاحاً أمام شيلا المحاججة أمبريقياً، كما فعل كريس هارمان، بأن مزايا العمال قليلة، ولكن من الواضح كذلك أنها لا تستطيع المحاججة بأن الحديث عن قسم واحد من استفادة العمال (الفورية) من اضطهاد العمال الآخرين هو مبدئياً معادٍ للماركسية، ما لم تكن تريد إدانة كل من إنغلز ولينين ولوكاش وكليف وماكان وهارمان بنفس الجريمة الشنيعة.

أسباب ونتائج تشوش شيلا

يكمن جذر تشوش شيلا حول هذا السؤال في فشلها في فهم التناقضات الآنية للعمال، او لقطاعات من العمال الناتجين عن بنية الرأسمالية نفسها. توحد الرأسمالية العمال في المصانع والمدن والأمم، وكطبقة تستغل بشكل عام، في الوقت عينه، تقسمهم بجعلهم متنافسين ضد بعضهم البعض، أو مجموعة ضد مجموعات أخرى، في سوق العمل. للتغلب على هذه المنافسة بين العمال يتطلب وعياً منظماً (نقابة، حزب، أممية…). وفي هذا السياق كتب ماركس: “تركز الصناعات الواسعة في مكان واحد حشداً هائلاً من العمال الذين لا يعرفون بعضهم البعض. تقسم المنافسة مصالحهم. لكن للحفاظ على الأجور، توحدهم هذه المصلحة المشتركة الموجودة فيهم ضد صاحب العمل ضمن فكرة المقاومة/المزج. هذا المزج له هدف مزدوج، وقف المنافسة بين العمال، وبذلك يمكنهم الاستمرار في المنافسة العامة مع الرأسمالي”. (11)


فشل شيلا في فهم هذا الأمر واعتقادها أن المصالح المباشرة لكل قسم من العمال دائماً ما تتطابق مع مصالحهم الطبقية الشاملة يقودها إلى خطأ هام بما خص أساس وجهة النظر الماركسية. فهي تحاجج باستمرار كما لو أن وجهة النظر الماركسية ينبغي أن تستند إلى تمثيل المصالح المباشرة لقطاعات من العمال (العمال الذكور والعمال البروتستانت في إيرلندا الشمالية…). في الحقيقة، بالطبع، إن نقطة البداية للماركسيين هي دوماً مصلحة الطبقة ككل. وكما عبّر ماركس:

“يتميز الشيوعيون عن بقية أحزاب الطبقة العاملة فقط بما يلي: 1) في النضالات القومية للبروليتاريا في مختلف الدول، يدلون على ويبرزون المصالح المشتركة للبروليتاريا ككل، بغض النظر عن الجنسية؛ 2) في مختلف مراحل التطور التي ينبغي أن يمر بها نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية، يمثلون دوماً وفي كل مكان مصالح الحركة ككل”.

بالطبع إذا لم يكن، ولا يمكن أن يكون، أي مصالح أخرى غير “المصالح المشتركة للبروليتاريا ككل” ولا يوجد أي إمكانية لمصالح آنية بغض النظر عن “مصالح الحركة ككل”، فإن إعلان ماركس التاريخي سيكون مجرد بلاغة لا معنى لها. ولكن ماذا عن وجهة النظر الماركسية بما خص المصالح المختلفة المباشرة أو الخاصة. الإجابة هي أننا ندعو العمال إلى إخضاع مصالحهم المباشرة (المحلية أو القطاعية أو الجندرية أو القومية) إلى مصالح الطبقة ككل (وبالتالي لمصالحهم الطويلة الأمد). هناك صياغة واضحة بشكل استثنائي لهذه النقطة في تعريف لينين للأممية:

“من ناحية أخرى، تتطلب الأممية البروليتارية: 1) إخضاع مصالح النضال البروليتاري في بلد ما لمصالح النضال على الصعيد العالمي؛ 2) أن الأمة التي تنتصر على البرجوازية ستظهر القدرة والاستعداد لتقديم أكبر التضحيات الوطنية للإطاحة بالرأسمالية العالمية”. (12)

بالتالي، لا يعني مطلقاً أن العمال الذين لديهم مصلحة يومية محددة في الحفاظ على اضطهاد النساء، “عليهم تأجيل بناء الثورة الاشتراكية والتعاون مع الرأسمالية لتأمين مصلحتهم المباشرة”، كما تدعي شيلا، كما لا يعني أن العمال البروتستانت الذين يكتسبون بعض الفوائد الهامشية المباشرة من اضطهاد العمال الكاثوليك، بالتالي عليهم التخلي عن “أي منظور للثورة الاشتراكية في إيرلندا التي تضم الطبقة العاملة البروتستانتية”.

ما أن نكون واضحين بشأن هذه النقطة العامة، من الممكن التعامل مع الحجة الانفعالية على نحو خاص، ولكن المنطقية كذلك، والتي يبدو أن شيلا تعتبرها ورقة رابحة- حالة عمال المناجم في نوتنغهامشير حيث تكتب:

“اعتقدَ غالبية عمال المناجم في نوتنغهامشير أن مصلحتهم تكمن بعدم الانضمام إلى إضراب المناجم الوطني إنما كسر الإضراب بدلاً من ذلك. هل نفترض إذاً أن وجهة نظرهم المتخلفة الراسخة تتطابق بشكل ما مع مصالحهم المباشرة؟ هل صحيح أنهم حصلوا على 52 أجراً لم يحصل عليها عمال المناجم المضربون، فهل استفادوا فوراً من العمل؟ هل هذا يعني أن كسر الإضراب كان في مصلحتهم المباشرة؟” (مكغريغور – المصدر نفسه).


للأسف إن الإجابات عن الأسئلة البلاغية ليس على الإطلاق ما تتخيله شيلا أن يكون. بداية، بالتأكيد في الحقيقة إن كسر الإضراب في نوتنغهامشير قد أدى إلى حصولهم على هذه المنفعة المادية مقارنة مع العمال المضربين الذين لم يستفيدوا منها، وبالتالي استفادوا فوراً من العمل. نعم، بهذا المعنى، إن وجهة نظرهم المتخلفة تتوافق مع مصالحهم المباشرة. أو بكلمات أخرى، وحدها أقلية من عمال المناجم في نوتنغهامشير كان لديهم الوعي الطبقي الكافي لوضع مصالح عمال المناجم (والطبقة العاملة) ككل، ومصالحهم الطويلة الأمد، على مصالحهم المباشرة، وبالتالي، قدموا تضحية بتنظيمهم إضراب طويل المدة. ويا شيلا، هذا لا يعني، لأسباب أوضحتها فعلياً، أننا يجب دعمهم لكسرهم الإضراب. ولكن ما هو كسر الإضراب سوى أن شخصاً يضع مصلحته المباشرة في الحصول على المنفعة قبل مصالح طبقته، وما هو أيضاً الاعتصام أمام مركز العمل سوى أنه وسيلة لجعل المصالح الجماعية للطبقة بالقوة أكثر “فورية” من الذين يريدون كسر الإضراب؟

فكيف إذاً يرتبط ذلك بالعلاقات بين العمال والعاملات؟ الرأسمالية توحدهم وتقسمهم. إنها توحدهم في وضع طبقي مشترك مع مصلحة مشتركة في النضال ضد الطبقة الحاكمة وإسقاطها. وتقسمهم من خلال جعلهم متنافسين في سوق العمل وعلى وقت الفراغ في المنزل. إضافة إلى ذلك، إنها تنشئ تقسيماً للعمل يمنح العامل بعض المزايا المهمة في هذه المنافسة التي يحصل منها على بعض الفوائد المباشرة. (13)

ما هي وجهة النظر الماركسية؟ وجهة النظر الماركسية هي أننا نؤيد إبراز المصالح المشتركة للعمال والعاملات لتحقيق الوحدة في النضال وأننا نطلب من العمال إخضاع مصالحهم المباشرة في اضطهاد النساء لمصالحهم الطبقية التي تستوجب محاربة هذا الاضطهاد.

إن نتيجة ارتباك شيلا في هذا الإطار برمته هي أن صياغاتها تحرم الماركسية من أداة تحليل مهمة لفهم إمساك واستمرار بعض الأفكار الرجعية على أقسام من الطبقة العاملة. شيلا من خلال موقفها، مجبرة على تفسير هذا الإمساك والاستمرارية المفروضين من قبل عقيدة الطبقة الحاكمة. إنها مجبرة على إنكار أن الأيديولوجيا البرجوازية لها نقاط اتصال مع المصالح المباشرة لقطاعات من العمال. تعتبر عقيدة الطبقة الحاكمة مهمة بالتأكيد، ولكن عندما تكون ناجحة على نطاق واسع وطوال فترة طويلة من الوقت، يكون ذلك لكونها بالتحديد على اتصال مع الحياة الواقعية، أي لأنها تحتوي على أساس مادي محدد.

وهذا، كما رأينا، هو النقطة الأساسية لنظرية الأرستقراطية العمالية وتعديل كليف لها، ولكنها تنطبق كذلك على الكثير من المواقف المشابهة. تنطبق، كما أثبت ماكان، على إيرلندا الشمالية، أم هل تتخيل شيلا أن الولاء المستمر والمتين للعمال البروتستانت يمكن تفسيره بشكل بحت من خلال قوة الإيديولوجيا البرتقالية دون الإشارة إلى الامتيازات الطفيفة ولكن الحقيقية التي يحصل عليها العمال البروتستانت؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنها تعطي قوة مذهلة للأيديولوجيا وما هو أكثر من ذلك، فإنها تحتاج إلى تفسير سبب منح الطبقة الحاكمة هذه الامتيازات والحفاظ عليها لهم. وهذا ينطبق على رسوخ العنصرية عند العمال البيض، والصهيونية عند العمال اليهود في “إسرائيل”، وفي الحالات القصوى، على رسوخ الفصل العنصري عند ما تبقى من الطبقة العاملة البيضاء في جنوب أفريقيا. (14) لكن هذا ليس اكتشافاً جديداً من قبل جون مولينو. إنه بكل بساطة نتيجة لاستراتيجية فرق تسد من خلال منح امتيازات بسيطة لطالما مارستها الطبقات الحاكمة في كل أنحاء العالم ويعترف بها الماركسيون منذ وقت طويل.


إن رفض الاعتراف بها، كما تفعل شيلا، يعني العودة إلى الانقسام الكلاسيكي بين الاقتصادوية المادية الميكانيكية (“أن الطبقة العاملة ستتحدد تلقائياً بسبب مصالحها الاقتصادية المباشرة”) والمثالية البحتة (“الطبقة الحاكمة غسلت عقول الطبقة العاملة”). إنه كذلك تقليل من مستوى وطبيعة ومركزية النضال المندرج داخل الطبقة العاملة لكسر إمساك الأفكار الرجعية بها. وخير مثل على ذلك هو تيار المناضل الذي يتخذ نقطة انطلاق شبيهة بموقف شيلا ويطبقها دوماً على النساء والتمييز الإيجابي، والقطاعات السوداء في حزب العمل، وأيرلندا و”إسرائيل” وحتى على الطبقة العاملة في جنوب إفريقيا.

لقد أجبت الآن على حجة شيلا النظرية. هناك نقاط أخرى عديدة في مقالها وأريد الرد عليها ولكن لأسباب متصلة بحجم المقال سيقتصر ردي على ثلاث نقاط: رجال الطبقة العاملة كمنفذين لاضطهاد النساء، دور الحزب، والبطريركية وحركة تحرر النساء.

هل يشارك العمال في فرض اضطهاد النساء؟

كان من الممكن أن تجادل شيلا أمبريقياً بأن معظم الذكور لا يفرضون اضطهاد النساء: أنهم لا يجلسون ويطالبون بطهو العشاء لهم أو بالجلي، أنهم لا يذهبون بانتظام إلى الحانة (وترك النساء عالقات في البيت لرعاية الأطفال)، وأنهم لا يرفضون أو “يفشلون في تعلم كيفية” تغيير الحفاضات، وأنهم لا يستغلون اعتماد زوجاتهم الاقتصادي، وأنهم لا يضربون إلا خلال أوقات محددة (في الكثير من الأوقات يؤسفني قول ذلك) زوجاتهم. لكن شيلا لا تفعل ذلك، إنما تقدم حجة “منطقية”:

“إن القول إن الرجال “يفرضون” اضطهاد النساء هو اقتراح يعتبر أن النساء أنفسهن يرفضن هذا الاضطهاد. الحقيقة في المجتمع مختلفة بعض الشيء. يقبل الرجال والنساء لدرجة كبيرة بدور كل منهم وفي هذه العملية تقبل النساء أنفسهن بدورهن كزوجة وأم”. (مكغريغور- المصدر نفسه)

لمعرفة كم هي هذه الحجة غير مقنعة وميكانيكية، بكل بساطة يمكن استبدال كلمة “الرجال” بكلمة “صاحب العمل” أو “الشرطة” وكلمة “النساء” بكلمة “العمال”:

“إن القول إن أصحاب العمل/الشرطة “يفرضون” اضطهاد العمال هو إشارة إلى أن العمال أنفسهم يرفضون هذا الاضطهاد.

إن “الحقيقة في المجتمع” هي مختلفة إلى حد ما: إن نساء الطبقة العاملة، ككل العمال، لا يقبلن أو يرفضن بشكل عام اضطهادهن بالمجمل، وبدلاً من ذلك يثرْنَ ضد أشكاله الجزئية الملموسة (تسريع العمل على خط العمل، أو تخفيض الأجور، أو الاضطرار إلى جلي الصحون كل الوقت…) وأنهن عندما يؤدين دور “المنفذ” فإن أول من يواجهنه ليس الرأسمالي، الذي يكون بمنأى عن كل ذلك، إنما المشرف على العمال/ات، أو الشرطي، أو في حالة المرأة، زوجها.


تكشف بقية حجج شيلا حول هذه النقطة نفس طريقة التفكير و/أو التفكير الميكانيكية.

“تشارك النساء غير المتزوجات والنساء المتزوجات من دون أطفال بكل مساواة في القوى العاملة. إما يتفق الأزواج مع زوجاتهم على عدم التمسك بأدوارهن التقليدية في البيت أو فشلوا في رؤية الفائدة التي سيجنوها إذا فعلن ذلك”. (مكغريغور- المصدر نفسه)

على العكس، يقبل الأزواج بعمل زوجاتهم (جزئياً بسبب التحولات في الأيديولوجيا، وبشكل أساسي بسبب المكاسب التي سيجنونها للعائلة) ويتوقعون منهن الاستمرار بالقيام بالمسؤوليات الأساسية في المنزل.

“إن المحاججة في هذا السياق أن الرجال هم من ينفذون اضطهاد النساء هو الفشل في رؤية أن دور النساء يتشكل من خلال حاجات الرأسمالية وليس رجال الطبقة العاملة”. (مكغريغور- المصدر نفسه)

من جديد، إنها التعارضات الميكانيكية الخاطئة. حجتي (بكل تأكيد) أن دور النساء لا يتشكل من قبل الرجال إنما من الرأسمالية هي التي تشكل أدوار النساء والرجال وتشكلهم بطريقة تجعلهم بشكل ما متورطين إلى هذا الحد أو ذاك في فرض اضطهاد النساء. إن المحاججة بعكس ذلك هو بالضبط “الوقوع في الخطأ المثالي المتجسد بإنكار إن العلاقات الاجتماعية هي دوماً علاقات بين ناس حقيقيين” (كليف- المصدر نفسه) اعتاد إنغلز وإليانور ماركس وسواهما على القول إن “الرجل داخل العائلة هو البرجوازي، والمرأة هي البروليتاريا”. من الواضح أن التشبيه ليس دقيقاً، ولم يكن من المفترض أن يكون كذلك، ولكن بالنسبة لشيلا سيكون واضحاً أنه غير مفهوم وإلا “إنها الخطوة الأولى في الابتعاد عن التقليد الماركسي”.

دور الحزب الثوري

تقول شيلا إنني لم أكتب في مقالي بشكل واضح طرق التدخل للتغلب على الانقسامات المتحيزة جنسياً من أجل تحقيق ما هو أبعد “من بذل جهود خاصة للتعبئة والبروباغندا”. في الحقيقة، كنت أكثر وضوحاً مما شرفتني به شيلا لأنني أضفت هامشاً في المقطع الذي اقتبست منه. فشلت شيلا في ذكره، وللتوضيح أعيد كتابته هنا:

“إقرأ/ي على سبيل المثال خطاب كلارا زيتكين أمام المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية حول تنظيم العاملات. في خطابها تشدد زيتكن على [أنه] “أصبح شيء واحد واضحاً؛ نحن نطالب بأجهزة خاصة لمواصلة العمل الشيوعي لتنظيم وتعليم النساء وجعلها جزءاً من حياة الحزب… لتحقيق هدفنا، من الضروري إنشاء أجهزة حزبية، سكرتارية للنساء، أقسام نسائية، أياً كان الاسم الذي نطلقه عليها للقيام بهذا العمل”. ثم انتقلت زيتكين إلى مقارنة الوضع في الحزبين الشيوعيين البلغاري والألماني حيث توجد سكريتاريا للنساء وباتت “الحركة النسائية الشيوعية إحدى نقاط القوة في الحياة العامة للحزب” مع الوضع في الأحزاب الشيوعية في بولندا وبريطانيا “حيث رفضت القيادة أو أجّلت إقامة هيئة خاصة للتحريض الممنهج بين النساء”. (15)


لتوضيح الأمور بشكل أكبر، دعوني أذكر أنني لا أقترح إنشاء مثل هذا القسم النسائي داخل حزب العمال الاشتراكي حالياً- مستوى نضال نساء الطبقة العاملة وطبيعة الفترة لا يسمحان بذلك- ولكنني أعتقد أن مثل هذه القرارات ستكون ضرورية بالمستقبل عندما يكون مستوى النضال أعلى. كذلك، أنا لا أؤيد صدور جريدة [ثورية] خاصة بالنساء حالياً، ولكنني أعتقد أننا سنحتاج إليها عاجلاً أو آجلاً. أكرر، هذا [الجريدة، والقسم النسائي] يتوافق مع التقليد الماركسي والثوري.

ثم تتابع شيلا استخلاص “منطق” تأكيدي بأنه لا يمكن الافتراض أو التسليم بأن الحزب الثوري سيضيء بكل بساطة على مصالح العاملات.

“بصراحة، هذا يعني أن الثوريين غير قادرين على النضال من أجل تحرر النساء لأنه لا يمكن الوثوق بهم لفهم أن النضال الثوري يحتاج إلى محاربة الانقسامات الجنسية داخل الطبقة العاملة”. (المصدر نفسه)

لا أعني شيئاً من ذلك. إن القول إنه لا يمكن “الوثوق” بشخص أو حزب لفعل شيء ما “بشكل أتوماتيكي” لا يعني أنه غير قادر على القيام به. هل يمكن “الوثوق” بعمال المناجم أوتوماتيكياً ألا يكونوا ذكوريين؟ بالطبع لا! هل يمكن كسب عمال المناجم في اتخاذ موقف مناهض للتمييز الجنسي في سياق النضال (خاصة عند المناقشة معهم)؟ بالطبع يمكن ذلك! هل يمكن “الوثوق بأن العمال البيض لن يكونوا عنصريين؟ كلا، هل يمكن كسبهم لمناهضة العنصرية؟ بالطبع.

في الواقع، وجدت أن كل استعمال شيلا لمفهوم “الثقة” بما يتعلق بالحزب لأمر محير إلى هذا الحد أو ذاك. بالتأكيد لا ينبغي لأي منا التخلي عن الثقة في صوابية سياسة الحزب، سواء كان تجاه النساء أو أي أمر آخر. بالتأكيد ينبغي وجود صراع مستمر في المحاججة والنقاش وبعض الأوقات الوسائل التنظيمية لضمان تحقيق هذه الصوابية. (16) بالتأكيد أن شيلا تشارك باستمرار في مثل هذه الجهود بنفسها أو تتخذ النشاط الصحيح لأعضاء الحزب “على أساس الثقة” فقط؟

لكن ماذا عن “التشكيك” الذي تقول شيلا إنني أثرته حول التقليد الماركسي؟ أن يكون لديك موقفاً نقدياً من تقاليدنا، والاعتراف ببعض نقاط ضعفها، لا يعني التشكيك بصحتها بشكل عام. مع ذلك قلت إن “تاريخ الحركة الماركسية يظهر أن الماركسيين لديهم ميل مؤسف لـ”نسيان” مسألة المرأة”. هذا الموقف هو بالطبع أحادي لكنني ماركسي وأحاجج مع ماركسيين آخرين واعتبرت أننا على علم بإنجازاتنا الإيجابية وهي لأمر مسلم به. كما أنني ذكرتُ بعض الأمثلة. تكتب شيلا ولكنها لا تحاول التعامل مع هذه الأمثلة ما عدا تلك التي تدل على منظمتنا:

“بما خص تاريخنا، أود المحاججة أن المشكلة التي عانينا منها أنها لم ننسَ قضية تحرر النساء إنما نسينا التقليد الماركسي. لقد عانينا في الواقع من استيعاب النسوية البرجوازية الصغيرة إلى أفكارنا وإلى ممارساتنا في فترة كنا نبني مجموعات صوت النساء”. (المصدر نفسه)


الجملة الثانية هنا صحيحة من دون شك ولكن ماذا عن الأمد الطويل- 20 سنة أو أكثر- قبل صوت النساء؟ هل تعني شيلا أننا لم ننسَ أسئلة تحرر النساء في ذلك الوقت؟ إذا كان الأمر كذلك فهي بكل بساطة على خطأ. أتذكر متى أثيرت مسألة تحرر النساء لأول مرة في الاشتراكية الأممية حوالي عام 70 (وكذلك بعض ردود الفعل عليها) كان الرد عليها بكل بساطة: “نحن من أجل المساواة الحقيقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للنساء” [الجملة] التي أدرجت في الورقة التعريفية بنا. أم أن شيلا تقصد أننا نسينا التقليد الماركسي حول النساء بما في ذلك الماركسيات الداعمات لتحرر النساء؟

هذا صحيح، ولكن السؤال هو لماذا نسيناها وما الذي ذكرنا بها؟ الجواب هو أننا نسيناها لأنه لم يكن هناك حركة نسائية خارج الحزب وجرى تذكيرنا بها لأنه كما قلت في مقالي الأول: إن “النشاط الذاتي للنساء خارج الحزب تبعه نضال النساء داخل الحزب أرغم الحركة التروتسكية على مواجهة نظريتها وممارساتها”. (17) أنا أؤيد بالتأكيد ذلك لأنني أتذكر بكل وضوح السيرورة التي حصلت، ولأن ذاكرتي أكدتها ليندسي جيرمان التي كتبت عام 78:

“كان الجانب الإيجابي الأساسي للحركة النسائية في السنوات الماضية من دون شك هو إعادة إدخال النسوية إلى الاشتراكية- وإلى حد ما في الحركات النقابية… إن الأفكار المتغيرة حول النساء يعني أن عدداً قليلاً جداً من النساء داخل المنظمة يقبلن الدور الخاضع القديم والذي كان سائداً حتى 3 أو 4 سنوات مضت”. (18)

في الواقع، أحد الأسباب التي دفعتنا إلى استيعاب قدر كبير من الحركة النسوية البرجوازية الصغيرة هو بالتحديد لأن لا أعضائنا ولا قادتنا كان لديهم موقف ماركسي جيد حول هذه المسألة. عبثاً نبحث عن أي مقال جوهري عن تحرر النساء في أعداد الاشتراكية الأممية قبل بداية السبعينيات، ولم ينشر إلا مع ورقة ليندسي جيرمان عن نظريات البطريركية حتى عام 81، وعام 84 (بعد 15 سنة من ولادة الحركة النسائية في بريطانيا) صدر كتاب كليف ومقال هارمان الأساسي. ومن هنا إن الحالة هي أنه “حتى أكثر الرجال ثورية ليسوا مستثنين من الفوائد القصيرة الأمد التي يجنيها الرجال من اضطهاد النساء” وأنه “كما يجب على العاملات اتخاذ زمام المبادرة لإبراز الجانب النسائي للصراع الطبقي لذلك على النساء الثوريات اتخاذ زمام المبادرة داخل الحزب الثوري”. (19)

البطريركية وحركة تحرر النساء

حجة شيلا الأخيرة هي أن موقفي هو النهاية المفضية إلى نظرية البطريركية والنسوية والانفصالية وأخواتهن. لإثبات ذلك، تنتقل خطوة تلو الخطوة بالقول إن فكرة أن رجال الطبقة العاملة يستفيدون من اضطهاد النساء مرتبطة “بنظرية النظام الأبوي”، وبحجج شيلا روبوثام (الباكرة والأخيرة)، وبأهوال “السياسة النسوية” و”تمجيد الأمومة في غرينهام كومون“. هي تقول بشكلٍ ما إن هذه هي “نتائج” موقفي.

إذاً اسمحوا لي للتاريخ (من جديد!) بالتصريح بالتالي: 1) أنني أعتقد أن الماركسية هي النظرية الوحيدة القادرة على تفسير ومحاربة اضطهاد النساء بشكل دائم، 2) إن تحرير النساء لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الثورة الاشتراكية، 3) أن النضال الطبقي يتطلب الوحدة بين العمال والعاملات، 4) وهذا بدوره يتطلب حزباً ثورياً موحداً.


بطبيعة الحال، هذا لن يرضي شيلا. ستقول إن هذا قد يكون ما أنوي فعله ولكن لن يكون حيث تقود أفكاري. ما فشلت في رؤيته هو الاختلاف الأساسي بين موقفي وموقف كل المنظرين/ات حول نظرية البطريركية عندما حاولت ربطي بهم/ن. النظرية الأخيرة تعتبر الانقسام بين الرجال والنساء هو إما تجاوز للانقسامات الطبقية، أو بذات أهمية الانقسامات الطبقية، أو مواز للانقسامات الطبقية. في حين، أنني صرحتُ بشكل لا غموض فيه أن الانقسامات الطبقية هي الانقسامات الأساسية في المجتمع وأتعامل مع الانقسام بين الرجال والنساء على أنه ناتج عن الصراع الطبقي. أقارب مسألة “استفادة الرجال” بشكل حصري كعقبة يجب التغلب عليها في النضال من أجل الوحدة الطبقية ضد البرجوازية (رجالاً ونساءً). لم أقترح ولو تلميحاً إلى انشاء تحالف عابر للطبقات يضم كل النساء ضد كل الرجال.

لكن شيلا تستمر- “أنت تقول إن رجال الطبقة العاملة يستفيدون، فيقولون إن رجال الطبقة العاملة يستفيدون”. طبعاً بهذه الطريقة يمكنك “إثبات” أن أي شيء يؤدي إلى أي شيء. ألا “يؤدي” مجرد ذكر مسألة اضطهاد النساء إلى “الانفصالية”؟ ألا تؤدي الإشارة إلى العنصرية واضطهاد السود إلى خطر القومية السوداء؟ ألم يخلق تحليل لينين عن الإمبريالية وحق الشعوب في تقرير مصيرها قومية عالم ثالثية، وهكذا دواليك؟ ولكن بعد ذلك، كما أشار لينين “أي حقيقة… إذا كان مبالغ فيها، أو تجاوزت حدود قابليتها للتطبيق العملي يمكن اختزالها إلى مسألة عبثية”. (20)

يبدو لي أنه بمنطق متساوٍ يمكن للمرء المجادلة في أن “منطق” شيلا هو تقليل أو حتى إنكار حقيقة اضطهاد النساء بشكل تام. إن التزام شيلا بتحرير النساء جاد جداً بحيث لا يسمح بحصول ذلك. مع ذلك أود المحاججة بأن نتيجة حجج شيلا، أي إنكار حقيقة ما تختبره نساء الطبقة العاملة في حياتهن اليومية، هي في الواقع لصد الراديكاليات داخل الحزب العمال الاشتراكي وتقوية نسوية البرجوازية الصغيرة، ليس داخل إنما خارج الحزب.

لكن في التحليل الأخير، لم تعفنا أي من هذه الحجج حول وجوب تحديد نتائج ما يحصل. والـ”ما يحصل” في هذه الحالة هو أن نساء الطبقة العاملة يعانين من اضطهاد إضافي أو خاص بالإضافة إلى الاضطهاد الذي يعانيه من رجال الطبقة العاملة، ورجال الطبقة العاملة يحصلون فعلياً على فائدة محدودة وفورية منه لناحية التحرر من عبء العمل المنزلي ورعاية الأولاد.

هذا لا يعني أن هذه هي القصة الكاملة، لأنه مقابل مصلحة العمال في ديمومة اضطهاد النساء هناك كذلك عامل قوي، وعلى المدى الطويل هو أكثر قوة، يعمل على توحيد العمال والعاملات على معارضة اضطهاد النساء، والذي هو مصلحتهم الطبقية المشتركة. لكن هذا الجانب من الاشتراكية سيكون دوماً متوتراً بين عامل الانقسام المباشر (الذي يعززه التمييز الجنسي البرجوازي) والعامل الطبقي التوحيدي (الذي يناضل من أجله الاشتراكيون). هذا التوتر يمكن التغلب عليه فقط في سياق النضال- النضال ضد الرأسمالية والنضال ضمن الطبقة العاملة ضد التمييز الجنسي. (21) الأخيران ليسا نضالين منفصلين إنما جانبين من نفس النضال، ولا يمكن الفوز بأي منهما، في نهاية الأمر، من دون انتصار الآخر.


الهوامش:

1. كريس هارمان، تحرير النساء والاشتراكية الثورية. في هذا الكتيب يتبع هارمان الحجة السابقة لليندساي جيرمان أنه “حتى في مثل هذا الوضع (حيث تعمل النساء بدوام كامل وتدير المنزل كذلك) من المشكوك فيه أن تزيد منافع الأزواج عن كونها منافع هامشية”. Theories of Patriarchy, International Socialism 2:12.

2. كان السؤال الحاسم هنا (كما حاجج كريس) “العمل المخصص للأطفال هو شيء توفره الزوجة للنظام وليس للزوج” (هارمان- المصدر نفسه) أو كما (حاججتُ) “هي تنتج الجيل المقبل من قوة العمل للنظام وتقوم بشيء لزوجها من خلال إعفائه من ضرورة القيام بحصته من هذا العمل” (مولينو، المصدر نفسه). حول هذه النقطة، لا تجيب شيلا على حججي إلا أنها تصر على أن “جون يخطئ في إظهار أن الزوجة داخل العائلة تقوم بخدمة شخصية لزوجها، ولأن الزوجات يؤدين واجباتهن نيابة عن الرأسمالية”. ولكن كيف يمكن تقسيم هذه الشخصية المزدوجة لعمل النساء إلى “مظهر” و”واقع”؟ عندما تطبخ الزوجة وجبة لزوجها، فإنها تقوم فعلياً بتحديث قوة عمله حتى يستغله الرأسمال ولكنها تبقيه كذلك على قيد الحياة. أم أن شيلا تقترح أن ذلك هو مجرد خدعة رأسمالية يجب أن يتبناها العمال؟ يوضح ماركس في كتاب رأس المال أنه في ظل الرأسمالية، تتمتع كل السلع (والعمل الذي ينتجها) بطابع مزدوج: لديها قيمة تبادلية وقيمة استعمالية. بالطبع لا يذكر [ماركس] اقتراحاً غريباً بأن القيمة التبادلية للسلع “حقيقية” في حين قيمة استعمالها ليست سوى مسألة “مظهر”.

3. Eamonn McCann, After 5 October 1968, International Socialism 1:51, pp. 10 & 11.

4. Marx-Engels, Selected Correspondence, Moscow 1965, p. 110. قد تتساءل شيلا عن كلمة “مبرر” انطلاقاً من التفسيرات التي تضعها على بعض حججي . ماذا! هل يدعم إنغلز فكرة أن تصبح البروليتاريا برجوازية! وبالتالي ينتج عن ذلك تخلي الطبقة العاملة عن هدف الثورة الاشتراكية إلخ، إلخ. من الواضح أن ما يقصده إنغلز هو أن ظاهرة قبول البروليتاريا بالأفكار البرجوازية محددة مادياً.

5. Ibid., p. 351.

6. في مقدمة كتابه عن ظروف الطبقة العاملة في إنكلترا عام 1844. استعمل إنغلز في الواقع الكلمة المخيفة “منفعة”، مشيراً إلى أن “أقلية صغيرة محظية بالامتيازات [من الطبقة العاملة] استفادت” بشكل دائم من التوسع الصناعي بين عامي 1848 إلى 1886.

7. Lenin, Speeches at the Congresses of the Communist International, Moscow 1972, pp. 45–6.

8. Lukacs, Lenin, London 1970.


9. T. Cliff, Neither Washington nor Moscow, London 1982, p. 116.

10. Molyneux, op. cit., p. 120.

11. Marx, The Poverty of Philosophy, in Karl Marx, Selected Writings, Oxford 1978, pp. 213–4. يعود ماركس إلى هذه الفكرة في البيان الشيوعي، حيث كتب “هذا التنظيم للبروليتاريين في طبقة… يعتلّ باستمرار بسبب المنافسة بين العمال أنفسهم”، وتجدر الإشارة، في المقطع الذي استشهدت فيه شيلا ويتحدث فيه عن العمال الإنكليز: “يعتبر العامل الانكليزي أن العامل الإيرلندي منافساً يقلل من مستوى حياته”.

12. Lenin, Speech to Second Congress of the Comintern, in J. Degras, The Communist International 1919–1943, London 1971, Vol. I, p. 43.

13. لا أتفق مع تشديد شيلا على أن “اضطهاد النساء لا يتضمن التقسيم غير المتكافئ للعمل في المنزل إنما تقسيم العمل بين نقطة الانتاج والبيت”. (المصدر نفسه) هذا التقسيم ليس مطلقاً ولم يكن “نموذجياً” إلا في مرحلة واحدة من التطور الرأسمالي. أكثر من ذلك، لطالما كان هناك تقسيم (قمعي) للعمل في العمل المأجور مع الرجال حيث يوظف الرجال في وظائف معينة ذات أجر أعلى وتوظف النساء في وظائف أخرى ذات أجر أدنى، والتقسيم (القمعي من جديد) للعمل داخل البيت. ركزت في مقالي الأول على الفوائد التي يحصل عليها الرجال من العمل الأخير ولكن هذا هو الحال كذلك أن العمال ينالون فائدة معينة (قصيرة المدى، وفورية…) من واقع التمييز الذي تتعرض له النساء في المنافسة على فرص العمل في الوظائف ذات الدخل الأعلى.

14. ينبغي التشديد على أنني لا أقول إن العلاقة بين الرجال والنساء هي نفسها بين العامل اليهودي والعربي أو بين الأبيض والأسود في جنوب أفريقيا (من الواضح أن عوامل الوحدة هي أكبر بكثير) وحدها النقطة المنهجية هي نفسها.

15. Molyneux, op. cit., p. 122.

16. في كتيب الحزب والطبقة، يذهب كريس هارمان إلى حد “أن تقتصر العضوية (الحزبية) بأولئك الراغبين في تثمين، جدياً وعلمياً، نشاطهم وأنشطة الحزب بشكل عام”.

17. Molyneux, op. cit., p 123.

18. L. German, The Women’s Movement and the Left, SWP International Discussion Bulletin, No. 9. تنكر ليندسي الآن، وعن حق، الكثير من هذه المقالة ولكن الوقائع التي سجلتها فيها ما زالت حقائق.


19. Molyneux, op. cit., p. 121.

20. Cited in Lukacs, Lenin, op. cit., p. 96.

21. كان هذا النضال المزدوج تحديداً هو الذي خاضه إضراب عمال المناجم. خلق الإضراب ظروفاً مناسبة للتغلب على التمييز الجنسي ولكن ما زالت المسألة تتطلب المزيد من النضال السياسي. يتذكر الرفاق، على سبيل المثال، التحيز الجنسي الوافر في مظاهرة مانسفيلد والحجج الكثيرة التي تلت ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا


.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال




.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل


.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو




.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي