الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توثيق مسرح الجريمة في التحقيق الجنائي: (1) التوثيق بالكتابة

رفعت احمد علي

2023 / 2 / 11
دراسات وابحاث قانونية


مقدمة:

يعد توثيق مسرح الجريمة في التحقيق الجنائي من اهم الإجراءات التي يجب ان يقوم بها ضباط التحقيق او المحققون الجنائيون عند التحقيق في جريمة ما و ذلك بسبب صعوبة المحافظة على مسرح الجريمة دون عبث بمحتوياته لفترة طويلة. و توثيق مسرح الجريمة سوف يتم تناوله في هذا المقال و الذي هو سلسلة من المقالات سوف يتم نشرها تتناول الطرق التي يمكن من خلالها الاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة و المهمة لمسرح الجريمة. و يمكن ان نقول ان اول ما تقع عليه اعين الجهات التحقيقية او القضائية عند تقييم الوقائع الجنائية المعروضة عليها و كذلك عند مناقشة ضابط التحقيق هو التسلسل الدقيق للأدلة المادية التي تم ضبطها و مدى ارتباط كل دليل بمفرده بالجريمة موضوع التحقيق حيث ان في ذلك الدليل الواضح او تأكيد على مدى مصداقية و دقة و موضوعية ما قام به من توثيق للتفاصيل ولمحتويات مسرح الجريمة والتي ساعدته في التوصل الى فهم ظروف و كيفية وقوع الجريمة و تفسير الحقائق تفسيرا صحيحا و منطقيا لتحقيق العدالة، و سوف نتعرف في هذا المقال على تعريف توثيق مسرح الجريمة في التحقيق الجنائي، وطريقة توثيق مسرح الجريمة بالكتابة على اعتبار انه اول مرحلة من مراحل توثيق مسرح الجريمة و التي يمكن الاعتماد عليها في وصف الاثار و الادلة المادية و تحديدها، و في إنعاش ذاكرة ضابط التحقيق بالجريمة عند الادلاء بشهادته امام المحكمة حيث يمكن الإشارة الى التفاصيل الموثقة وقتها و الى الإجراءات المتخذة في الجريمة التي وقعت وفي الختام سوف نتعرف على مزايا و عيوب هذه الطريقة.

تعريف توثيق مسرح الجريمة في التحقيق الجنائي:

يمكن تعريف توثيق مسرح الجريمة على انه المصدر الاول لأي محقق جنائي، بل هو الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها المحققون الجنائيون في حفظ التفاصيل و الجزئيات من خلال عدة مراحل و هي الكتابة و التصوير الفوتغرافي و التسجيل الفيديوي والتسجيل الصوتي و الرسم الكروكي او المخططات، فتوثيق مسرح الجريمة هو وصف ثابت لجريمة ما بزمانها (عقب ارتكاب الجريمة وعلم السلطات بها مباشرة) و مكانها (مكان الجريمة و الأماكن المحيطة او المجاورة او المتصلة بها ذات الصلة) و أشخاصها (الضحايا، الشهود) و أدواتها (الادلة المادية الظاهرة و المخفية) بما يحفظ تفاصيل الجريمة و يحميها من عوامل التغيير و الزيادة و النقص التي قد تطرأ نتيجة لعدم التصرف بعناية و مهنية مع الادلة المادية في مسرح الجريمة او نتيجة لتبدل شهادات الشهود و تأويلات المتواجدين قرب مسرح الجريمة و تحريفاتهم اما قصدا نتيجة خوف او خطر يتعلق بالإدلاء بالشهادة او بدون قصد نتيجة الجهل او النسيان الذي هو من طبيعة النفس البشرية.

توثيق مسرح الجريمة بالكتابة:

بالرغم من التطور الهائل في وسائل التوثيق الرقمية و دخولها في مجال علم الجريمة و مهنة العمل الشرطي و ظهور ما يعرف بثورة التطبيقات الالكترونية الذكية، الا ،حسب اعتقادي، ان وسائل التوثيق التقليدية المتمثلة بالكتابة القلمية او الورقية لا يمكن الاستغناء عنها في توثيق مسرح الجريمة بأي شكل من الأشكال بأعتبارها تعزز القدرة على تحليل محتواها عند الرجوع اليها، فهي بذلك لا تقتصر فقط على جمع و استذكار التفاصيل، بل تتعدى ذلك لتشمل التحليل و الفهم و الإدراك و التي سوف تستخدم في إعداد التقرير النهائي عن الجريمة موضع التحقيق. و تتطلب عملية اجراء توثيق بالكتابة دقيق لمسرح الجريمة و محتوياته ان يقوم اولا ضابط التحقيق بأخذ فكرة مبدئية عن الجريمة عن طريق التجوال لمعاينة مسرح الجريمة وكل ما يتعلق بها من أشياء و اشخاص و إثبات حالة كل من مكان الجريمة وشخص المتهم والمجني عليه والأشياء التي لها علاقة بالجريمة التي وقعت، و من الهام عليه توخى الحذر والتحرك ببطء و بعناية معقولة لتحديد أماكن الادلة المادية و لتمييز القرائن الهامة التي يجب التركيز عليها اكثر من غيرها و لتحديد نوعية الادلة التي يجب البحث عنها و المحافظة عليها، و بعدها يتوجه نحو اخذ اكبر كم من التفاصيل الهامة و الملاحظات عن هذه القرائن و الادلة قبل رفعها او طمس معالمها او تغيير حالتها . و هو ما يتطلب التركيز و ملاحظة ادق و اهم التفاصيل مهما كانت بسيطة، بحيث يجب ان لا يترك اي شيء مهما بدا بسيط او تافه دون ان يحدد نوعه و درجة أهميته و علاقته بالجريمة. بالتالي لو أراد ضابط التحقيق أن يركز و يلاحظ كل ما موجود من حوله، عليه إذاً أن يتجنب القيام بالعديد من الأشياء في وقت واحد، كالحديث على الهاتف، التدخين، تناول الطعام، او الحديث المتواصل مع العاملين في موقع الجريمة وغيرها من العوامل التي تفقد القدرة على التركيز اثناء اجراء عملية التوثيق. و لابد لي هنا من الإشارة الى ان مرحلة توثيق مسرح الجريمة بالكتابة تشترط توثيق ما يراه ضابط التحقيق و ليس ما يعتقد فهي ليست المكان الملائم لطرح انطباعه الشخصي عن الجريمة او لإبداء استنتاجه او لإجراء تحليل لما حدث، لذا على ضابط التحقيق ان يفرق بين تحليل و تقييم و تفسير ما حدث و توثيق الحقائق او ما موجود على الارض فقط. و من المتعارف عليه عند اهل التحقيق ان التوثيق بالكتابة يجب ان يتبلور في النهاية في صورة وصفية وفقا لما رأه ضابط التحقيق عندما اجرى جولته المبدئية متضمنا توصيفا كاملا لمسرح الجريمة اذ يجب ان تكون محتوياته في شكل فقرات بناء على التفاصيل والحقائق التي جمعها و يجب ان يجعل كل فقرة واضحة قدر الإمكان لان ذكر التفاصيل البسيطة او الجزئيات هو ما يجعل الحقيقة واضحة و بالتالي سيعطي التوثيق مصداقية. وقد يختلف توثيق مسرح الجريمة بالكتابة من بلد الى اخر (و في البلد ذاته)، و نظرا لان التوثيق يختلف كثيرا من بلد الى اخر، لذا يفضل تقسيمه الى خمسة فقرات وفقا لغرض التوثيق:

1. الخلاصة: و هي عبارة عن لمحة موجزة عن الجريمة و كيفية الشروع بالتحقيق فيها، و يجب ان تتصف هذه الخلاصة بالشمول او التكثيف، بمعنى ضغط او كبس اكبر كمية من التفاصيل في فراغ قصير و ذلك لكي يتسطيع ضابط التحقيق اعطاء فكرة عامة الى المستويات التي يهمها الاطلاع على الجريمة التي يقوم التحقيق فيها او حتى إعطاء فكرة عن جميع المعلومات الموجودة عن مسرح الجريمة من وقت و تاريخ الابلاغ عن الجريمة، وقت الوصول الى مسرح الجريمة، نوع الجريمة، مكان مسرح الجريمة، وصف داخلي و خارجي لمسرح الجريمة، وصف المنطقة الذي يقع فيها مسرح الجريمة، الحالة الجوية و درجة الرؤية والإضاءة خلال عملية البحث في مسرح الجريمة . و بهذا تستطيع الجهات القضائية التأكد من الفعل الإجرامي، معرفة نوع الجريمة، معرفة ظروف الجريمة، معرفة الجهات الرسمية و غير الرسمية التي استعان بها ضابط التحقيق في عمله للوصول الى الحقيقة.

2. وصف مسرح الجريمة: و هذا القسم اشبه ما يكون ببدء سرد قصة من بدايتها و هذا يتضمن كتابة وصف تفصيلي لمسرح الجريمة و حسب ما شاهده ضابط التحقيق حال وصوله اليه. و هذا يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، مكان الضحية، أوصاف الضحية، مكان و نوع و حجم واتجاه كل دليل، و المسافة بين دليل واخر . و هذا الوصف يشمل ايضا اي شيء خارج عن المألوف او في غير محله (شهود، عجلات، اشخاص متفرقة، الخ). و يفضل ان تتم الكتابة بصياغة لغوية واضحة و سليمة بعيدا عن الأخطاء الإملائية لكي يتمكن ضابط التحقيق في النهاية من اعادة سرد تفاصيل معينة او توضيح إجراءات معينة اتخذت اثناء اجراء الكشف و المعاينة على مسرح الجريمة.

3. التعامل مع مسرح الجريمة: يتناول هذا القسم معلومات مُفصلة عن جميع الأنشطة التي تجري في مسرح الجريمة و المتعلقة برصد و استخراج ما يحتويه مسرح الجريمة من ادلة و اثار مادية. و هذا يتضمن التحرك داخل مسرح الجريمة ذهابا و ايابا من الداخل الى الخارج و بالعكس (حسب نوعية الجريمة و نوع و مساحة مسرح الجريمة) حيث يتم توثيق كل دليل و بمجرد ملاحظته او العثور عليه و بتسلسل زمني و عناية لكي يكون هناك تسلسل منطقي للأحداث و لضمان إمكانية تعقب الادلة و استمراريتها فهذا السبب او الامر يجهله البعض، كما يتجاهله اخرون، على الرغم من أهميته في فهم و ربط المعطيات الجنائية ببعضها و مطابقتها مع الواقع وكافة التفاصيل الاخرى للوصول الى تصور و فهم حقيقي للجريمة. ويتوقف الوصول إلى ما ذكر والإحاطة به على مدى جدية وحرص ودقة ضابط التحقيق و فريق خبراء مسرح الجريمة في التعامل مع الادلة و الاثار المادية الموجودة في مسرح الجريمة.

4. رفع و جمع الادلة: و هذا القسم يختص بذكر تفاصيل انواع الادلة التي تم رفعها من مسرح الجريمة مع ذكر الأماكن التي رفع الادلة منها و الى اي قسم من الادلة الجنائية تم إرسالها لغرض الفحص و التحليل.
و يجب ذكر ايضا انه قد يقوم فريق خبراء مسرح الجريمة-في بعض الأحيان -برفع الادلة و الاثار المادية بسرعة كلما أمكن ذلك لغرض المحافظة عليها عندما يكون الدليل او الأثر المادي هش او عرضة للطمس و التغيير حيث يتوجب على ضابط التحقيق توثيق ذلك ايضا. و في جميع الأحوال و الظروف يفضل ذكر اسم الخبير الجنائي الذي قام برفع الدليل و آلية رفع الدليل و وسيلة حفظ الدليل. كما يجب ذكر تفاصيل عن اعوان ضابط التحقيق الفعليون و الفنيون الذين استعان بهم خلال مرحلة رفع و جمع الادلة من مسرح الجريمة مع ذكر الواجبات التي قام بها كل واحد منهم.

5. أمور اخرى: و هذا القسم يكون مخصص لأي إجراءات سوف يتم اتخاذها او الحاجة لإكمالها في وقت لاحق من مراحل عملية الكشف و المعاينة لمسرح الجريمة.

مزايا توثيق مسرح الجريمة بالكتابة:

يتصف توثيق مسرح الجريمة بالكتابة بمجموعة من المزايا التي تُفرّده عن غيره من الطرق المتبعة في توثيق مسرح الجريمة الأخرى، و من اهم هذه المزايا ما يلي:

1. يساعد على توثيق ما لا يمكن توثيقه بالتصوير الفوتغرافي او الفيديوي او بالمخططات و الرسوم.
2. يستطيع ضابط التحقيق/ المحقق الجنائي من خلال هذه الطريقة ان يتذكر محتوى مسرح الجريمة و تفاصيل الادلة المادية للجريمة قيد التحقيق.
3. رخص تكلفة هذه الطريقة من الناحية المادية مقارنة باجهزة الحاسوب و اجهزة التصوير الرقمية و التي تحتاج الى تكلفة باهظة لشرائها و صيانتها و تحديثها كل فترة مما يشكل عبئا ماديا على المؤسسة الشرطية التي تجري التحقيق فيها.
4. لا يتطلب كثيرا من التحضير لاستخدامه اي انه متاح حيثما يكون ضابط التحقيق/المحقق الجنائي مما يجعل لهذه الطريقة دور حاسم الأهمية في مسالة التوثيق المبكر لمسرح الجريمة و أدلته حيث يمكن استخدامه في اي وقت و في اي مكان بسهولة و بسرعة في الظروف الغير مثالية حين لا يكون مصورو او رسامو مسارح الجرائم المهرة متاحين او في الحالات التي لا يتوقع فيها وجود او وصول وسائل التوثيق الاخرى.
5. سهولة استخدامه مقارنة بالطرق الأخرى ، فضابط التحقيق/ المحقق الجنائي لا يحتاج إلا لقلم و بضع أوراق.

عيوب توثيق مسرح الجريمة بالكتابة:

لتوثيق مسرح الجريمة بالكتابة كثيرا من العيوب، ابرزها:

1. لا تصلح هذه الطريقة مع ضباط التحقيق/ المحققين الجنائين الذين يكونون غير قادرين على التعامل بجدية وحماس و مهنية مع كل ما يشاهدونه خلال اجراء المعاينة و الكشف.
2. تساعد هذه الطريقة على ترسيخ بعض الأخطاء و التي قد لا يتنبه لها ضابط التحقيق/ المحقق الجنائي اثناء عملية التوثيق مثل طرح استنتاج او تحليل ضابط التحقيق/المحقق الجنائي للجريمة و تضمينه مع الوقائع جنائية الموجودة في مسرح الجريمة.
3. ربما تؤدي هذه الطريقة الى معلومات و تفاصيل غير دقيقة من خلال غياب التعاون بين ضابط التحقيق/ المحقق الجنائي و خبراء مسرح الجريمة.
4. ربما تؤدي هذه الطريقة الى الملل و السأم بالاضافة الى الشرود الذهني الذي قد يصاحب ضابط التحقيق/ المحقق الجنائي خلال اجراء المعاينة و الكشف.
5. لا تصلح هذه الطريقة مع ضباط التحقيق/المحققين الجنائيين الذين يمليون الى الاعتماد على كتابة رؤوس اقلام او الذين لديهم ضعف في المهارات و القدرات الكتابية.
6. عملية التوثيق من خلال هذه الطريقة تحتاج الى الكثير من الوقت و الجهد.

الخاتمة:
توثيق مسرح الجريمة بالكتابة هو نوع من انواع طرق توثيق مسرح الجريمة فهو من اقدم و ابسط الطرق التي تستخدم في فهم الجريمة و كشف الحقيقة. كما و يهدف التوثيق بالكتابة الى توثيق كافة الأنشطة الجنائية التي تجري داخل مسرح الجريمة التي يقوم بها العاملون في مسرح الجريمة. و في نهاية الامر فان غاية التوثيق بالكتابة الكبرى هي توثيق جميع الاثار و الادلة و الاشياء الموجودة في مسرح الجريمة مهما بدت بسيطة او تافهه او عديمة الأهمية و الانتقال بالوقائع الجنائية في مسرح الجريمة من العموميات الى الجزئيات من خلال توثيق ما لا يمكن توثيقه او وصفه بالوسائل الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #


.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا




.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3