الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبش الذاكرة بكر دراج

رائد الحواري

2023 / 2 / 12
أوراق كتبت في وعن السجن


نبش الذاكرة
بكر دراج
الذاكرة الفلسطينية ذاكرة خصبة، فزخم في الأحداث التي مر بها الفلسطيني ـ إن كان على المستوى الشخصي، أم على المستوى الوطني والعربي، يجعل ذاكرته حية/متيقظة/مستنفرة/حافظة لما مرت به.
وبما أن الألم هو الطاغي في تلك الأحداث، فإن ما يقدمه كاتب السيرة/المذكرات يحمل ما تختزنه ذاكرته من ألم/قسوة، ولكن، الأدب غير (الحكي) فهناك شروط وأدوات وأساليب لا بد أن تتبع ليكون ما يُقدم مقبولا/مستصاغا من قبل المتلقي.
من مهام الأدب تقديم فكرة/موضوع/أحداث بصورة أدبية، توصل ما يريد تقديمه، وأيضا تمتع المتلقي، أو لا تسبب له الألم قدر المستطاع، في "نبش الذاكرة" اختصر "بكر دارج" الحديث كثيرا عن الألم، وقدم تجربته في الأسر بصورة هادئة، بحيث أوصل فكرة الظلم الذي يمارسه المحتل على الفلسطيني، وبين الوحشية التي يُعامله بها، فهذا ما يعطي المذكرات قيمة معرفية وقيمة أدبية، فيجد القارئ أسلوب هادئ وناعم في تقديم مادة/موضوع قاسي.
التحقيق
سنحاول التوقف قليلا عند بعض المحطات التي تناولها "بكر دراج" في مذكراته، نبدأ بالتحقيق الذي تجنب التوغل فيه مكتفيا ببعض ما تعرض له: " ...وصار يستخدم رجله للضغط على بطني، ضانا منه بحركاته هذه يستطيع إخافتي وكسر عزيمتي في الصمود" ص28، نلاحظ أن الكاتب يجمع حالتين، حالة التعذيب، وحالته النفسية وإرادته في الصمود وعدم الخضوع لضابط الاحتلال، وهذه المزج بين الألم والصمود يخفف على المتلقي ويجعله (يستخف) بإجراءات التحقيق وأساليب التعذيب التي يمارسها بحق الفلسطيني.
ويطلعنا على مستندات الإدانة التي يستخدمها الاحتلال لمحاكمة الأسرى: "...اعتراف واحد ضدك يوجب لك الأسر حتى لو لم تعترف أنت" ص29، هذا الفقرة تبين لنا حجم الظلم الواقع على الفلسطيني، وكيف أن الاحتلال لا يراعي أسس المحاكمة كما يدعي، وهذا يأخذنا إلى طبيعة محاكم الاحتلال العنصرية وما فيها من خداع وكذب.
المكان
دائما السجن، الزنزانة مكان قاسي على الإنسان، فيما بالنا عندما يكون هذا السجن/الزنزانة تابعة للاحتلال؟: "لم تكن الزنزانة الانفرادية أقل شدة من ساعات التحقيق الطويلة، فعند الملل من الزنزانة كنت أتمنى أن يأتي الشرطي ويأخذني إلى مكتب التحقيق، على الأقل تجد من تتحدث معه" ص29، هذا الكلام المختزل يبين حجم الضيق/القسوة التي تُحدثها الزنزانة على الأسير، فرغم شد التعذيب وما يسببه من ألم جسدي ونفسي على الأسير، إلا أن الزنزانة أكثر قسوة مما يتعرض له على يد المحقق، وبهذا يكون المكان/الزنزانة عامل تعذيب وضغط على الأسير كحال المحقق والتعذيب.
ويضيف واصفا المكان بقوله: "ثلاثة عشرة يوما صعودا ونزولا، لم أعرف من معالم الطريق إلى غرفة لتحقيق شيئا إلا وجه الشرطي الذي كان يقودني من الزنزانة إلى مكتب التحقيق، في تلك اللحظات كانت الأفكار والأسئلة تتبعثر في رأسي كما تنثر العواصف أوراق شجرة سقطت في فصل الخريف، فلا اعلم كم يستمر التحقيق أو المكوث في زنزانة انفرادية لا حياة فيها" ص30، نلاحظ أن الكاتب يستعيض عن الإرادة بالحديث عن صورة خريفية، وكأنه بها يريد الإشارة إلى ما يمر به من ضغط وشدة، ولكنه لا يريد أن يتعب المتلقي بوصل الألم الذي مر به، فجاءت الصورة الأدبية كوسيلة لإيصال الفكرة، وأيضا لتخفف على القارئ شيئا من قسوة الحدث.
أما عن المرض فيقول: "...الألم والمرض في السجن كشوكة في مكان حساس في الجسم، على الأسير الصبر والتحمل، فالإرادة ليست إسعافا يأتيك حال الاتصال به" ص46، الجميل في هذا المقطع أنسنة الإرادة وجعلها تتحرك وتتصرف كحال البشر، ففكرة الألم حاضرة، لكن جمالية التقديم خففت على المتلقي تلك القسوة، وهذا ما يحسب للكاتب الذي أحسن استخدام الحديث عن الألم.
المواجهة
الأسير لا يستسلم لرغبات وقرارات الاحتلال، لهذا نجده يقاوم السجان ويرفض إجراءاته القاسية: وهذا يستدعي التحضير لمعركة بين الأسرى وجنود الاحتلال: "استعد الأسرى لهذه الخطوة الاحتجاجية العنيفة بلبس الأحذية والبساطير، وتحضير ما يتوفر من بيض ومعلبات غذائية وبقايا خضار وفواكه، فهيب بديلة السلاح والحجارة لمواجهة إدارة السجن... وحضروا البصل ومعجون الأسنان، حيث أن لهما أثرا ـ ولو كان بسيطا ـ في تخفيف أثر الغاز المسيل للدموع" ص54، اعتقد أن هذا المشهد كاف لإيصال فكرة المواجهة للمتلقي، وكافية لإيصال التباين بين قوة المتحاربين، الأسرى وقوات الاحتلال، وهذا ما يجعل القارئ ينحاز لجهة الأضعف/المظلمة، ويقف ضد الجهة الظالمة والمعتدية.
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور


.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة




.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •


.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ




.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع